فدائيات الحصار .. كما الصحابيات يوم بدر وأحد
بقلم : إسماعيل الثوابتة
لم يعد لسفراء الشيطان من كلمة تخرج من أفواههم ولا من عبارة يتقيئونها ولا من همز ولا لمز يتنطعون به بعدما جسّدت نساء فلسطين بقيادة النائبة المجاهدة جميلة الشنطي وأخواتها المجاهدات الاستشهاديات اللواتي خرجن في مواجهة غطرسة العدو الصهيوني الجبان أروع ملاحم البطولة والفداء.
فلم تعد النساء الصالحات العابدات يخفن من الدبابات والمجنزات والناقلات والطائرات والقناصات، بل إن كل ذلك كان يمثل لهن وقودا لمزيد من العطاء والتضحية، لقد كانت المسيرة النسائية التي شاركت فيها مئات النسوة لنصرة المحاصرين والمنكوبين في مسجد النصر ببيت حانون؛ صفعة إلى وجوه دعاة التثبيط والانهزام والتراجع والتخاذل، فلم تعد هناك أم محمد فرحات واحدة بل إن الظاهرة تجسدت في الآلاف ممن أصبحن يملكن مقومات الجهاد والاستشهاد.
إن هذه الحادثة المؤثرة بعثت في نفوسنا الأمل مضاعفا حيث أننا ومن خلال متابعتنا لها والتي لا يقوى عليها الكثير من الرجال، فإننا نتذكر النساء الصحابيات اللواتي كن يدافعن عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأحد، ولقد كان لافتا للنظر أن تخرج بعض نساء فلسطين عونا وسندا وتلبية لنجدة المحاصرين في بيت حانون، وإن هذه الصورة المشرقة أيضا التي أظهرتها المسيرة النسائية المسلمة لدليل قاطع على أن المقاومة في فلسطين بخير وأن نساء فلسطين كذلك لازلن على عهد التضحية والفداء، كما كانت وما فتأت أم نضال فرحات وأخواتها الصابرات، وهنا نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: "النساء شقائق الرجال"، فلم يعد الاستشهاد حكرا على الرجال ولم يعد الدفاع عن الحياض كذلك حكرا عليهم بل إن النساء قحمن أنفسهن وبقوة العقيدة والإيمان في ذلك فنلن أوسمة الشرف والبطولة والفداء.
لله ذرك يا عزيزة عوض تلك المرأة الصابرة التي خرجت من بيت لاهيا لنصرة من كانوا هناك في بيت حانون، لله ذرك أنت وأخواتك الشهيدات والجريحات اللواتي فقدن أطرافهن من أجل الله تعالى ثم من أجل فك الحصار عن المجاهدين الصامدين المحاصرين في بيت حانون.
لقد كانت ثورة النساء من أجل بيت حانون ضربة قوية وصفعة صارمة على وجه الدول العربية والإسلامية وحكامها المتخاذلين الذين لم نسمع لهم ركزا ولا همسا، بل جعل الله قلوبهم غلف وفي أذانهم وقرا، فما عادوا يسمعون نداء المنكوبين في بيت حانون وأخواتها المنكوبات>
وكأني بك يا أسماء بنت يزيد وأنت ترفعين راية الحق والعقيدة فقد كنت صادقة عندما قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل ما رأى، أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابا وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟>
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟"، فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله، قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا".
الله أكبر يا نساء فلسطين، الله أكبر وأنتن تذكرننا بسير الصحابيات الجليلات اللواتي فضلن الموت في سبيل الله والقتل بكرامة عن حياة الذل والهوان، فطبتن وطاب ممشاكن وتبوأت كل واحدة منكن من الجنة منزلا، كما أن هذه التضحيات التي قدمتهن بهذه الصورة الرائعة فقد كانت كذلك كسيرة سمية أم عمار قد ضربت مثالا خارقا في حب دعوة الله تعالى والدفاع عنها لتحوز على الشهادة في سبيل الله وتكون أول شهيدة في الإسلام.
وقد سجلت نساء فلسطين في هذه الحادثة وغيرها من الحوادث التي يعجز عن تقديمها كثير ممن حملوا صفات الرجال، ومثلت نبراسا سيبقى يدق في تاريخ الشرف والعزة والكرامة، وهنا نتذكر أيضا النساء الصحابيات اللواتي سجلن تاريخ العزة والكرامة بماء الذهب في صفحات التاريخ المشرق.
وكلنا يتذكر أن صاحبة هذا الدور هي ذات النطاقين الفدائية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، التي لطمها أبو جهل على خدها لطمة خرج منها قرطها، فكم تساوى هذه اللطمة عند الله؟ وإني لأعقد جازما أن الدور الذي أدته نساء فلسطين لفك حصار بيت حانون لا يختلف كثيرا عن دور الصحابيات الجليلات في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكما لطم أبو جهل أسماء فقد فقدت عزيزة عوض روحها بعد أن أصابتها رصاصات الغدر الصهيوني كما فقدت صاحباتها أطرافهن في المواجهة الأسطورية، ويكفى هؤلاء النسوة أن جهادهن لله ولرسوله وللمؤمنين ودفاعا عن بيت من بيوت الله وكذلك دفاعا عن ثلة من المجاهدين الصادقين المحاصرين بداخله.
وكما بدا الدور الكبير الذي لعبته المرأة المسلمة في غزوة أحد حينما كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب تذود عن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا نزل الرماة من فوق الجبل بحالها وروحها، فقد كانت كذلك المرأة في بيت حانون تذود عن حياض أمتها بدماءها وأشلاءها وأطرافها وروحها، فلنساء فلسطين التحية ولهن كذلك السلام.