الفجر ينبلج، الشمس بدأت تنشرأشعتها الذهبية من خلف أشجار الزيتون والبرتقال، وصياح الديكة يتعالى من وراءالبيوت المترامية في أنحاء القرية، في ذلك الصباح كان موعد تنفيذ أوامر الحاكمالعسكري الصهيوني بطرد سامي وخمسة من الأبطال من الأرض المحتلة.
وأمام مقرالحاكم العسكري الصهيوني كانت ام سامي وعشرات النسوة ينتظرن لحظة الوداع.
خرجسامي ورفاقه الأبطال من المبنى والجنود المدججون بالسلاح من حولهم، التفت سامي بينالجموع فالتقت عيناه بعيني أمه، اندفع نحوها فضمته إليها بكل حنان وراحت أناملهاتتسرب إلى وجهه تتحسسه، ثم نظرت إليه وضمته بحرارة اكبر من جديد ودست في يده حفنةمن التراب .
وقالت له: لا تحزن يا بني، حفنة التراب هذه كحل عينيك بها كليوم
اقترب جندي منه ودفعه عنها
وقال سامي بصوت عال: سنعود ...نعم سنعود
أفكار بدأت تتزاحم في مخيلته كيف يستطيع العيش بعيداً عن قريته التي عاش فيهاوترعرع بين أوديتها وهضابها الجميلة.
أعوام قضاها ولاقى فيها الفرح والحزن علىالسواء لكن الحزن لم يكن إلا دافعاً وحافزاً له لحب الوطن والتمسك به والنضال مناجل حريته.
منذ سنوات فقد سامي والده الذي مات في احد السجون الصهيونية وكان فيأمس الحاجة إليه، وبعد ذلك اعتقل شقيقه الأكبر أكثر من مرة.
السيارة تسير بسرعةورغم إن عينيه عصبت ويديه كبلت بالحديد، إلا انه أحس بالحرية، لقد بقي يرقب بخيالهمشارف القرية وهي تبتعد بسرعة ، رآها وقد اعتلت هضبة مرتفعة من وراء واد جميلوأشجار السرو والصفصاف تحيط بها من كل جانب .
هناك من الجهة الغربية لاح له شبحمدرسته الابتدائية ومن حولها غابات الزيتون الرائعة، فأثر المشهد في نفسه أيماتأثير فتمنى أن ينزع العصبة عن عينيه كي يرى تلك المشاهد ويودعها.
فوجد خيالهيعود عبر الذكريات إلى طفولته وهو يمرح ويلعب الكرة مع أترابه ويرمون الجنودالمحتلين بالحجارة، ويلعبون «عسكر وحرامية» وعندما يعود عند المساء إلى المنزليقبله والده على جبينه ويبتسم وفي عينيه أشياء كثيرة لم يكن سامي حينئذ يفهمهاويفيق سامي من الذكريات على صوت الجندي الصهيوني :
انزلوا... هيا انزلوا .. يفتح عينيه، وإذ بالدمع ينساب على وجنتيه دافئاً يجففه هواء الغربة ...ينظر حوله،لا يدري أين هو.