• البعد العربي للقضية الفلسطينية
يرتبط الحديث عن البعد العربي في القضية الفلسطينية , لدول المواجهة العربية أولاً والتي كان يطلق عليها دول الطوق العربي المحيطة لإسرائيل في مصر والأردن والسعودية وسوريا ولبنان وأيضاً العراق, ثم ينطبق على دول العمق الجغرافي العربي في اليمن والسودان والصومال وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا والمغرب , وعلى اعتبار أن السعودية ممثلة لدول مجلس التعاون الخليجي في قطر والبحرين والكويت وعمان والإمارات وإذا كان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الأستاذ / أحمد الشقيري قد جاء بقرار رسمي عربي في العام 1964م , فقد نشأت وولدت حركة المقاومة الفلسطينية خارج الإطار العربي الرسمي من خلال ولادة حركة فتح في دول قطر والكويت والسعودية حيث كان يعمل مؤسسي الحركة هناك منذ عام 1957م ثم أنتقلوا إلى سوريا والأردن وقطاع غزة وأقاموا الخلايا الميدانية داخلها ومن لبنان وعلى الحدود الجنوبية لهذا البلد العربي كانت أول عملية لحركة فتح في 1/1/1965م التي تعلن أدبياتها على أنها حركة مستقلة الإرادة وبعيدة عن أي تأثير رسمي عربي وأن هدفها تحرير فلسطين الذي يمكن أن يحقق هدف الوحدة العربية على عكس المنطلقات القومية العربية الأخرى التي تقول أن الوحدة العربية هي الطريق إلى تحرير فلسطين وللأسف لم يتحقق أي من الهدفين ونتيجة لهزيمة يونيو 1967م فكانت هذه السياسة متفقة مع المنطلقات الأساسية لحركة فتح التي أثبتت أنها الحركة القائدة للمقاومة الفلسطينية بعد مواجهتها للجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة يومي 21-22-3-1968م ثم جاءت وفاة الزعيم العربي – جمال عبد الناصر – أثر الحرب الدامية بين الأردن والمقاومة الفلسطينية في 28/9/1970م لكي تبدأ الخلافات العربية على زعامة أو قيادة الأمة العربية بين الفصائل القومية العربية في العراق وسوريا وليبيا وكل منهم أراد احتواء المقاومة الفلسطينية ولم ينجح فسعى إلى ضربها وكسر حدتها وهي تأخذ الرصيد الشعبي والرسمي والعربي وحدها بعد وفاة الزعيم فكان أول انشقاق لفتح من العراق على يدي / صبري البنا عام 1974م ثم كانت الهجمة السورية المساندة للكتائب اللبنانية على المقاومة الفلسطينية في عام 1976م ومع خروج مصر من الساحة أراد السوريون أجبار المقاومة الفلسطينية على الانصياع لقيادتها بالقوة أكثر من مرة وكانت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تدعم الثورة الفلسطينية بالمال والإعلام لكنها لم تكن قادرة على منع الجيش الإسرائيلي من مهاجمة المقاومة الفلسطينية وترحيل قواتها إلى عدة دول عربية ظلت بعيدة عن خطوط المواجهة الصامتة طوال عقد الثمانينات حتى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م التي أجبرت أمريكا وإسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعوتها لحضور مؤتمر مدريد للسلام 1991م ثم كانت اتفاقية أوسلو عام 1993م التي أنشأت السلطة الفلسطينية على قطاع غزة وأريحا عام 1994م ولم يحدث تقدم في مسار التسوية الفلسطينية الإسرائيلية منذ ذلك التاريخ مما أدى إلى نشوب انتفاضة الأقصى في العام 2000 ولازالت مشتعلة حتى الآن عام 2006م وسط عجز عربي عن مواجهة العدوان الأمريكي والإسرائيلي .
3) المتغيرات الاقتصادية العربية :
أ- الحقبة النفطية :
• شهد النصف الثاني من عقد السبعينات ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار النفط العالمية أعطت الدول العربية المنتجة للنفط أهمية كبرى على المستوى الإقليمي العربي – والإقليمي الدولي –والدولي أيضاً . وكان هذا بداية للتحول في هيكل القوة داخل الوطن العربي , مواكباً للتحول العالمي في التخلي عن استخدام القوة الأمنية والعسكرية , مع تنامي القوة الاقتصادية على المستوى الإقليمي العربي الذي كان يعيش الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية من خلال / التعاون السياسي والأمني العسكري , بين الدول الثورية والإتحاد السوفيتي من ناحية , وبين الهيمنة الأمريكية والأوروبية الغربية على اقتصاديات الدول المحافظة – الغنية بالنفط العربي في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي العربي – التي لا تشكل في النهاية قوة دفع حضارية وإنسانية تعطي النظام العربي القومي أفضلية أو قوة قيادية على المستوى الدولي
وكما قال المفكر القومي العربي " ساطع الحصري" فإن الاقتصاد يقوي ويكمل ولكنه لا يصنع النظام القومي , وبالتالي فإن سيادة مفهوم الاقتصاد السياسي , لا تعني تبدلاً حقيقاً في توزيع هيكل القوة العربية يحفظ للنظام القومي العربي – مكانته الدولية – كنظام إقليمي رئيسي في العالم بقدر ما يعني انهياراً له وفي أفضل الأحوال انحساراً للتكامل الإقليمي العربي , لكنه يعتبر مدخلاً مهماً لترتيبات قومية عربية جديدة تخلق تكاملاً ما بين القوة الحضارية الإنسانية الرئيسية في العالم العربي , مع القوة الاقتصادية العربية – بالاتفاق على شكل من أشكال وفاق القوى العربية يخضع للترتيب الهرمي الطبيعي في بقاء مصر – الدولة القائد – لأي مشروع عربي مع الاعتراف بالمكانة الاقتصادية المهمة والمركزية الإسلامية للمملكة العربية السعودية بجانبها , بعيداً عن تأثيرات القوى الخارجية التي لا ترغب مهددة الأمن والسلام والدولي في ظهور المشروع القومي العربي التكاملي .
• وإذا كان التراجع المصري المفاجئ في العصر الساداتي , عن أداء الدور القومي التاريخي – بالانفعال والتسرع , قضى على إمكانيات التطور والاستمرارية في مشروع التكامل العربي , فإنه مخطئاً في حساباته , أراد تكريس علاقات اقتصادية مع الأقطار العربية النفطية خاصة مع السعودية ودول الخليج العربي – التي لم تكن مستعدة على العطاء دون مقابل – وهو ما يعني أن تلك الدول التي قدمت لمصر القائدة للموقف العربي القومي رغم خلافاتها مع عبد الناصر كانت تدفع بدل الانتماء والهوية , مثل المواطن الذي كان يدفع بدل الجندية في الخدمة العسكرية , وإن لم تكن مضطرة لدفع هذا البدل العروبي – فسوف يكون موقفها أقرب إلى الاستعلاء وفرض المكانة الدولية التي ستحول مصر والدول الخليجية والعربية إلى دول هامشية لا يعتد بها في النظام الدولي أيا كانت طبيعته ....
هكذا كان التدهور التدريجي الذي بدأ بالسياسي يتحول إلى الاقتصادي في الدول العربية الفقيرة والغنية وتبددت الآمال التي عقدها الرئيس " السادات" على تكوين روابط اقتصادية وسياسية مع الدول الخليجية الغنية ...
فكانت التوجهات المصرية الساداتية – وسط الأزمة الاقتصادية الطاحنة- تندفع إلى التبعية الكاملة للسياسة الأمريكية وهو الأمر الذي عالجه الرئيس " مبارك" بإتباع سياسة متعلقة مع الدول العربية – محافظاً في نفس الوقت على سياسات مصر الخارجية المتحالفة مع الغرب وأمريكا والاستمرارية في التسوية السلمية للصراع مع إسرائيل – والتقدم في عملية الانفتاح الاقتصادي , بهدوء دون عصبية , وكان يعلن أهمية التعاون العربي – العربي , ويفضله على أي مشاريع أخرى تحت المسميات الاقتصادية – لكنه لا يقف أمامها – بل سارت " مصر" في توقيع اتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي بعد مفاوضات دامت خمسة أعوام أو ستة أعوام ما بين (1995-2001) وكانت تحصل على دعم أمريكي سنوي يبلغ الثلاثة مليار دولار – وأعفيت من كافة الديون العسكرية أثر موقفها الحازم من الغزو العراقي للكويت سنة 1990م , وحصلت على دعم من الدول الخليجية في عدة مشاريع استثمارية أهمها مشروع قناة توشكي , ولم تكن مصر الدولة العربية الوحيدة التي تعاني نفس الدرجة من الصعوبات الاقتصادية , والأردن تعتمد على المساعدات في مجمل نشاطها الاقتصادي وهي تشكل مع فلسطين الدولتان العربيتان الأولى بالرعاية من اليابان والإتحاد الأوروبي , أما حالة الفقر الاقتصادي فهي سمة الحياة الاقتصادية لدول مثل / الصومال وموريتانيا , ودول أخرى تحقق الاكتفاء الذاتي في الجزائر والعراق قبل الاحتلال الأمريكي , في حين تتمتع الدول الخليجية وليبيا بالثروات النفطية التي تحقق لها الرفاهية ...