السؤال السابع عشر:
متى نتخلص من عقدة الخواجة؟ وهل فعلا ثقافيا هم متفوقون علينا أم إسلامنا يكفينا لو كان على الواقع صحيحا تطبيقا ؟ أم هو العنصر الإنساني .الذي بقي لدينا فقط بصرف النظر عن الدور الحضاري العلمي؟ حبذا لو ألقينا الضوء حول تلك النقطة بالذات.

الجواب السابع عشر:

سأكون صريحة معك جداً، وأرجو أن لاتزعج صراحتي أحد، ولكن مادمت قد سألت فلا بد لي من أن اجيب بأمانة ولو اعتبرها البعض تجريح.. أختي ريما إن الخواجة يتفوق علينا لأنه يتصرف بأخلاق إسلامية وهوغير مسلم، ونحن لانتصرف بأخلاق إسلامية ونحن مسلمين!! بصراحة أنا عندما أزور سوريا أجد صعوبات كثيرة في التفاهم مع الناس. فالعادات والتقاليد والروتين أشياء مقدسة أكثر من آية قرآنية أو حديث نبوي. سأعطيك مثال واحد فقط ، وهو ملاحقة معاملة في مؤسسة إدارية.... في لندن- إذا أردت الحصول على باسبور، أرسل أوراقي الثبوتية بالبريد المسجل وأنتظر بضعة أيام، ليصلني البسبور إلى بيتي دون أن أتكلف حتى عناء الذهاب إلى وزارة الداخلية. ولكن ماذا حصل عندما أردت إستخراج الهوية الشخصية في سوريا،- أولاً الصورة يجب أن تكون عند مصور تحدده الجهات الرسمية حسب خانة أبيك أو زوجك، والتي ممكن بسببها أن يكون المصور بعيداً جداً عن مكان إقامتك، وبعد يومين عليك أن تعودي مرة أخرى لإستلام تلك الصور، ثم تقدمي الطلب في إدارة النفوس وماأدراك كيف يقدم الطلب، سأصف لك المشهد (( الوقت كان شهر حزيران الحرارة 33 درجة، الموظفة المسؤولة تجلس في غرفة مقاسها خمس أمتار طول بأربع أمتار عرض، فوقها مروحة سقف تدور وخلفها نافذة كبيرة مفتوحة... كان هناك خمسين مراجعاً تقريباً إن لم يكن أكثر يقفون في ممر يؤدي إلى غرفة هذه الموظفة، الممر عرضه متر وطوله ثلاثة أمتار، والممر ليس فيه شباك ولا مروحة والناس تتزاحم على الدخول لتتخلص بسرعة من الإحساس بالإختناق من هذا الجو الخانق، وكان فيهم العجوز والصبية والمريض والشاب القوي، وقفت قليلاً في هذا الجو ولكن بدأت أشعر كمريضة في القلب والفشل الكلوي أنني سأفقد الوعي ولن أستطيع التحمل أكثر، جاهدت لأدخل إلى الغرفة وأشم قليلاً من الهواء المنعش لأستعيد وعيي الذي كدت أن أفقده، فما أن رأتني الموظفة الجالسة هناك حتى نهرتني "إخرجي برى ممنوع الدخول للغرفة إلا للشخص الذي جاء دوره فقط"، قلت لها: "ياأختي نحن نختنق خمسين شخص محشورين في ممر عرضه متر و طوله ثلاثة أمتار ليس فيه تهويه في هذا الحر الشديد وأنت تجلسين في غرفة كبيرة بشباك ومروحة ياأختي الرحمة مطلوبة أنا مريضة ولا أستطيع تحمل هذا الوضع أحس أنني سيغمى عليَّ!" فأجابتني إجابة تقززت منها نفسي: "إخرجي وإلا سأطلب لك الشرطة")). لم أصدق أذناي كانت زيارتي الأولى لسوريا بعد غياب عشرين عاماً! تصوري لو أنني قلت لموظفة في إنكلترا أنني دايخة، مع العلم أن حالة المكان لن يكون مماثلاً بأية حال من الأحوال، وبالرغم من إرتدائي الحجاب على رأسي الذي يجعل الموظفة تميزني أنني مسلمة؛ فماذا تظنين ستكون ردة فعل الموظفة؟.. لقد حدث ذلك معي فعلاً، "لقد هرعت لتجلب لي كرسي لأجلس عليه وكأس ماء لأشربه أولاً، ثم حاولت أخذ الأذن من باقي المراجعين لتعطيني الأولية في إنجاز معاملتي" مع العلم أن أكبر صف للمراجعين في لندن لن يتجاوز العشرة أشخاص، في مكان مريح ومتوفر فيه التهوية. أنت فقط قارني بين ردة فعل الموظفة المسلمة في بلاد الإسلام والموظفة غير المسلمة في بلاد غير الإسلام لتعلمي لماذا يتفوقون علينا. إنهم يمارسون الإسلام دون أن يعلموا، ونحن نمارس الهمجية بكل معنى الكلمة ونحن للأسف نعلم!!! والله لن نتفوق عليهم إلا إذا عدنا لأخلاقنا الإسلامية السامية، وأطعنا ماأمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لايَرحم لايُرحم"،"والدين الأخلاق"،"الدين المعاملة".
إن شعوبهم لاتتفوق علينا من الناحية الثقافية، فأنت لو تبادلت حديث مع أكثر الأوربيين لوجدت ثقافة طالب إعدادي عندنا أوسع من ثقافة مُدَرِّسَة إنكليزية، أي طالب عربي يعلم أين تقع لندن وما الصناعات التي تشتهر بها و. و. ليس لندن فقط بل الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية! بينما لما سألتني مدرستي في الجامعة من أي بلد أتيت؟ قلت لها: من دمشق عاصمة سوريا، لم تعرف أين تقع رغم ذكري لكل الدول المجاورة لها، العراق تركيا الأردن في الجنوب، ولكن حين ذكرت لها أن إسرائيل تقع في جنوبها عرفت أين تقع دمشق، فقط لأنها ذهبت "هوليداي" رحلة إلى إسرائيل! إنهم لايهتمون بالثقافة العامة، يركزون على المواد التي تُعلِّم الفرد كيف يتعايش مع الآخرين بطريقة حضارية ( التي هي إسلامية بالحقيقة ولكن دون أن يعلموا ذلك )، ثم يراقبون هواياته وإذا لمسوا نبوغاً في ناحية معينة، ركزوا عليها ودفعوه للتخصص في ذلك المجال الذي نبغ فيه، إلى أن يصل إلى الثانوية العامة فينالها على مادة أو مادتين هي في الأصل كانت هواية يحبها... بينما طالب الثانوية العامة عندنا لاينالها إلا إذا نجح في أربعة عشرة مادة على الأقل، يحصل على الثانوية العامة وهو مشتت كالببغاء أو كآلة تسجيل، لاينتفع بكل ذلك الكم من المعلومات الذي درسه بل يكون قد ضيع إثنتي عشرة سنة من عمره دون الحصول على أية ثمرة، ويبدأ التخصص عندنا بعد الثانوية العامة، ولكن ليس بناءاً على هواية أو نبوغ، بل بناء على كم علامة جمَّع نتيجة لحفظ هذا الكم الهائل من المعلومات!! التي لم تنفعه في حياته العملية السابقة ولن تنفعه بحياته اللاحقة. وذلك ضياع للوقت والجهد الذي نهانا عنه الإسلام.
الكاذب عند الغربيين محتقر، ومن النادر أن تجدي من يكذب سواء بالمعاملات أوالمواعيد وغيره، وهذا هو الإسلام... وهكذا كل أخلاقياتهم ، طبعاً ستجدي إستثناءات ككل أمة ولكن هم قلة.. ولكن للأسف عندنا الصادق إستثناء والمحافظ على وعده وعهده إستثناء الراحم إستثناء إلى آخره...
لقد انتصروا علينا عندما تخلقوا بأخلاق الإسلام، وهزمنا نحن يوم ابتعدنا عن أخلاق الإسلام؛ وهذا هو سر تفوقهم علينا. لقد كنتِ على حق حين قلتِ: إن إسلامنا يكفينا لو كان على الواقع صحيحا تطبيقاً.

السؤال الثامن عشر:
هل بالإمكان أن نطلب من الأستاذة منى ناظيف الراعي إيراد أسماء معاصرة يمكنها دفع عجلة الثقافة الإسلامية او القاعدة الصلبة الثقافية التي نبغي للأمام وكيف نكون عند حسن ظن الجيل بنا وسط افتقاده للقدوة السليمة حوله وبالقرب منه؟؟؟

الجواب الثامن عشر:

بحكم كوني أعيش في بلاد الغربة بعيداً عن البلاد العربية، لم تتح لي الفرصة لأقابل علماء عرب مسلمين وجهاً لوجه أو أتعامل معهم، ولكن بسبب ظروف كتابي "نداء للجميع" تقابلت مع الدكتور راتب النابلسي شخصياً، ماشاء الله وجدته أحد الذين يفعلون مايقولون، إنه قدوة بكل معنى الكلمة قدوة بتواضعه قدوة بورعه وقدوة بإحترامه للآخرين، لمست ذلك حين علمت أنه أعجب بكتابي كثيراً ووصفه بأنه الكتاب الذي نحن بأشد الحاجة إليه في هذا الوقت. ولما طلبت منه إبداء رأيه هذا مكتوباً لدعم كتاب "نداء للجميع"، باعتبار أنني كنت كاتبة جديدة غير معروفة بعد، كان تصرفه إسلامياً بكل معنى الكلمة. فعندما تأخر في إعطائي الرسالة قليلاً ، كان يعتذر بطريقة يخجلني بها في تواضعه ولطفه! مع العلم أنه الدكتور راتب النابلسي بجلال قدره، وماأدراك ماراتب النابلسي ومكانته بين علماء الأمة الإسلامية، وأنا لست سوى مؤلفة وداعية إسلامية مغمورة. والله أنا أكن له في قلبي إحتراماً وحباً في الله لايعلمه إلا الله. حقاً إنه القدوة التي ستدفع عجلة الثقافة الإسلامية للأمام. أتمنى من كل علمائنا أن يحذو حذوه في المعاملة الطيبة لتكون الأمة بخير ونكون عند حسن ظن الجيل بنا.هذا بالإضافة إلى الطريقة الرائعة الذي يتبعها في إثبات الإسلام علمياً، والتي تستقطب الأجيال الناشئة لأنه يخاطب عقولهم المثقفة بشكل مقنع.