منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 15 من 15

الموضوع: روايتي الاولى

  1. #11
    الفصل التاسع


    تفحصت المكتب وما فيه من صناديق فلفت انتباهي بندقية هجومية قوية فلم أتردد في أخذها وألقيت سلاحي. تفحصت البندقية الجديدة ورضيت بها سلاحا جديدا. اختبرت وزنها في وضع هجومي فوجدتها من أفضل ما يكون واطمأنيت على حسن اختياري. ابتسمت بمكر لبرهة وجيزة قبل أن تختفي الابتسامة وتعود الجدية إلى وجهي مع استمراري في مهمتي الدموية.

    صعدت مجموعة الدرجات خلف المكتب التي انتهت عند باب مزدوج زجاجي. وجدت أمامي ساحة مفتوحة. أمعنت النظر بها فالتقطت عيناي ثلاثة من الجنود المستنسخين يقومون بدوريات على مسافات متباعدة بينهم وهم في حالة حذر وانتباه نظرا لانقطاع الاتصال بينهم وبين الفرق الأخرى. لاحظت موقفهم الحذر وتوقفت وأنا أتابعهم بإعجاب لأن أيا منهم لم يتوقف عن الحركة ولم تبد عليهم علامات الملل ولا الإرهاق. كان انضباطهم عاليا. شعرت بالفخر لأنني بذلت جهدي كثيرا مع أمثال هؤلاء وسأثبت لنفسي أنني أفضل من ذلك. انتظرت حتى تحرك أقرب الجنود إلي مبتعدا ثم انزلقت في صمت من خلال أضيق فتحة بين الأبواب. كانت الحاويات والصناديق المتناثرة تشكل حماية وتغطية من أفضل ما يكون. رأيت كشكا صغيرا في منتصف الساحة دخله أحد الجنود لبرهة قبل أن يعاود الظهور. كان الليل قد احتوى المنطقة بظلام دامس لولا بقع الضوء التي نشأت بفعل المصابيح المعلقة على الأعمدة المتباعدة عن بعضها البعض بشكل منتظم.

    أخرجت البندقية الهجومية وأسندتها إلى كتفي ووجهتها إلى الهدف وببطء ضغطت زناد البندقية وانهالت الرصاصات على هدفها وقد أصابته بدقة متناهية. رأيت الجندي فيتلوى ومن ثم ركع على ركبتيه وهوى جسده إلى الأمام وارتطم رأسه بالأرض لا يدري من أين جاءت الطلقات. بدأت أستمتع باللعبة معهم إن جاز أن نسميها لعبة. اندفعت بعيدا عندما سمعت صراخ أحد الجنود من الطرف البعيد من الساحة قائلا بصوت صارم:
    - انه هناك!. اختبئوا!
    جاءه الجواب:
    - عُلم!
    وبعد لحظات انفجر الموقف بآلاف الطلقات تندفع باتجاهي. تنفست بعمق ثم ابتدأت الهجوم.

    انزلقت كظل في الظلام بين الصناديق نحو الجندي التالي شاعرا بالحرارة الناتجة من الطلقات أثناء احتكاكها بالهواء وكنت اسمع صوت ارتطامها وتحطيمها للصناديق الخشبية. قادتني غريزتي للأمام واندفعت بعيدا عن الخطر. شعرت بالثقة في قدراتي وأن هذه الثقة قد ولدت غطرسة صارت تتحكم في أفكاري وأفعالي كما حصل بقيامي بمخاطرات عدة كي أصل إلى منصة التحكم ورمي نفسي خلف الشاشة وجميع الطلقات التي انطلقت باتجاهي قبل أن يعود الصمت مسيطرا على كل شيء كما كان. كانت المنصة ضيقة ولا مخرج في المكان يمكن أن أفر منه عند حدوث خطر. فحصت سلاحي لأتأكد من وجود ذخيرة به كافية بينما كانت تلك المشاعر الواثقة تتسلل من جسدي سريعا. كنت محشورا.

    "امسحوه من الوجود!"
    سمعت هذا النداء مع خطوات سريعة تقترب من مكاني مع كل ثانية تمضي. أعلم أن القنابل ستأتي باتجاهي والبقاء في هذا المكان سيؤدي إلى وفاتي لا محالة. انفجرت أنفاسي في تتابع سريع وأنا أفكر هل أهجم أو أفر؟ ولكنني كتمت ذلك مع التصميم الواضح لذلك القاتل الذي لا يكل. سكنت الأصوات مرة أخرى مما يوحي بعاصفة أخرى قادمة، وهذا ما أصابني بالتوتر ودفع بالتالي جميع غرائزي وحواسي إلى مركز الصدارة في السيطرة على أفكاري وتصرفاتي. على يساري أحد الجنود المستنسخين بمهاراته الواضحة كمحترف وجندي آخر على يميني يتحرك ببطء وقدماه لا تكاد تلامس الأرض. سمعت صوت نزع فتيل قنبلة يدوية. لأي شخص عادي هذا الصوت غير مسموع ولكنني كنت قد أصخت بسمعي جيدا وركزت كل تفكيري على ما سيفعلانه. حركني شعوري بالخطر فقفزت من مكاني كأسد تم إطلاق سراحه فجأة ووقفت وأطلقت الرصاص بسخاء على نافذة المنصة. ورأيت الصدمة على وجه الجندي الذي ما زال قابضا على القنبلة بإحكام الذي أطاحت به عاصفة الطلقات. ركع على ركبتيه ولكنه تحول إلى أشلاء ممزقة مع انفجار القنبلة. اعتبرت هذا بمثابة إشارة انطلاق كما يحدث في السباقات الرياضية.

    اندفعت من المنصة إلى المدخل متجاهلا القصف الهادر بالأسلحة النارية القادم إلى مكاني وحددت على الفور مكان الجندي الذي سمعت صوته من قبل وعاجلته بطلقات مركزة. اندفع الجندي إلى الخلف واختبأ وبدأ يطلق النار عشوائيا، وتخيلت أنني فريسة مكانه.
    "انه سريع!"
    صرخ بهذه الجملة وهو يحاول التراجع إلى الخلف ولكن دون جدوى، ورفعت سلاحي وصوبته جيدا إلى الهدف ولم أبخل عليه بما بقي لدي من طلقات. ولم يلبث أن سقط في مكانه جثة هامدة. وانأ مختبئ خلف الساتر الذي قتل عنده الجندي شرعت أفكر في الخطوة القادمة. علقت البندقية وانتزعت المسدسين من قرابهما والتقطت نفسا عميقا وخرجت من خلف الساتر.

    أثناء فترة التحول من طريدة إلى صياد، لمحت الجنديين الباقيين وحددت مكانهما. وفي أقل من ثانية وضعت خطة معقدة للقضاء عليهما. كان أحدهما في الطرف القصي من الفناء والآخر يكمن في انتظاري على شمالي. لم أدرك كم المسافة التي غطيتها قبل أن يبدأ الجنديان بإطلاق أسلحتهما باتجاهي. وجهت مسدسا إلى أحد الجنديين والمسدس الآخر إلى الثاني وأطلقت الرصاص بسخاء عليهما. وسقط الجنديان في بركة من دمائهما. ست جثث مسجاة في الفناء على نحو مؤلم. كان صدى آخر طلقة ما زال يدوي في الفناء قبل أن يتلاشى تدريجيا مودعا أولئك الذين لم يعودوا أحياء. وقفت لحظة أفكر فيما فعلته وتساءلت هل يستحق أولئك الجنود الموت؟ ما زلت أسمع كلمات عاصم مراد وهو يقول بصوته المزعج "كلهم يستحقون الموت!" فهل أنا أسوأ منه؟ مسحت خيطا من الدم يسيل من جرح في خدي وفكرت في المهمة التي بين يدي. محمود وفاتن وحسام يعتمدون علي وجندي ميت لا يعني انه مفقود وهذا ما أراحني.

    ولأنهم لم يعودوا بحاجة إليها، صادرت ما بقي من خزانات الطلقات من الجنود القتلى. وأكملت طريقي عبر الفناء لما اعتقدت انه مخرج وهو باب ثقيل على منصة مرتفعة قليلا تؤدي إلى محطة المعالجة. كان أحد الجنود هناك ولكنه غارق في بركة من دمائه. كان ما يزال قابضا على مدفعه الرشاش، فحركت جسده برفق كي أتمكن من فتح الباب والولوج إلى الداخل. قادني الباب إلى ممر آخر كان شديد الظلمة مقارنة بما مررت به من ممرات. الشمس قد أكملت غروبها ولم يبق من ضوئها إلا القليل لا أكاد أر به شيئا. أضأت المصباح المعلق في خوذتي لعل حرارته تبعث بعض الدفء في جسمي. سمعت صوت خرير المياه داخل الجدران الخرسانية فأسرعت بالحركة بحثا عن مصدر تلك المياه.بعد استدارتي عند ركن الممر قدم الجواب نفسه. رأيت بركة داخلية كبيرة افترضت أنها لمعالجة المياه. كان للبركة حاجز حديدي يمنع الانزلاق العرضي إلى أعماقها وعلى اليمين غرفة مضخات تؤدي إلى المخرج الوحيد. كان السلم الحديدي المؤدي إلى وسط البركة هو أفضل حل للوصول إلى غرفة المضخات. ولكن للأسف لا يمكن الوصول إلى السلم الحديدي من موقع هذا لذلك سأضطر أن أنزل إلى الماء كي أصل إليه. خبأت أسلحتي وقفزت فوق الحاجز إلى عالم مائي قذر. وصلت إلى سطح الماء وأمسكت بحافة السلم الحديدي وأخرجت نفسي من البركة وبدأت الصعود. كان جهازي اللاسلكي يصدر أصواتا بدأت تتكاثف وتشتد وأنا أسير على المنصة وللحظة لمحت شيئا صغيرا تحرك بسرعة داخل غرفة الضخ أمامي. على الرغم من ضعف الإضاءة وعدم وضوح الرؤية إلا أنني أدركت على الفور أنها الفتاة التي لاحقتني من قبل. كنت أشعر بالخوف الشديد من مواجهة أخرى معها. أخرجت سلاحي وسرت متحفزا إلى غرفة التحكم.

    تأرجح ضوء معلق في السقف بفعل نسيم لم أشعر به فواصلت بحذر شديد. أمر صعب ومزعج جدا أن أترقب الخط القادم الذي لا أدري كيف أو متى أو من أين أو من يقوم به. كان هذا الشعور يصيبني بقشعريرة باردة أشعر بها في ظهري. جررت قدمي بجهد بينما كان الضوء المنبعث من المصباح في خوذتي يلقي ظلالا كبيرة للمضخات والمولدات التي تهدر بنعومة في مقابل قلبي الذي ينبض بعنف. قادتني الغرفة إلى اليسار بعيد عن الأنظار. وعندما وصلت إلى نقطة الالتفاف، ظهر الظل على الحائط مبتعدا عن مكاني ببطء. كنت أخشى ما كنت سوف أراه عندما استدرت عند الزاوية وحبات العرق تتساقط على جبيني ورقبتي كأنهار صغيرة. حثني عقلي على الفرار ولكن قدماي تجاهلتا النصيحة. أخذت نفسا عميقا واندفعت عبر الزاوية ولكني لدهشتي الشديدة لم أجد شيئا والفتاة الصغيرة لم تكن هناك. وقفت ألهث في الظلام الدامس. سمعت ضحكتها الطفولية الساخرة للحظة وهي تدوي في المكان قبل أن تختفي وهنا أخفضت البندقية. حاولت التفكير فيمن تكون تلك الفتاة وما الذي تحاول فعله بعقلي. هل تريد توصيل رسالة ما؟ من الواضح أنها ليست من هذا العالم ربما تكون شبح فتاة ماتت هنا. تولد لدي شعور بقرب حدوث شيء شرير ربما انبعاث لذكرى قديمة. توقفت عن التفكير كي أكمل رحلتي إلى عالم المجهول.

    أدى الممر إلى طريق مسدود ولكني وجدت فتحة في الأرض تقودني إلى بركة أخرى أسفل مني. لا بد أن أغطس في أعماق هذه المياه القذرة كي أواصل طريقي. ثبت سلاحاي في قرابهما وانزلقت عبر الفتحة تاركا جسدي يهبط حرا إلى البركة. عندما وصلت إلى سطح الماء غمر عينياي ضوء قوي ففقدت جميع أحاسيسي وشل عقلي. واختفى الضوء فجأة كما ظهر. لم أعد في مصنع معالجة المياه وأمامي ممر يبدو كأنه يحتوي عيادات طبية. كان الماء الذي قفزت فيه قد تحول إلى بركة من الدماء التي سالت من ركبتاي عندما ارتطمت بأرضية البركة. كانت دمائي على الجدران تسير في خطوط كأنها جزء من حلم شيطاني. لمع ضوء قوي كأنه برق في ليلة عاصفة. كان قلبي ينبض بعنف وتنفسي كان صعبا ولم أشعر بأي شيء وقد أصابني خدر عطل أفعالي. في نهاية الممر باب مزدوج ومن خلال نافذة الباب رأيت ظلا ينحني على ما يشبه طاولة العمليات. سمعت صوت بكاء رضيع من مكان مجهول. شجعني صوته على التقدم عبر الممر وبدون تفكير أخذت أتحرك إلى الأمام على الرغم من محاولتي الاحتفاظ بتوازني بسبب الدماء اللزجة على الأرض. بالكاد لاحظت ذلك الشيء المنحني وآخر يرقد على طاولة العمليات. اقتربت أكثر وأكثر. وفجأة ظهر هيكل عظمي من خلال الدماء أسفل مني. وبحركة غريزية رفعت يدي إلى فوق كي أحمي نفسي من هجومه المفاجئ فوجدت نفسي أنظر إلى جدار مصنع معالجة المياه وأنا أقف في مياه قذرة قاتمة.
    لقد انتهت!
    وقفت أحاول فهم ما حدث...
    لم تخفني هذه الهلوسة ولكن هناك شيء جعلني أرتعب!
    لقد رأيت هذا المكان من قبل!


  2. #12
    الفصل العاشر

    دخت مما رأيته. فقد أصبت بالرعب من هذه الدماء التي تسيل على الحائط إلى الأسفل وقد وجدت طريقها عبر قنوات خاصة بين البلاط وقد ملأت العنبر الطبي برياح الموت. لقد كانت لقطة صورها لها عقلي أربكتني. فكرت في الأمر بعمق. لقد كان أشبه بوهم ناتج عن هلوسة أو رؤية وأنا يقظ. لقد اعتقدت الأمر حقيقيا وأجبرت نفسي على التوقف عن التفكير بما حصل. لقد رأيت هذا الممر من قبل. انه الممر الذي قتل فيه يوسف سالم في المجمع الطبي الذي بدأت به هذه المهمة المخيفة. كانت نظرة الفتاة الشابة على غرفة العمليات أصعب من أن أتجاهلها. ازدحم عقلي بالأسئلة التي تبحث عن إجابات. المكان كله والأشخاص وهذه الفتاة الشابة أشعر بأنه مألوف لدي. حنين مؤلم عصي على الفهم مثل شعلة ضئيلة في نهاية نفق طويل جدا يحاول أن يحكم حصاره العدائي حولي.

    أصدر جهاز اللاسلكي أصواتا قطعت حبل أفكاري وأعاد المهمة إلى اهتمامي الأساسي. كان صوت حسام.
    "فاتن. أي اتصالات مع محمود؟"
    أجابت فاتن وقد فقد صوتها مسحة التفاؤل:
    - لا شيء بعد. ولكننا وجدنا بقايا بشرية لا يمكن التحقق منها إلا في المعمل.
    أجاب حسام:
    - لا يمكن أن يكون هو. علامات حياته غير طبيعية ولكنه ما زال حيا حتى الآن. إنه موجود في مكان ما.
    أجاب فاتن:
    - سأستمر في البحث.

    جررت نفسي من بين القاذورات المحيطة بركبتي وشعرت بقشعريرة في جلدي. تجمدت يداي قليلا عندما أمسكت السلم المعدني. بينما كانت لا تزال قدماي على المنصة التي يعلوها السلم، وضعت مهمتي في أولوية أفكاري ودفعت الظنون والشكوك بعيدا واستعضت عنها بقوة ووضوح ما أعرفه عن هذه المهمة. لخصت الموقف ووجدت أن محمودا ربما ما زال حيا ولكن ربما وقع أسيرا ويحتاج إلى مساعدة لتحريره. جعلتها مهمة شخصية أن أعيده سالما مع علمي أن الكثيرين قد ماتوا بسبب فشلي في قتل عاصم مراد فوق سطح المجمع الطبي.

    أخرجت هواء متوترا من بين أسناني ثم ابتدأت الحركة. كل شيء كان صامتا باستثناء نقاط من الماء تتسرب من أنبوب أو مياه تتدفق من جدران الحاوية. كان يبدو مستحيلا ولكن على نحو ما كان يبدو أكثر ظلاما داخل محطة المعالجة. على الرغم من أنني لم اهبط كثيرا، كانت كل بوصة انزلها تبدو كأنها أمتار في هذا الظلام الكئيب. كان الظلام كثيفا جدا ويحيط بي من كل جانب. أضأت مصباح خوذتي فأرسل شعاعا ضئيلا صنع بقعة على الحائط أمامي. اعترضني باب يقودني بعيدا عن رائحة بركة المياه ولكنه لم يفتح. كان الباب مغلقا بما تكدس خلفه من صناديق وعلب. لم يكن لدي الوقت ولا القدرة على تحريك تلك الصناديق. تذمرت مما حصل لأن الطريق الآخر عبر البركة به مدخل صغير يؤدي إلى مكان شديد الظلام. عدت إلى تسلق السلم مرة أخرى إلى المياه غير المعالجة وكشرة حادة قد ارتسمت على شفتاي وتسلل البرد إلى ساقاي مرة أخرى.

    انحنيت واتبعت النفق. أخذت أتحرك خلال الماء محاولا جهدي الاحتفاظ بسلاحي بعيدا عن الماء. مصباح خوذتي أضاء الطريق أمامي وقد سعدت بذلك إذ لولاه لم يكون سوى الظلام رفيقي في الطريق. لحسن حظي رأيت فتحة يأتي منها ضوء داخل النفق فوقي اعتبرتها نجاة لي من البرد الشديد والرائحة المزعجة. ابتسمت وانا أتخيل اختفاء الرائحة من مكاني ومنع أي محاولة تسلل سرية. جذبت نفسي عبر الفتحة متسلقا الأنابيب وهبطت على أرضية صلبة. سعدت عندما وجدت نفسي في ممر مضاء وفي مكان ما عبره شاهدت ضوء يخرج من نافذة باب مكتب على يساري. تحركت ببطء وحذر متجها إلى ذلك المكتب.
    "افحص المنطقة"
    قالها احد الجنود المستنسخين عبر جهاز اتصال. فرد عليه آخر قائلا:
    - لا شيء هنا.
    ابتسمت لأنهم لا يعلمون أنني هنا ولو علموا لما قالوا ما قالوه!

    دخلت المكتب وأنا منحن دون أن أتخلى عن حذري. كان أحد الجنود يجلس أمام شاشة للمراقبة. اقتربت منه ببطء منتظرا الوقت كي أضرب ضربتي. وكأفعى قد تقوس ظهرها انقضضت عليه وضربته بمؤخرة بندقيتي قبل أن يطلق صرخة طالبا النجدة. مال رأس الجندي إلى الأمام ولم يلبث أن سقط أرضا في صمت. حتى سقوطه لم يصدر منه أي صوت. تجاهلت خيط الدم الذي سال من جرح في رأسي وشرعت في دراسة ما كان يراقبه ذلك الجندي على الشاشة. رأيت غرفة بها رجل مقيد إلى كرسي ورأسه متدل إلى الأمام كأنه ميت أو غائب عن الوعي. وفجأة تلاشت الصورة وتركزت على رجل مجهول الهوية. قفزت من مكاني متراجعا إلى الوراء مع التحول المفاجئ متسائلا من يكون هذا الرجل. يبدو مدنيا، هل هو سجين؟ تمنيت لو أنه ما زال حيا ولم يقع في براثن عاصم مراد المجنون. وجدت علبة إسعافات أولية فتحتها واستبدلت الضمادات الجديدة بالضمادات التي امتلأت بالدم. قارنت بين نظافة الضمادات الجديدة والضمادات المتسخة فهززت رأسي راضيا.

    تركت المكتب وواصلت على طول القاعة الرئيسية ولكن لخيبة أملي انتهى الطريق في بركة أخرى. كان الضوء لامعا يصنع عروضا على الجدران والسقف بسبب تموجات المياه في تلك البركة. اقتربت ببطء فوجدت ممرا فوق البركة يمكن أن أستخدمه كجسر وتحركت كي أضع قدمي عليه. وبعد لحظات أحسست بوجود شيء على يميني. تجاوزت الجسر كي أواجه التهديد الظاهر رافعا سلاحي وواضعا إصبعي على الزناد استعدادا لإطلاقه. أصابتني الصدمة عندما رأيت أنني أحدق في وجه محمود. كان جلده شاحبا وعيناه ليستا أكثر من مجرد تجويفين دمويين. كان واقفا ثابتا في مكانه كأنه تمثال. وببطء تباعدت شفتاه وهمس قائلا:
    - إنها تخاف منك.

    وكما حصل من قبل رحل بعيدا. وقبل اختفائه تحول جلده إلى اللون الأسود قبل أن يتلاشى في الدخان الذي ملأ المكان حوله. استعدت إحساسي بالوجود حولي بينما كان قلبي يكاد يقفز خارج ضلوعي وخفضت سلاحي. كنت مندهشا وممزقا بين التصديق والتكذيب. هل كان هذا مجرد وهم زرعته في عقلي تلك الفتاة الصغيرة؟ لقد تزعزعت ثقتي في كون محمود ما زال حيا وبخير. كان جسده مشوها ولا تبدو عليه علامات الحياة وتمنيت أن يكون هذا مجرد صورة لا حقيقة.

    عبرت الجسر مسرعا وقد شعرت بألم في معدتي. شعرت أنني واقع في وضع غامض لا أستطيع أن أحله حتى مع وجود ذكريات ناقصة غير واضحة يحاول عقلي التعلق بها. كنت قاتلا بسبب ما تعلمناه وما أمرتنا به القيادة (أعطني بندقية وٍأنهي الموضوع). كنت أحاول إقناع نفسي أنني غير محاط بأكثر من هذا وأن هذه المهمة مجرد مهمة اعتيادية (أدخل واقتل الشرير واخرج). أقنعت نفسي بهذا الأمر للحظات ولكن ذكريات المهمة والغضب الذي يعتريني بسبب عاصم مراد والأبرياء الذين اضطررت إلى قتلهم قد قفزت إلى عقلي وشغلت تفكيري. وحسدت أشخاصا مثل كمال الذين لا تضايقهم ذكريات حياة لم يعيشوها كما تضايقني أنا.

    كان تفكيري منشغلا بما حصل وأنا أشق طريقي عبر المجمع ولا أدري إلى أين يأخذني الممر الذي أسير فيه. وصلت في نهايته إلى غرفة كبيرة للمولدات بها جسر معدني فوق المولد يقود إلى مكتب مظلم قريب. رأيت جنديين مستنسخين في دورية بالقرب مني. توقفت كي أتابع حركتهم المنضبطة ومسار حركتهم قبل أن أختفي عن ناظريهم. انزلقت بهدوء على الدرجات المعدنية إلى المكتب وقد انحنيت كي لا يرونني. وتأكدت من وجود ذخيرة في سلاحي. رأيت مصباح هاتف على المكتب يتوهج معلنا عن وجود رسالة. ضغطت زر التشغيل ولكن الصوت كان عاليا هذه المرة. وتمنيت أن لا يسمعها أولئك الجنود.

    "لديك رسالة جديدة"
    أعلن الهاتف هذه الجملة المتكررة دوما قبل أن تبدأ الرسالة الحقيقة بالظهور. كان صوت رجل على الأرجح من العاملين في المحطة. كان صوته يحمل نبرة قلق. قال الرجل:
    - سمعت عن أشياء غامضة ومجنونة تحدث عندك. هل أنت بخير؟ أخبرني! هل ما زلنا على موعدنا يوم الجمعة؟ اتصل بي عندما تعود.
    صمت الرجل قليلا ثم قال:
    - أرجو أن تكون بخير...
    ساد الصمت لحظات بعد الجملة الأخيرة التي كانت همسا قبل أن يعلن الهاتف انتهاء الرسالة.

    هذا برئ آخر محاصر داخل الفوضى التي تعم المكان. ربما يكون ميتا وربما لا! ولكن صوت الأقدام المتحركة جعل حذري يقفز إلى أعلى درجاته. هل سمع أولئك الجنود الرسالة وهم يتقدمون إلى موقعي؟ رفعت سلاحي استعدادا للاشتباك ووضعت إصبعي على الزناد. سمعت الصوت المألوف لأولئك الجنود عبر غرفة المولدات وهو يقول:
    - ابق مختبئا وحاول جذبه إلى الخارج.
    وجاءه الرد:
    - انتظر إشارتي.
    اعتبرتها إشارة لي أنا وكان لا بد أن استغل عنصر المفاجأة لصالحي. اندفعت داخل الغرفة بسرعة كبيرة وأطلقت النيران عليهما بكثافة. كان صوت الطلقات أعلى من المرات السابقة، ولكن صوت الطلقات كان همسا بجانب صرخات الاستغاثة التي صدرت عن أحد الجنود الذي سقط أرضا غارقا بدمائه. ابتعد الآخر محاولا إيجاد ساتر يحتمي به عن السلم ولكنني تتبعت حركته. أثارت مجموعة من الطلقات الغبار قبل أن يهبط الصمت مرة أخرى على المكان للحظات قصار. مأزق آخر وقعت فيه ولكن الصندوق الخشبي الكبير وفر ساترا أحتمي به بينما اختبأ خصمي خلف المولد. تحرك الأدرينالين في عروقي وتصبب العرق من جبهتي وانتفخ صدري عندما حطمت القفص كي أقتل الجندي. شعرت بقوة غير طبيعية لا أدري لها مصدرا. استدرت حوله رافعا سلاحي كي أفاجئه ولكنه اندفع ناحيتي مقتربا مني كي يشتبك معي عن قرب وقد ملأه اليأس. تراجعت مسرعا سامحا له بالاندفاع إلى الأمام. وبحركة سريعة استدرت نحوه وأنهيت حياته بمجموعة من الطلقات أصابت ظهره فسقط على الأرض الصلبة وقد فاضت روحه إلى بارئها.

    شرعت بالتنفس العميق كي أجلب الهدوء إلى نفسي ويستقر نبض قلبي العنيف ويجف العرق الذي اشعر به بين ثنايا الزي الذي أرتديه قبل أن أكمل. عدلت الضمادات على جروحي وفحصت المكان أبحث عن مخرج. يبدو أن السلم هو الحل الوحيد المتوفر فتسلقته مسرعا وأنا أشعر بحماسة شديدة للاستمرار. استدرت عند ركن الممر ووقفت أتأمل فيما أرى: مجموعة من الأبواب تؤدي إلى منطقة مفتوحة، ومنصات معدنية تتقاطع فوق المولدات وبرك المعالجة. كان المكان فخا قاتلا للمستنسخين.

  3. #13
    السلام عليكم
    هؤلاء كتب عليهم الجهاد بصبر...
    والبندقية صارت جزءا منهم ...
    والاجمل من هاذا وذاك وصفك المحكم للتفاصيل..ومن المعروف ان الرواية تملك 70% أبداع والباقي مستقى من الواقع فالى اي مدى حققت تلك المعادلة الصعبة؟
    اترك تقديري لجهدك الثمين
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #14
    قرات قسما منها :
    تملك حقيقة لغة قوية ومقدرة روائية سردية موفقة جدا
    وفقك الله
    اديبه

  5. #15
    الفصل الحادي عشر


    فتحت الباب فغمرني هواء بارد منعش جعلني أجد أصغر ثقب في القناع الذي أرتديه. ما كدت أدخل حتى كانت المفاجأة. كان الجنود ينتظرونني في الداخل. عدد كبير منهم في أماكن قتالية مختلفة ينتظرون الأمر للبدء في قصفي بعنف. كانت يدي الممسكة بالسلاح ترتعد بشكل لا يمكن التحكم به. كانت المنصات المتقاطعة الممتدة عبر المكان تشبه متاهة فولاذية وتحتها تقع برك المعالجة وآلاف المواقع المثالية للاختباء ونصب الكمائن. نظرت إلى مكان كل جندي محاولا استيعاب خطتهم الهجومية ومكاني الذي أقف فيه مغطى. أخذت جرعة كبيرة من الهواء المنعش وبدأت التحرك. يجب أن أصل إليهم.

    رنت المنصات المعدنية وعلا صوتها في الفناء تحت ثقل الأقدام المتحركة فوقها في الوقت ذاته الذي حطمت فيه الساتر كي أنجو من وابل النيران الذي انهال علي. والصوت الذي سمعته بعد نجاتي من النيران المختلط بصوت نبضات قلبي العنيفة قد أرسل إلى عقلي موجات صدمة من الدم على شكل ومضات حمراء. من مكان ما بعيد سمعت صوت نورس ينشد لحنا حزينا على السماء الرمادية الكئيبة وحتى بين مشاهد الدماء والمعارك سمعته متخيلا أنه يطير في الهواء وينقض على الطيور بغير ما جهد يبذله. لقد كنت مثله. لم تصبني طلقة واحدة مع حركتي غير المتوقعة على الرغم من كثافة النيران المنطلقة عشوائيا.

    قادتني المنصة إلى سلم معدني على شكل دوامة فهبطت إلى الطابق الأرضي. كانت الحاويات الضخمة الموضوعة في الفناء تصنع فيما بينها خنادق ضيقة. انحنيت إلى الأسفل وجلست القرفصاء وظهري إلى الحاوية الباردة. توقف إطلاق النار دفعة واحدة عندما وجدت ساترا أحتمي به. واسترحت قليلا وأنا أدرك أنهم سيطبقون علي في هذا المكان. أعدت شحن بندقيتي الهجومية وفحصتها جيدا. يجب أن تجد كل رصاصة هدفا لها، هذا ما قررته. إنهم يقتربون الآن وقد دخل بعضهم إلى الخنادق بحثا عني. كنت مستعدا للاشتباك معهم. وحطمت الأصوات الصادرة من أجهزتهم اللاسلكية صمت المكان مما دفعني أن أضع إصبعي على الزناد استعداد للإطلاق في أي لحظة.
    "أيها القائد! ما الوضع الآن؟"
    سأل أحد الجنود عبر اللاسلكي بصوت يكاد يقترب إلى الصراخ محاولا التغلب على صوت الريح وهدير المولدات.
    جاءه الرد:
    - ابق حيث أنت.

    أرهفت سمعي منتظرا صدور أي صوت مثل صوت حذاء جندي على الأرض الصلبة أو صوت إعداد سلاح للإطلاق أو حتى شهقة تنفسية من أحد الجنود. جاء الصوت وهو يبعد عني مجرد أمتار قرب الزاوية، انتهزت الفرصة غير مدرك للنتيجة فأمسكت البندقية وتمايلت بجسدي في حركة مرنة تماما محدقا في وجه أحدهم وقد فاجأته. كان من المستحيل أن أخطئه من هذه المسافة القصيرة فسقط الجندي على الأرض يحاول إغلاق الجرح العميق في رقبته ومنع الدم المتساقط منها. تجاوزته مقتربا من هدفي التالي الذي كان جنديين يحاولان اقتناصي. كان أحدهما يغطي الآخر بتبادل الأماكن فيما بينهما. كانا يتحركان ويحمل كل منهما شعلة من النيران تضئ ما حوله سرعان ما ألقاها ورأيت الغبار قد ملأ الجو من حركتهما السريعة. اجتحت الضباب دون هوادة متجاهلا ألما مفاجئا نتيجة إصابة بطلقة في كتفي وقد انبعثت منها الدماء.

    وجدته فجأة أمامي وقد تجمد الزمن لكلينا للحظات قصار. خلال تلك الفترة تساءلت ما هي الأفكار التي دارت في عقله؟ هل لديه أفكار أم لا؟ هل كل ما يعرفه هو القتل وتلقي الأوامر لقتل الأبرياء ثم الوقوف بين يدي قائد مجنون؟ ضغطت زناد بندقيتي الهجومية ولم اتركه إلا بعد أن أعلنت نفاذها من الطلقات. سقط الجندي على ظهره ووجهه يحمل آثار ألم فظيع.

    تراجع رفاقه إلى الزاوية. كنت أسمع الرسالة الاعتيادية لطلب الدعم من أجهزتهم قبل بداية المعركة القادمة. في الطرف البعيد من الفناء رأيت سلما معدنيا يؤدي إلى منصة تلوى على حائط المبنى. وسمعت وقع أقدام الجنود على المعدن عبر الفناء قادمة لتلبية طلب التعزيزات. لم أبال بالجرح الحارق فرفعت يدي ووضعتها على الجرح وقد أصابني الغضب لرؤية الدماء تنزف منه. لم يكن هناك وقت لوضع ضمادة. بينما كان قلبي ينبض بقوة ورأسي يؤلمني بشدة ألقيت البندقية الفارغة وانتزعت سلاح أحد الجنود الذين فارقوا الحياة. لم يبق لدي سوى علبة واحدة من الذخيرة. دخل أربعة جنود إلى المكان. كانت أنفاسي ثقيلة. رفعت سلاحي وخرجت من مكمني للقائهم.

    كانت وقع اقتراب الجنود سريعا بشكل مخيف. كانت كل لحظة كأنها تستأذنني هل أكمل أم لا. كان الصوت بعيدا جدا وقد خفت بشكل كبيرا ولكني كنت أسمعه. أعطاني هذا فرصة لمزيد من ردود الفعل على الرغم من أنني لا أستطيع التمييز بسبب اللون الكئيب المحيط بالمكان ولكنني تجاهلت ذلك كله وركزت على مكان قدوم الجنود. كنت في منطقة اعرفها. رآني الجنود الأربعة وسارع أولهم بإطلاق النار باتجاهي فور رؤيته لي بينما كان يصرخ بشيء لم استوعبه بسبب أصوات النيران المنطلقة. ألقيت بنفسي جانبا محاولا تجنب قنبلة ألقاها أحدهم وبحركة سريعة أطلقت رصاصة صائبة أصابت أصابع اليد التي ألقت القنبلة كاشفة عن نقاط الضعف في درعه التي كشفتها الطلقات فأطلق صاحبها صراخا قويا. دفعني انفجار القنبلة خلفي باتجاه الجندي الثاني الذي رفع سلاحه نحو رأسي تكفي لفصله إلى قسمين لو حدث التلاقي. ملت إلى الوراء متجنبا الطلقة على بعد مليمترات قليلة من وجهي وقد شعرت بلفح الهواء الحاد نتيجة مرورها أمامي. اندفعت ناحيته وأمسكت بذراعه ولويتها حتى كسرتها وقد شعرت برضا مرضي عندما سمعت صوت تكسر العظام داخل الجلد. صرخ طالبا الرحمة من العذاب ولكني أسكته بطلقة أصابت جبهته بشكل مباشر فسقط على الأرض وقد فارق الحياة.

    والجنديان الآخران ابتدآ الهجوم من مكانيهما. أطلق أبعدهما النار باتجاهي بعناية من بندقية هجومية مثل تلك التي ألقيتها قبل لحظات مما سمح للآخر ببدء هجوم علي. أطلق المهاجم باتجاهي قذيفة من بندقية يحملها كانت من القوة بحيث يمكنها أن تمزق رجلي لو اقتربت أكثر. شعرت بصدري يحرقني ورأسي يكاد ينفجر من الألم كأنه ضربات مطارق قوية. أعددت ما تبقى لي من طلقات. وعندما جهز القذيفة الثانية للإطلاق كان الصوت كالصاعقة التي أصابت فوضى المكان ودفع ساقاي المحترقتين إلى التحرك بسرعة. ضغط ذلك الجندي على الزناد ولكنني كنت عنده فأزحت السلاح جانبا في اللحظة الأخيرة قبل انطلاق القذيفة نحو السماء. وجهت بندقيتي ناحية معدة الجندي وأطلقت النار بقوة فاهتز جسمه بغير حول منه ولا قوة وسقط على الأرض مضرجا بدمائه. أعلنت بندقيتي أنها فرعت من الطلقات فألقيتها جانبا والتقطت سلاح الجندي الذي سقط أخيرا. وبدأ الجندي المتبقي في إطلاق النار بجدية ناحيتي وهو يصرخ في جهازه بشيء ما. وضعت قذيفة في سلاحي ووجهتها إلى الجندي وأطلقتها وقد حولته إلى أشلاء ممزقة رشقت دماؤها الحائط الرمادي الكئيب. وهبط بعدها الصمت وملأ المكان عندما تلاشى صدى آخر قذيفة استخدمت.

    احتج جسمي على الألم المتزايد وقد رفض كتفي التحرك وضلوعي تؤلمني بسبب الرضات التي نتجت عن اصطدام الطلقات بدرعي الذي أضعه على صدرها والذي تمكن من صدها ومنعها من الدخول فارتحت لذلك. تدفق العرق من جبيني على كل ظهري. ركعت على ركبتي محاولا استعادة قوتي وقد عجزت رئتاي عن التقاط أنفاسي. انتزعت حقنة مضاد الألم وحقنتها في أحد عروقي المتورمة وتنفست الصعداء عندما دخل السائل إلى عروقي. توقفت يداي عن الارتجاف تدريجيا واستعدت رباطة جأشي ووضعت ضمادات على جروحي في كتفي وجذعي. وقفت على قدمي ومسحت الدم عن عنق سلاحي وتقدمت في اتجاه المنصة في آخر الفناء.

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. روايتي أسرار القلعة
    بواسطة رياض محمد سليم حلايقه في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-26-2018, 12:36 PM
  2. كلمة نقد حول روايتي البريئة
    بواسطة رياض محمد سليم حلايقه في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-02-2017, 08:53 AM
  3. غلاف روايتي الجديدة ذاكرة ميت
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2015, 01:41 AM
  4. روايتي الجديدة/وطن في حقيبة القلب
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-13-2013, 02:10 PM
  5. مقاطع من روايتي( تراجانا)
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 06-11-2012, 11:18 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •