أين الكتاب...؟
يمثل الاحتفال بيوم الكتاب العالمي ظاهرة حضارية، حيث أقرت منظمة اليونيسكو الثالث والعشرين من نيسان يوماً عالمياً للكتاب، تحتفل به الدول المشاركة بإقامة معرض كبير للكتاب والقراءات وتبادل الثقافات، ومناقشة القضايا المتعلقة بدور النشر، والمؤلف في الدولة، التي تم اختيارها عاصمة للكتاب، والتي بدورها تنظم فعاليات خاصة بها في المكتبات ودور النشر، إذ تجعل من هذا اليوم مهرجاناً، وتزدان مكتباتها وشوارعها بالزينات والورود لاستقطاب الزوار.
واذا أسقطنا هذا الحدث على واقعنا العربي، فإننا نرى أن ما يرغب به المثقفون هو اختيار دولة عربية كعاصمة للكتاب في يومه العالمي، ويتطلّعون الى تفعيل القوانين، التي تحمي المؤلفين ودور النشر والقارىء معاً، والسعي لأن يكون الكتاب صديقاً للجميع بمختلف اللغات عبر مشاريع الترجمة، وتفعيل دور المترجمين في الوطن العربي، وهنا نسجل تقصيراً على الهيئات المعنية بالكتاب في سورية سواء في وزارة الثقافة ومديرياتها، أو اتحاد الكتاب، لعدم إيلاء موضوع الترجمة الاهتمام الكافي، مما يجعلنا أسرى الثقافة الوافدة إلينا من الغرب، الذي حقق شوطاً كبيراً في مجال إنتاج الكتاب وترجمته بكل اللغات وتسويقه، الأمر الذي ينعكس سلباً على ثقافتنا، التي لن تصل الى الآخر، الذي يفرض علينا ثقافته دون أن نتمكن من تبادل ثقافتنا معه فالثقافة عملية تبادلية تقوم على الأخذ والعطاء، وهنا يفرض السؤال نفسه حول طبيعة الخطاب الثقافي، الذي نتوجه به إلى الآخر دون أن نمتلك مقومات إيصاله، والسؤال الأكثر إلحاحاً الى متى سيبقى الكتاب العربي يراوح في مكانه بعيداً عن الاحتفاء به وإعادة الاعتبار له.
وفي نظرة لحركة النشر في بلدنا نرى أن هناك هوة بين الكتاب ومتلقيه وبشكل خاص بين جيل الشباب سواء في الجامعة، أو في المراحل التعليمية الأخرى بسبب انصراف هذا الجيل الى الوسائل التكنولوجية والانترنت، والتي أصبحت هي مصادر ثقافتهم، وهي تنتج ثقافة سهلة وسطحية، الأمر الذي تتحمل مسؤوليته الأسرة أولاً من خلال عدم قيامها بدورها الحقيقي في تعويد الأطفال على القراءة، ومراقبتهم وتنظيم أوقاتهم، بحيث يخصصون لهم وقتاً للتلفزيون ووقتاً للانترنت ووقتاً للقراءة، وبعدها يأتي دور المدرسة بضرورة تزويد مكتباتها بالكتب، التي ترفد معارف الطلاب وتغني ثقافتهم، وربما نكون قد طرحنا حلول هذه الأزمة في أكثر من مناسبة بتصحيح العلاقة بين القارىء والكتاب بقيام دور النشر بإصدار طبعات شعبية للكتاب بثمن زهيد نظراً لعدم القدرة على شراء الكتاب بسبب ارتفاع ثمنه، وأن يتم دعم الكتاب من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية وتفعيل حركة الترجمة من اللغة العربية الى اللغات الأخرى مما يساهم في ردم الهوة الثقافية بيننا وبين الثقافات الأخرى.
وأمام هذا الواقع السيىء الذي يعيشه الكتاب العربي، ماذا يعني أن نحتفل بيوم الكتاب؟ هل يكفي أن نتذكر هذا اليوم بإقامة الندوات والمحاضرات وإبقائه في إطاره النظري بعيداً عن المعالجة الحقيقية للأزمة، فالقراءة ليست منفصلة عن الحياة العامة، وهي تحتاج لبيئة سليمة للتحفيز على القراءة، فالدوافع الفردية لا تكفي ما لم ترافقها نقاشات وحوارات حول الكتاب، الذي تمت قراءته، وعلى هامش هذا اليوم نقول: الاحتفاء بالكتاب هو محاولة لإرساء قاعدة ثقافية تعتمد القراءة سلوكاً يومياً لتكريس أهداف القراءة، وتجسيد شعار «القراءة للجميع» بكل أبعاده بما يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع!.

سلوى عباس