منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    موسوعة كيف نرتقي بفكر ابناءنا؟؟؟؟

    المحور الأول:طريقة معاملة الطفل


    المحور الأول:
    طريقة معاملة الطفل
    المشكلة التي نعيشها الآن هي: مَن يربي المربي..؟
    يقول البعض: "على الأب أن يقول كذا وكذا لأبنائه." لكن الأب نفسَه غيرُ مستوعبٍ هذا، وهو لا يعرف هذا.! ويذكرون قصّة رمزيّة تصبُّ في هذه الفكرة، وهي أن فتى في السادسة عشْرة ارتكب جرماً شنيعاً، فحُكم عليه بالقتل، ولما اجتمع الناس؛ ليشهدوا تنفيذ القتل، قام أحد الحاضرين وقال: "لا تعاقبوا هذا الغلام، عاقبوا أباه الذي لم يُحسِن تربيته حتى فَعل ما فعل.." فما كان من الغلام إلا أن قال: "أبي رباني؛ (أي: بذل جهده في تربيتي حسب معرفته) لكنَّ أباه ما رباه، وعليكم أن تلاحقوا الجد الذي قَصَّر أساساً في تربية ابنه، وصار ابنُه أباً وربى بطريقته.."
    ولو رجعنا إلى الجد فسنسمع منه القول نفسه: "أنا ربّيتُ ابني، وبذلتُ معه كل جهدي، وأعطيته المال من أجل إغرائه بالعمل الصالح، وفعلت وفعلت.. لكنْ –للأسف- لم يكن على ما ينبغي."
    إذاً.. هذه هي المشكلة، وهذه هي الحلقة المفرغة التي يجب أن نكسرها.. ولكن كيف نكسرها..؟
    الجواب: نتعلم ونُعَلِّم في آن واحد، نتعلم ما علينا أن نتعلّمه، وهذا الذي نتعلمه نُبسِّطه وننقلُه إلى الأطفال.
    أهمية الحوار
    إن الطريقة المثلى لمعاملة الطفل، والطريقة المثلى في توجيهه وتربيته تكمن في أن نتخذ من الحوار في الأسرة أسلوباً للمعايشة.
    الحوار لا يكون بين طلاب العلم فقط ، أو في مجلس إدارة شركة..إن الحوارَ أسلوبُ حياة، بمعنى أن تُتاح الفرصة على قدم المساواة للصغار والكبار لأن يقولوا ما لديهم.
    وقد مرت علينا في التربية الأسرية فترات طغيان؛ وفي تلك الفترات السوداء لم يكن يُسمح لأحدٍ أن يتكلم مع الأب، أو يتكلم مع الأم بما يريد: وكان الرجل يُسكِت المرأة، والصبي يُسكِت البنت، والكبير يُسكت الصغير.. ولو انتقد شخص أمراً في أبيه أو في أمه فإنهم يقولون له: إنك أسأت الأدب.! وفي تصوّري أن الابن إذا انتقد أباه بطريقة مهذّبة يكون قد فعل خيراً، وهذا من مصلحة الأب، ومن مصلحة الأسرة أن تجد فيها من يقول له: "يا أبي إنك قاسٍ في التربية، وأشعر أنك لا تهتمّ بنا كما ينبغي، أو نشعر أنك لا تعطي اهتماماً لقضية واجباتنا المنزلية والمدرسية."
    يصب هذا النقد في مصلحة الأسرة، وفي مصلحة الأب بشرط أن يتم بطريقة لائقة، لكن أن نُحرِّم على الصغار الدخول في حوار مع الكبار فهذا في النهاية يؤدي إلى تربية طفلٍ خائف، طفلٍ مقموع ضعيف الشخصية لا يتحمل أي مسؤولية، وسيكون لهذا الطفل سلوكان: سلوك أمام أبويه كما يحب الأبوان، وسلوك آخر سيئ يفعله في السر؛ نتيجة عدم الانفتاح بين الأب والأم من جهة، وبين الأطفال من جهة أخرى.
    الحوار.. لا الجدال
    لا نقصد بالحوار الجدال؛ لأن ثَمة فرقاً بينهما:
    ففي الجدال كل طرفٍ مُصرٌّ على أن يُقنِع الآخرين بفكرته، ولو أدى هذا إلى أن يكذب أحياناً، أو يقول غير الحق، أو يرفع صوته..
    أما الحوار فهو أنْ أَحرص على أن أُريَ مَن أحاوره نقطةً غامضة لديه، وأقول له: أنتَ لستَ منتبهاً لهذه النقطة. وهو يحرص أيضاً على الشيء نفسه، فهو يُريني نقطة لا أراها، نقطة غامضة، ويقول لي: هذه غامضة عندك.
    وليس الهدف من الحوار أن نَخرج باتفاق، أو أن نَخرج بإجماع، بل المقصود أن نُحسن الفهم؛ أي: أساعدك على أن تحسِّنَ فهمَك للموضوع، وتساعدني على أن أُحسِّن فهمي للموضوع.
    وأتخيل أنه إذا أردنا حقاً أن يحدث نوع من التفتح الذهني لدى الأطفال في البيوت فيجب أن نعتمد الحوار، لا النَّهْرَ والضرب والشتم كما هو عند بعض الأسر، أو تلقيبَ الأطفال بالألقاب القبيحة .. أو أسلوبَ الإملاء: (أنا قلت كلمة وكفى) الطفل سيسمع منك، لكنه بعد مدة سيتمرّد ولن يفعل إلا الذي في ذهنه؛ لأنك ما أخذتَ وأعطيت معه، وما حاورته، ولا اقتربت منه..
    ليست قضية الحوار قضية أساسية في تربية الجانب العقلي لدى الأطفال فقط، وإنما في تربية الجانب العقلي والروحي والنفسي والاجتماعي..
    وكما ذكرتُ يجب أن يكون الحوار أسلوب حياة، وليس شيئاً نتّبعه في مؤسسة أو في مكان محدّد.
    موثع الاصالة الثقافية
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    تشجيع الطفل على التساؤل



    تشجيع الطفل على التساؤل
    فُطر الأطفال على حب إلقاء الأسئلة، والطفل يريد أن يتعلم؛ لذلك يسأل باستمرار، وقد يسأل إلى حد الضجر، مع العلم أن الله تعالى هو الذي فَطره على هذا.
    وإذا وُجد طفل لا يسأل، فأظنها مشكلةً قائمة فيه، وربما يعاني من أحد أنواع التخلف العقلي؛ لأنه لا يسأل؛ فكثرة الأسئلة علامة صحّة، وبعضنا -من كثرة الأسئلة- قد يجيب الطفل أحياناً بأجوبة خرافية، وقد يُجيب بما لا يعلم، وقد يَنْهَرُ الطفل.
    أقول للمربي: إن كان عندك جواب فَقُلْه للطفل، وإن لم يكن عندك جواب فقل له: هذا السؤال لا أعرف جوابه، وعندما أعرف الجواب سأشرحه لك. وإذا سأل الطفل أسئلة محرجة فمن الممكن أن نقول للطفل: جواب هذا السؤال غير مناسب لك الآن، وعندما تكبر ستتعلمه بنفسك. وسيقبل الطفل بهذا.
    التساؤل وطرح الأسئلة وسيلة أساسية جداً في المعرفة، ونحن نظنّ في تقليدنا الثقافي أن الذي يسأل هو الجاهل، مع العلم أن هذا الظنّ غيرُ صحيح؛ لأن القادر على السؤال هو العارف، أو الباحث عن المعرفة، وأما الجاهل فلا يعرف كيف يسأل أصلاً. ولو جئنا بجهاز إلكتروني ووضعناه أمام إنسان أمّيّ بحضور عشَرة مهندسين، وقلنا له: اسأل ما تريد.. فهو بين أمرين:
    الأمر الأول: أن يقول: "ليس عندي أي سؤال.. وكل الأمور جيدة." وهذا ما يفعله كثير من طلاب المدارس، فهم يقولون للأساتذة: ليس عندي أي سؤال..! مع أن أكثرهم لا يعرفون، وليس لديهم خلفية عن الموضوع، فكيف يسألون عن شيء هم لا يعرفون عنه أي شيء؛ لذلك نجدهم عاجزين عن الأسئلة.
    الأمر الثاني: أن يسأل أسئلة مضحكة غير ذات صلة بالموضوع، كأن يقول: هل يعمل هذا الجهاز على الكاز أم على البنزين.! وهل هذا من خشب أم من حديد.!؟
    من المفترض ألا نجيب عن أسئلة الطفل فقط، بل علينا أن نشجعه على أن يتساءل، وعلى أن يجد أجوبة للأسئلة التي نُلقيها عليه.
    كأن نقول له: لماذا تظن أن ابن الجيران هو الأول في صفه دائماً.. وما أسباب تفوقه..!؟
    عندما يجيب الطفل يحاول أن يعلل، وعلينا أن نشجعه على التعليل. يتجرّأ الناس في البيئات الجاهلة على الكلام بغير علم، وفي مجالس كثيرة يسأل أحدهم سؤالاً طبّياً بحضور طبيب مختصّ، فيتريث الطبيب في الجواب، وأما غير المختصين من الناس فيجيبون بسرعة.!
    العالم.. الطبيب.. المختصّ يحسب حساب كلامه قبل أن يتكلم، وغير العالم يتجرّأ على القول.!
    لنعلمْ أنه ليس من المهم أن يتحدث الطفل فقط، بل علينا أن نطالبه بالتعليل، وأن نشجعه على ذلك، ونقول له: لماذا قلت هذا الكلام.؟
    قد يعطيك الطفل علّة صحيحة، أو سبباً صحيحاً، أو سبباً غير صحيح: فإن كان صحيحاً، فعلينا أن نوافقه على كلامه.. وإن كان غير صحيح، فعلينا أن نُبين له خطأه، ونطلب منه أن يُفتش عن علة أخرى.
    ربط الأسباب بالنتائج
    يكمن سبب التأكيدِ على قضية التعليل وربط الأسباب بالنتائج في أن العقل الخرافي يسود كثيراً من البيئات.! كمن يقول لك: "فلان نجح بتفوق بضربة حظ، وهو شخص محظوظ."
    هذا الشخص ذو العقل الخرافي لم يدرك الجهد الذي بذله ذلك الشخص المتفوق؛ لذلك يقول: إنه محظوظ. أو تراه يؤمن بقضية الطّفرة، ويقول في نفسه: "ربما أُوفق بفرصة ذهبية تغير كل حياتي .!" ونحن نقول له: هذه الفرصة لن تأتي؛ الفرصة تأتي عندما تبذل جهدك، وتُؤهِّل نفسك لها.
    نحن نريد أن يعرف هذا الطفل أن كل نوع من النتائج يحتاج إلى نوع معين من الأسباب والمقدمات، وكل نوع من المقدمات والأسباب سترتبط به نتائج معينة، وكلما أخذنا بهذه الأسباب حصلنا -بإذن الله- على النتائج التي نرجوها ونتوقعها.
    إن مقدمات النجاح تكمن في الاجتهاد، ومقدمات التفوق هي التنظيم وبذل الجهد، ومقدمات الرسوب الكسل، ومقدمات التلاؤم مع الناس حسن الخلق والصبر عليهم، وإذا أردت أن تتنافر وتُنبذ فهذا سهل، ما عليك إلا شتم الناس وسيتنافرون عنك.
    الحديث عن البدائل
    الحديث عن البدائل مهم من أجل التنمية الذهنية للأطفال، ومن أجل تنمية الجانب الفكري لديهم.
    للأسف الشديد حينما نجلس ونتحدث في مجالس سمرنا، يذهب ثمانون في المئة من وقتنا في الحديث عن المشكلات، فالكل يشكو، ولا نجد أحداً يعجبه أيّ شيء.!
    من المعلوم أن الوعي البشري قد اخترع الشكوى من سوء الأحوال؛ من أجل أن يتّخذ من الشكوى مُحرِّضاً على التقدّم، وعلى النهوض.
    فالشكوى لها وظيفة نهضويّة، وهي ألا يستسلم الناس، وأن يعرفوا أنهم في وضع سيئ وأن يعملوا لتحسين ذلك الوضع. وفي كثير من الأحيان لا تكون الشكوى مطابقة للحقيقة والواقع.
    ولو أنك رجعت إلى التاريخ لما وجدتَ أهل أيِّ زمان راضين عن زمانهم، وعدم الرضا هذا عند كل الأمم.
    كل مَن تلقاه يشكو دهرَه




    ليت شعري هذه الدنيا لـِمَنْ


    إذا كان الكل يشكو من الدنيا، فلِمن هذه الدنيا..! أَوَ ليس لها أصحاب.. أوَ ليس لها أحباب.. أوَ ليس فيها مستفيدون منها.!
    يقول عروة بن الزبير t: رحم الله خالتي عائشة حين كانت تقول: رحم الله لبيداً حين كان يقول:
    ذهب الذين يُعاش في أكنافهم



    وبقيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأَجربِ


    يقول عروة: تقول خالتي عائشة: رحم الله لبيداً لو عاش إلى زماننا ماذا كان يقول.. ويقول عروة: رحم الله خالتي عائشة لو عاشت إلى زماننا ماذا كانت تقول..؟ ([1])
    فالكل يشكو.! وعندما نتحدث عن الحلول نعطيها عشرين في المئة من الوقت والتفكير، وفي أحيان كثيرة لا نعطي من وقتنا دقيقة واحدة لأيِّ حل.! وقد حضرتُ ألوف المجالس ولم أسمع فيها حلاً لمشكلة، فالمجلس يبدأ بشكوى، وينتهي بشكوى، ويختتم باليأس والإحباط.!
    نحن لا نريد هذا؛ فما من مشكلة إلا ولها حلّ، لكن هذا الحل قد لا يكون مُرْضياً، وقد يكون نصف مُرْضٍ، وقد يكون سيئاً، ولكنه أفضلُ المتاح..
    ويظن الأطفال من كثرة شكوانا أن الدنيا مقلوبة رأساً على عقب: لا خير فيها ، ولا نجاح، ولا صلاح، ولا أمانة، ولا رفاهية..!
    وهذا ليس بصحيح بالتأكيد؛ فبشكل عام يعيش 80 % من البشر الآن في رفاهية أكثر مما كان عليه الناس قبل خمسين سنة.
    المطلوب أن نضع حلاً لأي مشكلة تُطرح، وأن نناقش هذا الحلَّ، ونذكر إيجابياته، وسلبياته..
    مثال: يشكو الطفل من أعباء الدراسة، ويُقرِّر قائلاً: "لا أريد أن أستمر في الدراسة.." على والده أو من يقوم بتربيته أن يسأله مباشرة: ما البديل عندك عن ترك الدراسة.؟
    سيقول الطفل: البديل أن أذهب وأعمل في متجر..
    نقول له: لو عملت في هذا المتجر خمسين سنة فلن يزيد راتبك عن كذا وكذا، فهل تستطيع أنت بهذا المبلغ المحدود الصغير أن تُؤسِّسَ أسرةً، وأن وأن..
    فكلما ذُكر حلٌّ ولم يُعجِب، أو وضعية ولم تُعجِب نقول: ما البديل عن هذه الوضعية.؟ إن الكثير من المثالية التي في أذهان الناس تتبخر عند حديثنا عن البدائل؛ لأن الكلام سهل، وكما يقولون: "الكلام ببلاش"
    وعندما ينقد الناس وضعاً ما، يجب أن نقول: كلامكم كلُّه صحيح، لكن ما البديل عن هذا، وما الذي يجب عمله، وكيف نحل هذه المشكلة.؟
    إن 80 % من أوقاتنا تذهب في تصوير المشكلات، و20 % تذهب في حلِّ المشكلات، والمطلوب هو العكس. وفي كل مكان يجب أن نتوجه إلى السؤال المهم: ما الحلُّ لهذه المشكلة.؟
    وأكثرنا لا يحب أن يتكلم في الحلول؛ لأن الحلول تُرتّب علينا واجباتٍ، ومعظم الناس غير مستعدين لأن يُسهموا في أي حل، بل يتم النقد، وتُوزع التهم هنا وهناك.!
    لذا من الضروري أن نربيَ الأطفال على قضية: "ما مِن شكوى، وما من مشكلة إلا ويجب أن نبحث لها عن حل، أو نصفِ حل."
    كما أنه ما من مشكلة يُطرح لها حل إلا وهناك أناس يُجنِّدون أنفسهم لزرع الإحباط، ويقولون: هذا حلٌّ سيئ.! وعندما نقول لهم: ما البديل عن هذا الحل السيئ.؟ لا نسمع لهم صوتاً.!
    نحن نرضى في كثير من الأحيان بالحلّ السيئ؛ لأنه أفضل الموجود، وهو الحل المتاح حالياً ، وهذا على مذهب إخواننا في مصر: "أحلى الوحشين"
    إذاً.. علينا أن نؤكد على قضية الحلول، وعلى قضية البدائل في تنميتنا الفكرية للأطفال.
    حِس المقارنة
    تعد المقارنة أمَّ كلِّ العلوم.. ومن أمثلة المقارنة:
    · جلس شخصان عاميان أميان، قال أحدهما للآخر مشيراً إلى فاكهة معينة: ماذا تسمونها عندكم.؟ قال له: نحن نسميها كذا. فقال له الآخر: وأنتم ماذا تسمونها.؟ فقال: نحن نسميها كذا..
    · تناقش أبوان في كيفية معاملة الطفل عندما يخطئ، فقال أحدهما للآخر: أنا أضربه. فقال له صاحبه: أنا أنصحه...
    · لماذا تشتهر القرية الفلانية بأشجار كثيرة، بينما أرضنا قاحلة، مع أن الماء متوافر لكلا القريتين.!؟
    لنُنمِّ لدى الأطفال قضية المقارنة، كأن نقول لهم: يا بني قارن بين وضعك وبين وضع ابن عمك، هل وضعك أحسن أم وضعه.؟ فإذا قال: وضعي أحسن. فلنقل له: لماذا.؟ وإذا قال: وضعه أحسن.؟ قل له أيضاً: لماذا..؟
    لنُنمِّ حسَّ العقل المقارِن الذي يقارن الأشياء بعضها مع بعض؛ لأن المقارنة باب كبير من أبواب العلم، وباب كبير من أبواب الفهم.
    إن خيار العقول المسلمة اشتغلت في علم الفقه الإسلامي، والفقيه المتوازن الناضج لا يأتي بنصٍّ واحد فقط ويستنبط منه مباشرة، بل يأتي إلى الواقعة الواحدة، وإلى الموضوع الواحد، فيستحضر ما فيها من نصوص، ويوازن بين تلك النصوص، ويُرجح نصاً على نص، ويحاول فهم القضية فهماً صحيحاً دقيقاً، وبهذه الطريقة وحدها تنضج العقلية.
    للأسف.. يأتي كثير من الشباب إلى موضوع من الموضوعات، ويأخذ نصاً واحداً، ويهمل عشرين نصاً بلا مبرر، ويأخذ بقول فقيه، ويترك قول عشرين فقيهاً في القضية..! وكانت النتيجة: تأسيس مذهب في العنف تُستباح من خلاله الدماء، وتُتلف عن طريقه الأشياء، ويُروَّع بسببه الآمنون.. وما هكذا يكون الفهم الصحيح للإسلام، وما هكذا يتم إصلاح أحوال المسلمين.
    وأملي بالله U أن تنتهي هذه القضية من خلال المعالجة الحكيمة، وأن تصبح في ذمة التاريخ، وأظن أن وعينا يتحسن الآن حول سبل الصلاح والإصلاح..
    معاملة الطفل على أنه شخص مسؤول
    على الطفل أن يفهم أنه إذا أراد أن يكون حرّاً فإن هناك مسؤولية عن هذه الحرية.. ليعرف أنه إذا أساء في كذا فهناك لوم وتقريع، وإذا قَصَّر في كذا فهناك محاسبة، وإذا كسر شيئاً في البيت وتكرر منه ذلك فعليه أن يدفع ثمن ذلك الشيء أو جزءاً من ثمنه.
    عندما نعامل الطفل على أنه مسؤول عن تصرفاته حينئذ يبدأ عقله بالعمل، وقبل أن يُقدِم على أي تصرف يقول: "آه.. إذا فعلت كذا فالجزاء هو كذا وكذا كما أخبرني والدي؛ لذلك يجب ألا أفعل."
    يظنّ بعض الآباء وبعض الأمهات أن هذا يتنافى مع تدليل الطفل، وهذا الظن خطأ؛ نحن لا نريد أن نجعل الطفل يشعر بأنه مرتاح فقط، بل يجب أن يشعر الطفل بأنه مرتاح، لكن يجب أن يُشغل عقله أيضاً، وأن يفهم أن كل تصرف من التصرفات التي يتصرفها قد يأخذ مكافأة عليه، أو قد يعاقب ويجازَى عليه؛ ولذا يجب أن يكون مسؤولاً عن تصرفاته في إطار الحرية التي تُمنح له.



    ([1])ينظر: معرفة الصحابة، أبي نعيم، رقم: 5348
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    التعامل على أساس الجهد


    التعامل على أساس الجهد
    لنُعامل الأطفال على أساس الجهد الذي سيبذلونه، وليس على أساس الموهبة.
    أعرف شخصاً كان يصنِّف أولاده وهم في المرحلة الابتدائية قائلاً: "فلان سيكون قاضياً، وفلان سيكون موظّفاً في دائرة حكومية، وفلان سيكون كذا.." وكان يعتمد في تصنيفه على ما يراه من تفاوت في درجات الذكاء لدى كل واحد من أولاده..! هذا التصنيف غير دقيق؛ لأن مما عمت به البلوى الآن أن الطفل الذكيّ في البيت يُحترم أكثر، ويُخشَى منه ومن أجوبته المفاجئة، ومن ومن... حتى إن بعض الآباء يتحاشون اصطدامهم بهم، ويغضون الطرف عن أخطائهم.. والطفل الذي ليست لديه درجة عالية من الذكاء نجده مُهمَلاً..!
    ليس من العدل أن نعامل الأطفال على أساس ما آتاهم الله من الذكاء، بل يجب أن يُعامَلوا على أساس الجهد الذي يبذلونه.
    ولا يصحّ أن ننظر إلى الطفل الذي لا يبذل جهداً باهتمامٍ أكثر من الطفل متوسط الذكاء الذي يتعب ويبذل جهداً؛ لأننا حينما نتعامل على أساس الذكاء يُصاب الطفل الذكيّ بنوع من الغرور، وينكسر خاطر الطفل الأقل ذكاء، أو المتوسط في ذكائه، ويقول يائساً: قد حَكم عليّ أبواي قبل أساتذتي بأني غير ذكيّ.!
    يجب أن يتعلم الأطفال أن الطريق إلى التفوق ليس الذكاء فقط، بل هو الجهد أيضاً.
    من الممكن أن نشبه الذكاء أو الموهبة بشكل عام بالرقم واحد، فأيُّ إنسان موهوب لديه رصيد هو الرقم واحد، وإذا نظّم وقته أكثر وضعنا له صفراً على يمين الواحد، فإن كانت عنده روح الدأب والاستمرار والمثابرة صار عنده صفران، وإن كان يحبّ أن يتعلّم ويطوِّر فهمه صار عنده ثلاثة أصفار، وإن صحَّت له فرصة ممتازة للتفوق صار لدينا أربعة.. بدأ بواحد وانتهى بعشرة آلاف، ويمكن أن ينتهي بمليون.
    أما الإنسان الذي يملك ذكاء، ولكنه لا ينظم وقته، وليست لديه أهداف، ليست لديه المثابرة، ليس لديه حب للتعلم.. يبقى على هذا الواحد، ويتفوَّق عليه صاحب الجهد بمراحل.
    فالشخص الذي يتمتَّع بذكاءٍ عاديّ ولديه رغبة في أن يتعلم، يتفوق على المتميز بذكائه وليس لديه حب التعلم.
    نقطة التميُّز
    وفي إطار هذه القضية يجب أن يَفهم الأطفال أن لدى كل واحد منهم نقطة تفوق معينة، فما من واحد منا: صغاراً وكباراً إلا ولديه نقطة تفوق، ولو أن الآباء اكتشفوا هذه النقطة ونمَّوها لديه فلربما صنعوا من هذه النقطة رجلاً عظيماً.
    قد تكون نقطة التفوق في ذاكرة قوية، وقد تكون في خيال متَّسع، قد تكون في خُلق حسن، قد تكون في المثابرة والدأب في العمل..
    وما أكثر نقاط التفوق التي يمكن أن نُنَمِّيها عند الطفل، ولكن علينا نحن الكبار أن نساعد الطفل على ذلك، سواء أكنّا آباء، أم مدرسين، وأظن أن المدرسين أقدر على كشف نقاط التفوق عند الأطفال من الآباء.
    قال لي أحد الإخوة: كنت ذات مرة أشرح هذه الفكرة لبعض الشباب، فقال لي أحدهم: (يا أستاذ.. إني موظف في شركة عادية، و لم أجد عندي أيَّ نقطة تفوّق، وأنت تقول: كلُّ واحد عنده نقطة تفوق، وآمل منك أن تكتشف نقطة التفوق التي عندي.. )
    فقال له المدرس: أنت لديك ابتسامة جميلة.
    فردّ عليه: ماذا تعني تلك الابتسامة الجميلة، وماذا أصنع بها، وهل تُطعم خبزاً هذه الابتسامة الجميلة.!
    فرد الأستاذ قائلاً: يمكنك أن تقرأ بعض الكتب، وأن تشارك في بعض الدورات التي تهتمُّ بالعلاقات العامة، ومن الممكن أن تصبح يوماً ما مديراً للعلاقات العامة في الشركة؛ لأن لك طلعة بهية، ومحياً جميلاً..
    ذهب هذا الرجل إلى زوجته وقال لها: إن المدرِّس قال إن لدي ابتسامة جميلة.. فهل هذا صحيح.؟
    فقالت له زوجته: "بالتأكيد.. أنت صاحب ابتسامة جميلة، وإلا فما هو السبب الذي جعلني أصبر على العيش معك.! "
    يقول لي هذا الأستاذ: بعد فترة من الزمن اتصل بي هذا الرجل هاتفياً في الساعة الواحدة ليلاً، وقال: يا أستاذ.. أُبشِّرك أني أصبحتُ الآن مدير العلاقات العامة في الشركة، وتلك الكلمة التي قلتها لي دفعتني إلى أن أنمّيَ لديَّ الفهم في العلاقات العامة والخبرة.. وأنا الآن كما ترى. فبارك له الأستاذ، وقال مازحاً: لا تتصل بي ثانية في وقتٍ متأخِّرٍ من الليل..


    المحور الثاني
    مفاهيم مهمة يجب ترسيخها في ذهن الطفل
    ننتقل الآن إلى المحور الثاني الذي سنتحدث فيه عن بعض المفاهيم التي يجب أن ننقلها إلى الأطفال، وأن نرسخها في أذهانهم.
    المفهوم الأول: محدوديّة العقل البشري
    يُلاحظ أنه تنشأ لدى الطفل- وكذلك الشاب- نوعٌ من المثالية غير الصحيحة، ونوع من الكبر: كبر العقل. ويَعد المراهق نفسه أفهم من أبويه، وأفهم من أساتذته، وأفهم من مديره..!
    الطفل الصغير يقول: أنتَ.. أنتَ ما علمتني... أنتَ ما أعطيتني.. أنتَ أنتَ... بينما يقول المراهق: أنا.. ونلاحظ أن لديه اعتداداً شديداً بنفسه. أما الناضج فيقول: نحن.. فهو يتكلم باسم المجموعة، ولا ينفرد عن المجموعة بشيء شخصي أوبشيء خاص.
    الطفل
    المراهق
    الناضج
    أنتَ
    أنا
    نحن
    يجب أن نرسخ في ذهن الطفل أن العقل البشري عقلٌ محدود، وأن العلم البشري علمٌ محدود كما قال تعالى:
    ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء : 85 ]
    ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف : 76 ]
    وعلى الإنسان أن يفهم أنه مهما قرأ ومهما درس فإنه لا يدرك سوى جزء صغير من الحقيقة، ولن يفهم كل الحقيقة، وأنه مهما تقدم، ومهما تعلم فهناك أناس كثيرون أعلم وأكثر خبرة منه..
    في كل شيء من مخلوقات الله تعالى عناصر غيبية لم يطلع عليها أحد، ولو كان أمامك كأس ماء، فمن الممكن أن نسأل عشرين سؤالاً حول هذا الكأس، ويعجز أكثرنا عن الإجابة عليها:
    · كم قطعة صَنع المصنع من هذه الكأس..؟ تقول: لا أدري.. فنقول لك: يوجد من يعرف هذا، وهم أهل المصنع..
    · كم متوسط بقاء هذه الكأس لدى الأسرة في هذه البلاد.؟
    الجواب: لا أحد يعرف ذلك، حتى الشركة التي صنعته..
    · كم من رجل عندما شرب من هذه الكأس كان مزاجه معكراً.؟ الجواب: لا أحد يعرف ذلك.
    · كم مرة شُرب في هذا الكأس عصير برتقال، وكم مرة ماء.؟
    الجواب: لا أحد يعرف ذلك.
    إذاً.. هناك عناصر غيبية دائماً لا نعرفها، ومن خلال الفهم والبحث والعلم والدراسة نطلع أكثر فأكثر على تلك العناصر.
    نريد أن نغرس لدى الأطفال شيئاً نسميه التواضع العقلي، وأن ما نعرفه نحن الكبار، وأن ما يعرفه الصغار هو أقل بكثير من المطلوب.
    كأن نقول له: يا بني مهما تعلمتَ، ومهما فهمتَ فلا يزال أمامك طريق طويل حتى تفهم أكثر وحتى تتعلم أكثر؛ والعقل البشري لا يدرك الحقيقة ويكتشفها إلا على سبيل التدرج، ومن المستحيل إدراك الحقيقة دفعة واحدة، وستنقضي هذه الحياة من دون أن نصل إلى الصورة النهائية لأي شيء.
    لو عرف الناس عام 1960 شكل السيارة الحالي عام 2007 لصنعوه منذ ذلك الوقت، لكن هذا الشكل لم يكن معروفاً.
    ومع تقدم العلم يزيد جهلنا أمام هذا الكم الهائل من الكتب التي تُنشر في كل يوم..([1]) فعلمنا لا يزيد، بل جهلنا هو الذي يزيد؛ لأن ما يجب أن نطَّلع عليه لا نطلع إلا على جزء صغير جداً منه..


    ([1]) لو قرأ أحدنا منذ ولادته في كل شهر أربعة كتب متوسطة الحجم - وربما يكون هذا من المستحيلات لدى الكثير منا، ومن الأشياء المستغربة.!- وكان متوسط حياته ستين سنة، فسيبلغ عدد الكتب التي قرأها 2880 كتاباً فقط.. فيالَلْعجب من غرور الإنسان القارئ..وماذا يكفي هذا العدد أمام أكثر من عشَرة آلاف كتاب تنزل إلى الأسواق سنوياً..!؟ ويا أشد العجب من غرور الإنسان الذي لا يقرأ.!



    http://www.asalah.org/modules.php?na...rticle&sid=113
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    المفهوم الثاني: الموضوعية النسبية


    المفهوم الثاني: الموضوعية النسبية
    علينا أن نربيَ الأطفال، ونربي أنفسنا أيضاً على الرضا بموضوعية نسبية، وبموضوعية منقوصة.
    ومن أمثلة الموضوعية النسبية: أن نتجادل معاً مدة ساعة، وأعتقد أنني على الحق، وأنت تعتقد أنك على الحق.. وأعتقد أن الصواب معي، وأنت تعتقد أن الصواب معك.. وبعد قليل يقول كلٌّ منا للآخر: أنت صاحب هوى، وأنت تتكلم بالظن..
    ولتوضيح هذا المفهوم يجب أن ندرك أن الأشياء تنقسم إلى قسمين: أشياء مادية، وأشياء معنوية.
    فإذا أردنا أن نعرف مساحة قاعة ما، فمن الممكن أن نصل إلى مساحتها بدقة متناهية، ولو سألنا ألف مهندس من أنحاء العالم لحسبوا لنا مساحة هذه القاعة بطريقة واحدة، ولانتهوا إلى نتائج واحدة، ولو أخطأ واحد منهم، فهناك مقياس دقيق نستخدمه في نقده، وفي رده إلى الصواب..
    نحن نستخدم في الأشياء المادية مقاييس مادية، ونستخدم معايير مادية؛ لذلك تُرى القضية الواحدة رؤية واحدة، ويُحكم عليها بحكم واحد..وبالدقة نفسها نستطيع أن نعرف كم حجم الماء في كأسٍ ما؛ لأننا نستخدم أيضاً مقياساً مادياً لمعرفة حجم ما فيها من الماء..
    أما حين نتحدث عن الأشياء المعنوية كالكرم والبخل، والشجاعة والجبن، والعلم والجهل، والفرح والحزن، والانبساط والانقباض.. أو حين نقول: هذا مهم أو ليس مهماً، هذا خطير أو ليس خطيراً، هذا لائق أو ليس لائقاً.. حين نأتي لنحكم على هذه الأشياء المعنوية فإن علينا أن نرضى برؤية غير مكتملة، وبحكم غير موضوعي.. والسبب في ذلك أننا سنستخدم أدوات غير محسوسة.
    عندما يقول شخص ما: "فلان أشجع رجل في هذه البلدة." فإن أول شيء يواجهه: ما تعريف الشجاعة.؟ ثم هل أنتَ محيط بكل مواقفه.. وربما يقول شخص آخر: قد رأيتُ منه موقفاً في منتهى الجبن لم يره ذلك الذي وصفه بأنه أشجع الناس..
    إذاً.. الحكم على الأشياء المعنوية حكم صعب جداً؛ فعلينا بناء على ذلك أن نفهم أننا في القضايا المعنوية لا نستطيع أن نتجرد من أهوائنا تماماً، ولا نستطيع أن نعرف المعرفة التامة دائماً؛ لأن هناك عنصراً غيبياً، وأشياء غير واضحة وغير مرئية بالنسبة إلينا.
    وهذا يفرض علينا عندما نتناقش في قضايا معنوية، وفي قضايا فكرية، وفي قضايا حضارية.. ألا نتصلَّب، وألا نتشدّد في آرائنا.
    و للموضوعية عدوّان دائماً: الهوى والجهل، وحين يقول الإنسان بغير علم، فلا يمكن أن يكون موضوعياً؛ لأنه يبني على الظنون، وعلى القيل والقال، وعلى الأهواء.
    عندما تَتَناظر مع رجل صهيوني حول قضية فلسطين، ستنفعل مع القضية وتتعاطف معها، وتعتقد بأن الفلسطينيين مظلمون مئة في المئة، وفي المقابل لا ينظر الصهيوني من منظورك أنت، بل ينظر من منظور آخر، ولديه حجج أخرى، وأنت تتبع هواك في نظره، وهو قد يتبع هواه في نظرك..
    لذا نحن مأمورون بأن نتجرّد من الهوى بمقدار ما نستطيع، وأن نتخلص من الظنون، ونبني على الحقائق القطعية.
    لو قلنا لشخص: "إن فلاناً يكسب كل يوم ألف ريال." فماذا تتوقعون أن تكون ردة فعله.؟
    إذا كان راتب هذا الشخص في الشهر ألف ريال فسيقول لك: "هذا مبلغ كبير.. وهل من المعقول أن هناك شخصاً دَخْله في اليوم ألف ريال..؟ ثم ماذا يصنع بهذه الألف، وكيف يصرفها، إن هذه الألف التي يكسبها في اليوم تكفيني شهراً كاملاً.."
    ولو قلنا لشخص مرتبه في الشهر مليون: "إن فلاناً دخله في اليوم ألف ريال." فسيقول لك مستغرباً: "كيف يستطيع أن يعيش بهذا الدخْل المتدني..! وماذا يصنع بها..! "
    إذاً.. الألف ريال يومياً هي بالنسبة إلى فلان دخل هائل، وبالنسبة إلى فلان آخر دخْلٌ أقل من القليل.
    وبما أن القضية تختلف في الرؤية من شخص إلى آخر، فعلينا أن نستخدم ألفاظاً تدل على النسبية ما دامت الرؤيةُ التي انتهينا إليها رؤيةً نسبية، والأسلم أن نقول: هذا أكثر شجاعة من فلان.. هذا أقل شجاعة، وهذا شجاع جداً، وذاك لا أعرف كيف أصفه: هل أصفه بالشجاعة أم بالجبن.؟
    قد ورد هذا الأسلوب في القرآن كثيراً، وكمثال على ذلك لفظ القلة ولفظ الكثرة:
    ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سورة سَبأٍ : 13 ]
    ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [ سورة يوسف : 103 ]
    المفهوم الثالث: لكل شيء ثمن
    لا يستطيع الإنسان أن يحصل في هذا الزمن على كل شيء؛ فلكل شيء يحصل عليه ثمن يجب أن يدفعه، ولا تستطيع أن تأخذ شيئاً كاملاً مجاناً، وإذا أخذت شيئاً فعليك أن تدفع ثمنه.
    يقول أحدهم: "الحمد لله عندي مال كثير، فلماذا لا أُرفِّه نفسي.. سآكل كل ما أشتهي، وأذهب إلى حيث أريد.."
    نعم.. من الممكن أن يفعل هذا، لكن الرفاهية الزائدة لها ثمنها دائماًَ.. وثمنها ترهُّلٌ في البدن، وترهل في الخُلق، وشعور بالاكتئاب؛ وذلك نتيجة العطالة والبطالة؛ ولأن الإنسان يأخذ من الحياة أكثر مما يعطيها.
    الانفتاح
    هناك دعوة هائلة تُصرّ على الانفتاح غير المضبوط.. لكن ما الثمن الذي يجب أن ندفعه حينما ننفتح.؟ الثمن هو شعورك بأنك إنسان من دون هوية.
    ذهب رجل إلى مدينة عربية مشهورة في قطاع المال والأعمال، وقال لي: أنت تعجب من النمو هناك، وتعجب من حسن المعاملة، ومن التنظيم ومن الرفاهية... لكن تقول:
    ما هوية هذه المدينة.؟
    هل هي مدينة أوروبية.؟ لا.. ليست أوروبية.
    هل هي مدينة إسلامية.؟ لا.. ليست إسلامية.
    هل هي مدينة عربية.؟ لا.. ليست عربية.
    إنها مدينة فقدت هويتها؛ نتيجة هذا الانفتاح الهائل غير المنضبط.
    الانغلاق
    وفي المقابل هناك أناس يدعون إلى الانغلاق؛ خوفاً من العولمة، وحرصاً على الذات. لكن ما ثمن الانغلاق.؟
    إن ثمنه التعفن الداخلي، والتحلل الذاتي، فضلاً عن التهميش، والابتعاد عن تيار الحضارة.
    إذاً.. هناك ثمن عليك أن تدفعه حينما تنغلق تماماً، وهناك ثمن عليك أن تدفعه حينما تنفتح تماماً.
    وهناك ثمن عليك أن تدفعه أيضاً حينما تقسو على الطفل في التربية.. والثمن هو أن هذا الطفل سيصبح غير مرتاح للجلوس معك أبداً، فهو حين تدخل إلى الغرفة ينتظر دقيقتين ثم يمضي.. وهناك ثمن آخر، هو النفاق، حيث يصبح لهذا الطفل سلوكان وقولان وفعلان ومظهران: أحدهما يستجيب لقسوتك، والآخر يستجيب لقناعته ولذته وطموحه وتطلعاته..
    إذاً فليست هناك حلول كاملة، والقاعدة مما سبق تقول: لا تستطيع في بيئة غير كاملة أن تصل إلى حل كامل، وسنصل دائماً إلى حلول ناقصة.. لنحسب حساباتنا بشكل أكثر دقة، وعندما نختار خياراً علينا أن نقول: هذا الخيار تكاليفه كيت وكيت.. وليس هناك الآن خيار من الخيارات، أو اتجاه من الاتجاهات إلا وله ثمن يجب أن يُدفع..
    المفهوم الرابع: شروط التقدم
    إن كل نمو وكل تقدم وكل تحسّن يجب أن يتم في إطار شرطين: الأمن والسلامة.
    ولا يمكن أن تحقق الأمة تقدماً بالتهرب من الضرائب، أو بمخالفة النظم، أو (بالبلطجية) وقطع الطرقات، وقتل الناس، والرشوة، أو بالسرقة، أو بالتحايل على القوانين..لا يمكن أن تكون هذه السبل طريقاً للازدهار أوطريقاً للتقدم.
    حتى تنهض الأمة يجب أن تستخدم كل الإبداعات، وكل الأفكار وكل المهارت وكل الجهود في هذا الإطار.
    لابد من أن يكون الجو آمناً ومستقراً ويسوده السلام والتحابب والتعاون والتكاتف، وهذه نقطة مهمة في التربية أيضاً ؛ لأن كثيراً من المسلمين وخاصة بعض العرب-نجد أن بينهم وبين النظام نوعاً ما من الجفاء، ومثالاً على ذلك نرى بعضاً ممن يملكون السيارات المرتفعة عندما تزدحم الطرقات يصعدون بسياراتهم على الرصيف..! إن هذه مخالفة: وسواء معك سيارة عالية أم غير عالية؛ فالرصيف مخصَّص للمشاة، لا للسيارات. وهذا دليل على أن أكثرنا إلى الآن لم يُعوِّد نفسه كيف يَرضخ للنظام.
    مثال آخر على ذلك هو حالات الغش التي تحصل من الطلاب في كثير من المدارس أثناء الاختبارات..
    لا يمكن أن تؤدي هذه السلوكات السلبية إلى طريق الازدهار أبداً؛ لأن هذا يخالف الاستقرار ويخالف سيادة النظم وسيادة القوانين.
    لابد لكل مربٍّ من أن يُرسّخ هذا المفهوم، ويجب أن تُبذل كل الجهود وكل الأعمال في إطار أجواء آمنة ومستقرة يسودها النظام، والعرف، وتسودها التقاليد الحسنة المرعية.. وإلا فستتحول الأمم إلى عصابات ينهش بعضُها بعضاً، ويقتل بعضُها بعضاً كما هو الشأن في كثير من الدول غير المتحضِّرة.
    وحتى يسود الأمن والاستقرار يجب أن يسود العدل، يجب أن يسود تكافؤ الفرص، يجب أن يضحِّي الناس، ويتعلموا خلق التضحية، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية؛ أي: يجب أن يكون هناك تنمية جديدة.. إن سبب كثيرٍ من الجرائم التي تُرتكب، والأمن الذي يُعكَّر هو سوء التنمية والبطالة.
    فالأمن والاستقرار لهما متطلباتهما، وعلينا جميعاً أن نتعاون على توفير تلك المتطلبات بوصفها واجباً شخصياً، وواجباً اجتماعياً.
    المفهوم الخامس: العقل العملي
    أطفالنا في حاجة إلى العقل العملي، وهناك فئة من الناس محاصرون بين هُوَّتين: السطحية في التنظير، والعجز عن العمل.
    بعضهم نجد تحليله سطحياً حين يُنظِّر لقضية من القضايا ، وعندما يحين وقت العمل نتفاجأ بأنه لا يعمل.. وهذا من أسوأ الأنماط المنتشرة بيننا.. وهناك أناس يُنظِّرون تنظيراً جيداً لكنهم لا يعملون.. وهناك نمط آخر يعمل، ولكن من دون أي تخطيط، ومن دون أي بصيرة؛ ولذا يَكثر لديهم الغلط.. والبديل لكل هذه الأنماط غير الصحيحة أن نؤسس الروح العملية.
    والعمل مهما كان صغيراً فإن له خصائص الأعمال الكبيرة. فكل عمل تعمله ينقلك من حيّز التنظير إلى حيّز التنفيذ، وكل عمل إيجابي يترك أثراً إيجابياً في البيئة المحيطة به، وكل عمل نكتشف من خلاله إمكاناتنا وقدراتنا..
    نحن أمة لديها كثير من الأفكار، لكن لديها قليل من السياسات، قليل من البرامج، قليل من المشروعات، قليل من الأعمال.!
    وقضية الإنجاز لدى أكثرنا ضعيفة جداً، والإنتاجية منخفضة أيضاً؛ ولذلك عندما يلتزم الطفل بشيء، ويقول: "سأفعل كذا." يتوجب علينا أن نطالبه بهذا الالتزام، وإذا التزم بشيء فوق طاقته، يتوجب علينا أن نطالبه بالتزام مناسب لهمته. فإذا قال: "سأحفظ كل يوم خمس صفحات من القرآن" قل له: لا.. هذا كثير.. احفظ صفحتين، وفي آخر الشهر سأسمع منك ستين صفحة.
    يجب أن نؤسس قضية العقل العملي؛ أي: أرني ماذا عملت.. ماذا قدمت.. ماذا أنجزت..
    تبذر الكنيسة في بعض الدول الغربية في نفوس الأطفال حب خدمة الآخرين، فعندما توقِف سيارتك أمام سوقٍ ما يأتي طفل صغير يقول لك: أتسمح لي بأن أنظّف لك السيارة مجاناً.؟
    لماذا.. لأن الكنيسة علَّمته أنّ خدمة الناس شيء يُرضي الله عز وجل، وأنك عندما تقدِّم خدمة ينتفع بها غيرك فأنت تقترب من الله.. هذا ما زرعته الكنيسة في ذهنه، ونحن أَولى بكل خُلق حسن، نحن أولى بأن نُعلم الطفل كيف يقدّم خدمة لأهله، كيف ينجز شيئاً لنفسه، كيف ينجز شيئاً لأمته، كيف ينجز شيئاً لمجتمعه.
    يجب أن نؤكِّد على هذه القضية كلَّ التأكيد، وهي: أرني الشيء الذي عملته.. ولا نريد الكلام فقط.
    وفي هذا الإطار يجب أن يعرف الطفل أنه ليس المهم حجم المنتَج الذي ينتجه، بل المهم أن يؤدي عمله بطريقة صحيحة، ومنضبطة، ومنطقية.
    ويجب أن يفهم الطفل أن العمل في حدِّ ذاته شيء ممتع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إنْ قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلةٌ فليغرسها..([1]) لماذا.؟ لأن العمل مهما كانت نتائجه إذا أُنجز بطريقة صحيحة فهو شيء جيد حتى لحظة قيام الساعة؛ لأنك وأنت تعمل تشعر بكثير من الطمأنينة، وبكثير من السرور، وبكثير من الثقة بالنفس.
    المفهوم السادس: رأس المال الجديد
    يتكون في العالم الآن رأس مال جديد للأمم والأفراد.
    رأس المال القديم للأمم: هو ما لديك من ثروات.. ما لديك من أنهار عذبة، ما لديك من أراضٍ خصبة، ما لديك من مساحات شاسعة، ما لديك من قوة بشرية..
    أما رأس المال الجديد فهو ما تملكه من مبادئ، وقيم، وأفكار، وأهداف، ومؤسسات تعليمية ممتازة، وأطر اجتماعية..
    إن رأس المال الجديد هذا هو رأس مال إنسانيّ، وعلى الناس-صغاراً وكباراً- أن يعرفوا أن قيمة الإنسان من الآن فصاعداً ليس ما يملك، وإنما ما يُحسِن.
    لو كانت لديك أموال كثيرة، ولكن ليست هناك قيم، أو مبادئ، أو أهداف.. فما فائدتها للأمة.؟ لن تتقدم الأمة بالمال فقط..هناك دول كثيرة ليس لديها شيء من رأس المال القديم: لا قوة بشرية كبيرة، ولا أراضٍ شاسعة، ولا ثروات، لكن لديها قيم، ومبادئ، وأهداف، ونظم.. ومن خلالها تقود هذه الأممُ العالم الآن.
    يفرض علينا رأس المال الجديد أن نهتم بالأطفال أكثر من أن نهتم بالرصيد المالي الذي سنتركه لهم في المصرف؛ فليس هو رأس المال الأمثل الذي سيستفيدون منه.
    رأس المال هو التربية الحسنة التي تربي الطفل عليها، والاستقامة التي تغرسها فيه، والتفتح الذهني الذي توجِده لديه، والعلم الذي تُعلِّمه إياه.
    قال لي صديق راتبه متواضع: عندي أربعة أولاد أريد أن أعلمهم أحسن تعليم، لكنْ ليس عندي المال الكافي.
    قلت له: إني أعرف أنّ عندك بيتين: بيت تسكنه، وبيت تؤجّره، ونصيحتي لك أن تبيع البيت الذي تؤجره وتُعلم الأولاد بثمنه ؛ لأن هذا البيت إذا تركته لهم -بعد عمُرٍ طويل- لا يصنع منهم رجالاً، لكن إذا بعتَ هذا البيت، وعلَّمتَ هؤلاء الأولاد بثمنه، فإن كل واحد منهم يأتي ببيوت..
    اقتنع هذا الرجل بكلامي، وقام بتنفيذه، وصار يُنفق على أولاده، فعلّمهم أحسن تعليم، ووصل أكثرهم إلى درجات عالية في اختصاصه.. ولو أنه لم يُدخل أولادَه الجامعة، أو لم يقدم لهم المساعدة على إنهاء دراساتهم العليا، فلن ينفعهم البيت الذي سيتركه لهم..
    إذاً..
    رأس المال الجديد الآن هو رأس مالٍ غير مادي، هو رأس مالٍ مكوناته: ما لديك من مبادئ، وقيم، ومُثُل، وأهداف، واتجاهات، ومشاعر، ونظم، ومؤسسات تقنية ممتازة، وأطر خيريّة واجتماعية.. وإذا أراد الفرد أن يتقدّم فليتقدّم في هذه الأشياء، وإذا أرادت الأمة أن تتقدم فلتتقدم في هذه الأشياء أيضاً.



    ([1]) قال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله أثبات ثقات. (مجمع الزوائد،2/66)
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. (لا تفكر... فقط أعد النشر)
    بواسطة حيدر محمد الوائلي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-05-2018, 02:18 AM
  2. بم تفكر؟ !
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-20-2014, 06:49 AM
  3. أول شخص تفكر فيه
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-31-2013, 05:24 PM
  4. بماذا تفكر هذا المساء ..؟
    بواسطة شريفة العلوي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-13-2012, 02:08 PM
  5. تفكر في الموت
    بواسطة رشا البغدادي في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-27-2011, 10:25 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •