د. صفوان داحول
قلة اللون تتعلق بفلسفة اللوحة وطريقة تفكيري المتقشف

أنا مرتبط بالزمان وليـــــــس بالمكـــــــان
الثنائية تعني الحركة باتجاه القدر، وهذا فن فرعوني
الفنان التشكيلي د. صفوان داحول، حصل على الدكتوراه من المعهد العالي للفنون التشكيلية في مون1997 ، وهو من الفنانين المعروفين، أقام معارض فردية في دول عديدة، حاز على عدة جوائز عربية وعالمية، منها: جائزة ملتقى إعمار الدولي في دبي /2007/ ، وحققت إحدى لوحاته رقماً قياسياً في المزاد الثاني لدار كريستيز في دبي... أشار الكثيرون إلى التشابه بينه وبين لؤي كيالي، تميزت لوحاته بقلة الألوان، وقوة التعبير، والاهتمام بالتفاصيل والملامح للمرأة الحزينة الصامتة، التي اتخذت حالة سكونية، فيها إبداع بانثناءاتها وانحناءاتها... مزج في لوحاته بين الواقعية الرمزية والتكعيبية، وبرع بتصوير البورتريهات للوجه الحالم، اتسمت المرأة عنده بالثنائية التي تميز الروح عن الجسد... التقته «البعث» وتحاورت معه حول معرضه الأخير في غاليري أيام، ومحاور أخرى... تتعلق بألوانه والحزن الذي يهيمن على اللوحة... لاسيما بعد وفاة زوجته الفنانة نورا ناصر .
> شاركت في معرض ثنائي مع عمار البيك في غاليري أيام بعنوان طباعة اللوحة.... ما رأيك بفكرة المعرض؟؟
>> الفكرة ليست جديدة ، فمنذ حوالي خمس عشرة سنة، نُفذت عملية الطباعة ذات التقنية الجيدة للوحات، وأنا أشارك في هذا المعرض بغية نشر الثقافة الفنية، عَبْر طباعة سبع نسخ من اللوحة، وهي ليست عملية تجارية بقدر ما هي عملية ثقافية لإتاحة الفرص لاقتناء اللوحات، وهي أسلوب فني متبع في مختلف دول العالم، وأنا لست ضد الفكرة، ويبقى النجاح والفشل مرهوناً بالتجربة.
> هل أنتَ مع إلغاء تصنيف المدارس التشكيلية، لاسيما أنك تجمع بين الواقعية التعبيرية والتكعيبية؟؟
>> يمكن للفنان أن ينقل تأثره بمختلف المدارس على سطح اللوحة ، فنقرأ في اللوحة التكعيبية والرمزية والتعبيرية، دون انتماء خاص لكل مدرسة من هذه المدارس، ونجد ملامح مدرسة تطغى على اللوحة عند كل فنان. في لوحاتي تظهر الملامح والأشكال الهندسية، وأطلق عليها الواقعية الرمزية، أكثر من الواقعية التعبيرية، ويبقى هناك منحى سائد دون الآخر.
> بعض النقاد يقولون: يوجد تشابه بينك وبين لؤي كيالي... فما رأيك بهذا القول؟؟
>> غالباً أُسأل هذا السؤال في كل حواراتي، فمنذ أن كنتُ طالباً في كلية الفنون الجميلة أشعر بشيء يقربني من لؤي كيالي، ويوجد إحساس خفي يشدني إليه، رغم أنني لم ألتقه إلا من خلال لوحاته وريشته وألوانه، هذه العلاقة الحميمة التي تربطني به، حصلت بالمصادفة دون تخطيط مسبق، أنا أحبه كفنان وإنسان في الوقت نفسه، أحب مسيرة حياته (سفره- دراسته- علاقته بالفن) ربما العلاقة المباشرة بيني وبينه تظهر في روح العمل الفني، أي الإحساس في اللوحة، ربما تجمعنا قلة الألوان.
> تتميز لوحاتك بقلة الألوان، واعتمادك الأسود والترابي، فما دلالة ذلك لديك؟؟
>> قلة اللون تتعلق بفلسفة اللوحة، بطريقة تفكيري المتقشف، البساطة في التفكير تعني شيئاً من الحكمة والفلسفة، واللون انعكاس من الداخل، وأنا أرى عدم جدوى كثرة الألوان الصاخبة والمتداخلة، فماذا سأضيف إلى اللوحة إذا لونتها بالأحمر والبنفسجي والأزرق، بالنسبة لي لا تعني شيئاً، لأنني أهتم بالمعنى أكثر من اهتمامي بالألوان. أنا مع مقولة «خير الكلام ما قل ودلّ»، ومع «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، اللون الأسود لايدل على لون بحد ذاته، إنه يمثل الفراغ في اللوحة، والفراغ أهم جزء، لأنه يكوّن الشكل والجسد، لذلك هو لون طاغٍ في لوحاتي، فمن خلاله أحدد الخطوط الأساسية للوحة، أما اللون الترابي الفاتح (البيج)، فهو لون الأرض والتراب والبساطة والحقيقة، إنه لون يتناسب مع تفكيري وفلسفتي.. ألواني أشبه ما يقال عنها « كآبة رومانسية»..
> تشغل الموجودات (الكرسي- الطاولة- النافذة) حيزاً من اللوحة، فهل يعبّر هذا عن ارتباطك بالمكان ؟؟
>> كثيرون يعتقدون أنني مرتبط بالمكان ، غير أنني مرتبط بالزمان، مرتبط بتثبيت الزمن في لحظة معينة، في مكان يضم موجودات بهذا الشكل وهذا الترتيب، فكأنني مصوّر فوتوغرافي صوّر لقطة للحظة زمنية محتفظاً بكل أبعادها ومكوناتها، يصور بجزء من الثانية هذا المكان في ذاك الزمن، فمن المستحيل أن تكون الأشياء متكررة ومختلطةً، لأنها تُلتقط وتصوّر في لحظة زمنية محددة وأنا أجسّدها من خلال لوحة، تعرض الحالة النفسية للإنسان في مكان ما وزمن ما، فكما تقولين: الكرسي والنافذة والطاولة لا أراها تعبّر عن المكان فقط، أنا أقصد منها التعبير عن الزمان في مكان محدد، فيه روح الإنسان بكل ما يعتلج فيها من حب وحزن وفرح، فيها كل الانكسارات، ولحظات الفرح أحياناً...
> تظهر في لوحاتك ثنائية الوجه الواحد والجسد الواحد، فما دلالة ذلك لديك؟؟
>> في لوحاتي أختزل الجسد، وأصوره بحالة حركية ديناميكية، وحالة الحركة تعطيني ثلاثية ورباعية أحياناً، وليس ثنائية فقط، وهذا الفن موجود في مرحلة الفنون الفرعونية، حيث تبدو الحركة باتجاهات معينة نحو ما تخبئه لنا الأقدار من مفاجآت مذهلة تغيّر مصائرنا، القدر يحمل لنا الموت والحياة والحب والحزن والفرح.
وفي الوقت ذاته أنا أصور بهذه الثنائية انفصال الروح عن الجسد، الجسد الذي يفنى والروح الباقية.
> تصوّر المرأة بطريقة ساكنة، حزينة، حالمة... فهل تعني الحزن بالنسبة إليك؟؟
>> حينما أرسم لا أجهز أفكاري لأنها تأتي تلقائية، أنا أعتمد على الشكل الهندسي ( دائرة أو مستطيل) وأجسد المرأة بداخله، وهذه الحالة السكونية الهادئة الشفافة لم أتعمد إظهارها ، لأن الرسم يعكس أفكار الفنان ومشاعره وإحساساته، وخلفيته الفكرية المرتبطة بفلسفته المنعكسة على اللوحة، وخياله، وقد يفاجأ المتلقي والفنان بما تحمله اللوحة، لأنه ينقل مشاعره وما يحيط به. أنا لا أجسد المرأة كأنثى متأملة وحالمة وحزينة، مرتبطة بالمكان، بالكرسي والنافذة فقط، أنا أراها شكلاً يلخص الحياة بكل ما فيها من أسرار، تلخص ذاتي، وهذا ما يجعلها تحتل كل مكان فيه خصوصية.
> ما هي مشروعاتك القادمة، وهل يوجد فيها شيء جديد؟؟
>> أحضر لمعرض منفرد يُقام في غاليري أيام في فرع بيروت، يفتتح في 8/10، وهو يتزامن مع افتتاح الغاليري. أما عن الجديد ، فبرأيي الفنان لا يغيّر مساره الفني ، لأنه بحث طويل، فيه كثير من التجارب والتطوّر التقني الفني، أعتقد أن هذا المسار يقوّم في المرحلة الأخيرة من حياة الفنان، إذ تُصنف المراحل الفنية التي مرّ بها الفنان.

حوار: مِلده شويكاني