منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: شفاعة امرأة

  1. #1

    Post شفاعة امرأة



    قصة قصيرة

    شفاعة امراة


    دخل يجر مهجة الفاجعة في موكب حزن أ ثقله ، و قف هنيهة ، ثم جلس على المقعد الحجري، يتأمل الرخام بعيون تكاد تخترق الحجب,لم يستسلم بعد لسنن الطبيعة كما يسميها ، مرهقاً أطلق الحبل لعنان التفكير يتسلل بكل حذر خوفاً من ذلك الجسد المستبد الذي لا يؤمن إلا بالملموس, و أبى أن يرضخ لمعادلات العقل و الروح . جسد لا يؤمن بالغيب .. ! متستراً بالعاطفة ركب الخيال الذي وضعه في شريط على العين الأخرى ، يستعيد الذكرى القابعة على رعل أمام الواقع المر الذي استعصى بلعه ، يجول في ملكوت يزوره لأول مرة بعد أن هزمه الدهر و اخترق بواقعية أقوى جدار تعنثه الكبير ، في هيبة ذلك الصمت الرهيب عندما تخون الإنسان الحيل و يحير في بدنه الطبيب ,في آخر بعد من أبعاد الإنهزام ، عندما يجثو على ركبتيه
    و يرفع يديه ..، لما و صل الاستسلام إلى هذا الحد. فإذا بيد دافئة توضع عل كتفه و تهزه بكل رفق ، توقضه من سباته الكبير.
    _ كنت واثقة أنني أجدك اليوم هنا.
    _ إنه مكاني المفضل منذ رحيلك ، كل يوم أزور هذه الحديقة التي أبت بذورها أن تنمو رغم ما تذرفه العيون من دموع الأسى و الحزن ! ، رفضت طيورها أن تغني أغنية الرفاق في ساحة هذا العالم ، إنها تزداد موتاً تحت تصفيقات اللقالق الموحشة ، إنه الموت الذي يتحدى آلياتي و أجهزتي و عقاقيري ، إنه الزمن ، إنها المسافات، إنه تناقض الحركة والسكون في هذا الكون الذي لا تنتهي عجائبه ، إنها الأشياء التي ترهقنا نحاول, فتهزمنا ، أشياء تتجدد ، و أخرى تتبدد ، إنها الأفاق و دوائرنا المفرغة.
    _ هون عليك.
    _ لا ، لا ، يجب أن نخلص الإنسانية من كابوس الموت ، و نصنع الخلود و نتحرر من عبودية هذا المعبود .
    _ لا تحاول ، طموحك جنون يفقد الحياة معانيها ، و جمالها ، مصداقيتها.
    _ لماذا ؟ ، لماذا هذه النهايات ؟ !
    _ إنها حقيقة التجديد ، إنه التداول ، إنه التناوب ، سنة الحياة التي لا تقهر .
    _ لا يجب أن تنقضي ، لا يجب أن تنهي ، يجب الاستمرار.
    _ الاستمرار قائم ، قائم في الوجه الآخر من الحياة الذي لا تراه و أنت و راء مادية الفكر و الطبع, هذه المادية التي تهيمن عليها الغرائز و تقيدها العوامل البيولوجيه و الفيزيولوجيه ، و لو حاولت أن تخرج من هذه الدائرة لكشفت ما وراء الحقائق..
    -دعنا ، لقد انهيت كتاية هذه القصة ، إنها شيقة ، جمعت فيها مواسم العبر و وشم الحبر و ماذا يجري بين الدهر و الدهر. ؟
    تناول الكتاب من يدها ، فتحه على الإهداء :
    " إلى العالم السابق ، ربما الأول ، إلى من هم في الضفة الأخرى من النهر ، إلى من يستحيل علينا الإتصال بهم إلا عبر الذاكرة و الحلم ، عبر شبكة الخيال ، نعم الخيال ، عندما تكون النفس حرة طليقة ، لا يقيدها فكر
    و لا عرف دكتاتوري .. أهدي قصتي هذه.
    نجـــاة

    سنلتقي .. سنلتقي ، إني متأكدة ، فإلى اللقاء .. و خرجت من الدار تحمل كتاباً مرقوماً ، لم يكلفها العبور إلى الدار الأخرى إلا ابتسامة ، ابتسامة حلوة جميلة ، و بمجرد ما أسدل الستار الأول ، رفع عليها الثاني ، في الواجهة الأخرى جمع كبير من الناس ، مخلوقات أخرى ، ألوان أخرى ، أشكال أخرى ، لا تحتاج إلى السؤال ، حقائق مطلقة تجيب بوجودها تحول كل شئ إلى مسلم به ، مساكن القوم تخاريب كتخاريب النحل ، هرعوا إليها يسألون عن البشر ، عن الكون ، عن الدواب ، عن الجبال ، عن روما ، عن المسيح ، عن اللعب و التعب عن المجسدات الفانية عن السنين التي كانت تبدو لهم قاهرة .. يسألون عن الأهل
    و الأحباب الذين لم يلحقوا بهم ..نوافذ تخاريبهم تطل على مقامات يطيب فيها المقام, و إقامات يسكنها الشقاء و الإنتقام,الأشغال قائمة على قدم و ساق في بناء القصور و تمهيد سبل المرور ، و شق الأنهار و وضع الجسور و غرس الأزهار و أشجار الثمار, منهمكون في صنع المنابر و الأرائك و صياغة اللؤلؤ و الذهب
    و الفضة . منشغلون في نسج ألبسة الحرير و نصب الخيم و تجهيزمعاصر الخمور وتربية الطيور في جنات غناء طوابق و درجات بمسقاة العسل و الألبان و مشروبات أخرى و طوازج الطيبات ..روائح زكية و أنوار بهية ، حوريات تتزين و حشم و خدم تتهندم هذا في جهة اليمين ، أما في الجهة الشمالية ، فالحركة نفسها و النشاط نفسه ولكن في بناء صهاريج كل سائل منصهرنتن ، و سبك السلاسل و القيود و الأغلال ، و حدادة المقارض و السكاكين و صنع المقاذف و حفر الهاويات و اضرام النيران ، تربية الحيات و العقارب و وحوش أخرى ، غرس الزقوم و الأشواك و العلقم .. عالمان متنافسان من الأزل لا يكل من يعمل فيهما و لا يتوقف منهم أحد ، يجهزون لكل مكلف منزلتين ,دخلت نجاة إلى مقامها مستبشرة ، آمنة ، و جلست على منبر أمام نافذة الرحمة ، مستأنسة بسعادة مطلقة تنتظرها، وكادت الفرحة أن تكتنفها و تحجب عنها ذلك الأمر المهم ، و فجأة تذكرت ، فخرجت مذعورة تبحث عن منزل عامر فوجدته في آخر الشارع ، دخلت ، يا ويله !! إنها الكارثة !إنها المصيبة !إنها الهلاك ! ،رائحة كريهة تنبعث ، و دخان أسود يتسرب من كل جهة ، تطل نوافذها اليمنى على أرض جرداء جدباء نسج العنكبوت على أعراشها الخاوية اليابسة شباكه التي علقت بها بقايا طيور و حيوانات أخرى لا تعرفها ، على أشكال الخفافيش ، أما نوافذها الشمالية فإنها تطل علىمقام حفرة من النار مجهزة بآليات العذاب غريبة الشكل عظيمة ، أنكال ، مناجل ، مطارق ، مقارض ، لهب من كل لون ، أفرشه من جمر ، و أنهار من الصديد المنصهر ، و تنين ، و مخلوقات صنعت ببشاعة مرعبة و غربة الزمان و المكان ، لا أمان فيها إلا الذل و الهوان ، إنه الخلود و الموعود .. فوضعت يدها على فمها
    و أسرعت إلى البواب.
    _ أرجوك ، دعني أمر ، دعني أخرج
    _ تخرجين ؟ !كيف ذلك و لا جسد لك ، مستحيل ! غير ممكن ! الرجوع غير مسموح به إلا عن طريق النفس أو الروح الجوالة ، اذهبي إلى قيادة الأرواح تعطيك رخصة لذلك .
    _ أين هي هذه القيادة ؟
    _ هناك في الطابق الثاني الذي يفصل بين هناك و هناك فهبت إليه
    _ أريد رخصة لزيارة عامر ، أرجوك.
    _ انتظري قليلا ، عامر الآن مشغول ، قلبه حديد و دمه صديد ، عقله مشلول مغلول ، بصيرته عمياء وسريرته سوداء !
    جلست تنتظر و الناس كأنهم النحل في فصل الشتاء ، منهم المستبشر ، و منهم المتشائم ، يقطع أفئدتهم الندم على ما فرطوا ، سجلاتهم فوق كواهلهم تحمل في طياتها غيبة ، نميمة عذراَ و احتيالا و انتهاك حدود
    و سفك دماء و غيرها كثير .. مجتمعين أمماَ أمماَ يتلاومون.
    _ تفضلي ، اكتبي رسالتك على هذا القرطاس الروحي ، الآن ، لقد قذف في قلبه بصيص من النور ، إنه المنفذ الوحيد إذا كان خطابك هذا مسجل سيمر و إن لم يكن كذلك فلا حيلة لك.
    _ انظر ، إنه مسجل ، نعم إنه مسجل في هذه الصفحة الطويلة من حياتي ، أنا ناقدته ، أنا شفيعته و قبل أن يلتحق بي ، أسرع أرجوك إنها لحظاته الأخيرة ، هذا عداد أيامه يكاد يتوقف ، أسرع ، ناولني القرطاس
    و القلم..
    _ تفضلي لقد حان الأجل لذلك.
    _ حبيبي عامر ، إن الدنيا بكل ما فيها دار فناء ، مهيأة و مسخرة لجسد من حمىء مسنون ينتهي إلى العفن ، هكذا بداية أعظم مادة في الخلق و أكرمها ، هذه المادة التي لا تستحدث ، و هكذا تنتهي ؛ و الآخرة دار جزاء و إني و الله قد اطلعت على مكان إقامتك فوجدته حفرة من النار و دار بوار لا يرحمك فيها رحيم و لا ينجيك منها حميم .عذاب ينتظرك و أهوال ، فويل لك ثم الويل !! ، قم من سباتك و استيقظ لحالك و نب و تب فمقامك خراب و غار عذاب و الدنيا بكل ما فيها زخرفة و سراب في سراب في سراب ... أنتبه على صدى هذه الكلمة و قد اتسع صدره و تفتحت مداركه و استيقظت حواسه ، يتعجب أين كان كل هذه المدة من عمره ، متناقضاَ مع طبعه و ذاته ، كان الشفق حينها قد أحمر و خيم الغروب على الدنيا بسكونه
    و شجونه ، فخرج من المقبرة و لما و صل أمام باب بيته سمع آذان العشاء و قف يردد من ورائه كأنه يتلقن الشهادة.
    _ اللهم إني تبت إليك ، اللهم فأشهد ،( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ؛ و غمرت جسده قشعريرة فوقع على الباب و لما فتحت إبنته الصغيرة و جدته رافعاَ أصبعه شاخصاَ إلى السماء مبتسماَ يعاني سكرات الموت.
    _ أبي ، أبي ، ما بك يا أبي ؟!
    _ سنلتقي ، نعم ، سنلتقي ، لقد حان و قت اللقاء ، و داعاَ بنيتي ...
    أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن ... محمداَ ... رسول الله. "


    حريتنا في الحلم بركان... لا يعرف احد متى يثور... هكذا نمارس الكتابة




    مختار سعيدي


  2. #2
    السلام عليكم
    قصة بنفحة صوفية مميزة احسنت نشرها وطرحها قصصيا
    اترك تقديري واحترامي
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    احسنت اخي الكريم على طرح هذه القصة الجميلة
    تناولت مواضيع مغيبة في قصصنا
    الحياة وحقيقة الوجود
    الموت والحساب
    الجنة والنار
    الفلاح والعقاب
    أشكرك جزيلا على طرح هذه المواضيع والى الامام دائما

  4. #4
    أخي هيثم البوسعيدي..أيها العزيز.

    يضيع القلم أحيانا في متاهات الجنون ، كالفرس الشموس ..يغامر كالبهلواني فوق حبل اللغة لصنع حدث الحلم الجميل..

    أتمنى أن تكون كتاباتي في مستوى ذوقكم ..

    دمت بخير أيها الرجل الطيب

    مختار سعيدي

  5. #5
    ريمه الخاني

    أشكرك على هذا التواجد المستمر ، وأحي فيك الاطلالة المتميزة ..

    كوني معي ..أحتاجك بقوة.. و أنتظر منك الكثير .

    دمت ودام الوصل الجميل

    مختار سعيدي

المواضيع المتشابهه

  1. امرأة من وهم
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-01-2018, 07:30 PM
  2. لست امرأة!!!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-12-2014, 02:15 AM
  3. امرأة
    بواسطة خلف محمد كمال في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 06-04-2011, 01:14 PM
  4. امرأة من ورق
    بواسطة حسن لشهب في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-28-2010, 05:59 AM
  5. امرأة من وهم
    بواسطة عنود الليالي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11-28-2009, 12:07 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •