التعليم العربي والعمل: حلقة مفقودة أم طريق غائب؟
يعزى توافر القوى العاملة الى قطاع التعليم والتدريب، ومن أهم العناصر المكونة لمفهوم العمل: المعرفة والمهارة والدراية والتنظيم، وكل ما يرتبط بالقدرة على زيادة حجم الإنتاج وتحسن مستوى الإنتاجية، كما يشمل مفهوم العمل في كل، كما يمكن أن يسهم به الكبار في مختلف أنشطتهم ومسئولياتهم المجتمعية في الأسرة وفي المشاركة السياسية، وفي مجال النشاط الثقافي، وفي مجال التراويح، وفي مختلف الأنشطة الاجتماعية والشعبية الطوعية*1
يشير تقرير البنك الدولي حول اختلال التعليم وسوق العمل من: أن العمال ـ خريجي الأنظمة التعليمية في معظم الأقطار العربية، يبحثون عن العمل فلا يجدون الوظائف التي يبتغونها، أو على الأقل لا يجدونها بشروط مقبولة... والنتيجة هي: وجود بطالة صريحة أو إضافية... وفي الجانب الآخر فإن أصحاب العمل قد يضطرون الى توظيف قوة عمل ليس لديهم بالنسبة لهم عمل منتج. والنتيجة: وجود أماكن شاغرة أو عمالة زائدة*2
لكن، لا يفهم من ذلك أن يتم الربط الميكانيكي بين احتياجات سوق العمل وسياسات التعليم العالي، لأن ذلك سيؤدي الى سياسات انكماشية يحدد فيها الواقع الاقتصادي الشكل التعليمي ويخضعه له. وتقع على كاهل التعليم مسئولية فهم وتشخيص الواقع الاقتصادي والعمل في وضع دراسات ومناهج للتقدم بذلك الواقع الاقتصادي.
التعليم العالي والبطالة
تآكل نظم العمل التقليدية:
تفرض الثورة العلمية، وخاصة في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات والهندسة الوراثية، وتقنية الطاقة المجدية والجودة، والتطور الذي يحمله مجال التقنية الراقية High Tech الى آثار خطيرة بالنسبة الى سوق العمل وظاهرة البطالة. حيث يؤدي الإنفاق الهائل على البحث العلمي والتنافس الدولي فيه للسيطرة على أسواق العالم الى الاستغناء عن شرائح واسعة من العاملين المتعلمين، واقتصار الاستخدام على صفوة محترفة من المتعلمين القادرين على التعامل مع التقنية الحديثة.. وهنا سيتجه الطلاب وتتجه مؤسسات التعليم العالي الى التركيز على جوانب وإهمال جوانب أخرى تؤدي لخلخلة الهيكل المهني والتعليمي ..
عقوبة تقليص التعليم العالي
تتصاعد المطالبة بتخفيض أعداد المقبولين بالتعليم العالي، بحجة بطالة الخريجين، وهذا المنطق ـ مع الأسف ـ يبشر بخطر كبير.
ويترتب على ما سبق زيادة معدلات البطالة لحملة المؤهلات المتوسطة، ومناقشة بطالة الخريجين على هذه الصورة لا بد أن تصل بنا الى طريق مسدود ينتهي الى ندب الزيادة السكانية، وكأن الطريق الوحيد أمام الاقتصاد العربي، هو طريق الانكماش، سواء في الاستثمارات أم في قواه البشرية.
وقد أثبتت معالجة مشكلة بطالة خريجي التعليم العالي أن البطالة لا تواجه جميع التخصصات، وأن البطالة ترتبط ارتباطا وثيقا بخطط التنمية في البلدان العربية. ففي الوقت التي تزداد فيه طلبات التوظيف والعمل (كانت معدلات زيادة الطالبين للعمل بالبلدان العربية 3 ملايين طلبا سنويا بين عامي 1996 و 2000) كانت البلدان العربية تستقدم عاملين من بلدان أخرى وبتخصصات غير موجودة في سوق الطالبين للعمل (العرب). *3
تشوهات سوق العمل العربي
تشير تقارير منظمة العمل العربية (سنة 2000) الى أنه يتوقع أن يصل عدد الباحثين عن فرص عمل في المنطقة العربية الى أكثر من 32 مليون عام 2010 مقابل 12 مليون في عام 2000. وأن يصل عدد السكان الناشطين اقتصاديا من 98 مليون عام 2000 الى 123 مليون عام 2010.
وهذا الوضع المشوه، يستدعي مناقشة جميع المستويات المعنية في البلدان العربية لتأسيس سوق عمل إقليمية عربية، ويراعى في المناقشة التطرق الى ربط السياسات الاقتصادية بسياسات التعليم والتدريب وتكوين المهارات.
مواجهة ظاهرة البطالة
يتطلب مشروع القضاء على البطالة:
1ـ أن يكون مرتبطا بخلق فرص عمل منتجة، الأمر الذي يتطلب دفعة قوية للاستثمار والنمو في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي، مع ما يعنيه ذلك من تصحيح للبنيان الاقتصادي المشوه، ومن تنمية متوازنة لقطاعاته ومن تقنية ملائمة.
2ـ الارتفاع بمعدل الاستثمار القومي الى ما لا يقل عن 22% حتى يمكن استيعاب تشغيل العمالة الجديدة.
3ـ عدم الاعتداد بتأثير الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأنها لن تكون بديلا عن الجهد في تحقيق التنمية العربية.
4ـ مراعاة تدريب وتعليم وتوظيف عنصر العمل الوفير في المجالات التي تمتلك فيها ميزة نسبية، وتحتاج الى عمالة كثيفة.
5ـ ضرورة اعتماد وتنفيذ برامج ملائمة للتنمية البشرية من خلال الارتقاء بمستويات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية، للارتفاع بمستوى إنتاجية العمل الأساسي.
6ـ إعادة النظر في مكونات سياسات التعليم والتدريب، حتى يكون هناك توافق بين مؤهلات العمالة المحلية الجديدة ومتطلبات سوق العمل.
7ـ الأخذ بصيغة الاقتصاد المختلط، والتي تعني مشاركة كل القطاعات: العام والخاص والأجنبي والمشترك والتعاوني. *4
هوامش (من تهميش المؤلف)
*1ـ بنت هانسن وسمير رضوان: مصر في الثمانينات.. دراسة في سوق العمل/ مكتب العمل الدولي/ القاهرة: دار المستقبل العربي 1983 ص112
*2ـ عبد الله بو بطانة: اتجاهات وتوجهات إصلاحية فيالتعليم العالي/ المؤتمر السادس لوزراء التعليم العالي العرب/ الجزائر 1996
*3ـ محمد عبد الشفيع عيسى: الاقتصاد السياسي للبطالة/عالم المعرفة/ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون عدد 226 سنة 1997
*4ـ طلعت عبد الحميد: موجهات إجرائية لسياسات تعليم الكبار في الدول العربية (2000ـ 2015) / المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: المؤتمر الإقليمي حول التعليم للجميع/ القاهرة: 24ـ27/1/2000