منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 23

الموضوع: شقاء السعادة

العرض المتطور

  1. #1
    قاص ومترجم
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,153

    رد: شقاء السعادة

    أتابع قراءة روايتك الجميلة أيها الأديب الأريب
    الأحداث والشخصيات متنامية بشكل متين والصياغة رصينة ومشوقة
    في انتظا ر اكتمال باقي الفصول تقبل التقدير الذي أنت أهل له
    مودتي

  2. #2

    رد: شقاء السعادة

    (14)

    بعد مرور ستة أيام على انهمار الأمطار بتواصل شبه مستمر، بلغ مدير المدرسة المعلمين بأن ينهوا تساهلهم وتسامحهم مع التلاميذ المتغيبين في البلدة، وكانت تلك الصلاحيات تُعطى لمدراء المدارس في المناطق الريفية كونهم أكثر قدرة على التعامل مع الظروف المحيطة.

    لم تكن طرقات البلدة مستقيمة، ولا مُعبدة، بل تتعرج مع تعرج جدران المنازل التي كان يتم إكمالها على مراحل لتكون طرقات ملتوية يصعب على المساحين رسمها دون الاستعانة بتصوير جوي!

    كانت حوافر حيوانات العمل وأقدام المواشي تفعل فعلها في خلط المياه مع الطين ومخلفاتها، فتصبح الطرقات معها وكأنها نماذج مصغرة لمستنقعات في بلاد مطيرة، ولم ينقصها سوى نماذج مصغرة عن تماسيح.

    لم يكن باستطاعة عكرمة أن يسير بمحاذاة أترابه في الحي في الذهاب للمدرسة، كما اعتادوا في الأيام الخالية. كان عليهم أن يسيروا كأفراد قطعان النو التي تقطع الأنهر في إفريقيا في رحلاتها، فيتقدم تلميذٌ شجاع في القفز أمام أصحابه واضعا إحدى قدميه على جزء لم تطأه أقدام الحيوانات، ثم ينتقل بخطوة أوسع نحو حجر مرتفع ليقي ثيابه من بلل الطرقات، ويتبعه التلاميذ الآخرون، إن رأوه قد نجح في مسيره، وفي بعض الحالات كانت إحدى قدمي التلميذ المقدام تنزلق فيسقط التلميذ على جانبه لتنطلي ملابسه بطين بلون التراب والسماد والماء، فيعود لبيته لاغياً يومه الدراسي.

    يتغيب بعض التلاميذ عن الدراسة في مثل تلك الأيام، ليس بسبب كراهيتهم للدراسة، بل بسبب عدم توفر ما ينتعلونه من أحذية يستطيعون التغلب فيها على مصاعب الطرقات. ولم يكن حظ عكرمة أفضل كثيراً من حظوظ أترابه، بل كان لديه (جزمة) من (الكاوشوك) تم شرائها قبل سنتين، حيث كان الآباء يشترون لأطفالهم مثل تلك الأحذية لتخدمهم سنتين أو ثلاثة، فيشترونها بأحجام كبيرة لتستوعب أقدام الأطفال التي كانت تنمو بمعدلات تفوق نمو أجسامهم، كونها حافية راكضة في أغلب الأحيان.

    ولأن عمر الحذاء طويل وسعته أكبر من القدم، فكان ينشق شقاً طولياً من الجهة السفلى الخلفية للقدم وبطول إصبع، فإن لم ينتبه الطفل في سيره فإن سيعاني من برودة الماء والطين التي ستنفذ من خلال الشق وتستقر أسفل القدم العارية (دون جوارب) طيلة اليوم، ومن هنا كان انتباههم.

    (15)

    وقف التلاميذ في ساحة المدرسة لينشدوا نشيد الصباح، ثم يدخلوا لصفوف الدراسة، وكان يسهل على رسام مبتدئ أن يرسم لوحة لأولئك التلاميذ، حيث كانت ملابسهم بألوان لونها الزمن، فلم يكن أي لون منها مصنفاً تحت ألوان الطيف الشمسي، بل مزيجا منها مع اكتساب ألوان الدخان واختلاط مياه غسيل الملابس، وأحجامها تزيد عن أحجامهم بنمرتين أو ثلاثة وأحياناً خمسة، فملابس الشتاء كانت تُشترى بالجملة من سوق الملابس المستعملة ودون حضور الأطفال، أو أنها تكون لأخوة قد ضاقت عليهم أو لآباء الأطفال.

    كان من السهل على أستاذ العلوم معرفة آثار سوء التغذية على وجوه التلاميذ الذين يجلسون متقاربين على مقاعد الدراسة طلباً للدفء من بعضهم واستجابة لزيادة أحجامهم بفعل ملابسهم السميكة والمرقعة. فكان (الحزاز) يبقع وجوههم وكانت السوائل تتماطى للخروج من فتحات أنوفهم. والأستاذ يتهيأ لشرح قاعدة (إرخميدس).

    لكن الأستاذ لم يشرع في ذلك، بل عرج للحديث عن استبسال المقاومة في الجزائر، وضرورة الدعاء لأهل الجزائر والتبرع للثوار من أجل التخلص من الاستعمار الفرنسي، ولو كان ذلك التبرع بعشرة قروش!

    كيف سيبلغ عكرمة والده بضرورة إعطاءه عشرة قروش، وهو لا يستطيع الحصول على نصف قرش كمصروف يومي؟

    (16)

    خرج الطلاب لساحة المدرسة، بعد أن انتهوا من ثلاث حصص، ليقوموا بشراء الحمص المسلوق والمملح، من بائع يضع وعاء على منصب خشبي يقف على ثلاثة أرجل.

    ولكن عكرمة قرر ألا يشتري شيئاً، فإن لم يفلح في جعل أمه تقنع والده بإعطائه عشرة قروش للتبرع بها لثورة الجزائر، فإنه سيقوم بتجميع ذلك المبلغ أو نصفه من مصروفه اليومي.

    أخذ عكرمة ينقل قدميه بجزمته التي مُسح نقش أسفلها بفعل الزمن، من مكان الى آخر، ويرفعها ليراقب كيف تترك أثرا على الأرض المبللة وطينها الرخو، فكانت بشكل أشجار مرسومة بخفة على الأرض، وكل نقلة تكون مختلفة عن الأخرى، لقد استلهم تلك الفكرة من أستاذ الفن الذي طلب منهم ذات يوم بشق رأس (البطاطس) ووضعه على سائل ملون ثم طبعها على ورقة بيضاء، لينتج عن ذلك رسم بديع!

    مضى وقت تلهية عكرمة، حتى قرع الجرس ودخل التلاميذ الى غرف الصفوف.

  3. #3

    رد: شقاء السعادة

    (17)

    كانت شمس ذلك اليوم تضع خطاً مرحلياً لسباق أمطار الأيام السابقة، فهُرع المشيعون من البلدة لتشييع جثمان الشيخ عليان، الذي عاجلته المنية بعد مرض عدة أيام.


    لم يُنه الحفارون قبر الشيخ بسهولة، فتجمع الناس حولهم، وأحدهم يراقب الخط الناشف من التربة مع ما فوقه من تربة رطبة طينية بفعل الأمطار السابقة، ويعلن بصوت عالٍ: ما شاء الله لقد ارتوت الأرض، فالتربة المبلولة أكثر من شبرين. ويردد آخر: أي شبرين؟ قل ذراعاً أو أكثر، فتطوع أحدهم لقياس التربة المبلولة ليضع حداً لهذا الخلاف.

    وارى المشيعون جثمان الشيخ عليان، ولقنه شيخٌ: (إذا أتاك الملكان الشفيعان يسألانك من ربك، فقل ربي الله، وإن سألاك عن نبيك فقل نبيي محمد صلى الله عليه وسلم.. الخ)

    ظهر صوت محمود ابن عليان، يا أهل البلدة: لا تتحملوا مشقة التعازي هنا، فالبرد قارص رغم سطوع الشمس، ومن أراد أن يقدم تعازيه، فبيت العزاء في (مضافة الشيخ عليان).

    (18)

    تقاطرت النسوة الى بيت العزاء المخصص للنساء، وكن يمشين ببطء تحمل كل منهن بعض أقراص الخبز المدهونة بالزيت وتغطيها بقطعة من القماش، ويدخلن بيت العزاء يجلسن بغير نظام، فعندما تكتمل الحلقة التي تجلس فيها النسوة مستندة الى جدران الغرفة، تجلس الحلقة الأخرى أمامهن، وهكذا.

    يصدر صوت نحيب من أرملة الشيخ عليان، يكون خافتاً في البداية، ثم يعلو شيئاً فشيئاً، تعدد في نواحها مناقب زوجها الراحل، لترد عليها النسوة بالبكاء تضامناً وكأنهن فرقة (كورال) لم يُحسن تدريبها.

    وبعد أن انتهت أرملة عليان من نمرتها، تناوبت النسوة في النواح على أشخاص لم يذكرن أسماءهم، كما يُتَبع في بطاقات محلات بيع الزهور، لتكون وكأنها مساهمة ومشاركة في المصاب، ولكن في الحقيقة كل واحدة تندب مصابها هي وتبكي على فقيد لها دون ذكر اسمه.

    لم تنشغل الحاجة حليمة بشكل جدي بالمشاركة في النواح، بل كانت ترقب دخول وخروج الابنة الكبرى للشيخ عليان وهي توزع بعض الأطعمة على المشاركات.

    (19)

    جلس صابر بجانب مدرس التاريخ، في بيت العزاء للرجال، وكانا يستمعان الى موعظة من الشيخ مبارك عن العذاب الذي سيتعرض إليه الظالمين، وكان الشيخ يصف الموكلين بتعذيب أمثال هؤلاء، فمن بين ما قاله: أن أصبع قدم أحدهم يزيد حجماً عن جبل أُحد.

    اختلس صابر نظرة جانبية تجاه مدرس التاريخ، فبادله بنظرة في طياتها ابتسامة غير مرئية، لا يفهمها سواهما، حملت في طياتها تساؤلات عن مصادر معلومات هؤلاء الشيوخ والواعظين، وعن الكيفية التي صاغ بها من وضع مثل تلك الصور لتخويف من يعظهم، وهل كان من الضروري أن يُضخم هيئة الموكل بتعذيب المجرمين لذلك الحد، حتى يرتدع من يسمع مثل تلك المواعظ؟

    أنهى الشيخ مبارك موعظته بدعاء للميت راجياً من رب العالم أن يرحمه ويتجاوز عن ذنوبه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويعوض على أهله عوض الصابرين. ولم ينس أن يشكر الله على الأمطار التي أنعم بها على أهل البلدة، فأمن الحاضرون وراءه عن كل دعوة، وقرءوا الفاتحة ومسحوا وجوههم.

    دار من يسكب القهوة السادة في فنجانٍ أو فنجانين على جميع الحضور، ونهض من نهض مغادراً وبقي من بقي من أقارب وأهل الشيخ عليان.

  4. #4

    رد: شقاء السعادة

    (20)

    لَمَا كان أهل البلدة، يقننون استهلاكهم للغذاء ليتجاوزوا به محنهم، لم يكونوا على علمٍ بأن هذا الأسلوب ستستخدمه شركات النقل الجوي في نقل الأبقار من قارة الى قارة، حيث كانت تحبس الأبقار وتخضعها لنظام غذائي شديد، ينقص من وزنها ما يعادل الربع أو الثلث لتوفير نفقات النقل الجوي.

    ولم يكن علمهم بتلك الأمور ليطلعهم على أن هناك علائق للحفاظ على الحياة، وأن هناك علائق تهتم بصحة الجنين وعلائق لإنتاج الحليب وعلائق لإنتاج البيض. وربما يكون علماء التغذية هم من استفاد من تجارب هؤلاء الذين أخضعتهم الطبيعة لاستنهاض قدراتهم في الصراع من أجل البقاء.

    ففي سنين الخير، لم يكن شبح المحل والقحط ليغيب عن أذهانهم، فإن كان حاصل إنتاج أحدهم يكفيه لعشر سنوات هو ومن يرعاه من حوله من بشر وحيوان، فإنه سيحتاط للاحتفاظ بمئونة سنتين أو ثلاث، مع كميات من البذار تكفي لتلك السنوات القادمة، ويبيع ما سيفيض عن حاجته الفورية أو المستقبلية. وكانت كميات المخزون الاستراتيجي تعتمد على كمية الغلة وحاجة أصحابه.

    وتظهر المشاكل، تبعاً لنقص المواد الاحتياطية. ففي تلك الفترة التي طالت سنوات قحطها، كشفت أحوال أكثر من ثلثي سكان البلدة، فمنهم من كان يقترض من أقاربه قرضاً حسناً، ومنهم من كان يلجأ لإزالة سقوف قسم من سقائف منزله ليطعم الحيوانات التبن الذي كان يُستخدم في السقوف، ومنهم من كان يبيع جزءا من أرضه لتجاوز المحنة، ومنهم من كان يقترض بالفائض من بلدة قريبة، راهناً أرضه أو جزءاً منها، ومنهم من كان يُكابر في الصبر الشديد فلا يشتكي ولا يقترض بل يبقى هو وأهله كأنهم في تمرين بوذي، أو أنهم يفضلون (الاعتفاد*: أي الموت جوعاً بشكل جماعي) على هدر كرامتهم.

    (21)

    تيقن معظم أهل البلدة، أن الموسم يبشر بخير، فكان هذا (المُعْظَم) يتصرف كعطشان قطع شوطا طويلاً في صحراء، ثم شارف على غديرِ ماءٍ علمته خبرته بأنه ماءٌ حقيقي وليس سراباً. فهذا شهر (فبراير/ شباط) قد اقترب على الانتهاء والحقول خضراء بمزروعاتها وأعشابها.

    لكن بهلول لم يشارك هؤلاء الناس استبشارهم بالخير، فكان يحمل عصاه التي كانت أطول من جسمه، ويطوف بين الحارات، مُردداً : ( تغل على جمر وتمحل على نهر: أي أن الله يرزق الناس حتى لو يئسوا و يحرمهم من الغلال حتى لو كانت وفرة الأمطار كماء النهر الجاري).

    لم يكن بهلول وحده، من شكك في الموسم، بل كان يشكك به (أبو مناور) الذي كان يحتفظ بكميات من القمح والشعير والعدس والتبن في مستودعاته التي كانت معظمها على شكل آبار محفورة أسفل قاعات المخازن الظاهرة، ومع ذلك كان ينكر لمن يطلب منه بعض الحبوب أن لديه شيئاً مخزون.

    (22)

    انتشرت النسوة مع الغلمان في الحقول، وكان الجو مشمساً، وكان الأولاد يتابعون حركة سلحفاة هناك، تقترب من حفرة صخرية تجمع بها الماء، وكان أحدهم يريد إطفاء عطشه، فاقترب من الحفرة مُبعداً بعض الخنافس التي سقطت بها ليغب من الماء كأنه خروف. وقد شاهدته أمه (ذيبة أرملة ياسين) وهو يشرب فشاركته بالشرب.

    جمعت (ذيبة) أشكالاً مختلفة من النباتات البرية، وكان لكل نبات اسم واستعمال، فهذه (خبيزة) وذاك (عكوب) وذلك (مُرار) و تلك (بْصِيلة)، ووضعتها ب (معقاد: صرة من القماش العتيق)، وهمت بالرحيل مع أطفالها.

    تعالت أصوات الأولاد، وذهبوا يتراكضون جهة (صياح) القادم من بعيد هو وثلاثة (كلاب سلوقية) يجر وراءه ضبعاً، لا يدري أحدٌ إن كان هو من قتله أو وجده مقتولاً.

    (23)

    انشغلت ذيبة في تحضير الطعام لها ولأولادها، حيث فرمت (الخبيزة) مع (البصيلة) ووضعتها في قدرٍ فوق الموقد، ورشت فوقها الملح، ولم يكن في حوزتها خبزٌ، حيث عليها أن تتمرن هي وأولادها العيش بلا خبز حتى يأتي الخير الجديد، كما عليها أن تستعيض عن البصل بشبيهه البري (البصيلة).

    تأخر أحد أولادها الثلاثة، عن مشاركة أمه وأخويه تناول الطعام، وكان قد لحق صياح، الذي كان يجر الضبع وراءه. وعاد ومعه قطعة من لحم الضبع.

    لم تسأله أمه عن اللحم، رغم أنها سمعته عندما قال: أنها قطعة لحم من الضبع الذي ذبحه صياح.

    كانت فتاوى أهل البلدة في مثل تلك الأيام فضفاضة جداً، فهم إن نصبوا (أفخاخ) للطيور في المساء وعادوا صباحاً، فإنهم لن يناقشوا الحلال من الحرام، ويكتفوا بالقول: (صيد الفخ لَخْ)، وبغض النظر عن معنى الكلمات فهي إشارة على أن أكل هذا الصيد حلال!

    كذلك كان يفعل (صياح) باعتماده على فتوى لم يسأله أحدٌ عن مصدرها، وهي أن الجنب الأيمن من الضبع حلال أكله، فكانوا يأكلون ما يصيده أو يحضره صياح دون تدقيق، ودون أن يتحروا أين ذهب الجانب الأيسر؟






    *ـ الاعتفاد (الانتحار الجماعي) : حالة كان يلجأ إليها سكان مكة المكرمة قبل الإسلام، عندما يقل عندهم الغذاء، خوفاً من كشف فقرهم للآخرين، وقد رافقت تلك الظاهرة ظاهرة وأد الفتيات اللواتي كان أهلهن يخشون أن ينحرفن أو يضطروا لزواجهن من رجالٍ غير كرماء الأصل [ من المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: د. جواد علي/ دار العلم للملايين].

  5. #5

    رد: شقاء السعادة

    (24)

    تأثر عكرمة بالتجاوب السريع لوالده، في إعطاءه عشرة قروش ليتبرع بها لثوار الجزائر، وفتحت له تلك المسألة آفاقاً كبيرة للتأمل: لماذا تجاوب والده بهذه السرعة لإعطائه التبرعات وهو الذي يدقق في كل شيء؟ أين تقع الجزائر؟ وما هي العلاقة العضوية بها؟ على ماذا يثور أهلها؟

    لم يستطع رسم صورة دقيقة عما يفكر فيه، خصوصاً وأن ظلمة الغرفة التي ينام فيها وتشويش الظلال التي يشكلها خفوت الضوء المنبعث من مصباح نفطي ضاعف السنا المتراكم على بلورته من هذا التشويش، جعلت الظلال التي تتشكل من حجب الملابس المعلقة على مسامير على جدران الغرفة وكأنها أشباح ذات لون رمادي.

    كان يحاول النوم، لكن عليه أن يطمئن بأن ما قام به من تبرع يشكل عملاً مفيداً، لكن كيف سيتحقق من ذلك، ما قيمة العشرة قروش؟ وكم من متبرعٍ آخر قام بمثل ذلك؟ كم أعداد الطلبة في بلده؟ وكم بلداً عربياً أو مسلماً يقوم طلابه أو غيرهم بالتبرع؟ وكم ثمن البندقية؟

    لقد صنعت تلك التساؤلات لديه قاعدة ليؤسس لديه اهتماماً جديداً لم يكن ليهتم به سابقاً، فحفظ فيما بعد عواصم البلدان العربية وأعداد سكانها ومساحاتها.

    كان في تصرفه البسيط وكأنه يحاول التمعن بأحوال الشركة التي لا يعرف إمكاناتها بشكل جيد وساهم بها بما قيمته عشرة قروش!

    (25)

    قبل أبو صابر طلباً من أبي مناور بأن يرسل أولاده لأخذ كمية من (القُزْمُل)*1 لاستخدامه كوقود للفرن. لم يتوقف أبو صابر عند الدوافع التي جعلت هذا الرجل المتصف بالبخل أو التدبير القاسي ليكون كريماً في هذه المنحة.

    وصل عكرمة بناءً على طلب والده الى دار أبي مناور، ففتح له أبو مناور باباً لمخزن يواجه الجنوب، يعلو فوق الأرض بما يعادل قامتين لرجل متوسط الطول، ويهبط في الأرض ما يزيد عن ارتفاعه، وأخبر عكرمة بما يجب فعله.

    كانت رائحة المخزن القديم مزيجاً من تخمر الدبال وما علق على الأدوات الزراعية من روائح الحيوانات وبولها، فقد ثبتت مجموعة غير منتظمة من الأوتاد على الجدار الغربي المبني من الحجر والطين وكانت الحجارة التي مال لونها الى اللون البني الغامق ظاهرة دون تغطيتها بالطين، فعلق على الأوتاد بعض الحبال، وإطارات الغرابيل والمقاطف و(حواة) توضع على رقبة البغلة ليُثبت عليها أذرع عربة الجر أو عود الحرث أو غيره، وسرج قديم لفرس غير موجودة.

    كانت درجات الهبوط لأرض المخزن مصنوعة من صخور المكان، فكانت مقصوصة بحيث تصبح درجات، وكان جسم المخزن كله محفوراً في الصخر، ولم يكن هناك من مواد للبناء سوى الجدران الخارجية البارزة فوق سطح الأرض، وما نُصِبَ من قناطر ثلاث لتحمل السقف المكون من أخشاب وأعواد قصب وضع فوقها التبن والطين.

    تساءل عكرمة، من بنا هذا الشيء؟ هل هم من عاشوا في عصرنا؟ أم هم من أبناء الجيل الأول أو الثاني ممن نجوا مع نوحٍ عليه السلام؟ اختلطت خطوط الزمن على عكرمة، كما اختلطت خطوط المكان عندما أراد أن يتصور أين تقع الجزائر.

    (26)

    كان عكرمة يحمل أداةً لها أربعة أصابع من الحديد المُقَسى طول الإصبع حوالي قدم، تنحرف قليلاً للداخل وتلتقي في نهايتها بوَصلةٍ مثقوبة يثبت بها ذراع خشبي، تستخدم لقلب القش وتحريكه، كانوا يطلقون عليها (شاعوب)، وقد يكون اسمها مأخوذاً من تشعب أصابعها.

    غرز عكرمة أطراف الأداة في كومة (القُزْمُل) وأزاحها من مكانها، فلاحظ وجود جسمٍ أملسٍ لم يتعرف عليه على الفور لخفوت الضوء وسط ذلك المكان، فاحترز بفطرته المقترنة بالبيئة، وعاد الى الخلف ليعود ويحرك الأداة بحذر، فإذا بأفعى يزيد طولها عن طوله، ولكنها في طور سُباتٍ لم تتحرك بطريقة عدوانية بل بحركة تُشبه حركة من أكل وجبة دسمة وغفل للتو، وحاول أحدهم إيقاظه، أحضر أداة معلقة لها في رأسها سلاح مبسط حاد تُسمى (مِنساس) يستخدمها الحراثون لإزالة الطين عن أعواد الحراثة، وقطع الأفعى، ولا يدري من أين جاءت بعض القطط لتنقل أجزاء الأفعى لتأكلها. وقد لامه بعض أترابه عندما تحدث لهم عن تلك القصة، حيث قالوا أنه لو أخذها وطبخها بعد إزالة شبرٍ من جهة الرأس وشبرٍ من جهة الذيل!

    بعد أن ملأ عكرمة الأوعية المصنوعة من (الليف) من المادة التي جاء لأخذها من دار أبي مناور، وصل بعض التجار مع أبي مناور ليفتحوا بوابة لبئرٍ محفور أسفل المكان ومموه بالتبن تجنباً لوصول الرطوبة وتحسباً من اللصوص، فاستخرجوا القمح من البئر.

    (27)

    كان أستاذ التاريخ في زيارة لصابر، عندما استمع لقصة عكرمة، فابتسم وقدم شرحاً مُبسطاً لموضوع الآبار المستخدمة في خزن الحبوب، فهي لم تكن من باب الحرص من الرطوبة واللصوص فحسب، بل لها غايات أخرى، وصَمَت، حتى يجعل من إجابته المستقبلية مادة مشوقة.

    سأله عكرمة على الفور: وما هي تلك الغايات الأخرى؟

    أخذ أستاذ التاريخ نَفَساً من الهواء، ثم تناول موضوع حروب العثمانيين (الأتراك) وكيف كان وقودها من شباب وأبناء تلك البلاد، ولم يكتفوا بذلك، بل كانوا يأخذون حاصل الفلاحين من القمح لإطعام الجيوش، ويأخذون الشعير لإطعام خيولهم وبغالهم.

    من هنا، لجأ أهالي تلك البلاد للتحايل في إخفاء محاصيلهم.





    هوامش:

    *1ـ القزمل: هو ناتج تنقية التبن من العيدان الغليظة التي لا تأكلها الحيوانات، حيث يُستخدم غربال (كربال) فتحاته واسعة لينزل التبن الصالح لإطعام الحيوانات من فتحاته ويبقى في الأعلى ما كان غليظاً، تستخدمه النساء في الأفران لإحمائها.

  6. #6

    رد: شقاء السعادة

    (28)

    كما كان سكان تلك المناطق يتحايلون على استفتاء أنفسهم حول شرعية مسائل أزمعوا على القيام بها، كانوا يتحايلون في صياغة الأمثال لتكون لهم سنداً يفسر ما يحل بهم أو ما يواجههم.


    ففي الشتاء الذين يحفظون في ذاكرتهم الجمعية تفاصيل أيامه، كانوا يضعون مثلاً لكل طارئ. فإذا جاء أحد أيام شباط/فبراير مشمساً، نجد العجائز يرددن مثلاً: (شمس شباط لكناتي وشمس آذار لبناتي وشمس نيسان لشيباتي)، كما يردد أبناء الريف (شباط إن شَبَط وإن لبط ريحة الصيف فيه). ولكن إذا أرادوا تعزية أنفسهم بقلة الأمطار فسيقولون (آذار فيه سَبْع ثلجات كبار).

    ولم يكن أهل البلدة يبقون في بيوتهم إلا في حالات نزول المطر أو الثلج، فيخرجون، وليس من الأهمية أن يعرفوا لأي مكان يخرجون، أو تعريف الغرض من خروجهم. فدرجات الحرارة في الشتاء تتساوى في الخارج كما في الداخل، وقد يكتسب أحدهم من أشعة الشمس (المستحية) بعض الحرارة المجانية.

    كذلك كانت حيواناتهم، تخرج أو يخرجونها من (مرابضها) لتنطلق الى أي مكان، وقد لا يكون في الأرض إلا التراب، ومع ذلك فإن خروج حيواناتهم له معطىً أولياً، ولا ينسوا أن ينسبوا على لسان حيواناتهم بعض الأمثلة (نزهني ولا تغذيني) [ أي أن الحيوان يفضل التجوال الحر على الأكل في حالة ربطه].

    (29)

    في نهار مشمس من أيام شباط/فبراير، توقف سائحٌ أجنبي كان الفتية يركضون وراء دراجته، دون أن يتضايق منهم، توقف أمام مجموعة من الرجال وضعوا جدار المسجد الكبير في ظهورهم، وواجهوا الشمس من جهة الشرق، وتناول آلة تصويره، ليلتقط بعض الصور، لهؤلاء الرجال الذين يلتفون بملابسهم السميكة، والذين لم يكن منهم من يتكلم، ولكنهم كانوا يحدقون في الأفق جهة الشرق.

    لم يكن أحد من الرجال يعلم ماذا يدور في خلد ذلك السائح، هل كان يعتقد أن المكان هو أحد معابد من يعبدون الشمس؟ أم هل أن تلك الفرقة الصامتة تقوم بطقس من طقوس التأمل المنتمي لسحر الشرق؟

    بادر أحد الفتية الى التطوع بإرشاد السائح الى بيت الأستاذ (سامي) أستاذ (الإنجليزي في المدرسة).

    لم يكن في البلدة، فندقاً ولا مطعماً، فالزائر لها ضيف، والضيف واجب إكرامه، وهذا الواجب له سبب يجعله يرتقي من كونه واجباً ليكون مسئولية، فأهل البلدة معرضون في سفرهم الى من يستقبلهم كضيوف، فإذا نُقِل عن هذه البلدة أنها لا تكرم ضيوفها، فإنهم سيكونون عُرضة لعدم استقبالهم من قِبل الغير.

    لكن، هل هذا الأجنبي السائح الباحث عن أرض الشمس، سيحفظ لأبناء تلك البلدة تصرفهم؟ وهل سيأتي يومٌ يكون فيه مضيفاً لأحد أبنائها؟

    (30)

    أرسل الأستاذ سامي ابنه لشراء بعض اللحم من أجل عمل (المَنْسَف) لضيفه، والطلب من أستاذ التاريخ وصابر أن يحضرا للمشاركة في تناول الطعام، وفي هذه الأثناء سكب له فنجاناً من القهوة السادة، بعد أن شرب هو قبل ضيفه من نفس الفنجان (سكبة)، شرب السائح تلك الكمية القليلة من القهوة في أسفل الفنجان، وناوله الفنجان، فسكب الأستاذ مرة أخرى وناولها للسائح فشربها، وسكب له مرة ثالثة فشربها وأخبره بأنه اكتفى. ابتسم الأستاذ وقال: عليك أن تهز الفنجان لكي يعلم مضيفك أنك اكتفيت!

    دخل أستاذ التاريخ وصابر وحيا الموجودين، وجلسا قبالة الضيف، على فرشٍ وُضع على بساط صوفي قديم، ووضعت بعض (المراكي: وسائد يضع الجالس كوعه عليها)، وكان الحديث بين الأستاذ سامي والسائح، تتخلله بعض الضحكات.

    استفسر الأجنبي عن أولئك الذين كانوا يجلسون مقابل الشمس، وما هو الغرض من وجودهم هناك فأجابه الأستاذ بشرح غير مقنع فبادره الأجنبي بالقول (Just sitting?) وافقه الأستاذ أن الحالة هي كذلك.

    دخل اثنان ممن تدعوهم غرائزهم للذهاب الى الولائم دون دعوات، وجلسا صامتين، بعيون لا تلتفت كثيراً وخدودٍ متهدلة وشفتان سفليتان منتفختان ومتدليتان، كانا على دراية تامة بأنهما لن يُطردا وسيتناولان طعامهما المجاني، برفقة ذلك الأجنبي.


    كانت رائحة دهن إلية الخروف المذابة والمخلوطة ببعض البهارات تنبعث من ممرات البيت، لتذهب الى غددٍ تقع في أسفل حنكي المتطفلين وتجبرهما على إفراز اللعاب استعداداً للأكل، فكانا يداريان تشوقهما للأكل بالإيعاز للعاب بالارتفاع، لكن دون جدوى، فكان يترك لمعاناً على أسفل صفحات وجهيهما، مما دعاهما لتحريك عيونهما لتفقد ما إذا كان أحدٌ ما يراقب (شبقهما) للأكل.

    (31)

    دخل أحد أبناء الأستاذ سامي، ورمى قطعة من قماش ملبس بشيء يمنع تلوث المكان ببقايا الطعام، وفرش القطعة في المكان الذي فهمه من عيني والده. ثم عاد وأحضر قصعة واسعة من البرغل المطبوخ والذي يعلوه اللحم، واحتاط الأستاذ على شراء رأس خروف ليتربع في مركز القصعة (المَنسف)، ليوهم الآخرين أنه ذبح لهم. وفي وعاء عميق كان به اللبن المطبوخ مع (الكركم) ومرق اللحم، وضع وعاء أصغر له ذراع يتناول فيه صاحب الدعوة غرفة ويوزعها أمام ضيوفه.

    تفضلوا على (الميسور)، قال الأستاذ، فبادر صابر بالإشارة بكلمات إنجليزية غير متقنة تماماً للسائح، فهم منها أنه عليه تغيير جلسته والتهيؤ لتناول الطعام.

    لم ينس الأستاذ أن يتلاطف مع المتطفلين ويشعرهما بعدم تضايقه من وجودهما، فقام الجميع الى الطعام الذي انحصر بحيزه بين أجسامهم وانحناء رؤوسهم نحوه، فزاد من تركيز الأبخرة المنبعثة منه ومفعولها على تحريضهم للأكل بشغف.

    أحس الأستاذ أن الأجنبي قد راقه الطعام وطريقة إعداده وتناوله باليد، لدرجة أنه تربع كأبناء البلدة، وأخذ يتناول كل لقمة بتمتع وتذوق فريدين.. لكنه تفاجأ من السرعة التي نهض به المدعوون والمتطفلان، فتوقف ليسأل الأستاذ: لماذا نهضوا؟
    أجابه الأستاذ: لقد شبعوا، إنهم أكلوا بسرعة تفوق سرعتك عشرات المرات.
    فاستغرب الأجنبي: ولماذا هم مسرعون، هل فاتهم جزء من الجلوس في الشمس؟

  7. #7

    رد: شقاء السعادة


    (32)

    فتح عكرمة بوابة منزلهم على مصراعيها، لكي يسمح لفرس (أبي نجم) الشركسي أن تدخل، فالبوابة كما هي بوابات كل منازل البلدة، لا تُفتح إلا في مثل تلك المناسبات، أو لإدخال الغلة المنقولة على ظهر الحيوانات، فأصحاب المنزل، صغارهم وكبارهم يدخلون من خلال فتحة في وسط البوابة، تكون بطول حوالي المتر وعرض حوالي الذراع وتعتلي عن عتبة البوابة بمقدار نصف متر، كان يُطلق عليها اسم (خُوِيخَة).

    قابل أبو صابر ضيفه بالترحاب والعناق، والأسئلة المتشابهة عن أحواله وأحوال عياله، وعن الموسم في منطقتهم، رغم معرفته بخصوبة منطقتهم وكثرة أمطارها.

    أنزل أبو نجم (الخُرج) عن فرسه، واستخرج منه بعض أمتعته، وأقراصاً كروية الشكل، من جُبن (الكشكوان) الذي يصنعه من حليب أبقاره الكثيرة في أحد قرى (الجولان).

    خرج أبو صابر ليوعز لزوجته بتحضير طعام الغداء لهذا الضيف الثمين، فقامت بدورها بأمر عكرمة أن يمسك باثنين من الديوك الستة ذوات السبعة أشهر.

    حاصر عكرمة وأحد أترابه من أبناء الحارة الديوك، التي كانت تتمتع بحيوية عالية لخفة وزنها وطبيعة تربيتها، فكانت تناور بالهرب من مكان لمكان حتى دخلت تحت لوح من الخشب يستخدم لدرس وطحن القش فأمسك مع صاحبه باثنين منها، وأحضرها لوالدته التي كانت قد أوشكت على غلي الماء لتغمس به الديوك بعد ذبحها لنتف ريشها وتنظيفها.

    (33)

    وزع عكرمة وقته بين الجلوس القليل في ديوان أبيه ليستمع الى كلام لم يفهمه بشكل جيد، وبين الركض في اتجاهات غير معلومة على وجه التحديد مع صاحبه، ثم العودة لمراقبة أمه التي كانت تُعد طعام الغداء.

    كان أبو نجم، قد فقد ثلاثة رؤوس من الأبقار، وهي ليست المرة الأولى التي يفقد فيها مسروقات من أبقارٍ وجِمالٍ، فمزارعه واسعة، وحيواناته كثيرة، والطامعون يجدون أحيانا فرصة لسرقة بعض تلك الحيوانات. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يستعين فيها أبو نجم بأبي صابر في البحث عن مسروقاته، فالشركس كما هم العرب لا يهمهم كم يدفعوا لقاء الكشف عن مسروقاتهم، حتى لو كان مجموع ما يدفعونه يفوق قيمة المسروق، فالمسألة عندهم تُحسب على وجه مختلف.

    خرج أبو صابر، في طلب أحد أبنائه ليذهب لدعوة برهان العقر، ليتناول الغداء مع الضيف، ولمشاورته في موضوع البحث عن المسروقات. فقد كان لكليهما خبرة في تقصي البحث في مثل تلك الحالات. كانت لهما معارف في خريطة لصوص الحيوانات في دائرة لا يقل قطرها عن مئة كيلومتر، وإن تخطت السرقة تلك الدائرة، فيلجئون للاستعانة بمن يتبادل معهما الخبرات.

    (34)

    دخل برهان العقر الديوان محيياً ومبتهجاً بالمفاجأة التي وجدها عند صديقه، وكان صوته مرتفعاً ومخارج حروفه تتناسب مع طوله الفارع، وعباءته الشقراء، التي فقدت بهائها من قِدمها، كان رغم سنين عمره السبعين، يبدو قوياً لا يستخدم عكازاً ولا يحني ظهره، وبقي في فمه مجموعة الأنياب بالإضافة لبعض الأضراس، في حين سقطت ثناياه، وكان هذا يؤثر على مخارج الحروف، لتبدو السين قريبة الشبه من الشين، وتحيط بالصاد هالة من (الرجيج) بفعل أثر التبغ الذي يتناوله، ويؤدي الى سعلات غير مكتملة.

    كان أسئلة برهان العقر عن وقت فقدان الأبقار ومتى اكتشف فقدانها، وهل بحث أبو نجم عنها في المناطق المجاورة، وهل هو يثق بمن يعمل لديه، وهل داهمت المنطقة ذئاب أو ضباع، وبمن يشك، كل تلك الأسئلة كانت تنم عن خبرة ضرورية للإقرار له بمهاراته.

    وبعد أن أجاب أبو نجم عن كل أسئلة برهان العقر، جاء دور أبي صابر ليسأله هل موسومة الأبقار بنفس وسم أبي نجم، وهل قرونها كاملة، وهل عليها (أرسان) وما هو وصف كل رسن، ثم أسئلة تخص اللون والبقع التي تتخلله الخ.

    (35)

    أطرق عكرمة عندما عاد ما تبقى من طعام بعد أن تناول من بصحبة أبيه غدائهم، وعندما لم يجد أي قطعة من اللحم، أو حتى بعض العظام، تساءل: هل كُتب علينا أن ننظف الحقول والبيادر لإحضار أعلاف تلك الديوك، دون أن يُسمح لنا بتذوقها نهائياً؟

    إن أبا صابر شأنه شأن رجال البلدة الذين يتنقلون بين البلدات، يكرمون ضيفهم ممهدين الطريق لإكرام أنفسهم عند سفرهم، فهم مكرمون في بيوتهم ومكرمون في بيوت من يحلوا ضيوفا عليه. أما الأطفال وأهل البيت فعليهم الاكتفاء بنكهة الدجاج أو اللحم التي تعلق بحبات البرغل، ومن يدري فلعلها تعلق بلعاب بعض هؤلاء الضيوف.

    تساءل عكرمة هل طعم لحم الدجاج يختلف عن طعم (المصران) الذي تناوله ووضعه على قطعة من حديد فوق الجمر، فكان طعمه مزيجاً من الجلد المحروق وبعض بقايا العلف غير المهضوم!

المواضيع المتشابهه

  1. السعادة
    بواسطة الدكتور ضياء الدين الجماس في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-01-2015, 06:27 PM
  2. سر السعادة
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الأم والطفل.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-26-2013, 01:26 AM
  3. من طرق السعادة
    بواسطة مازن الحكيم في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-04-2013, 07:38 AM
  4. السعادة
    بواسطة ميسم الحكيم في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-07-2012, 03:07 PM
  5. نتمنى وفي التمني شقاء
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-05-2009, 11:36 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •