المرحلة الثالثة (1979ـ 1990)


رافقت حالة الفوضى التي شهدتها العلاقات الثنائية بين الشطرين نقلةً نوعية تمثلت في تولي المقدم علي عبد الله صالح*1 رئاسة الجمهورية في الشطر الشمالي، بتاريخ 17/7/1978، فسعى لتوحيد الجبهة الداخلية عبر إقامة حوار مع الأطراف المعارضة بهدف دمجها في العملية السياسية ليضمن هدوءا داخلياً.

وفيما يخص موضوع الوحدة اليمنية، فقد نجحت جامعة الدول العربية في احتواء الخلاف بين الشطرين، وعقد دورة استثنائية في الكويت من 4 ـ6/3/ 1979، تم من خلالها الاتفاق على إنهاء الأعمال الحربية، وسحب القوات ووقف النشاطات الإعلامية والدعائية العدائية بين الطرفين، وفتح الحدود بين البلدين أمام حركة الأفراد والبضائع، كما أوصت بعقد قمة بين رئيسي الشطرين لتنقية الأجواء.

تم اللقاء بين الرئيسين علي عبد الله صالح و عبد الفتاح إسماعيل، في الكويت في الفترة بين 28ـ30/3/1979، وفي ختام اللقاء تم الاتفاق على أن تقوم لجنة لصياغة الدستور خلال فترة أربعة شهور، ثم تقر الصيغة النهائية من قبل الرئيسين، فيتم الاستفتاء عليه وانتخاب سلطة تشريعية خلال 6 أشهر، واختتم البيان بالالتزام بكافة الاتفاقيات المبرمة سابقاً.

أنهت اللجنة الدستورية صياغة مسودة الدستور في 30/12/1981، وكان مكوناً من ست أبواب و 136 مادة، وحمل الباب الأول عنوان (أسس الدولة) ويشمل الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية (المواد 1ـ25) وحمل الباب الثاني عنوان ( حقوق المواطن وواجبات المواطنين الأساسية) (المواد 26ـ39). أما الباب الثالث (تنظيم سلطة الدولة) فتطرق الى هيكلية وصلاحيات مجلس الرئاسة والوزراء والنواب وأجهزة السلطة المحلية ( المواد 40ـ 119) وهو من أكبر الأبواب. والباب الرابع (القضاء والإدعاء العام والنيابة العامة) (المواد 120ـ 125). وحدد الباب الخامس شعار الجمهورية وعلمها والنشيد الوطني (المواد 126ـ 128)، وأخيراً حدد الباب السادس قواعد سريان الدستور، وأصول تعديله وأحكام عامة انتقالية.

عمل المجلس الأعلى

استمر المجلس اليمني الأعلى بأعماله للتهيئة للوحدة، حتى جاءت أحداث 13/1/1986، وخروج الرئيس علي ناصر محمد من الشطر الجنوبي ومعه مجموعة من قيادات الحزب والدولة. وكان تصرف الرئيس علي عبد الله صالح حكيماً، إذ لزم الحياد، ودعا الى حل الخلافات وديا بين الأطراف المتنازعة من رفاق الأمس. وهو ما انعكس إيجابياً على تهيئة مناخ من الثقة ساهم بإعادة الحوار مع طرف ( علي سالم البيض)*2 الذي تسلم زمام الحكم في الشطر الجنوبي، من أجل إتمام اللمسات الأخيرة لمشروع الوحدة.

ساهم الرئيسان في تعجيل خطوات الوحدة، وكانت أول الخطوات العملية في 4/5/1988، عندما تم السماح للمواطنين في الشطرين بالتنقل بين البلدين بالبطاقة الشخصية، وتم في 1/7/1988، إلغاء نقاط القوات على الحدود بين البلدين.

تغيرات دولية واكبت الجهود من أجل الوحدة اليمنية

واكبت الجهود النهائية في طريق الوحدة اليمنية، تغيرات دولية ملحوظة، خصوصاً ذلك التقارب الذي حدث بين القطبين السوفييتي والأمريكي، وتوجه الدول الشيوعية في الكتلة الشرقية للتخلص من أنظمتها الشمولية، وغيرها من الأحداث، مما جعل الأجواء في البلدين تتجه نحو جدية عالية في تحقيق التغير السلمي من أجل بناء دولة الوحدة.

من هنا جاء اتفاق عدن التاريخي في 30/11/1989، بين قيادتي الشطرين، حيث تم التصديق على الدستور الذي تم إعداده منذ عام 1981، كما تم التوجه للاستفتاء عليه شعبياً، والمضي في الانتخابات التشريعية (للسلطة التشريعية الموحدة)، وتشكيل لجنة للإشراف على الانتخابات، ودعوة جامعة الدول العربية لإرسال مندوبيها لمراقبة الانتخابات والتحولات.

وبهذا تكون قمة عدن قد أعطت أكثر مما كان يُتوقع منها، حيث كان من بين الطروحات أن تتم الوحدة على الصيغة الكونفدرالية، فقد تجاوز الاتفاق هذا الطرح ليرتقي الى الوحدة الاندماجية الكاملة.

عام 1990 عام الوحدة

في الاجتماع الثاني للجنة التنظيم السياسي الموحد الذي عقد في عدن يوم 10/1/1990، تم إقرار مبدأ التعددية السياسية من خلال الموافقة على (البديل الثاني) الذي ينص على احتفاظ الحزب الاشتراكي (في الجنوب) وحزب المؤتمر الشعبي العام (في الشمال) باستقلاليتهما، وحق القوى السياسية في ممارسة نشاطاتها بكل حرية وفقاً للدستور في ظل اليمن الواحد.

وفي اجتماع صنعاء يوم 22/1/1990، صدر عدد من القرارات في الجوانب الاقتصادية والمالية والإعلامية والثقافية والتربوية والتشريعية والشؤون الخارجية، والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي والتصورات بشأن دمج الوزارات والمؤسسات والمصالح.

اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية

في يوم 22/5/1990، تم توقيع اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية، وتنظيم الفترة الانتقالية من قبل زعيمي الشطرين، وفيما يلي نص الاتفاق:

(( تقوم بتاريخ الثاني والعشرين من أيار/مايو 1990 الموافق 27 شوال 1411هـ بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (شطري الوطن اليمني) وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد هو (الجمهورية اليمنية) ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، بعد نفاذ هذا الاتفاق يُكَون مجلس رئاسة الجمهورية اليمنية لمدة الفترة الانتقالية ويتألف من خمسة أشخاص ينتخبون من بينهم في أول اجتماع لهم رئيساً ونائباً للرئيس، ويشكل مجلس الرئاسة عن طريق الانتخابات من قبل اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، والمجلس الاستشاري، ويؤدي مجلس الرئاسة فور انتخابه جميع الاختصاصات المخولة لمجلس الرئاسة في الدستور)).

تحدد فترة انتقالية لمدة سنتين وستة أشهر، ويتكون مجلس النواب خلال هذه الفترة من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الأعلى بالإضافة الى 31 عضواً يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة، ويمارس مجلس النواب كافة الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور.

يصدر مجلس الرئاسة في أول اجتماع له قرارا بتشكيل مجلس استشاري مكون من 45 عضواً، وتحدد مهام المجلس في نفس القرار.

يكلف مجلس الرئاسة في أول اجتماع له فريقاً فنياً لتقديم تصور حول إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية بما يكفل تعزيز الوحدة الوطنية وإزالة آثار التشطير وبناء على هذا الاتفاق تم إعادة تحقيق الوحدة وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في الموعد المحدد، وتم اختيار الرئيس علي عبد الله صالح رئيساً لمجلس الرئاسة في الجمهورية اليمنية*3

انتهى





هوامش (من تهميش الباحث)

*1ـ علي عبد الله صالح: من مواليد 1941 في ضواحي صنعاء، التحق بالجيش عام 1962 ساهم في نشاط كبير في حركة 13/6/1974 وعينه إبراهيم الحمدي رئيساً للأركان ثم نائباً له.

*2ـ علي سالم البيض: ولد في حضرموت عام 1939، ونجا من الموت في أحداث 13/1/1986، وأصبح رئيسا للشطر الجنوبي، ثم نائباً للرئيس في دولة الوحدة، ثم عاد ليعلن نفسه رئيساً لليمن الجنوبي بعد محاولة الانفصال بين (21/5/1994 و 7/7/1994) عندما انهزمت قواته، فترك البلاد متوجهاً لعُمان.

*3ـ لمزيد من التفاصيل انظر: صالح حسين الحاذق/ الوحدة اليمنية نواة الوحدة العربية الشاملة/عدن 1992/ صفحة 179ـ 184.