ثالثا : الوقوف عند محطات إبداعاتى فى رحلة أسفارى الأدبية :
ما إن أمسكت بالقلم ووقفت على عتبات دنيا الأدب الرحيبة حتى أدركت أهمية الأمانة التي أتحملها وكانت تحضرني دائما الآية القرآنية : " والقلم وما يسطرون 0 ما أنت بنعمة ربك بمجنون " ، ولهذا أصبح كل سطر أخطه على الأوراق استوحى فيه ضميري وعقلي وقلبي دون أن أفقد حرية البوح وأقيد نفسي بالقيود الغليظة 0 أما مضمون ما رأيت أن أكتبه فكان فى الأساس منتميا إلى الأرض والناس والهوية والانتماء وأوجاع المعذبين وأفراح المتفائلين ، أردت أن يكون الأدب إنسانياً بمفهومه المطلق دون التقيد بمدرسة نقدية معينة أو الخضوع لأيدلوجية محددة ، فقط آخذ ما تراكم فى صدري ووجداني من أحداث وقضايا وما يعانيه الناس من مشاكل وما يرونه من أحلام وأماني وما عشته أنا من أحداث واكبت عمري وكان لها مدلولها الفكري والثقافي 0 وكل عمل كتبته يمثل مرحلة إبداعية فى حياتي الإبداعية وله أجواؤه النفسية والفكرية ، وسأتناول ما كتبته ونشر فى ترتيب زمني دون أن أتناول مضمون العمل فهذه قضية النقاد ، وإنما سأعرض فقط الأجواء النفسية والمناخ العام الذي يحيط بالعمل عند بدء الكتابة وذلك على النحو التالي :
1) الفارس الآتى إلينا : مجموعة قصصية صدرت في 1979 – هذه المجموعة هي حصاد ما كتبته في أواخر الستينات وأوائل السبعينات وآثرت أن أتعامل مع هذه النصوص بآليات القص المتعارف عليها : تماسك البناء 0 التشويق 0 النهاية غير المتوقعة 0 وهذا العمل عزيز على نفسي بحكم أنه أول عمل يصدر لي 0 كما فازت فيه قصتان على مستوى الدولة " وغنت البنادق أنشودة القمر " فازت بمسابقة الثقافة الجماهيرية في 1975 وقصة " حكاية عرس في قريتنا الخضراء " بجائزة المراكز الثقافية 1977 ، وبه أعمال مازلت متأثرا بجمال ما فيها وبصدق ما كتبته فهي حالات من البوح المبكر جداً في بواكير عمري الإبداعي وهى " قطعة من اللحم – نظرة إلى الشاطئ الآخر – جولة في قلب الظلام – قطرات من نبع قديم "
2) "أنشودة البطل" رواية صدرت من المجلس الأعلى للثقافة 1981 وتمثل هذه الرواية مرحلة هامة فى عمري الأدبي فهي التي أدخلتني دنيا الأدب بحماس شديد ، فهي الرواية الفائزة بالجائزة الثانية في مسابقة نادى القصة 1974 ، وهى التي جعلتني أتحاور طويلا مع الأديب الروائي الفارس الشهيد يوسف السباعي ، وقبل كل ذلك أن كل ما فيها صادقاً : الأحداث – الشخوص – القضايا ، فهي مستوحاة من أحداث حرب 1967 ، حيث كنت مشاركا في هذه الحرب بمدفعية السواحل بالعريش ، ورغم حجم النكسة إلا أنني كنت أبحث عن مواقع البطولة سواء كانوا أفراداً أو جماعات ، وبالفعل وجدتهم لأن موقعي دافع ببطولة ولم يستسلم ، وهناك مواقع كثيرة فعلت ذلك 0 وتناولها بالنقد إعجاباً كل من المرحوم الناقد الكبير : جلال العشري والكاتب المبدع : عبد العال الحمامصى .
3) " عيون فى وجه القمر " رواية صدرت عن الهيئة العامة للكتاب سنة 1987 كتب هذه الرواية في الغربة وأنا في السعودية ، وأول بوح لكتابتها كان في مدينة " عنيزة " ، أسرتني المدينة بجمالها ونخيلها وشيوخها ونسائها وكنت في عودة من العمرة ، استحضرت هذه المدينة بجمالها الأخاذ مشاهد قريتي " المحمودية " ، وعندما اتجهنا إلى الصحراء المترامية وكان القمر بدرا صحا الماضي عارما في رأسي ، تذكرت جدتي لأمي عندما كانت تجمعنا صغاراً في ليالي القمر ، وتحكى لنا حكايات بيضاء وخضراء عن قريتنا وعن جذورها الممتدة زماناً أبدياً في الوطن 0 وامتلأ قلبي بالأحاسيس والمشاعر 0وما أن وصلت إلى الرياض حتى بدأت بالكتابة مستحضراً كل مشاهد قريتي بشيوخهما ، جدتي .. أبى .. أمي ، الشيخ المهيب وشخصيات أخرى ، وكنت أثناءها في حالات من الوجد والشجن المصري الأصيل أبحث عن الفطرة الصادقة التي أبدعها الله فينا ، استغرقت عاما وانتهت سنة1977 م ، وقد أعدَّ لها الشاعر المبدع والناقد الأدبي الكبير أ.د صابر عبدالدايم فصلاً كاملاً للدراسة في سنوات كلية اللغة العربية بالزقازيق ، وبها قبلت عضواً في رابطة الأدب الإسلامي الكبير (أبو الحسن الندوى) من الهند وفيها يستحسن ما كتبه 0
4) سنوات الحب والموت صدرت عن الهيئة العامه للكتابة سنة1988 م
ظلت تجربة الحرب التي شاهدتها ولم تنتهي رغم ما مر بها من تطورات. فرحت أسجل أعمالا قصصية قصيرة عنها في كل مراحلها من سنة 1956 م وحتى حرب العبور ، واكشف عن السجاية العظيمة التي يتمتع بها الشعب المصري ،وأوضح البطولة بكل محاورها العسكرية والسياسية والاجتماعية وصياغتها من قلب المعارك التي امتزج فيها الحلم بالدم والأمل بالنار والأهازيج بدوي المعارك ، وتناولها نقاد كثيرون : جلال العشري ـ أ.د محمد حسن عبد الله ، أ 0د يوسف نوفل ـ أ 0 د صابر عبد الدائم ـ أ 0 د حسين على محمد .
5) ثأر الموتى : م0 قصصيه صدرت عن الهيئة العامة للكتاب سنة 1989
استوحيت نصوص هذه المجموعة عندما كنت في زيارة للإسكندرية 1985 ، فجَّر البحر وعناق الأمواج وزئير الرياح والطيور المهاجرة في لجته .. فجَّر كل هذا في ذاكرتي بعض الحكايات والمشاهد والمواقف من الزمان الجميل الذي ولَّى ، فرحت أكتب ما ثار في نفسي . ورأيت أن تكون معظم النصوص من الأدب الإنساني مستخدما بعض آليات التجريب في آليات القص . وهى تبحث عن الإنسان المصري الذي يعطى في صمت ، ويعمل وعرقه ممتزج بالتراب ، ويغنى بحب للمعذبين في الأرض ، ثم يتوسد القبر ونفسه في سكينة وطمأنينة .
6) رائحة النبع :
رواية قصيرة صدرت من الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1994 وهذه الرواية حقيقية وصادقه في كل وقائعها وهى تحكى قصة حب عذري شفيف عفيف بين أثنين من أبناء البراري ، وقد عايشت هذه القصة بكل وقائعها وهزتني الأحداث وسحرتني طبيعة بلاد البراري ، الأسرة الفاتنة وكان ذلك في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ، وعندما كنت في زيارة لأخي المهندس الزراعي الذي يسكن هذه البلاد ، أما الذي استدعى بواعث البوح لكتابة هذا العمل عندما شاهدت في 1990 ما حل بهذا المكان العذري الأسطوري ، كتل من الخراسانات المسلحة الشائهة ، فرحت أكتب بعد هذه المشاهدة ، وهي صيحة أردت أن أبثها لأوضح كيف يضيع القبح بالجمال والشر بالخير والمادة بالروح ، وتناول هذه الرواية بالنقد كل من : أ الدكتور جمال التلاوي وأ. الدكتور صلاح السروي والناقد محمد محمود عبد الرازق .
7) " أحلام الشموس الغاربة " مجموعة قصصية – إقليم شرق الدلتا الثقافي 1997
هذه المجموعة أري نفسي فيها ، فقد جاءت بعد تجارب طويلة من النصوص الإبداعية ونثرت فيها فيوضات من ذاتي فهي تمتلئ بالأحاسيس والمشاعر وجوانب كثيرة من مشاكل الحياة ومعظمها يخصني ، وكتبتها وأنا في حالات من الوجد والشجن والحزن ولكنه الحزن الشفيف الذي لا يرمي الزمن ولا الناس بسهام الكثيرة .
8)الخيول الشاردة – رواية صدرت عن اتحاد كتاب مصر عام 2000م
الذي أشعل فكرة الكتابة لهذه الرواية هو الانتفاضة الفلسطينية الأولي 1987 وعند البوح أبحرت في قلب الزمان العربي كله مستخرجا منه اللؤلؤة والجواهر واستحضرت مقومات تاريخ هذه الأمة روحها ومقدراتها ، متحديا مظاهر الانكسار ، وكتبتها في إطار تجريدي رمزي تغلب فيه روح الأسطورة ومتجاهلا الزمان والمكان لتكون للزمن كله وللمكان كله ، وكتب عن هذه الرواية أ . د السيد الديب والروائي محمد جبريل وأ .د صابر عبد الدايم و أ .د حسين علي محمد وأ.د مرعي مد كور .
وفي النهاية هذه الشهادة هي من عمري الأدبي ، وبها أختتم بأن القلم في يد الكاتب لن يتوقف طالما كان مغموسا في دمه ، مغسولاً بعرقه ، معطر بدموعه ..
والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .