ثانيا الشرق الأوسط
- الاتجاه العالمي: الانبعاث الروسي والشرق الأوسط
تبتغي روسيا على نحو مثالي أن ترى الولايات المتحدة الأمريكية تتعذب بصورة كافية إزاء الوضع في الشرق الأوسط بحيث لا تقدم قط على سحب قواتها، بحيث تتاح لروسيا حرية إعادة تشكيل الاتحاد السوفييتي على النحو الذي تراه مناسباً دون داع للشعور بالقلق من القوة العسكرية الأمريكية. وهكذا فإن مشاركة روسيا الأساسية في ساحة الشرق الأوسط تتجلى في دعمها لإيران.
فروسيا تُسَرِب معلومات مبيعات أسلحة ومساعدات تقنية الى مجموعة كبيرة من المشاريع الإيرانية ـ وصولاً الى جوانب من برنامج إيران النووي ضمناً ـ بهدف جعل أي ضربة أمريكية لإيران مكلفة الى أبعد حد ممكن. غير أن هناك حدود لمثل تلك المساعدة؛ فالروس لا يريدون إمداد إيران بأي شيء من شأنه أن يخل ميزان القوى بين إيران وروسيا؛ ذلك بأن لدى الولايات المتحدة في نهاية الأمر خيار العودة الى ديارها، في حين أن إيران تتاخم منطقة نفوذ روسيا.
لكن ما يزال هذا يتيح مجالاً واسعاً للتعاون المتين بين البلدين. فمن المتوقع أن تقوم روسيا سياسياً في مجلس الأمن، وعملياتياً بما تملكه من طاقة عالية في تكرير النفط ـ بوضع عراقيل أمام قدرة الدول الغربية على فرض عقوبات على إيران تخص مادة (البنزين).
وقد ثبت حتى الآن أن الثمن الذي تطلبه روسيا لقاء تعاونها مع الغرب ـ بسط سلطانها على الاتحاد السوفييتي السابق ـ أغلى من أن تستطيع الولايات المتحدة دفعه. لكن بعد التبدل الأمريكي في خطط الدفاع الصاروخي البالستي، ثمة إمكانية لأن تخوض واشنطن وموسكو في مفاوضات أكثر جدية قد تؤدي الى منع روسيا من أن تبذل من أجل إيران جهوداً أكثر مما هو متوقع، وبالتالي تجنبهما صراعاً عسكرياً في الخليج، غير أن هذا أمر غير مضمون بأي حال من الأحوال.
ـ الاتجاه العالمي: الاقتصاد العالمي والشرق الأوسط
يحذر الكاتب من أن أية مواجهة في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، ستؤثر بالتأكيد في حركة النفط عبر (مضيق هرمز)، مع ما يحدثه مثل هذا العمل من تأثيرات جلية في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
ـ الاتجاه الإقليمي: الحرب الأمريكية ـ الجهادية
تراجع الحال بالحرب الجهادية في الشرق الأوسط دون أن يمنع ذلك من بقاء غليانه. ففي العراق أتاحت التوترات السياسية بين الفئات المتنافسة، للجهاديين لشن هجمات جديدة، لا سيما في بغداد والموصل وما جاورهما. وما تزال مستويات العنف منخفضة بما يكفي للولايات المتحدة أن تمضي بإستراتجيتها المعدة للخروج، غير أن عملية الانسحاب ستكون بطيئة وشاقة.
وستكون العراق ساحة للحصول على مكاسب من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، بين إيران التي تطمح بعودة قوية من خلال حلفائها في العراق وبين أمريكا وحلفائها العرب الكارهين لتلك العودة أن تتم بسهولة.
ولكن يبقى اهتمام إيران وأمريكا أقل حدة، بل وهابط المستوى لانصراف الطرفين الى قضية أخرى هي الملف النووي الإيراني.
وعلى صعيد القاعدة في جزيرة العرب، فإنها تبدو قوة متلجلجة لا تملك زمام المبادرة، خصوصا بعد محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودي، وستحاول القاعدة استعراض قوتها بشكل غير متقن.
ـ الاتجاه الإقليمي: صعود تركيا
يواجه توسع تركيا بعض الاعتراض، والسبب يعود، الى حد بعيد، الى الأزمة التي تتلبد غيومها في إيران. إن للأتراك ارتباطات متينة مع الأطراف الأربعة المعنية بهذا الموضوع ـ الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل ـ لكن ليس في وسع تركيا أن تفعل الكثير كي يكون لها تأثير في هذه الأزمة الخاصة، الأمر الذي يترك لتركيا خيارات قليلة غير محاولة إقناع كل طرف بالحجة والاستعداد للعاصفة في حال فشل المحاولة. وبقدر ما تود تركيا تفادي نشوب حريق آخر في فنائها الخلفي، فإنها لن تمانع أيضاً في أن ترى إيران تتعرض لصدمات تقلل من غرورها.
من حسن الحظ أن تركيا تتصرف على نحو مرضٍ من الناحية الاقتصادية. وخلافا لمعظم باقي بلدان العالم، فإن النظام المصرفي التركي غني برأس المال الى حد أن بعض الأموال التركية انتهى به المطاف عملياً الى إعادة الاستقرار الى أجزاء من أوروبا. وها هو بعض النمو يعود، على الرغم من أن الطلب الأوروبي على الصادرات التركية ما زال ضعيفاً.
ـ الاتجاه الإقليمي: التطبيع الإسرائيلي ـ السوري
كانت المفاوضات بين سورية والولايات المتحدة والسعودية قبل شهور تسير بصورة حسنة، لكن واشنطن وجدت نفسها وقتذاك مشغولة بقضايا أخرى فأوقفت المحادثات. ردت سوريا بتكتيكات مضادة، فعرقلت مسيرة لبنان السياسية وسمحت مجدداً بعبور المقاتلين الى العراق. ولما كانت إيران تستغرق كل اهتمام أمريكي إضافي، فإن أي تطبيع يستدعي المشاركة الأمريكية سيتم تأخيره الى حد بعيد في الوقت المنظور، على الرغم من أن تقدم أمريكا قليلاً من المبادرات الدبلوماسية أملاً بإبقاء دمشق على الخط.
يتبع