--------------------------------------------------------------------------------
جلس على مقعده المتأرجح أمام المدفأة يرشف من كوبه الذي أعده لعله ينسيه برودة تشرين القارسه مختفيا داخل معطفه الذي أل إليه وحيدا – فهو كل ما بقي من ثروته الطائلة – مع بعض النقود التي سمحت له بالسكن في هذا المكان البغيض الذي تنتظر جدرانه أوامر الزمن بالهدم فوق رؤؤس أصحابه ليفعل .
ييرمق جدار الذكريات الذي وضع عليه صوره مع عائلته التي كان يحتفظ بها ، لاحت من مقلتيه قطرات دمع - تصرخ منذرة من أن خلفها نهر من نظيرتها يريد أن ينهمر كفيضان النيل قديما – تحرق وجنتيه حسرة على هذه الذكريات التي ضاعت منه دون أن يشعر .
وقعت عينه على صورة أخيه التوأم الذي إلي كان يترنح في الدروب بحثا عن أربعة حوائط و سقف يحميه من قسوة برودة هواء تشرين ، بينما كان هو يشعل بالنقود السجار للعاهرات مفتخرا بذلك ليقضوا معا وقتا صاخباً ، أعلنت مقلتيه الإنذار الأخير و أنها ليست مسئولة عما يحدث إذا ما سمحت لدموعه المرور في قناتها عندما كان يتذكر أنه السبب في قتل أخيه الوحيد ، تصرخ و جنتيه أنها لم تعد تطيق نار دمعاته المحرقة عندما تقع عينه على صورة أمه شهيدة مولده و أخيه ، و والده الذي لم يدخر مجهودا قط ليوفر لهم عيشه كريمة .
يخرج شيطانه معلنا ثورته على هذا الندم و يقنعه أن الأمر برمته لا يهمه فقد كان أخاه عنيدا و يستحق ما حدث له فقد كان يكره النجاح يريد أن يعيش وسط مبادىء و شعارات تلاشت من عقود ، و أي عناد هذا أن يعيش رجل مثالي في زمن يأكل الأخ لحم أخيه ميتا دون أن يكره هذا إنه حقا أحمق .
و لكن أيتهم الرجال بالغباء و الحماقة لأنهم أرادوا العيش شرفاء ؟؟ ، لقد اخترت أن تسلك الدرب الذي تسميه أنت درب النجاح فماذا فعلت ؟!!
- اصمتي يا أنا ... اصمتي
- إذا فأنت تتهرب من الحقيقة
- أي حقيقة هذه ؟
- أنك قتلت أخاك
- أوشكت أن أتهمكِ بالجنون
- إذا هل لك أن تتذكر كيف مات أخاك ؟
- اصمتي ........
- لماذا لا تريد أن تتذكر فعلتك الشنعاء ؟
- قلت لك اصمتي .... اصمتي .. أنتي حمقاء مثله تريدين أن تعيشي مع الشعارات و المبادىء ... و ماذا كنت ستجني لي ؟!
- على الأقل كانت ستجنيني لك .. ألا أستحق ؟
- لم أكن في حاجة إليك فقد كنتِ معه فماذا فعل بكِ
- مات رجلا شريفا
- و ما هي معايير الرجولة و الشرف في هذا الزمن و ما أهميتها بدون مال يحميها و سلطان تشق به طريقها ؟
- و ماذا فعلت بهما ها أنت حبيس هذه الأركان العتيقة التي حصلت عليها بشق نفسك بعد أن ضاع منك كل شيء لان ما جاء من الباطل لابد أن يعود إليه مرة أخري أما أنا فقد خسرتني إلى الأبد
- و لكنك أنا ؟
- كنت أنت إلى أن قتلت أخاك بمشروعات الفاسدة التي قضت على عشرات مثله لم يكن ذنبهم أكثر من أنهم فقراء فاحتاجوا إلى مشروعاتك التي قتلتهم واحد تلو الأخر و ليس من العجب أن تصبح مثلهم فافعل ما شئت كما تدين تدان ، أما أنا فسأخلد إلى جوار أخي و أسرتي و أنعم معهم ، أما أنت فمسخ تبقي على حالك هذا إلى أن تموت و لم يستدل عليك إلا أن تفوح رائحة جثمانك النتنة و يستحقر الناس جسدك كما كنت تستحقر أجسادهم و تجعل منها معبرا إلى درب ما تسمه أنت نجاحا إلا أنه لم يكن إلا طريق نهايتك .
نصيحتي إليك أن تبقي مكانك تنتظر اليوم القريب لتجاور من كنت تحارب لتكون معهم و لن نلتقي أبدا فأنا لست أنت