[justify]3- واحترامًا لمكانة القرآن فسوف نبتعد عن كلمة "الضرورة" (وإيحائها الذي اكتسبته من جراء اعتبار بعض هذه المناطق قبيحًا، كما نجد في تعبير ابن جني في خصائصه: "... على قبحها".
4- في الآية الكريمة "إنّ هذان لساحران" (إنّ المشددة) قيلت تفاسير مختلفة؛ فمنها ما جعل "إنّ" المشددة غير عاملة في "هذان" انطلاقًا من كون "إن" للتأكيد، بينما "هذان" (موسى وهارون) لم يكونا ساحرين فعلاً؛ ومن ثَمَّ لم تعمل "إنّ المشددة" فيما بعدها . (ونرى هنا غلبة حالة من الإبداع في تفسير الآية معتمدة على أن التعبير باللغة والنحو لا يجب أن يلتزم طريقة مدرسية، وإنما سلوكًا يعترف بالعلاقات الجديدة دائمًا -مع الاحتفاظ بقيمة العلاقات الأولى التي أرستْها مدارس النحو المعيارية بعيدًا عن حالات الابتكار الإبداعي- كوسيلة هامة وحاضرة في النصوص التي تؤدي لنا حالة ما).
وتفسير آخر للآية، أنه لما كان السحرة (قائلو "إنّ هذان..") يتحدثون فيما بينهم بلغة أو لهجة غير التي يتحدث بها فرعون ومن حوله، فقد التُزِم الألف في "هذان" على لغة كنانة وبني الحارث بن كعب ..... الخ "
وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع التفسير، فهناك ثلاث نقاط نتائجية لابد من ذكرها: (أ) أن الآية القرآنية –بتشديد "إن"- صحيحة. (ب) ومن ثمَّ؛ فليست القاعدة النحوية المعيارية إلا إحدى وسائل المعاملات اللغوية فيما يخص الشعر والنثر، وليس الشعر وحسب. (ج) يجد الباحث أن وصف ابن جني لصاحب الضرورات الشعرية بالفارس -الذي "يتكفر بسلاحه، أو أنه يرتكب الضرورات على قبحها...." "لكان...، وأبعد عن الملحاة"– لا يخلو من التقدير الموارب لسلوك الشاعر الجديد. ولكنه تقدير لا يحمل القوة التي يحملها رد "أبي العباس ابن البناء" على سائله. إذ أن ابن جني لا ينفي صفات القبح وتبعياتها بشكل واضح.
والشعر العربي مليء بالأمثلة التي تشهد بثبوت هذا التحرر. كما أنه لم يرو لنا من الشعر إلا نسبة قليلة منه. وهذه حقيقة ثابتة بالعقل والنقل: وثبوتها بالعقل هو أنه لم يرو لنا من الشعر إلا ما حفظته الذاكرة على مَرِّ ما يقاربُ قرنين من الزمان (وقرنان من الزمان كفيلان بإضاعة الكثير مما قيل). أما ثبوت ذلك بالنقل، فهو ما ذكره ابن سلام الجمحي من أن العرب -لما جاء الإسلام- تشاغلت بالجهاد عن الشعر. فلما راجعوا رواية الشعر، لم يلجأوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب؛ فألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم منه أكثره"
وهنا في ساحة تلك النصوص الشعرية (موضع الدراسة، والتي يتم إدراجها فيما بعدُ) يحاول الباحث أن يرصد العلاقات الممكنة بين الشاعر وقصيدته جيئة وذهابًا، متذرعًا بآلية النقد المتعاطف (كما تمَّ توضيحها سلفًا).
ويعتمد الباحث -في دراسته- النظر إلى السلوك العروضي –حسب تعريف إليزابيث- على أنه إطار آلي أو عرفي يحتذيه الشاعر أو يسير على
منواله لينمي من خلاله حركته الشعرية .
لكن تحولت الأشكال العروضية التي رصدها الخليل بن أحمد إلى قواعد ثابتة وصارمة سار عليها الشعراء طوال العصور السابقة (بوصفها إطارًا صوتيًا أو إيقاعيًا محايدًا وثابتًا مفروضًا عليهم سلفًا ، ولا يتحمّل أي ضغط على تفعيلاته المحددة، ولا أية مسؤولية تجاه المعاني وتطوراتها).
ومن ثم نادت نازك الملائكة إلى الشعر من حيث هو"إيثار المضمون؛ وذلك كردة فعل مباشرة تتمثل في إحساس الشاعر الحديث بأن الشعر العمودي قد تحوّل إلى تجربة شعرية تهتم بالشكل أكثر من اهتمامها بالمضمون؛ وذلك مما جعل المعنى تابعًا لوحدة البيت العروضية (ينتهي في نهايتها مثلما يبتدئ في بدايتها).
وإذا أنعمْنا النظر فيما ذُكِرَ عن تجربة الشكل الخليلي -في آخر فقرتين- نجد أن الدكتور عبد السلام والشاعرة نازك الملائكة يستخدمان الفعل (تحوّل). والمعنى اللغوي لذلك الفعل هو " تَحَوَّل: تنقل من موضع إِلى موضع آخر. والتَّحَوُّل: التَّنَقُّل من موضع إِلى موضع" .[/justify]