بائعـــة الياسميـــن...
لم تدرك زمزم أن رحيل والداها وهي في الخامسة من عمرها قد يجعلها طفلة وحيدة بلا رعاية، ولكن حضن جدتها صفية كان قاعدة الحنان لكسر العزلة الاجتماعية التي عانتها خلال فترات عمرها.
فكل صباح تستيقظ زمزم على رائحة الخبز الشهي الذي تقوم جدتها بإعداده في تنور صغير يقبع خلف جدار عتيق في فناء المنزل، حيث الخشب المتكوم والصحون المرصوصة في خزانة خشبية صغيرة، والحليب الساخن المعد منذ ساعات الفجر الأولى في إبريق معدني.
زمزم: صباح الخير جدتي..
الجدة: أهلا بحلوتي وصغيرتي زمزم، فطورك جاهز.
تذهب زمزم ذات الخمس عشرة ربيعا إلى أخذ دوش، ثم تنطلق للإفطار، وإذا بها تشاهد جدتها ذات الشعر الأحمر والذي تسبح فيه خصلات شائبة، جالسة أسفل شجرة الياسمين وورودها البيضاء التي تبعث الأمل بالحياة، وتشرح النفس الكئيبة، وتمحو الأحزان ومرارتها من القلب.
كل يوم تقوم الجدة صفية بخياطة زهور الياسمين على شكل طوق، وتبيعه بنفسها لسكان الحي، هي وزمزم حفيدتها أمام رصيف قرب مكتبة صغيرة لبيع الكتب والمجلات والصحف اليومية.
وفي لحظة مرة خانت فيها الأقدار الجدة، عصفت الأمراض بجسدها الذي نهكته الحياة الصعبة، فجعلها حبيسة الفراش والأمراض، فلم تقوى على خياطة وبيع الياسمين... فقامت زمزم بذلك... وخرجت بنفسها إلى الشارع تذرف الدموع وتتوسل حتى يشتري الناس كل ما لديها من ياسمين، وذلك لسد حاجتها وشراء الدواء لجدتها المريضة.
تجلس زمزم بالقرب من جدتها النائمة ودموعها منهارة على خداها الزهريان... تبكي جدتها المريضة التي فقدت قواها ولم تعد قادرة على النهوض، فزمزم باشرت بكل أعمال المنزل من غسيل وطبخ لتعوض تعب جدتها التي خدمتها طوال الأعوام الماضية.
وظلت الجدة على هذه الحال إلى أن أسلمت الروح إلى بارئها، وودعت دنياها وحفيدتها الصغيرة التي خيم الحزن على وجهها، وغرقت عيناها بالدموع..وتركت زمزم وحيدة تحت رعاية الله عز وجل، تسقي شجرة الياسمين..وتخيط زهورها البيضاء وتبيعها وتتصدق بنصف الربح، وتصرف بالنصف الآخر عليها، وذكرى جدتها تراودها في كل زهرة ياسمين بيضاء.
* كتبت بواسطة رذاذ عبدالله