تلبع المدخل الانساني
ولكن ما حدث فى العام 1990 انسانياً أكثر منه سياسياً هو ذلك الإنقلاب العسكرى
الذى كسر المفهوم الإنسانى للوطنية العربية – بالغزو العراقى للكويت – وانقسام القبيلة العربية ما بين مؤيد للقبيلة العراقية ومعارض لها فى عملية تكسير حادة لمضمون القبيلة العربية الذى يأسرنى - واختلط الأمر على من هذه الناحية واختل توازنى الفكرى , تحت وطأة التدخل الأمريكى - الذى جاء على عجل دون إنتظار – ليقهر قبيلة عربية على أخرى , وإن كنت بالتأكيد أرفض إلغاء القبيلة الكويتية العربية من جانب القبيلة العراقية العربية , لكننى مع هذا الرفض القبلى , كنت ارفض انكسار القبيلة العراقية العربية على أيدى الاجانب ا لأمريكيين .
وفى تلك السنة من هذا الشهر أغسطس عام 1990 , بدأت المشكلة القبلية العربية عندى , والسؤال يستفزنى فى الحل والترحال حول ضرورة الإستنجاد بغير العرب فى نجدة العرب , ولماذا لا يستطيع العرب حل خلافاتهم بأنفسهم دون الحاجة إلى أجنبى مستقوى لقتل عربي استقوى على عربى .... , المسألة كبيرة وخطيرة ....
إنها الصدمة الثانية فى تفكيرى الإنسانى , وليس السياسى , وقد كانت الصدمة الأولى عند هزيمة العرب العسكرية عام 1967 , لماذا وكيف حدثت الهزيمة – الصادمة , وهل إسرائيل الصغيرة أقوى من الوطن العربي الكبير ؟ وكيف تهزم جيوش العرب ؟ وكان الأمر بمنطق حرب القبائل هو الكم البشرى , وأننا الأكثر عدداً عشر مرات فالمائة مليون عربي – بعشرة مليون بندقية – والاربعة ملايين يهودى ومعهم عشرة ملايين يهودي خارج إسرائيل – مليون ونصف المليون بندقية – فالواحد منهم بعشرة من عندنا , فلماذا ننهزم ومعنا الزعيم القائد " جمال عبد الناصر " وخلفه الجيوش العربية المصرية والسورية , والأردنية والعراقية والجزائرية والسودانية والكويتية والمغربية والفلسطينية والسعودية .. ؟؟ كل القبائل العربية تقريبا شاركت – وكلها انهزمت – لماذا وكيف ... ؟ صدمة كبيرة !! صدمة فيها عرفنا إننا نحتاج إلى تكنولوجيا الحرب – وتكنوقراط النظم – مصطلحات أخري , فى بدايتها كانت غريبة على المنطق القبلي العربى - العددي – الذى بدأ يفهم الفرق بيت : الكم والكيف , والفوضى والنظام ..!! والسياسة والإقتصاد , وحرب الأسلحة المشتركة !! أى إننا متخلفون , وما حدث بسبب إنهم إستخدموا اسلحة متقدمة , وطائرات متوفرة , وعرفوا عنا الكثير , وأشياء أخري تتعلق بتحالف امريكا والإنجليز مع إسرائيل , وليس لدينا حليف قوي .
وأن هناك خيانة في ما بين القبائل العربية , وما شابه ذلك الذي لم يضرب فكرة القومية العربية في جذورها الإنسانية .
هكذا مرت الصدمة الأولى بسلام , لكنها في حقيقتها ضربت في فكرة الزعيم القائد , وكسرت حدة الدولة القائد – في الوطن العربي – فلم يعد الزعيم \ جمال عبد الناصر أن يقول : الدولة العربية الواحدة تحت قيادته , وقد انكسر في حرب عسكرية خاطفة مع العدو الرئيسي , وعليه أن يدافع عن قيادته بالثأر من الهزيمة أولاً , وهذا يتطلب قدرات عسكرية , تجعل طريق الثأر ممكنة , هدفها تحقيق النصر وليس أقل من ذلك على عدو قليل .. "
وهكذا بدأ يتحول مفهوم الدولة القائد – في مصر " بوجود الزعيم القائد – إلى مفهوم – متعدد القيادات والزعامات – فكان ذلك بداية الانتقال من نظام عربي أحادى القطبية , إلي نظام عربي متعدد الأقطاب – لانكسار الدولة القائد في المعركة العسكرية مع عدو العرب – تلك الصدمة الأولي التي كان من نتائجها التحول من فكرة الوحدة إلى فكرة التضامن , وتعايشنا معها على أمل أن تتغير الظروف , وتعود الأمور إلى نصابها مرة أخري بالعودة إلي فكرة الوحدة العربية – التي لا يمكن أن تنطلق دون وجود دولة قائدة تحت قيادة زعيم قائد – وهو الأمر الذي لم يحدث منذ الهزيمة العربية العسكرية عام 1967 , بل كان الوضع في تراجع مستمر علي كل المستويات – والتشرزم العربي تزداد حدته – ما بين مجلس التعاون الخليجي – واتحاد المغرب العربي – ومجلس التعاون العربي – في نظام متعدد الأقطاب هش وضعيف البنيان , وكانت هشاشته وضعفه واضحيين للعيان عند الغزو العراقي للكويت عام 1990 , لتكسر مفاهيم التقسيمات الإقليمية الفرعية , وتنتهى ولا يجد النظام العربي دولة – أو قبيلة واحدة كبيرة , علي حسم هذه المشكلة , فكان هذا يعنى ضعف كل العرب , لكي يستنجدو بقوة أجنبية مارست سلطة التفريق والتدمير لعدة أشهر قبل أن تبدأ عملها العسكري القهري , وهدفها إلغاء النظام العربي باكمله - وليس القضاء علي النظام المعتدي وحده .... "