بعض من أساطير الكنعانيين
أسطورة بعل :
من يتتبع تماثيل بعل في متحف (دمشق) ومتحف (بيروت) ويتفحص الهيئة التي تجسدت بها هيئة التماثيل، ومن يكن له بعض الثقافة عن آلهة السومريين والأكديين، سيقف على حقيقة مفادها، أن الاعتقادات القديمة، حول تصور الحياة في المنطقة متداخلة وربما انتقلت من خلال بلاد الشام الى إفريقيا وأوروبا .. فمن الأسماء التي أطلقها الكنعانيون على (بعل) ـ وهي كثيرة ـ ومنها (هدد) وهو الطقس عند الكنعانيين في حين الإله (أدد) عند السومريين والأكديين والذي ورد في ملحمة (كلكامش) هو إله الرعد ..
في نماذج لتماثيل (بعل) في متحفي (دمشق وبيروت) وجدت هيئة بعل في حوالي 1900 ق م، يمد اليد اليمنى للأمام واليد اليسرى الى الأسفل، ويعتمر غطاء للرأس، مع أنف على شكل منقار وجسد نحيل، ويظهر معه ثور أو أسد في بعض النماذج. ولكن في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، تخلى (بعل) عن مساعدة الثور أو الأسد، وبدا بشكل قاسي ويحمل وجه شيطاني و يرفع يده اليمنى للأعلى ويمد اليد اليسرى للأمام وعيون غائرة أو جاحظة وفم مفغور .. وهذا النموذج موجود في متحف (حلب) من الحضارة الأوغاريتية .. وهذا النموذج يبقى مستمرا لنهاية ..
تكثر الأساطير عن صراع (بعل) مع (يم) .. وأسطورة دعوة (بعل) ل (عناة) لزيارته للكشف عن سر الطبيعة، وأساطير صراع بعل مع القوى السفلية، وصراعه مع (شليط) و( عتك) و (إيل) و (إشت) والكثير من الأساطير التي تغلغلت في التراث الشعبي في المنطقة، وانتقلت الى إفريقيا، ولا يتحمل المقام التفصيل الكبير في كل تلك الصراعات وقد نعود إليها في مجال آخر لكننا بدأنا بأساطير بعل لكثرتها للتأسيس في تكوين صورة عن أساطير أخرى.
أسطورة (أدونيس) :
في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، توارت أساطير (بعل) وقوته في السواحل السورية واللبنانية والفلسطينية المتاخمة أصلا لحضارتي وادي النيل والعراق. وظهرت أسطورة أدونيس في المدن اللبنانية أولا، فمدينة (جبيل) وكان اسمها (آدون) ومعناها السيد أو الرب، وهو اسم مماثل في العراق حيث (أدون) هو إله رافديني يمثله (دموزي) السومري و (تموز) البابلي وهما يمثلان المراعي والخصاب والجمال، وبقيت العلاقة الثنائية بين (تموز وعشتار) أساسا لأساطير الحب في العالم القديم .. وانتقلت عبادة (أدونيس) من شرق المتوسط الى مصر، حيث كان له معبد في مدينة ( فاروس) وهي (الإسكندرية)..
ولادة أدونيس
كانت (مورا) فتاة جميلة جدا تفاخرت ذات يوم مع الإلهة (فينوس) بنعومة شعرها، فحقدت عليها (فينوس) وحكمت عليها بأن تقع في حب آثم مع (أبيها) واستعانت بالملاك (كيوبيد) بأن يرشقها بسهام الحب وهي نائمة، فرشقها فوقعت بحب والدها.. وكان الخاطبون يتقاطرون على (مورا) في حين ترفضهم كلهم، وطلبت من مربيتها أن تعينها في وضع خطة لتلتقي مع أبيها وتمارس معه الحب دون أن يعلم .. فأخبرت المربية والدها بأن أحد جواريه تريد معاشرته، فاستجاب للطلب فوضعت وشاحا أو قناعا على وجه (مورا) وتم لها ذلك .. وكررت اللقاء، حتى اكتشفها والدها فأشهر سيفه ليقتلها، فهربت بالليل واختفت، وتضرعت للآلهة بعد أن اقترب موعد ولادتها من الحمل الخاطئ، وطلبت من الآلهة أن تتحول الى شجرة .. فاستجابت الآلهة وتحولت (مورا) الى شجرة، فتمددت أصابع رجليها لتتحول الى جذور اخترقت الأرض، وتحولت يديها الى أغصان وفروع وعظامها الى خشب، وجلدها الى لحاء وهكذا تحولت شجرة (المر أو العفص) التي هي (مورا) الى شجرة مقدسة .. لا يزال الكثير من الناس حتى اليوم يقدسون أو يعتقدون بدور تلك الشجرة أو نماذج منها يختارونها في جبال سوريا و لبنان والأردن، ويربطون بها قطعة من قماش لمن تريد أن تتزوج أو يخطبها أحد الشبان ..
دنت ساعة الولادة، فانشق اللحاء وخرج الوليد لتلتقطه (الحوريات) ويغسلنه بدموع أمه ووضعه فوق العشب، وكان طفلا جميلا جدا يشبه الآلهة!
خلاف (فينوس) و (برسفونة) على (أدونيس)
كانت فينوس تراقب ولادة أدونيس، فتعلق فؤادها بجماله وشغفها حبا، فأوكلت تربيته بعد أن خطفته ووضعته بصندوق وأعطته لأختها (برسفونة) ملكة الجحيم، وعندما كبر وقعت (برسفونة) في حبه فتقاتلت الأختان عليه فاحتكمتا عند كبير الآلهة (جوبيتر) أو (زوس) فقسم السنة الى ثلاثة أقسام، كل قسم من أربعة أشهر، قسم لفينوس وقسم لأختها وقسم يكون أدونيس حرا يقضيه مع أي منهما، فاختار فينوس ليقضي معها ثلثي العام والثلث الآخر مع شقيقتها.
تحذير فينوس لأدونيس
لم تكن فينوس لتترك أدونيس في الأربعة أشهر التي يقضيها مع شقيقته، بل كانت تطوف حوله بعربتها التي تجرها (بجعات مجنحة) .. لتختلي به، فاختلت به في أحد المعابد، فولد لهما خنزير، نتيجة الخطيئة .. فلحق الخنزير بأدونيس وعضه بأنيابه في فخذه، فارتمى وأخذ يصرخ ودماءه تسيل على الرمال ..وقد كانت فينوس هي من حذرته من خلال سرد قصص لقوة الإثم في ممارسة الجنس بالمعابد ..
دم أدونيس
سمعت فينوس أنين أدونيس فهرعت فلما رأت دماءه، شقت ثوبها، ولطمت وجهها، وقررت أن تلون الأزهار البيضاء بحمرة دمه، فظهرت (شقائق النعمان) بلونها الأحمر المعروف .. وقد شاهدت قبل يومين عيدا للطائفة اليزيدية في شمال العراق، يحتفلون فيه بشهر (إبريل / نيسان) كيف هو الاهتمام بزهور شقائق النعمان ، وكيف وضعوا مجاميع من تلك الأزهار على أبواب وشبابيك بيوت قريتهم ( برنامج بثته قناة الموصلية العراقية في 20/4/2007).