بين الفن والادب
-----------
•الثقافة ميدان متنوع ومهول , ومن يدخله لا بد ان يتسلح بالايمان اولا وبالنقاء ثانيا وثالثا ورابعا ... الخ ...
•فابشع الامراض النفسية نجدها بين بعضهم , واعظم المثل يوزعها البعض الاخر , والمعركة بين مرضى الثقافة واطبائها معركة ضروس وحامية الوطيس ..
•تعريف جديد للثقافة , بين المرضى والاطباء , وكاننا فى مصحة ...!! اليس كذلك ..؟؟
•وقد يكون ذلك تخريفا , وقد يكون اقرب الى التنجيم منه الى التنوير والتوضيح , وقد يثور البعض ويتساءل : لم هذا اللون القاتم ...؟؟
ولم الهرب , ولم التهرب من الثقافة ...؟
•ليتنا نملك الابتعاد , فالذوبان فيها اصبح امرا محكما ..
•الثقافة مثل احلام اليقظة , يسمر الانسان ليل ونهار يداعبها , ويحرك خياله اتجاهها , ثم يخوض غمارها , فيقهره الواقع المر , كما يقهر الحلم ذاته ...
واقع ليس غريب بيروقراطية المكاتب ...
وعجرفة الرؤساء على المرؤوسين .
•المجلات والمطبوعات الدورية تتزايد وكل مطبوعة تحركها اصابع معينة توجهها فى النهاية الى اهداف معينة ومحددة , فيصبح الصحفى او الكاتب , او المثقف عموما , مرتبطا بتلك المطبوعات سياسيا قبل ان يكون ثقافيا ... !!
لا تكتب عن هذا , واكتب عن ذاك ...!
لا تنشر هذا الخبر , وافرد عنوانا كبيرا لغيره ...!!
لماذا تضع هذه الصورة , ولم تضع تلك ...!!
-مسائل فيها من الصدق احيانا ما يمكن تقبله , وفيها من الاستهبال ما لا يمكن تقبله ايضا ...
-الكلمة الحرة الصادقة والمسؤولة والمبدعة بمثالية دون انتهازية او انانية ليس لها مكان , وغالبا ما , يضيع صاحبها ويذوب كما السكر فى فنجان الشاي ...
-لماذا ...؟؟
لان الكلمة المثالية التى تبحث عن الجو النقى تحتاج للحرية فى الممارسة والانطلاق ولا تستطيع الحياة فى جو متقلب مهترئ ياكل فيه السابقين زملاءهم اللاحقين ,
كما تلعب الخريطة الجغرافية دورها فى تحقيق العبارات والاسماء فى اغلب الاحيان .
-اشتراطات معينة فى الشارع الثقافى لابد من توفرها لكى تستمر فى تناول ما احببت من موادها , وحماة الديمقراطية من المثقفين , تفاجا بأنهم رموزا لديكتاتورية ما حقة وساحقة لاهتمام الجمهرة المهمة بالثقافة من الناس ..
-الثقافة اطلالة على احاديث الناس وامانيهم واحلامهم ولا يمكن هضم حقهم الاساسى فى تناولها مهما كانت الاسباب .
- ولو امن كل القائمين على الصحفات الثقافية بهذا المبدا بلا عفن وبلا غطرسة , ما انقطع تواصل بين العامة والخاصة فى ميدان الثقافة ...
-بخلاف ذلك المنحى السيكولوجى الاجتماعى , هناك ضوابط اخرى فى الشارع الثقافى تحدث بين زملاء المهنة وراء الكواليس فى وضع الخبر او الصورة او الكلمة فى مكان واطار له صلة بحواجز معينة قد تكون مبنية وقد تكون سياسية وقد تكون شكلية ,
وقد تكون اقتصادية ايضا ... الخ .
-ضمن مسائل الوطنية الجغرافية او الفكرية نؤكد للمرة المليون ان الشكلية مرفوضه ايا كان لونها وطعمها ورائحتها , والباب مفتوح فى الثقافه دون مواربة ودون قيود , اذا ما اردنا الانتعاش الثقافي كما تقول وندعي ... !!
-واهم الجوانب الابداعيه هو :–
الانطلاق الى النافذة الفنية وما تشمله من سينما ومسرح وتلفزيون وتؤكد بداية انه انفصال بين الفن والادب ...
ويعتبر توجيه الفن نحو الالتزام بالادب وبالوطن هو الامر الملح ثقافيا على المستوى الشعبي
لان تسعين في المائة من الجمهور العربي يميل الى الفن السابع مثله مثل غيره من شعوب العالم المتمدن والنامي والفقير,
ولو ان هذا الاهتمام بنسبة تختلف باختلاف درجة التقدم الحضاري.
والمواضيع الفنية تاخذ حيزا كبيرا في الصفحات الثقافية المتداولة محليا,
وهذا امر لا عيب فيه مطلقا ,
الا ان العيب كل العيب ان ننسى ان توجه الفن الى الادب, يحيل كل عمل فني الى قرينه الادبي , وتحلله من تلك الزاوية ذات المضامين المدروسة بصدق ومعاناة كاتبها مهما كانت قضيته.
-ان دراسة المضامين في الاعمال الفنية , ومن يؤدي تلك الاعمال يهدف في النهاية الى توجيه ذلك اللون الثقافي الجماهيري الواسع وجهته الصحيحة في عصر يعلم كلنا انه عصر الفيديو والتلفزيون والمادة الحقيقة السريعة.
-الا اننا مع هذا الغثيان الجماهيري نحو الاعمال الفنية , يجب ان نلفت الانتباه الى ان وراء هذا العمل الفني كتاب وكاتب , قصة واديب,
او ان وراؤه ,
حياة شعب وقضية
انسان وحكومة ,
قصة مرؤوس ورئيسه ... الخ
واذا اردنا تسليط الضوء على الاشخاص , لا بد ان نلفت الانتباه الى ايجابيات تلك الشخصية وسلبياتها ... !!
مثل البرتومورافيا القصصي الايطالي , وتاييده للقضيه الفلسطينيه مع شهرته العالميه في قضية واحدة , وموضوع واحد ...
وإذا أردنا تسليط الضوء على موقف معاكس لجين فوندا الوحيده التي باركت الغزو الهمجي على لبنان عام 1982م– وكانت لها موقفها من مساندة فيتنام ونتساءل عن السبب , اليست القضية واحدة فى فلسطين وفيتنام ... ؟
فلماذا كانت ضدنا ومع فيتنام ... ؟؟
تلك قضايا فنية ,
البحث فيها ضروري ,
يمكن من لفت الانتباه الى مواضيع ومضامين فكرية وايديولوجية قومية ووطنية واسلامية تخدم اهدافنا العربية ...
-واحيانا نتجاوز الواقع ونتخيل ان فلانة تشبه علانة فى الاداء والمواصفات , وان فلان تكرار لعلان في الاجادة والاتقان ... فهل نقصد الاثارة ... ؟؟
-بالطبع لا ...
انه لفت انتباه لفلان حتى يلتزم باستمرار من ناحية ,
وبحث عن الجذور في اعماق الاعمال ثانيا
تتيح لنا جميعا تخيل الماضي القريب من حياتنا العربية في اسماء مشاهيرها ...
-وقبل ان ينطق احد باتهام نقول ان هذا الحديث من الشارع الثقافي العربي وله , وليس حديث اساتذة , يلقي بالنصائح وبين شفتينا سيجار الهافانا الكوبي , ونحن ابناء الشارع فقط ليس إلا
وسيظل انتماءنا له وحده , ونتعامل بمنطقه دون غطرسة ونعرف حجمنا جيدا , ولا تتجاوزه ابدا , ولا نحب ذلك ايضا
تلاميذ صغار وسنبقى كذلك الى ان يشاء المولى عزوجل ..
وكل ما نتمناه على اساتذتنا الافاضل شئ من التنازل وهم يتعاملون مع امثالنا من التلاميذ في الشارع الثقافي .
وفي عالمنا العربي
تحولت كل قصص احسان عبد القوس العاطفيه الى افلام رومانسيه مثيره
وتحولت اعمال نجيب محفوظ العالميه الى اعمال فنيه خالده
وتحولت اعمال توفيق الحكيم الى السينما والمسرح والتليفزيون
وينطبق الحال على الشعراء
وقد تحولت الكثير من قصائد نزار الى اغنيات لكبار المطربين والمطربات
واعتمد مارسيل خليفه على اشعار محمود درويش في الكثير من مقاماته
وفي ذات المسار كامل الشناوي واحمد رامي وابراهيم ناجيوجورج جرداق
وكان هذا التزاوج بين الفن والادب سر الخلود وممر النجاح
وكان الطلاق بين الفن والادب الان سر الانهيار في كل المساقات
ورحمنا ورحمكم الله
-----------------------------------
لكل مقام مقال
---------------------------------
عندما تخترق ذهن الإنسان كلمة جديدة , يحاول البحث عن معناها , وإدراك قيمتها اللفظية ..
والعقل الإنساني هو استقبال وانتباه وإدراك ..
ودرجات الاستقبال والانتباه لدى كل فرد منا تختلف عن الآخر بمقدار الاختلاف في الطبائع , والاختلاف في مدى الحساسية بالكلمة وتحريفها وتصريفها ,
هو نفسه الاختلاف في استقبال الكلمة والانتباه لمعناها وإدراك خلفياتها ,
ودرجات الاختلاف متباينة بين فرد وآخر , ولكنها تجد لدى المفكر أو المبدع صدى أعمق وحساسية أقوى .
وقد تخلق لدى المبدع حالة من حالات الإبداع .
وهذا ما يحدث لكثير ممن يحسون بقيمة الكلمة أن الكلمة إن كانت تخلق شعرا أو نثرا .
ومن هنا وجد الشاعر , ووجد الروائي , كما وجد المتذوق للكلمة ايا كان ناقدا أو صحفيا أو معلقا ..
ولكن اهتمام كل هؤلاء بقيمة اللفظة ومعناها , يختلف باختلاف مدى الحساسية ومحتوياتها النفسية .
فالشاعر تهزه شفافية الكلمة , أو قوتها الانفعالية ,
أما الناقد فيجد في الكلمة وجهة نظر يحللها
وأما الصحفي فإنها تشد انتباهه لسبق صحفي يحرزه .. الخ
ولنأخذ مثالا حيا في لفظة حياتية تعاني منها المئات من الأسر اليوم , والكلمة هي إيجار
إن هذه الكلمة مجردة من الشفافية بل هي اقرب إلى الرتابة , ولكنها ستشد الشاعر إذا كان يعانى منها , ستجعله يكتب الشعر مثل شعراء المهجر , وكأنه يحدث بيته وطفولته في ما يملكه بوطنه أو ينصب نفسه داعية ضد مالكي العقارات في قصائد منظومة عن التشكيل الاجتماعي بصورة أو بأخرى أما الناقد فانه يجد في الكلمة وجهة نظر يدعو الجميع لتبنيها في أعمال أدبية لدراسة المشكلة من مختلف جوانبها , أما الصحفي فيسعى وراء هذه الكلمة من مختلف مصادرها ليقدمها في تحقيق صحفي .. ويبقى الروائي بين هؤلاء جميعهم , فان الكلمة تخلق لديه جملة والجملة تجر وراءها صفحات والصفحات تدون الوقائع في سلاسة تثير جوانب حياتية متعددة وتقدم انماطا مختلفة من البشر ...
فان كلمة " إيجار " تعنى وجود شخصيتين , شخصية المالك وما ترسمه الكلمة من صفحات شخصية فيه وشخصية المستأجر وما ترسمه الكلمة ومن جوانب حياتية معينة , كما إن الكلمة تعنى حياة مجتمع بأكمله يعانى من أزمة سكن , تبحث في نظام اقتصادي واجتماعي كامل , وهذا يظهر كله من خلال علاقات اجتماعية يبدع الروائي في إعطائها الصبغة الواقعية بخيال خصب وكلمات مؤثرة وعميقة .. وقد تكون العلاقات الاجتماعية الواضحة في الرواية تنقل إلينا صورة المعاناة التي يعيشها أبناء المجتمع من غلاء الحياة متمثلة في الإيجارات , وان هذا الغلاء سيعطينا صورة عن العازب الغير قادر على الزواج بسبب أزمة المساكن , وتعنى للمتزوج ان يعيش دون مستواه أو أن يستدين . وهذا كله يقوم الروائي بإخراجه في عمل ادبى يحدد فيه نقاط الخير والشر في مثل هذه القضية .. من هنا فان الرواية تتخذ شكلا من أشكال الشمولية التي قد تكون محدودة أو لا محدودة , وهذا مالا يستطيعه الشاعر في قصيدة , و الناقد في مقالة , أو الصحفي في مجرد تحقيق وإذا تمكن اى منهم أن يبحث الموضوع من جميع جوانبه التحليلية , إلا انه سيعجز أن يجد فيه الرابطة والصلة الموضوعية ذات النغمة الواحدة والمشتركة , التي قد نجدها من خلال العمل الروائي .
وانطلاقا مما سبق فأن الرواية تأخذ اهتمام الناس بتغذيتها العديد من الدوافع لديهم في وقت واحد , وهى بهذا أكثر تأثيرا على معتقدات الناس ومفاهيمهم ... ونحن نفترض في هذا كله الواقعية في العمل الروائي , بل إن الواقعية أصبحت شرطا أساسيا في عالمنا المعاصر لنجاح العمل الروائي , بعد أن مر علينا زمن كانت الرومانسية هي الفيصل في الأعمال الروائية لكثير من الكتاب العرب أمثال السباعي وإحسان عبد القدوس , والذين كانت تجد كتاباتهم رواجا اكبر من غيرهم , أمثال نجيب محفوظ الذي نجد الواقعية في اغلب أعماله الروائية , الأمر الذي جعله أديبا راسخ القدمين أكثر من الرومانسيين وهذا الرسوخ , هو الذي يجعلنا نقف لنفرق بين الروائي , وبين الأديب الروائي الذي يقدم عملا سطحيا ولكنه مترابط ومنسق ومثير وبسيط ولكنه قد يكون من السطحية بحيث لا يجد المثقفون فيه ما يخدم قضايا المجتمع , بقدر يجدون فيه نقلا لأحاديث وحوادث كما حدثت ... بمعنى أن الروائي قد يكون واقعيا وقد يكون خياليا .. ولكنه لا يكون أديبا طالما ابتعد عن الشمولية أو الرمزية التي تخدم الشمولية .. وبمعنى آخر فان الفرق بين الروائي والأديب هو فرق في الأحاسيس , والتعبير عن هذه الأحاسيس , ها الفرق هو الذي يجعل الأديب إنسانا ملهما ليتحدث عن الناس كل الناس , عند أحاسيسه الشخصية فقط .
اى أن الأديب هو الذي يتمكن في أعماله من خلال الرمزية أو الشمولية أن يخدم الاتجاه الشخصي ليحوله لخدمة الاتجاه الوطني , ومن ثم لخدمة الاتجاه الانسانى بشكل عام ..
ولهذا نقول أن العمل الروائي الناجح والخالد , هو العمل الذي يتسم بالواقعية والشمول معا .. والواقعية هي لمس أوتار الحياة مجردة بدون رتوش , غير الرتوش الجمالية في توزيع الكلمات والأدوار أما الشمول فهو الوضوح لمختلف جوانب الحياة المجتمعية فى المكان والزمان المعينين , بحيث لا يكون القارئ بعيدا عن مكان وزمان الحدث الروائي .. فإذا كانت الأحداث الواقعية للرواية تخص الزمن العباسي مثلا لزم على الروائي الأديب أن ينقل القارئ ببراعة إلى ذلك الزمان بما فيه من صور الحياة وإذا كان الحدث الروائي يتعلق بقضية وطنية معينة لزم أن نعرف ببراعة أديبة متناسقة جوانب هذه القضية في المكان والزمان المعينين بذلك نخدم هدف الشمول الذي يجعل من أحداث التاريخ وحكايات التراث الشعبي , روايات يخلدها التاريخ الادبى . وهكذا تختلف قيمة الروائي عن قيمة الأديب . فقيمة الروائي لا تتعدى حاضره الذي يعيشه .... بينما الأديب يبقى في حياته منهلا للتراث الشعبي وفى مماته مدرسة , وأسلوبا تتعلم منه الأجيال الأخرى فالواقعية المجردة دون الشمول الادبى والمجتمعي , لا تعطى الفرصة لحياة طويلة للعمل الروائي , وما أكثر من سقطوا من الروائيين الذين اعتمدوا أسلوب الحكايات والذكريات وتدوين الوقائع دون النظر إليها نظرة شمولية , وما اقل من صعدوا إلى سماء الخلود الادبى من الذين اعتمدوا الوقائع . في العمل الادبى الشامل للرواية, والذي يجعل من الرواية بما فيها من وصف وتحليل للشخصيات في الرواية وأماكن وأزمنة الحدث الروائي , وما فيها من براعة في استخدام الألفاظ وتطويعها جماليا أن يجعل من الرواية كتابا مفتوحا عن حياة مجتمع اى مجتمع في فترة زمنية معينة . وبين الرواية التاريخية والعصرية والخيالية تنطلق إبداعات الكاتب لخدمة الفكرة التي يحاول توصيلها إلى القراء ...