منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    التمثال الإغريقي ترجمة نزار ب. الزين

    التمثال الإغريقي


    قصة قصيرة



    ترجمها عن الإنكليزية

    نزار ب. الزين

    إسمها ساره ، وهي مديرة مشروع تسويقي في ( شروق الشمس Sunrise INC ) ؛ في مكتبها أخذت تنسق الأوراق و شرائح العرض التي تحتاجها لتعرّف بآخر مشاريعها لعملاء الشركة الجدد
    ملامح وجهها و حركاتها الأنيقة أثناء عملها تعكس تصورا واضحا لشخصيّتها القويّة الجادّة ، أما عيناها البنّيّتان فتؤكدان سماتها الرقيقة و الحساسة .
    بعد أن أنهت ترتيب أوراقها جلست فوق كرسي مكتبها و أخذت تحملق بتمثال إغريقي صغير قابع في مواجهتها ؛ إنه لعاشقين متعانقين
    يذكرها كلما رنت إليه ، بذلك الشعور الغريب الذي انتابها عندما شاهدته أول مرة خلال زيارتها لليونان منذ عشر سنوات .
    كل تلك السنون لم تنسها عيني ذلك البائع الزرقاوين ، عندما نظر إليها قائلا : " إنه التميمة التي ستذكرك برفيق روحك ؛ عزيزتي إنه تمثال يعبر عن لقاء روحين " .
    في ذلك الوقت لم تتمكن من فهم الرعشة التي انتشرت في جسدها كله ، ما جعلها فضولية للتعرف على أسطورة لقاء الأرواح الإغريقية .
    و تعلمت بعدئذ من خلال بحثها أن الأسطورة تدور حول علاقة بين حبيبين إشتركا معا في حياة سابقة .
    و عندما تقابلا ثانية في حياة أخرى ، تعرف كل منهما مباشرة على الآخر فنشأت بينهما علاقة من نوع خاص .
    هذا النوع من الحياة التي عاشاها سابقا حيث كان يجمعهما ذلك الإرتباط العميق ، تكرر بعد أجيال بشكل لقاء روحي ، منحهما الطاقة اللازمة ليفهما بعضهما بعضا كما لايستطيع أحد آخر أن يفعل . أما الجزء المسلي من هذه العلاقة فهو أن روحيهما كانتا تتلاقيان عبر الأثير ؛ و أن كلا منهما كان يستطيع قراءة أفكار الآخر ، " ترى هل ذلك ممكن ؟ " تساءلت ساره متعجبة .

    و لا بد من التنويه إلى أن ساره متزوجة منذ ثماني سنوات و أنجبت إبنتين رائعتين ، و هي تتمتع بزواج سعيد أيضا .
    *****
    - صباح الخير ساره
    رفعت رأسها نحو باب الغرفة لترى السيد ( غارفيلد Garfield ) مدير الشركة العام ، يبتسم و هو ينظر إليها ، فردت محيية : " صباح الخير ( دان Dan ) . "
    دان رجل طويل القامة أنيق الهندام في أواخر الأربعينيات ، لطيف ، ذكي ، جاد ، ذو عينين زرقاوين مدهشتين تنمان بشكل مباشر عن ذكائه و شخصيته المرهفة .
    و هو متزوج من زوجة يحبها إسمها ( ديان Diane ) منذ عشر سنوات و لديهما إبنة حلوة و يتمتعان بحياة زوجية ناجحة و مستقرة .
    ثم دار بين ساره و دان الحوار التالي :
    - هل أنت مستعدة للعمل العظيم الذي ستقومين به وشيكا؟
    - لقد أعددت كل ما أحتاجه .
    - و ماذا عن التجهيزات الإيضاحية التي طلبت منك اصطحابها إلى إجتماعنا مع عملائنا الجدد ؟ هل قمت بإعدادها ؟
    - أجل ، أعددتها .
    - و ماذا عن ......
    هنا قاطعته قبل أن يكمل سؤاله الجديد قائلة :
    - أعلم ماذا تريد ، نعم إنني مستعدة للإجابة على حول أسئلتهم عن حصتهم في السوق اليوم ، و كيف أن تلك الحصة سترتفع بفضل مشروعنا خلال السنوات القليلة القادمة ، و كيف أن أسعارهم ستزيد و كذلك إيراداتهم كما و سيزداد عدد عملائهم أيضا؛ و أن ذلك متوقع خلال سنتين .
    عندئذ غمر قلب ( دان ) إحساس عميق بالمتعة بينما كان يلاحظ مدى سعادتها و هي تشرح له كل ذلك . ضحك ثم قال لها " دعيني أفكر لعلني أجد مسألة ما نسيتيها " فأجابته و هي تضحك بدورها : " لن تعثر على شيء بالتأكيد ، لا تنس أنك دعيتني ذات مرة ، بالسيدة الكاملة " .
    مرت عليهما لحظة صمت بينما كان ينظر أحدهما إلى عيني الآخر شعرا خلالها بأن الطمأنينة و السعادة قد غمرت روحيهما ، وأن عواطف غامضة و مدهشة تفوق كل تفكير أو شعور كنوع من التوحد جعل الزمان و المكان بلا معنى ، كل ذلك أتى دفعة واحدة .
    إنها نفس العواطف التي شعرا بها منذ ست سنوات عند أول لقاء لهما في الشركة ، و منذئذ لم تتغير .
    أبعدت ( ساره ) عينيها عن عينيه ، منهية ذلك الصمت ، ألقت نظرة نحو ساعتها ثم قالت له :" إنها الحادية عشر ".
    و في طريقهما إلى قاعة الإجتماعات ، أخذ ( دان ) يشرح لساره أهمية هؤلاء العملاء بالنسبة إليه و إلى الشركة ، و أنه يأمل بعد تقديمها المشروع أن يوقعوا مع الشركة عقدا طويل المدى ، ما من شأنه إضافة جيدة إلى قائمة عملاء الشركة .
    عندما بلغا قاعة الإجتماعات ، فتح ( دان ) الباب لتتقدمه ساره ؛ و حيث كانت مجموعة العملاء بانتظارهم .
    كانوا أربعة جالسين حول طاولة الإجتماعات المستديرة ، بادرهم ( دان ) بالتحية ثم بدأ و معه ساره في مصافحتهم . ثم ما لبثت ساره أن ابتدأت تشرح خطة المشروع بجميع تفصيلاتها .
    كانت عينا( دان ) مركزة نحو ساره ، و هي تتحرك بجوار الشاشة أثناء شرحها للمشروع بإسلوبها الجاد ، مما جعله يتذكر المرة الأولى التي إلتقى بها ، و كيف أنه أعجب بألمعيتها و بعينيها اللطيفتين و كيف أنهما ملأتا روحه بالطمأنينة و السرور .
    منذئذ ، شعر بأن ثمت أمرا بالغ الخصوصية يجذبه إليها ، شيء جعله يشعر أنه يعرفها منذ زمن طويل .
    و كأن علاقة عميقة من الحب و الإلفة قد جمعتهما عبر العصور
    كلما نظر إلى عينيها إنتابته تلك العواطف العميقة؛ ثم استمر ذلك الشعور بكل قوته مع الأيام و من خلال عملهما معا و كأنما تشحنه كهربية لا يمكن للكلمات أن تصفها .
    إن رجلا يحترم زوجته أو يحترم زواجه الناجح ، لا يمكن له أن ينمي عاطفة ما مع إمرأة أخرى .
    هذه القيم العالية بدأت تؤلمه لأنه يكبتها بقسوة ؛ كان يعلم دوما أنه رجل حساس للغاية و أنه عاطفي جدا ، إلا أنه يعلم أيضا أنه لن يكون ذلك الرجل الذي يفتح قلبه لحب آخر ، خاصة بعد أن أحب و تزوج (ديان) ؛ و هو يعلم أيضا أنه جرب هذا النوع من الحب الذي يجمعه بساره ، و الذي لا يمكن أن يوصله إلى هدف ممكن ، و هو لا يعتقد أن ذلك الحب هو من واقع الحياة .و هو يؤمن كذلك أن هذا النوع من الحب موجود فقط في الشعر و الخيال ؛ هذا الشعور بالذنب تجاه دايان شتت أفكاره و عمله معا .
    بعد سنتين من تعارفهما ، لاحظ أن عواطفه الجياشة تجاه ساره بدأت تخبو ، إلا أن علاقتهما أخذت تزداد عمقا .
    كما لاحظ أنه أصبح يفهم ساره كما لا يفهمها أحد آخر ، و أن مساعدته لساره في أي مجال سواء في العمل أو في شؤونها الشخصية يغمره بالسعادة . و هو يعلم كذلك أن ساره تدرك بسرعة أية متاعب يتعرض لها دون حاجة للشرح ، فهي تحس بها و تشعر بالسعادة عندما تساعده في التغلب عليها
    إن صداقتهما تنمو باضطراد بقوة و عمق ، و هو لم يخبرها قط حول تأثره بجاذبيتها أول مرة ، و لم يخطط من أجل ذلك . و هو يتمتع الآن بعلاقته هذه بحيث لن يفرط بها أبدا لأي سبب كان .
    بالإضافة إلى ذلك, فإن بيئتهما المهنيّة و أوضاعهما الزّوجيّة لن تسمح له أن يفعل ذلك . .
    كانت كل تلك الخواطر تدور في رأس ( دان) ، عندما شدته كلمات ساره الأخيرة : " إذا بدأنا عملنا في تسويق المشروع مع بداية عام 2004 فإن بداية أرباحكم ستتصاعد بعدئذ ؛ و ختاما إذا كان لديكم أي سؤال حول المشروع سأكون سعيدة بالإجابة عليها "
    ألقى دان نظرة نحو تعبيرات وجوه عملائه بعد شرح ساره المستفيض ، فبدا و كأنهم يشعرون بالدهشة و الإشباع ، و همس لذاته : " كالعادة فإنها تدهش عملائي ."
    ثم أجاب كل من دان و ساره عن جميع الأسئلة التي طرحها العملاء حول المشروع حيث وافق العملاء عليه و وقعوا العقد اللازم .
    كانت ساره قد جلست و أخذت تصغي إلى دان و هو يناقش العملاء حول التفاصيل ؛ فبعد كل هذه السنين استمرت غير قادرة على تفسير هذا الشعور المريح الذي ينتابها عندما تسمع صوته .
    *****
    إنسحبا من قاعة الإجتماعات بينما غادر العملاء مقر الشركة ، و بدأ دان يشرح لساره ما يحتاجه المشروع من تعديلات ليتطابق مع رغبات العملاء ، أما هي فكانت تصغي لتعليماته بعناية تامة ، مسجلة ملاحظاته و مستفسرة عن بعض النقاط . و عادت ساره إلى مكتبها و بدأت تعد للإجتماع المقبل الذي سيبدأ بعد ساعة واحدة .
    و بينما كانت منهمكة في عملها تذكرت مشاعرها التي عكسها صوت دان بينما كانت تصغي إليه ، فتوقفت عن العمل للحظة ، و ألقت نظرة عبرة نافذة مكتبها و أخذت تفكر مشدوهة بهذ النوع من الجاذبية التي تشدها إلى دان .
    هي تعلم أنها منجذبة نحوه أو أن لديها بعض المشاعر الإيجابية التي تدفعها لمساعدته و دعم مواقفه من أجل تحقيق أهدافه و طموحاته و إنجازاته على كافة المستويات . إلا أنها لا تعرف لماذا ؟ و لكنها تعرف أن تلك العواطف الخاصة لم تبن تدريجيا . في الواقع عندما قابلته فإن جميع تلك العواطف القوية تفجرت مرة واحدة ، كانت محفوظة في داخلها طوال قرون و تنتظر الفرصة لتعبر عن ذاتها.
    ألقت نظرة نحو التمثال الإغريقي القابع قبالتها فأصابتها الدهشة من جديد فتساءلت : " ترى هل هذا أمر ممكن ، هل يمكن لي أن أصدق تلك الأسطورة في القرن الواحد و العشرين ؟ "
    هنا انتبهت إلى دان يقف بجوار باب غرفتها ثم تقدم نحو مكتبها و استند عليه و ما لبث أن بادرها بقوله : " لقد نسيت أن أخبرك أن لقاء مدراء الأقسام سيتم بعد ساعة و أود أن تعدي لمناقشة جميع الأمور المالية التي يتطلبها عمل تلك الأقسام ، و لكن ما رأيك أن نتناول طعام الغداء أولا ؟ أنا أعلم أنك دوما تنسين ذلك عندما تكونين مشغولة ! "
    بينما كانت ساره تفكر بالأمر ، كان دان ينظر في عينيها ثم غير لهجته إلى رجاء : " هل تحبين سيدتي أن ترافقيني إلى الغداء ؟ " فضحكت ساره و أجابته : " بالتأكيد " ثم حملت حقيبة يدها و ألقت نظرة خاطفة نحو التمثال الإغريقي ، و ابتسمت و هي تقول لنفسها مستهجنة : " كيف سمحت للشك أن يراودني بأن تلك الأسطورة لا وجود لها ؟ "
    ------------------
    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com

  2. #2
    كيف سمحت للشك أن يراودني بأن تلك الأسطورة لا وجود لها ؟ "
    لاوجود لاي شيئ نبحث عنه الا في ملكوت الرحمن وتكفينا..
    قصصك من الواقع القاهر
    تحيتي لقلمك دوما
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    لاوجود لاي شيئ نبحث عنه الا في ملكوت الرحمن وتكفينا..
    قصصك من الواقع القاهر
    تحيتي لقلمك دوما
    صدقت يا أختي ريمه
    فكل ما حيك من أساطير
    ليس أكثر من أوهام
    شكرا لزيارتك و تفاعلك
    و على الخير دوما نلتقي
    نزار

  4. #4
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020
    عندما نتقرب من الله نقهر الواقع القاتل
    قصة واقعية وبقوة
    ندى مع شكري

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى نحلاوي مشاهدة المشاركة
    عندما نتقرب من الله نقهر الواقع القاتل
    قصة واقعية وبقوة
    ندى مع شكري
    شكرا لمرورك أختي الفاضلة ندى
    و لتعقيبك القيِّم
    و دمت بخير و عافية
    نزار

المواضيع المتشابهه

  1. قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-22-2016, 10:48 AM
  2. أخ حريص - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 08-28-2011, 11:58 PM
  3. حيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-12-2011, 02:04 AM
  4. إشاعة 4 - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-25-2011, 03:32 PM
  5. عيب - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 08:42 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •