اكتشاف الطاقات وتوظيفها..صناعة الابداع
علي القحطاني
خصائص المبدعين:
ثمة خصائص كثيرة يذكرها باحثو الإبداع، غير أن من أهمها ما يلي:
1 ـ الخصائص العقلية:
أ ـ الحساسية في تلمُّس المشكلات: يمتاز المبدع بأنه يدرك المشكلات في المواقف المختلفة أكثر من غيره؛ فقد يتلمس أكثر من مشكلة تلح على بحث عن حل لها، في حين يرى الآخرون أن (كل شيء على ما يرام)، أو يتلمسون مشكلة دون الأخريات.
ب ـ الطلاقة: وتتمثل في القدرة على استدعاء أكبر عدد ممكن من الأفكار في فترة زمنية قصيرة نسبياً، وبازدياد تلك القدرة يزداد الإبداع، وتنمو شجرته، وهذه الطلاقة تنتظم:
ـ الطلاقة الفكرية: سرعة إنتاج وبلورة عدد كبير من الأفكار، (اذكر كل الاستخدامات الممكنة لكوب الشاي).
ـ طلاقة الكلمات: سرعة إنتاج الكلمات والوحدات التعبيرية واستحضارها بصورة تدعم التفكير. (اذكر أكبر عدد من الكلمات التي تبدأ بحرف الصاد).
ـ طلاقة التعبير: سهولة التعبير عن الأفكار، وصياغتها في قالب مفهوم.
ج ـ المرونة: وتعني القدرة على تغيير زوايا التفكير (من الأعلى إلى الأسفل والعكس، ومن اليمين إلى اليسار والعكس، ومن الداخل إلى الخارج والعكس، وهكذا) من أجل توليد الأفكار عبر التخلص من (القيود الذهنية المتوهمة) (المرونة التلقائية)، أو من خلال إعادة بناء أجزاء المشكلة (المرونة التكيّفية) مثال: الإمساك بطير وقع في حفرة عميقة.
د ـ الأصالـة: وتعنـي القـدرة على إنتـاج الأفـكـار الجديـدة ـ على منتجها ـ وغير المكررة؛ فهي (أي الأصالة) تقاس بقيمة الأفكار لا بعددها، بشرط كونها مفيدة وعملية.
هذه الخصائص الأربع حددها (جلفورد)، وتشكل هذه الخصائص بمجموعها ما يسمى بالتفكير المنطلق (المتشعب)، وهو استنتاج حلول متعددة قد تكون صحيحة من معلومات معينة، وهذا اللون من التفكير يستخدمه المبدع أكثر من التفكير المحدد (التقاربي)، وهو استنتاج حل واحد صحيح من معلومات معينة.
هـ ـ الذكاء: أثبت العديد من الدراسات أن الذكاء المرتفع ليس شرطاً للإبداع، وإنما يكفي الذكاء العادي لإنتاج الإبداع.
وزادت بعض الدراسات العربية: الاحتفاظ بالاتجاه، وتعني القدرة على التركيز لفترات طويلة في مجال اهتمامه، برغم المعوقات والمشتتات.
2 ـ الخصائص النفسية:
يمتاز المبدع نفسياً بما يلي:
أ ـ الثقة بالنفس والاعتداد بقدراتها.
ب ـ قوة العزيمة ومضاء الإرادة وحب المغامرة.
ج ـ القدرة العالية على تحمل المسؤوليات.
د ـ تعدد الميول والاهتمامات.
هـ ـ عدم التعصب.
و ـ الميل إلى الانفراد في أداء بعض أعماله، مع خصائص اجتماعية وقدرة عالية على اكتساب الأصدقاء.
ز ـ الاتصاف بالمرح والأريحية.
ح ـ القدرة على نقد الذات والتعرف على عيوبها.
خصائص متفرقة:
أ ـ حب الاستكشاف والاستطلاع بالقراءة والملاحظة والتأمل.
ب ـ الميل إلى النقاش الهادئ.
ج ـ الإيمان غالباً بأنه في (الإمكان أبدع مما كان).
د ـ دائم التغلب على (العائق الوحيد). (العائق الذي يتجدد، ويتلون لصرفك عن الإنتاج والعطاء).
هـ ـ البذل بإخلاص وتفان، وعدم التطلع إلى الوجاهة والنفوذ، بمعنى أن تأثره بالدافع الداخلي (كالرغبة في الإسهام والعطاء، تحقق الذات، لذة الاكتشاف، والانجذاب المعرفي، ونحوها) أكثر من الدافع الخارجي (المال، الشهرة، المنصب، ونحوها).
هل يتوجب توفر هذه السمات جميعها في الإنسان حتى يكون مبدعاً؟
بالنسبة للخصائص العقلية ينبغي توفرها كلها بدرجة معقولة، أما الخصائص الأخرى فيكفي أغلبها.
وهناك بعض الروائز (المقاييس) التي يطبقها بعض من المعاصرين للتعرف على الشخص المبدع، وتقوم تلك الاختبارات على طرح بعض الأسئلة التي تقيس مستوى الثقافة وحسن التصرف، وتحدد الفارق بين المستوى العمري والمستوى العقلي.
لكن تلك الاختبارات في الغالب ليست دقيقة النتائج؛ حيث يضعف من مصداقيتها، ودقة نتائجها عوامل متعددة كطبيعة البيئة الأسرية والاجتماعية للفرد، والمستوى الثقافي والحضاري فيهما.
كيف يتم اكتشاف الموهوبين والمبدعين؟
يعتمد نجاح البرامج المعدة لرعاية الموهوبين إلى حد بعيد على مدى النجاح في تشخيصهم وحسن اختيارهم؛ ولذلك تعددت وتطورت وسائل طرق التعرف على الموهوبين، والكشف عنهم والتي من أهمها:
1 ـ ملاحظة العمليات الذهنية التي يستخدمها الطالب في تعلم أي موضوع أو خبرة في داخل غرفة الصف أو خارجها.
2 ـ ملاحظة أداء الطالب، أو نتائج تعلمه في أي برنامج من برامج النشاط، أو أي محتوى يعرض له أثناء الممارسة، أو الصور التي يعرضها في سلوك حل المشكلات.
3 ـ تقارير الطلاب عن أنفسهم، أو تقارير الآخرين عنهم، مثل: تقارير المعلمين ومشرفي الأنشطة، والآباء والأمهات، وزملاء الدراسة.
4 ـ استخدام المقاييس النفسية مثل: اختبارات الذكاء، والتحصيل، ومقاييس الإبداع.
إلا أننا يجب أن نتذكر دائماً أنه لا يوجد طريقة واحدة يمكن من خلالها التعرف على جميع مظاهر الموهبة؛ لذلك فإن التعرف يتحقق بشكل أفضل دائماً باستخدام مجموعة من الأساليب المتنوعة التي تعتمد بشكل أفضل دائماً على عمل الفريق.
كما يجب أن نتذكر أيضاً أنه كلما بكّرنا في اكتشاف الطفل المتفوق أو الموهوب، وهو ما زال في مرحلة عمرية قابلة للتشكيل كان ذلك أفضل كثيراً من الانتظار إلى سن متأخرة، قد يصعب فيها توجيه الموهوب الوجهة المرجوة؛ نظراً لما يكون قد اكتسبه من أساليب وعادات تجعل من الصعب عليه التوافق مع نظام تربوي، أو تعليمي مكثف.
صناعة الإبداع:
هل ثمة طريق تتوصل به المجتمعات الإنسانية إلى إيجاد مناخ فكري تُغرس فيه شجرة الإبداع وتُصنع فيه منتجاته؟
بكل جزم: نعم! ذلك أن الإبداع ظاهرة إنسانية اندمجت فيها أسباب عقدية وثقافية ونفسية فكونت إطاراً ـ يستعصي على التجزئة ـ أسهم في إنتاج تلك الظاهرة وفي تشكيلها، ومن ثم ندرك أن الإبداع نتيجة، يمكن الظفر بها متى توافرت وتضافرت أسبابها. وبنظرة خاطفة إلى المجتمعات الإنسانية نتلمس سر نجاح بعضها في صناعة الإبداع في عقول أفرادها على نحو مكنها من النهوض الحضاري.
لقد استطاع اليابانيون ـ مثلاً ـ أن يحدثوا انقلاباً إبداعياً، تمكنت به شركة يابانية أن تلتزم باختراع جهاز كل أسبوع، حتى ولو لم يتم تسويق منتجاتها في بعض الأسابيع بالصورة المطلوبة. قد تتساءل: لماذا لا ينتظرون حتى يتم تسويق المنتجات التي جرى عرضها بشكل جيد، ثم يقومون بعد ذلك بإنزال المنتج الجديد؟
إنهم لا يفعلون ذلك؛ لأنهم يجزمون بأنهم لو تأخروا يوماً واحداً أو أقل من ذلك فإن شركة أخرى ستقوم بالمهمة؛ وبذلك يخسرون...! ترى ماذا يخسرون؟
وبالتفاتة عاجلة إلى المجتمعات المسلمة نشعر بـ (دوار حضاري)، ونستنشق تقليدية مقيتة يستوجبان الإسراع في صناعة سفينة الإبداع لتبحر في ذلك الخضمّ صوب بلاد ما وراء التقلـيد فـي طريقهـا إلـى جــزر الاكتشـافات العلميـة والتقنية، ولا سيما أنها تملك الإطار العقدي والقيمي الصحيح الذي يحث على العمل المبدع المخلص، ويجلّ حَمَلَةَ لوائه ورافعي رايته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»(1).
وتتأكد أهمية اقتناء سفينة إبداع للعاملين في الحقول الإسلامية في هذا الوقت بالذات الذي تكالبت فيه العوائق والصعوبات، وتفاقمت فيه الانشطارات والانقسامات، وشحت فيه الموارد والمساعدات، والتفكير العلمي والإبداعي الذي يضمن بالإخلاص والمتابعة التغلب على تلك المشاكل والأزمات، ويرسم طريقاً تعرف فيه الأولويات، وترسخ به الثوابت، وتميز به الصفوف، وتلتحم به العلاقات، وينهض به العمل الإسلامي، وتطيب ثماره، وتدار مشاريعه ومؤسساته، وتستكشف آفاقه ومجالاته.
العوامل التي تؤثر في نشاط الإبداع:
أسلوب التربية والتعليم.
المؤسسات الثقافية (الإعلام ـ المنتديات والنوادي والمراكز الثقافية والعلمية والفكرية ـ الثقافة الذاتية بالاطلاع الواسع المتجدد على مصادر المعرفة).
المنزل والأسرة (حيث يمكنها زرع الثقة والدفع للإبداع، ويمكنها كبت الطاقات وقتلها).
المجتمع ومدى الشعور بالانتماء إليه؛ الألعاب وطريقة اختيارها؛ الاهتمام بملكة التأمل والتخيل؛ فائض الوقت واستثماره؛ تأثير الجوائز التشجيعية.
مشكلات في التعامل مع الموهوبين:
من أهم المشكلات:
1 ـ استخدام فنيَّات ومحكات غير كافية مثل: تقديرات المعلمين والمربين، وتقييماتهم للفرد؛ لأن هذه الأدوات لا تعد كافية لتحقيق هذا الغرض، وفي أحيان أخرى قد لا تعد مناسبة.
2 ـ عدم ملاءمة المناهج التربوية والأساليب المستخدمة للموهوبين.
3 ـ قصور فهم بعض المربين لمعنى (الموهوبين)، وكيفية التعامل معهم؛ فالمربي هو عماد التربية وأساسها، وهو الذي يهيئ المناخ الذي من شأنه إما أن يقوي من ثقة الموهوب بنفسه أو يزعزعها، ويشجع اهتماماته أو يحبطها، ينمي مقدراته أو يهملها، يقدح إبداعيته أو يخمد جذوتها، يستثير تفكيره أو يكفه، يساعده على التحصيل والإنجاز أو يعطله.
4 ـ عدم توفر اختصاصيين نفسيين كافين يقومون بتطبيق الاختبارات، والمقاييس النفسية كاختبارات الذكاء، واختبارات التفكير الابتكاري، واختبارات القدرات والاستعدادات الخاصة، والتي تعاني هي أيضاً من مشكلة عدم تقنينها على البيئة المحلية.
5 ـ عدم وجود تعريف موحد للطالب الموهوب: حيث نجد أن هناك اختلافاً كبيراً في المسميات بين العاملين في الميدان التربوي لمصطلح (موهوب)؛ إذ يطلق عليه عدة مسميات مختلفة منها: متفوق، نابغة، عبقري، مبتكر، ذكي، مبدع لامع... إلخ.
كما أن هناك اختلافاً في الطرق المستخدمة في تحديد هؤلاء الطلاب الموهوبين لدى المتخصصين؛ فمنهم من يعتمد على الوصف الظاهري للسمات الشخصية كوسيلة لتحديد الموهوب، ومنهم من يعتمد على معاملات الذكاء، وفريق ثالث يستخدم مستوى التحصيل الدراسي، وفريق رابع يعتمد على محكات متعددة تبعاً لتعدد القدرات الخاصة.
6 ـ عدم إعطاء الفرد الحرية التامة في اختيار المجال الذي يعمل فيه، ويتعلم من خلاله وفق رغبته وميوله وهواياته.
7 ـ إهمال إنتاج المتربين والطلاب وإبداعاتهم، وعدم إبرازها والإشادة بها، وعدم توفر الحوافز التشجيعية لهم بالشكل اللازم.
8 ـ عدم توفر الأدوات، والآلات، والكتب اللازمة للقيام ببعض الأنشطة(1).
9 ـ عدم توفر مواضع خاصة بكل موهبة؛ حيث تتم ممارستها داخل هذه المقار المهيأة.