الأحواز بعد سقوط بغداد

عندما احتل المغول بغداد عام 1258م اعتبروا الأحواز أحد أقاليمهم الهامة لما لها من أهمية إستراتيجية لوصل البحر باليابسة في منطقة من أهم المناطق في العالم، حيث تصل بلاد العرب بما يليها من بلاد العجم وتربط مياه المتوسط بمياه الخليج من خلال الطرق البرية .. وبعد أن كانت (تستر) عاصمة الأحواز تتمتع بسلطة مستقلة أحيانا و تتبع للبصرة أحيانا أخرى، ضمها المغول وربطوها ببغداد مباشرة بعد 14 سنة من احتلالهم لها ..

دب الضعف بالحكم المغولي، فانفصلت البصرة ومعها الأحواز عام 1332م ، حيث استولى عليها أمراء (اللر) وضموها لإمارة (اللر) الكبرى التي أنشأها (أبو طاهر) في عهود (الأتابكة) عام 1149م.. وبقيت تلك الإمارة مستقلة حتى سقطت عام 1423م تحت حكم (تيمورلنك) والذي جعل (شيراز) عاصمة للأحواز ولكن القبائل العربية أنشأت إمارات متعددة داخل الأحواز، فقامت إمارة لبني ربيعة وإمارة لبني أسد و إمارة لبني عبادة وإمارة لبني حطيط وإمارة لبني سعد في حين ظلت المدن الكبرى مثل (ديسفول) و (تستر) و (دورق) تحت حكم التيموريين ..


دولة المشعشعيين :

وشهد النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي، نشاطا لتوحيد القبائل العربية، وقد نجح رجل عربي عراقي مشهور بحكمته وسعة إطلاعه اسمه (محمد بن فلاح المشعشعي) الذي أنشأ دولة استمرت زهاء ثلاثة قرون كانت عاصمتها (الحويزة) وكانت تمتد أحيانا لجنوب بغداد بثلاثين كيلومترا .. فقد جمع جيشا من القبائل استطاع أن يهزم به جيش (تيمرلنك) .. وقد توافق ظهور (دولة القرة قوينللو )*1 التي حكمت العراق بين عامي (1410ـ 1467) أن كان هناك تفاهم بين تلك الدولة والدولة (المشعشعية) .. وبعد ظهور الدولة الصفوية كانت الدولتان على عداء معها ..

لقد انعكس الصراع بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، على الدولة المشعشعية، فكان أعداء الدولة العثمانية يعتبرونها ملجأ لهم، وبعد أن احتل العثمانيون بغداد عام 1512م ، حاولوا بسط نفوذهم على الدولة المشعشعية ولكنهم لم يفلحوا إذ أنهم لم يستخلصوا منها سوى البصرة بوحدها، وهذا مما شجع الدولة الصفوية من مهاجمة مدينتي ( تستر و دسبول) في عهد (بدران بن فلاح المشعشعي) الذي تولى الحكم عام 1512م.. وبهذا الصدد يذكر المؤرخ الإيراني صاحب كتاب (تكملة الأخبار) بالقول: ( ظلت كل الأحواز في يد العرب).


قاوم (المشعشعيون) الصفويين .. فحاول العثمانيون التحرك من البصرة الى بسط نفوذهم على (الأحواز)، لكن جيشهم انهزم وتراجع الى بغداد.. وبعد انتصاراتهم، خشي شاه الصفويين من تحرك المشعشعيين نحو فارس التي كانت تتعرض لهجوم عثماني من حدودها الشمالية، فخاطب أمير الأحواز يترجاه بعدم مهاجمة فارس واصفا إياه ب ( ملك الحويزة وكل عربستان) ..

التزم المشعشيون بعدم التحرش بفارس، مما شجع الشاه الصفوي لطلب مساعدتهم في احتلال بغداد في زمن حاكم الدولة المشعشعية (منصور) الذي جاء الى الحكم سنة 1619م ، الذي رفض والتزم الحياد .. مما أدى الى هزيمة الصفويين أمام العثمانيين وتوقيعهم على معاهدة (زهاو) عام 1639م والتي كان من بنودها الاعتراف باستقلالية الدولة المشعشعية .

دب الخلاف الأسري بين ورثة العرش المشعشعي فجاء بعدها الدولة الكعبية، عام 1724م، وهرب آخر حكامها (محمد بن عبد الله المشعشعي ) الى بغداد وكان قد تولى الحكم عام 1719..

الدولة الكعبية

حاول نادر شاه حاكم الدولة الفارسية، أن يجرب حظه ويمد نفوذه نحو الأحواز متحرشا بدولة (بني كعب) حديثة التكوين، فأرسل جيشا بقيادة ( حمد حسين خان) غير أن الهزيمة لحقت بهذا الجيش وتم قتل كل أفراده في معركة القبان..

ترجع جذور بني كعب الى نجد، وهم من أبرز القوى العربية التي ظهرت في الخليج العربي في القرن الثامن عشر، وكان أكثر تواجد لهم عند الأطراف السفلى من مصب نهر (قارون) .. وقد غلب على معظمهم الطابع البدوي، في حين استوطن شيوخهم المدن، وكونوا إمارة قوية أقلقت كل القوى الموجودة من بريطانيين وبرتغاليين وفرس و عثمانيين .. وقد كان أوج قوتها في عهد أميرها( الشيخ سلمان 1737ـ 1768) الذي كانت إمارته في أوسع رقعة حيث سيادته على معظم الموانئ، مما حدا بالقوى المذكورة الى فرض حصار على موانئه لمدة سنتين .. ولكن تلك القوى عادت ورفعت حصارها لحاجتها لتلك الدولة التي انتزعت اعتراف الكل..

توفي الشيخ سلمان في آب/أغسطس 1768م وخلفه ابنه (غانم) الذي كان في حالة حلف مع ( كريم خان الزند) حاكم فارس وهي إشارة واضحة على استقلالية الدولة الكعبية، حيث لا يتم حلف إلا بين دولتين ..

عانت الأحواز، كما هي الحال في منطقة البصرة من وباء (الطاعون) الذي انتشر في المنطقة عام 1772ـ 1773م، وحسب ما ذكره أحد الرحالة فإن الضحايا زادت عن ربع مليون، جراء هذا الوباء..
هوامش
ـــ
القرة قوينللو: وهي دولة كانت في نواحي ديار بكر، سميت بهذا الاسم ويعني (الخروف الأسود) لأن جيشها يلبس سترة من جلود الخراف السود.. وقد مررنا عليها في (جيران العرب/ إيران)