ثورة فلسطين الكبرى 1936-1939

تعتبر تلك الثورة قمة نضال الشعب الفلسطيني بتنظيمها وتعبئتها للجماهير وحجم التضحيات المقدمة فيها، وآثارها على تحريك الشارع العربي، وإقلاقها بل وزلزلتها لسلطات الانتداب البريطاني. وقد كانت تتويجا للمظاهرات والانتفاضات التي سبقتها، وجاءت بعد أن يئس الفلسطينيون من المناشدات السلمية والاحتجاجات، وتيقنوا بأن بريطانيا ماضية في مساعدة الصهاينة لتقوية شوكتهم وتأسيس كيانهم. وقد استفاد محركوها من الأجواء العالمية التي رافقت صعود نجم النازيين في ألمانيا.

وقد انطلقت شرارتها، بعد مصادمات وقعت في منطقة بين (طولكرم) و(نابلس) بين عدد من العرب ومجموعة من الصهاينة في 15/4/1936، ثم ما لبثت أن امتدت لتشمل عموم فلسطين. ليعلن المندوب السامي البريطاني الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ ومنع التجول، وليتنادى أهل فلسطين لثورة عارمة.

في 20/4/1936 أصدرت (لجنة يافا) دعوة للإضراب العام، كما تبعتها لجنة نابلس والقدس في 21/4/1936 وفي 22/4/1936 قدمت اللجنة القومية في حيفا مذكرة الى حاكم اللواء تطالبه فيها وقف الهجرة اليهودية وإيقاف نقل الملكيات الى اليهود ( خصوصا تلك الأراضي التي كانت باسم السلطان العثماني ونسبتها تزيد عن 70% [الأراضي الميرية] اي تلك التي لا يستطيع المواطنون إثبات ملكيتها). كما طالبت المذكرة بتشكيل حكومة وطنية من أهل البلاد (الفلسطينيين).

لبت كل القوى الفلسطينية من أحزاب وهيئات وشخصيات وطنية، النداء وتشكلت (اللجنة العربية العليا) للإشراف والتنسيق وتنظيم المظاهرات وأعمال المقاومة، وقد كان ذلك في 25/4/1936 برئاسة مفتي القدس (الحاج محمد أمين الحسيني) وقد أصدرت تلك اللجنة التي ضمت قيادات وطنية متمرسة، بيانا طالبت فيه العموم بالإضراب العام.

رافقت الإضرابات أعمال مقاومة عسكرية، استهدفت الجسور ووسائل النقل التي تنقل اليهود، ومعسكرات الجيش البريطاني، وخط أنابيب نفط العراق ـ حيفا. ورافق ذلك امتناع عن دفع الضرائب.

تطوع الكثير من أبناء الأقطار العربية للاشتراك بتلك الثورة، فجاء من أبناء العراق والسعودية والأردن واليمن وسوريا ومصر وسائر البلدان العربية، وسقط منهم شهداء وجرحى، وتدفقت المساعدات المادية والمعنوية، وقد سقط أكثر من ألف شهيد في تلك الثورة وعدة آلاف من الجرحى، كما سقط من الأعداء الكثير من القتلى.

بريطانيا تدرك خطورة الموقف

لم تكن بريطانيا تتوقع هذا الحجم من الصمود والإصرار من قبل الشعب الفلسطيني، فلجأت الى الوساطات العربية الرسمية كإجراء لوضع حد لتفاقم تلك الأوضاع المتأزمة. وكانت تلك الدول قد تلقت طلبا من الثورة الفلسطينية لمساعدتها. وقد استجاب كل من الملك عبد العزيز آل سعود والملك غازي والأمير عبد الله والإمام يحيى*1 حيث أرسلوا مذكرة مشتركة الى ملك بريطانيا طالبوا فيها إيجاد حل سريع للقضية الفلسطينية، كما وجهوا نداء الى عرب فلسطين ناشدوهم من خلاله (الإخلاد الى السكينة حقنا للدماء ...) كما أوضحوا فيه اعتمادهم (على حسن نوايا) و (صداقة الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة في تحقيق العدل) ثم أكدوا لهم قائلين: (ثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم). وتلبية لهذا النداء أوقفت الثورة عملياتها العسكرية التي استمرت 176 يوما. في 12/11/1936.

شروط إيقاف الثورة

اشترطت اللجنة العربية العليا في فلسطين لوقف ثورتها الشروط:

1ـ إصدار اللجنة بيانا للشعب في وقف أعمال العنف والإضراب.
2ـ إيقاف الهجرة اليهودية لفلسطين، حتى تأتي اللجنة الملكية (لجنة بيل) وتضع تقريرها.
3ـ تقوم الحكومة العراقية بالسعي لدى بريطانيا لإنجاز مطالب فلسطين المشروعة.
4ـ إلغاء الغرامات المفروضة على الأهالي والقرى ووقف عمليات التفتيش، وإطلاق سراح المعتقلين، وإصدار عفو عام عن المتهمين بحوادث الثورة.

انتقاد لقيادات الثورة لقبولهم إيقاف الثورة

يورد الدكتور عبد الوهاب الكيالي في كتابه (تاريخ فلسطين الحديث) انتقادا لاذعا لقيادات الثورة، فيقول وهو يستعرض نتائجها، بأن قتلى الأعداء كانوا 16 من البوليس البريطاني و148 جريح، في حين كانت الاحصاءات الرسمية لخسائر العرب 145 شهيد و 804 جريح، أما لجنة بيل التي سيأتي ذكرها فقد قدرت قتلى العرب ب (1000)، وأعلنت الوكالة اليهودية أن أكثر من 200 ألف شجرة فواكه قد أتلفها العرب. و 80 من اليهود قد قتلوا و 308 جرحى.

ويرى الدكتور الكيالي أن هذه النتائج جيدة وكانت ممكن أن تؤدي الى وضع أفضل لو لم توقف الثورة في وقتها، ولكن القيادات قدرت أن الناس سيعانون مشاكل كبيرة بسبب البطالة واقتراب موسم قطف الحمضيات الذي سيضر بمصالح بعض الوجهاء السياسيين *2

يتبع


هوامش
*1ـ قضايا عربية معاصرة/ ابراهيم خليل احمد وآخرون/جامعة الموصل/ 1988/ ص 69

*2ـ تاريخ فلسطين الحديث/ د عبد الوهاب الكيالي/ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة السادسة 1970/ صفحة 322.