منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 50
  1. #11
    الرواية مرآة المجتمع

    بقلم: محمد جبريل
    .......................

    العمل الفني -في تقدير كورييه- وثيقة اجتماعية. والرواية- كما يصفها بيرسي لوبوك "صورة للحياة" وهي في تقدير ارنست بيكر "تفسير للحياة الإنسانية من خلال سرد قصصي نثري" وهي -كما يقول ستاندال- "مرآة تسير في الشوارع".
    وهي -في بعض التعريفات- انعكاس مدرك وواع للواقع الموضوعي والروائي -في وصف الأرجنتيني ارنستو ساياتو" رجل سياسة فهو يعكس الوجدان العام وهذه هي السياسة" ويقول جراهام هو: "إن أي نقد للرواية يهمل روابطها بالواقع التاريخي هو نقد يزيف القيم الحقيقية للرواية. هو نقد يفرغ ما يجب أن يكون ملآن" بل إن ميشيل بوتور- وهو من رواد الرواية الجديدة- يري أن "الرواية هي أداة بحث". وهو رأي -كما تري- إلى جانب اجتماعية الرواية. وليس ضدها ومع أن ماريو فارجاس يوسا معجب بالإبداعات المحلقة في الفانتازيا لبورخيس فإنه لم يجد في عالم بورخيس انفصالا عن الحياة أو عن السلوكيات اليومية ويؤكد يوسا أنه ما من عمل قصصي أدار ظهره إلي الحياة. أو كان عاجزا عن إلقاء الضوء علي الحياة قد حقق البقاء مطلقا بل إن التجديد في التقنية والأسلوب لا يعني إهمال البعد الاجتماعي في الفن حتي الواقعية السحرية التي تزخر بالغرائبية. ليس فيها سطر واحد ـ علي حد تعبير جارثيا ماركيث ـ غير قائم علي أساس من الواقع إن إبداعات ماركيث ويوسا واراجيدس وفوينتيس وبورخيس وغيرهم تعري الواقع السياسي والاجتماعي الذي تحياه بلادهم بالإضافة إلي الأزمات التي يعانيها العالم جميعا أما القول بأن البعد الاجتماعي للأدب قد أصبح في ضوء النظريات النقدية الحديثة -علي هامش الفكر النقدي. وأن الرواية الاجتماعية الواقعية ـ تحديدا ـ فقدت ملامحها بسبب تيار الحداثة. ففقد الأدب قراءه بالتالي. فهو يحتاج إلي مراجعة وإذا كانت الرواية ـ في تقدير الكثير من المبدعين والنقاد المحدثين ـ بناء اختلاقيا. إبداعا. وليس مجرد مرآة تعكس صورة الواقع فإن ذلك لا يلغي أن الفترات- منذ ظهور الرواية كنوع أدبي. والقصة القصيرة كنوع آخر تال للرواية ـ ينطبق عليها- إلي حد بعيد- مقولة "الرواية مرآة المجتمع". نحن نجد تطبيقا لذلك في أعمال الواقعيين الطبيعيين. وكتاب الواقعية باختلاف مراحلها. والأمثلة لا تعوزنا وبتعبير محدد فإن القول بأن البناء الروائي ليس مجرد مرآة تعكس صورة الواقع لا ينسحب علي تاريخ الرواية في إطلاقه لا ينسحب علي تاريخ الرواية جميعا بل إنه علي الرغم من أن التيارات الأدبية والنقدية الحديثة تري أن غرض الرواية ليس وصف المجتمع فإن الأدب- كما تذهب تلك التيارات- "أصبح في بعض الحالات. التعبير الحقيقي الوحيد فعلا. إن لم يكن المباشر عن مشكلات المجتمع الملحة".
    .....................................
    *المساء ـ في 16/8/2008م.

    </i>

  2. #12
    مولد نجيب محفوظ

    بقلم: محمد جبريل
    .....................

    في كتابي "نجيب محفوظ.. صداقة جيلين" أشرت إلي خطأ فرضته النقلية في حياتنا عن الرواية الأولي لمحفوظ في مرحلة الواقعية الطبيعية الاجتهادات النقلية هل تستحق صفة الاجتهادات؟! تري أن "القاهرة الجديدة" هي الرواية الأولي. ثم تأتي "خان الخليلي" وبقية الروايات والحقيقة أن "القاهرة الجديدة" هي الأسبق في روايات الواقعية الطبيعية لمحفوظ تلت رواياته الثلاث التي وظفت التاريخ الفرعوني.
    كان فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل إشارة البدء ليكتب عنه كل من جعل الكتابة حرفته أو هوايته قرأنا ما نعرف وما لا نعرف عن أدب محفوظ وحياته ما ينتسب إلي الحقيقة وما اخترعه خيال الكاتب ثمة من قرأوا لنجيب محفوظ أعماله الأولي وأعجبوا بها وعرفوا مدى خطورة الفنان وثمة من أقدموا علي الكتابة لمجرد المشاركة في "المولد"!
    طالعتنا كتابات تتحدث عن "القاهرة القديمة" باعتبارها الرواية الأولي لمحفوظ في مرحلة توظيف التاريخ الفرعوني و"القاهرة القديمة" كما تعلم ترجمة لدراسة قصيرة عن مصر الفرعونية وتحدث كاتب عن إعجابه برواية محفوظ "نور الصباح" ولم تصدر للرجل رواية بهذا الاسم وخلط البعض بين "أولاد حارتنا" و"حكايات حارتنا". ولأن بعض دور النشر الأجنبية ترجمت رواية "أولاد حارتنا" باسم "أولاد الجبلاوي" فقد كتب غالبية المترجمين الصحفيين اسم الرواية الأجنبي. وغاب عنهم الاسم العربي الصحيح للرواية..
    والأمثلة كثيرة..
    مناسبة هذه الكلمات ما قرأته هذا الأسبوع في زميله صباحية عن "القاهرة الجديدة". وأن الاسم الذي اختاره لها الفنان عند كتابتها هو "فضيحة في القاهرة". ولأسباب رقابية كما قال كاتب المقال استبدل بالاسم "القاهرة الجديدة". والواقع أن العكس هو الصحيح. فلا أسباب رقابية ولا يحزنون. إنما هي أسباب تخص يوسف السباعي المشرف علي الكتاب الذهبي آنذاك والذي وجد أن اسم "فضيحة في القاهرة" قد يكون أكثر تشويقاً!
    وإذا كان تحويل صلاح أبوسيف اسم رواية محفوظ إلي "القاهرة 30" شأناً يخص أبوسيف باعتبار أن العمل الأدبي وحده هو مسئولية الروائي. فإن تحويل الاسم في الكتاب إلي "فضيحة في القاهرة" خطأ شارك فيه محفوظ بالموافقة. لأن عنوان العمل الأدبي شأن المؤلف وليس شأن الناشر. ولم يكن محفوظ في حاجة إلي التغاضي، أو صمت المجاملة. لأن مكانته الروائية كانت قد ترسخت بصدور الثلاثية. ثم بالانتشار الكاسح لزقاق المدق في طبعة الكتاب الذهبي.
    سئل نجيب محفوظ في حوار صحفي: ما السؤال الذي لم يوجه إليك. قال محفوظ: هذا السؤال!.
    والحق أن الصحف نشرت للرجل قبل نوبل وبعدها آلاف الحوارات وكتبت عنه آلاف الدراسات والمقالات. وصدرت مئات الكتب. مع ذلك فإن النقلية مرض يكاد يكون متوطناً في حياتنا الثقافية. وغالباً فإن المعلومة غير الصحيحة. تجد من يعتمد عليها. لمجرد الاستسهال. ودون تدبر لما قد ينطوي عليه هذا التصرف من نتائج سلبية!
    ..............................
    *المساء ـ في 30/8/2008م.


    </i>

  3. #13
    التماثيل المكسورة

    بقلم: محمد جبريل
    .........................

    لصديقي الناقد الراحل رجاء النقاش عبارة تقول: نحن نحب التماثيل المكسورة. الجملة في سياق الحديث عن الشخصيات التي تبلغ مكانة - تستحقها - فيصر البعض علي الاساءة إليها بملاحظات يراها هو وحده دون الآخرين وتسيء إلي ابداعات وانجازات اسهم بها مصريون حقيقيون.
    نحن نجد التعبير عن مصر المعاصرة في رموز تبدأ بحسن العطار والطهطاوي وتتواصل في عرابي والنديم وقاسم أمين وسعد زغلول وطلعت حرب وطه حسين والعقاد ومشرفة ومحمود سعيد ونجيب محفوظ وسيد درويش وجمال عبدالناصر ويوسف ادريس وجمال حمدان وأم كلثوم ومحمد رفعت وعبدالوهاب وعشرات غيرهم اضافوا إلي بلادنا فاستحقوا أن يكونوا تعبيرا عن مصر رموزا لها انهم التجسيد لتاريخنا المعاصر ولأن الرمز هنا بشر فلعله من الخطأ ان انشد فيه الكمال السوبرمان الذي يقتصر علي الفعل الايجابي ولايخطيء.
    لكي أوضح رأيي فثمة اتهام للطهطاوي بأنه كان ينتمي إلي الأرستقراطية المصرية بامتلاكه مساحات هائلة من الأراضي الزراعية مقابلاً لمؤلفاته التي تدعو إلي الاستنارة والتقدم وحرية المرأة وبالطبع فإن وضع الطهطاوي الاجتماعي لم يحل دون ان يضيف إلي فكرنا القومي والاجتماعي معالم ايجابية مهمة.
    أما صلة أحمد شوقي بقصر الخديو فهي لا تلغي أهميته كأهم شعراء عصره وأنه قد اضاف إلي الثقافة المصرية والعربية باختياره أميرا للشعراء العرب والأمثلة كثيرة.
    الرمز. المعلم. الرائد والموجه هو الذي تتسق كلماته وتصرفاته لكننا - في الوقت نفسه - لابد ان نقدر الضعف الانساني الذي قد يهبط بالخط البياني دون ان يخل بتصاعده النهائي نحن نعتبر المتنبي أهم الشعراء العرب رغم الاتهامات التي ملأت كتابا في مئات الصفحات عنوانه "الإبانة عن سرقات المتنبي"!
    ونحن نعجب بأعمال جان جينيه. نعزلها عن حياته الخاصة ولعلنا نذكر رد جينيه علي تشبيه سارتر له بالقديس بأنه ليس ذلك القديس إنما هو انسان محمل بالخطايا!
    يحقق الرمز مكانة ممتازة يستحقها لكن البعض يأبي إلا ان ينال من هذه المكانة بنقائص يخترعها خيال مريض ونأسف للإساءة - بلا سبب - إلي الرموز المهمة في حياتنا عدا الرغبة في رؤية التماثيل المكسورة!
    نتحدث عن قيمة مهمة في حياتنا نبدي تقديرنا لاسهاماته يطالعنا من يثني علي أحاديثنا لكنه يضيف كلمة "ولكن" ويتبعها بما يكسر التمثال ويجعل من معني "الرمز" أمنية مستحيلة!
    .................................................. ...........
    *المساء ـ في 22/11/2008م.

  4. #14
    إسكندرية في إبداعاتي

    بقلم: محمد جبريل
    .................
    استفزني السؤال ما الفرق بين اسنكدريتك وبين اسكندرية ادوار الخراط وابراهيم عبدالمجيد؟
    قلت: لماذا الخراط وعبدالمجيد؟ لماذا ليس مصطفي نصر ومحمد الصاوي وسعيد بكر ورجب سعد السيد وعبدالفتاح مرسي وسعيد سالم ومحمود عوض عبدالعال ومحمد حافظ رجب واحمد محمد حميدة ومنير عتيبة وعشرات غيرهم عنوا في ابداعاتهم بالمكان السكندري واختلف تناول كل منهم عن الآخرين بما يصعب اغفاله.
    بالاضافة إلي ذلك. فإن هذا السؤال قد يجد فيه الناقد مجالا لتقديم وجهات نظر تستند إلي موازنات منهجية. أما المبدع فهو لن يجد في السؤال إلا مجالا للحرج وهو مجال لابد ان يصطدم بالتعالي - أو في المقابل - بادعاء التواضع. ما استطيع ان اقوله باختصار ان علاقتي بالاسكندرية علاقة حنين .
    ربما لو أني لم اترك الاسكندرية ما كتبت عنها هذا الكم من الروايات والقصص القصيرة. أثق ان الدافع الأول هو الحنين ومع انتصاري للمخيلة فإن المكان الذي وجدتني أتناوله - في الأغلب - هو حي بحري ذلك الحي المتسم بخصوصية بالغة. مفرداتها البحر واليابسة والصيادون وعمال الميناء والبحارة والجوامع وأضرحة أولياء الله وانعكاس ذلك كله علي مظاهر الحياة اليومية. وعلي سبيل المثال فإن العلاقة بين البحر واليابسة بعد مهم جدا في كل الأعمال التي كتبت فيها عن بحري ذلك الجزء من الاسكندرية بمساحته المحددة والمحدودة والزمان بعامة هو فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت طفولتي وصباي وشبابي الباكر. كتبت عن فترات سابقة وكتبت عن زماننا الحالي وهو ما يبين - مثلا ثانيا - في روايتي "أهل البحر" التي تجاوزت صفحاتها التسعمائة تعبيرا عن الحياة في بحري عبر قرن من خلال شخصيات حقيقية مثل محمود سعيد وسلامة حجازي وسعيد العدوي وشخصيات تراثية مثل أبوالعباس والخضر والبوصيري وشخصيات تنتمي إلي الموروث الشعبي وشخصيات مخترعة مثلت مع بقية الشخصيات بانوراما متكاملة لتلك العلاقة المميزة بين حي بحري والبحر الذي يحيط به من ثلاثة جوانب .
    مناسبة هذه الكلمات ذلك الذي طالعنا علي شاشة التليفزيون يعيب علي مبدعي الاسكندرية انهم يكتفون بالكتابة عن المدينة عن الأرض والميادين والشوارع والحواري والأزقة دون ان تلامس أعمالهم البحر فتكتب عنه وتكتب بالتالي عن الصلة بين البحر واليابسة. هل تقافزه المتواصل بين القنوات الأرضية والفضائية. حال بينه وبين المتابعة الجادة فضمن كلماته ما ألفناه في اطلالاته التليفزيونية من معلومات تستند إلي المخيلة.. والفبركة!
    ............................
    *المساء ـ في 13/9/2008م.


    </i>

  5. #15
    مبدعون نقاد

    بقلم: محمد جبريل
    .........................

    حدثني الصديق الدكتور عبدالمجيد زراقط رئيس قسم الأدب العربي بالجامعة اللبنانية عن المؤتمر الذي تعد له الجامعة بعنوان "مبدعون نقاد". وهو عن المبدعين الذين يحاولون الكتابة النقدية. وبالطبع فإن العكس صحيح. بمعني أن العديد من النقاد حاولوا الكتابة الإبداعية: لويس عوض. وأحمد شمس الدين الحجاجي. وماهر شفيق فريد وصلاح الدين بوجاه وغالي شكري. وحسين علي محمد ومحمد قطب وجمال التلاوي وصبري حافظ وحامد أبوأحمد. وسمير عبدالسلام. وصبري قنديل وأمجد ريان وغيرهم.
    رأيي أن المبدع لابد أن يماهي الناقد في اكتمال العملية الإبداعية. فهو -فور أن يضع نقطة الختام لعمل ما. قصة أو رواية أو مسرحية أو أية كتابة إبداعية- يلجأ إلي الناقد في داخله. يفيد من ثقافته وخبراته وفهمه لخصائص العمل الفني. يضيف. ويحذف. ويبدل. ويحور. بما يمتلكه الناقد من قدرات جمالية وعلمية وموضوعية. خطوة تالية لما تمليه عفوية الإبداع.
    أعرف أصدقاء يعيدون كتابة العمل الإبداعي مرات. ربما تبلغ العشر. في كل إعادة يقرأ الكاتب بعيني الناقد. لا ينقل الكلمات كما هي. لكنه يجري ما تحتاج إليه من "رتوش" -هذا هو التعبير الذي يحضرني- بهدف إثراء جماليات العمل الإبداعي.
    وكان همنجواي بترك -آخر الليل- ما كتبه علي الآلة الكاتبة "لم يكن الكمبيوتر قد ظهر في حياة الأدباء بعد" ويعود إلي قراءته في الصباح. ليست الفقرات الأخيرة وحدها. وإنما كل ما كتبه منذ الحرف الأول. والكلمة الأولي. والجملة الأولي. يطمئن إلي خلو السرد من أية نتوءات أو فجوات.
    وأكد بلزاك أنه كان يعيد قراءة العمل بعد أن يتمه. ربما صادف في اليوم الثالث زيادة حرف واو العطف. ثم يعيده عقب الأيام الثلاثة التالية. قول لا يخلو من مبالغة. وإن كان المعني ضرورة المراجعة والتقويم والغربلة. والحرص علي جماليات العمل في ترامي آفاقه.
    الأمثلة كثيرة. لكن السؤال الذي أتصور أنه سيفرض نفسه علي جلسات المؤتمر المرتقب: ما مدي إفادة الناقد من دراسته للعملية الإبداعية. مقابلاً لإفادة المبدع من فهمه لنظريات النقد.
    حصلت علي جائزة الدولة في النقد. وكتب عبدالعال الحمامصي عن الروائي الذي فاز بجائزة النقد. لكنني أعتبر المجال الحقيقي للكاتب هو ما تطمئن إليه موهبته. قد يتطرق إلي مجالات أخري. وربما أجاد التعبير فيها. لكنه يظل حريصاً علي السير في اتجاه تأكيد المعني الذي أهلته له موهبته وقدراته.
    لعلي أشير إلي صلاح عبدالصبور: كتب القصيدة المفردة والمسرحية الشعرية. والترجمة والسيرة الذاتية وغيرها من مجالات الأدب. لكن المسرحية الشعرية هي الملمح الذي يبين عن نفسه دوماً. فهي الإبداع الذي اختار له عبدالصبور الأولوية في مشروعه الأدبي.
    ...........................................
    *المساء ـ في 7/3/2009م.

  6. #16
    محمد جبريل يكتب عن جابر عصفور

    بقلم: محمد جبريل
    .......................

    من حق جابر عصفور أن نثمن دوره في حياتنا الثقافية.
    علي الرغم من اختلافنا أحيانا في أداء المجلس الأعلي للثقافة. فان الحقيقة التي لا يختلف فيها حتي الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب. حتي من يلحون في طلب العيب. أن المجلس الأعلي للثقافة في الأعوام الأخيرة هو التمثيل الايجابي لأنشطة وزارة الثقافة. هو التلخيص الذكي لهيئات الوزارة المتعددة.
    علي سبيل المثال. فان مهمة هيئة الكتاب هي اصدار الكتب والدوريات والمجلات. بما يتيح لصناعة النشر أن تؤدي دورا مطلوبا في خدمة الثقافة العربية.. لكن اصدارات مجلس الثقافة فاقت بصورة لافتة كل اصدارات هيئة الكتاب. سواء علي مستوي الكم أم الكيف. أذكرك بمشروع الترجمة الذي جعل من مشروع الألف كتاب بهيئة الكتاب خطأ ينبغي التخلص منه!
    الطريف أن فاروق حسني أراد أن يهب هيئة الكتاب نشاطا متميزا في معرض القاهرة الدولي الأخير فلجأ الي مطبوعات المجلس الأعلي للثقافة. واجهة لنشاط الهيئة في مجال تخصصها!
    ومع تعدد المؤتمرات والمهرجانات والندوات التي تنظمها هيئات وزارة الثقافة. فان ما ينظمه المجلس الأعلي للثقافة من أنشطة. هو الأكثر حضورا. والأشد تأثيرا.. والأمثلة لا تعوزنا.
    والمتابعة الواعية للأحداث الثقافية المحلية والعربية والعالمية مهمة يحرص المجلس علي التصدي لها. ومناقشتها. وتحليلها. واتخاذ توصيات وقرارات تضعها في دائرة الضوء أمام المتخصص والمواطن العادي.
    حتي المسابقات التي ينظمها المجلس: تيمور. وحقي. ومحفوظ وغيرها. هي الأكثر جدوي وجدية.
    والنظرة المتأملة لأنشطة لجان المجلس. تجد أنها تقدم المقابل للركود الذي تعانيه هيئات أخري تابعة لوزارة الثقافة.
    أثبت جابر عصفور أن مسئولا واعيا. مدركا لمسئولياته. ويجيد الادارة. يستطيع أن يحقق في الموقع الذي يتولي قيادته ما قد تعجز عنه هيئات. تخصصها المستقل فرع محدد من مجمل حياتنا الثقافية.
    قلوبنا مع جابر عصفور.
    هامش:
    سألت مصطفي علوي رئيس هيئة قصور الثقافة: ما ردك علي الحملة التي تتهم قيادة الهيئة بايقاف مشروع النشر؟
    قال: هل تتصور أن مسئولا يتخلي عن واجهة مهمة لأنشطته؟.. النشر كما تعلم من أهم مشروعات الهيئة. وجدواه معلنة. لكن تقلص الموارد المالية. أو غيابها. مشكلة لا حيلة لنا فيها. ميزانية النشر تعاني عجزا من قبل أن أتولي المسئولية. ولاشك ان اصدار الكتب لن يتحقق بالنيات الطيبة. خاصة اذا كنا نطبع في قطاع خاص لغته الربح والخسارة!
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
    عن صحيفة "المساء الأسبوعية" ـ في 8/4/2005م

  7. #17
    الأســــــــــــــــوار
    (إلى محمد جبريل)

    شعر: حسين علي محمد
    ...............................

    ينطلقُ السهمُ إلى القلبِ،
    ويغضبُ مني صحبي إذْ أصرخُ
    تُفزعُهمْ خطواتي في دربِ الفجرِ
    وأنتِ تمورينَ،
    وتبتعدينَ،
    وترتعدينَ
    … وخلفَ الفارسِ نتلو آياتِ الذِّكْرِ،
    فقد فرَّ من الميدانِ صباحا
    علَّقَ نيشانَ الصبرِ، وأنتِ تموتينَ
    وهذا الفارسُ يُطلِقُ في الميْدانِ النارَ
    على الجمهورِ
    فتملؤ أشجارُ الحزنِ بوادينا
    مدَّ الظفرَ المجنونَ إلى جسدِ الوردةِ،
    والأطفالُ يمرونَ على الأسلاكِ ..
    وورْدِ "الديناميتِ"
    وزَبَدِ الموتِ
    (الشيخُ يُقامِرُ في المسرحِ ..
    ويُعربِدُ مع سيدةٍ في حضنِ الدلتا
    والصوتُ الجبليُّ يُطرِّزُ أوجهَنا
    بالرغبةِ في الصبحِ الآتي)
    والنظرةُ من سيدةِ المقهى ..
    تُشعِلُ في جنبيْنا النارَ،
    وخادمنا "آمونَ" المُرهَقُ ..
    يسألُ عن "هامانَ" ويذكرُ أهوالَ الحراسِ
    توقَّفَ هذا الزمنُ الأفعى عنْ نسجِ الثوبِ ـ الرغبةِ
    واشتعلتْ في القلبِ النارُ
    (وقفتُ أُراقبُ هذا العربيدَ
    أُيغرينا بالمسكِ ..
    ويغرسُ في أعيُننا شجرَ الوهْمِ،
    ويرقصُ فوقَ هشيمِ القشِّ ..
    و ..
    ـ روما .. كيف احترقتْ ؟
    ـ هل تذكرُها ؟
    ـ بونابرتُ يُعانقُ حلماً سرِّيا
    هذي الأهراماتُ تُحدِّثُكمْ منْ آلافٍ خمسٍ
    فاستمعوا يا فتيةَ شمسِ الغربِ مليا
    لأحاديثِ الفرعونِ)
    وأنتِ هناكَ تروغينَ
    فهلُ يُغرسُ في دمِنا شجرُ الخوفِ
    هلْ تجرينَ إلى طُرُقِ الوهْمِ
    وتنبُتُ أزهارُ الصبارِ
    على شرفةِ قصرِ الشيطانِ، تُخوِّفُنا ؟
    والمهرُ الأشهبُ يصرخُ في قاعِ النارِ:
    لماذا الخوفُ يُقرِّبُني حيناً ..
    ويُباعدُني أحيانا ؟
    ـ ماذا أُبصِرُ ؟
    ـ ماذا يقدرُ أن ينطقَ عاشقٌكِ الأخرسُ
    لوْ صرختْ كلُّ حناجرهمْ
    وارتفعَ الخنجرُ في الوجهِ،
    وفوقَ الظَّهْرِ الأسوارُ،
    وهذا العبدُ الأسحمُ
    .. يرقصٌ قدامَ تماسيحِ النيلِ،
    ويُغريهم بالخصبِ الآتي في زمنِ الجدبِ
    وصوتُكِ يملؤ عينيَّ برعدٍ يُمطرُني في الزمنِ القفْرِ،
    وتبتسمينَ وتبزُغُ شمسُكِ
    قُرصاً منطفئاً
    في بحرِ الدمْ !!

    ديرب نجم 19/12/1978

  8. #18
    محمد جبريل: مصر التي في خاطره

    بقلم: د.ماهر شفيق فريد
    ..............................

    "محمد جبريل: مصر التى فى خاطره" (سلسلة أصوات معاصرة 2002) لمؤلفه الصحفى الشاعر حسن حامد؛ من أحدث الدراسات التى تضاف إلى المكتبة العربية عن روائى وقاص وناقد وصحفى أصبحت أعماله الإبداعية –مثل "إمام آخر الزمان"، و"من أوراق أبى الطيب المتنبى" و"رباعية بحرى" و"قلعة الجبل"، من كلاسيكيات الرواية العربية فى مصر، كما تميزت مجموعات قصصه القصيرة باتساع رقعة خبراتها الحياتية وتنوع تجاريبها الشكلية، وشكلت دراساته النقدية والأدبية "مصر فى قصص كتابها المعاصرين"، وكتبه عن محفوظ والسحار وآباء الستينيات، لوحة بانورامية لقطاع ليس بالصغير من تطور فن القص –رواية وقصصا قصيرة- فى بلادنا، كما مثل حضوره الصحفى الأسبوعى، مشرفا على صفحة "قضايا أدبية" بجريدة المساء، قدوة أخلاقية وإبداعية فى الصحافة الأدبية الراقية، ونزاهة الضمير، والترفع عن الصغائر، والترحيب بالأجيال الجديدة من الكتاب، والتوجيه القائم على تجربة أدبية عميقة ودراية بفنون القص ومتابعة دؤوب للجديد فى الأدب العربى والأجنبى.
    كتب حسن حامد هذا الكتاب عن محمد جبريل من منطلق التقدير لإنجازه الأدبى والمحبة لشمائله الإنسانية، فليست هذه دراسة نقدية فحسب (ولو أنها تتضمن بعض نظرات نقدية صائبة وتحليلا تقنيا بارعا لبعض أقاصيص جبريل: "انعكاسات الأيام العصيبة"، "المستحيل" إلخ..) وإنما هى أيضا صورة لإنسان تتخذ محورا لها حب جبيرل لوطنه، وترى فى عشقه لمصر –بأناسها وتاريخها ومدنها وقراها وصحاريها وبحارها وجمالها وعيوبها أيضا- الجذر الإبداعى الذى تصدر عنه كل كتاباته.
    ولد جبريل فى 1938 وهو عام شهد أحداثا كان لها أثرها فى حياة الوطن: ففى ذلك العام –يقول حسن حامد- انتقلت القوات البريطانية من القاهرة والإسكندرية إلى القناة، وتخرج جمال عبد الناصر وأغلب زملائه من الضباط الأحرار فى الكلية الحربية، واستعدت مصر لمواجهة الحرب العالمية التى بدت نذرها فى الأفق، وخرجت إلى الشوارع مظاهرات تهتف بحياة زعيم الوفد وتتهم محمد محمود بمحاولة اغتياله، وأعلن عن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال المملكة المصرية، وارتفع فيضان النيل إلى حد الخطر، وأصدر طه حسين كتابه العلامة "مستقبل الثقافة فى مصر" وأذاع عدد من الفنانين والكتاب الطليعيين المصريين –متأثرين بسريالية أندريه بريتون- مانفستو "يحيا الفن المنحط". كانت فترة غليان سياسى وجيشان اجتماعى واختمارات فكرية وإبداعية.
    فى هذا الجو ولد محمد جبريل فى الإسكندرية وتشرب خصائص بيئته وتلاقت مؤثرات الوراثة والطبقة والنشأة والتربية والتعليم لتصنع منه هذا الروائى الذى يعده حسن حامد بحق روائى الإسكندرية الأكبر. ويوضح حامد كيف تشكلت ذائقته عبر السنين من جراء التفاعل مع البيئة، ومع التراث الشعبى، ومع الإطلاع على آداب الغرب وفنونه وعلومه، ومع الأدب العربى من امرئ القيس إلى يومنا هذا، ومع الموروث الدينى والصوفى، فضلا عن تجاربه الشخصية فى العمل والعلاقات الخاصة والكتابة والصحافة.
    ويوضح حسن حامد كيف أن ثالوث الحق والخير والجمال كان بمثابة النجم الهادى والبوصلة الموجهة لمسار جبريل منذ أصدر كتابه الأول المطبوع وهو فتى يافع فى الخامسة عشرة أو نحو ذلك. وقد ظلت هذه الأقانيم تقع من ضميره ووجدانه موقع المركز فيما أعقب ذلك من أعوام، وتدعمت بالقدوات الأخلاقية التى التقى بها واحترمها وأحبها (محفوظ، حقى، إلخ..) فالسلوك الإنسانى لا ينفصل عند جبريل عن النزاهة الفنية، إذ أن الكاتب مواطن وإنسان قبل أن يكون مشتغلا بمهنة الكتابة.
    ويرى حسن حامد فى تردد كلمة مصر فى عناوين كتب جبريل ("مصر من يريدها بسوء"، "مصر المكان"، "مصر فى قصص كتابها المعاصرين"، "قراءة فى شخصيات مصرية") مؤشرا إلى هذا التعلق العميق بالوطن، هذه النواة الثابتة فى قلب المتغيرات، ومن ثم كان بروز بعد المقاومة فى أدب جبريل إزاء القهر الداخلى والخارجى على السواء، ورفضه العنيد لكل أشكال التطبيع مع إسرائيل، وتحذيره –المرة تلو المرة- من الأخطار المحدقة، فعل ذلك كله –فى رواياته وأقاصيصه- بلغة الرمز والمجاز –لغة الفن- لا بلغة الخطابة والدعاوة.
    ويفيد حسن حامد، عبر فصول الكتاب العشرة، من أعمال جبريل المنشورة (وبعض مخطوطات غير منشورة أيضا) ومن مقابلات شخصية وأحاديث أجراها معه صحفيون وأدباء، ومن النقاد الذين كتبوا عن أدبه، ولأن المؤلف شاعر فإنه يكتب بوجدان محب وأنفاس حارة من المودة والتعاطف. وتتناثر فى تضاعيف كتابه مقتطفات من شعراء آخرين: "الجنوبى" لأمل دنقل، "المنزل الغريب" لمريد البرغوثى، "نشيد الخبز والورد" لجوزيف حرب الذى غناه مارسيل خليفة، "مقامات الرحيل" و"يالثارات الحسين" لمحمد أبو دومة، فضلا عن إشاراته إلى كثير من النقاد والأدباء، عرب وغربيين.
    وإذ يسجل حسن حامد، فى مطلع كتابه" أن الأستاذ الجامعى والناقد الدكتور الطاهر مكى كان أول من وجه نظره (وهو طالب جامعى) إلى إبداع جبريل، فإنه يصور كيف تطورت علاقته به كاتبا وإنسانا. ويحلل بنية العمل القصصى عنده ومكوناته من راو وحدث وشخصية ومكان وزمان وسرد وحوار ولغة، كما يرصد ميل جبريل إلى النهايات المفتوحة بما يعبر عن تفاؤله الذاتى الدائم ببداية جديدة تتلافى عثرات الماضى.
    إن كتاب حسن حامد عن جبريل، مثل كتاب آخر صدر حديثا لعلى عبد اللطيف وليلى البدوى عن الرائد محمود البدوى، يجمع بين التحليل النقدى الموضوعى والانطباع الذاتى والذكريات الشخصية على نحو ينقل لنا صورة الأديب المدروس وهو يمارس حياته اليومية أبا وزوجا وموظفا، كما ينقل لنا لمحات من ذهنه الإبداعى وصنعته الكتابية، وأسلوبه فى القص، وذلك على نحو يتسم بالمعايشة الطويلة للموضوع، وجاذبية العرض، والحرص على إفادة القارئ وإمتاعه.

  9. #19
    الفن القصصي عند محمد جبريل

    بقلم: د.عبد الله أبو هيف
    ................................

    بدأ محمد جبريل الكتابة السردية قاصاً بإصدار مجموعته الأولى "تلك اللحظة" (1970)، ورسخ إبداعه القصصي بمجموعاته "انعكاسات الأيام العصيبة" (1981)، و"هل" (1987)، و"حكايات وهوامش من حياة المبتلي" (1996)، و"سوق العيد" (1997)، و"انفراجة الباب" (1997)، و"موت قارع الأجراس" (2002)، واختار عدداً من قصصه التي تتناول تنازعات الذات القومية إزاء مخاطر الصهينة والعدوان الأجنبي على العرب، سماها "حارة اليهود" (1999). واقتصر في هذه المقالة بالحديث عن الفن القصصي عند محمد جبريل من خلال مجموعته الأخيرة، ومختاراته القصصية المشار إليها آنفاً.‏
    بنى جبريل قصصه على التقانات السردية والمجازية والاتصالية الحديثة، ولا سيما المفارقة والرمزية والإيحاء المجازي لابتعاث المعاني والدلالات فيما وراء القصّ. وأفصحت قصص "موت قارع الأجراس" عن ثراء التشكلات السردية لدى العناية بالتحفيز التأليفي الذي يوائم بين الفعلية وأغراضها على نحو غير مباشر، وصورّت قصة "الوحدات" مدى حصار الفلسطيني في وطنه، إلماحاً إلى اغتراب الفلسطيني في الأقطار العربية، حتى أنه فكر مرة أن يركب سيارة يقتحم بها الحدود إلى فلسطين من إقامته المروعة في الأردن، و"إن قتلت فسأقتل في وطن.. وطني" (ص12).‏
    وأبان ازدياد آلامه، وهو يعاني عسر تجديد الإقامة في موعدها، وصعوبة الحصول على بطاقة أو هوية، إذ لا يستطيع المواطن أن يحيا" بلا جواز سفر ولا أوراق تثبت شخصيتك" (ص15)، مما عذبته السخرية المرّة عبر المفارقة الموجعة.‏
    "-سأصبح إذن مواطناً عالمياً، فليس معي تأشيرة دخول إلى أي بلد!" (ص15)، وهذا هو حال الفلسطيني بخاصة، والعربي بعامة، الذي يقتله الإحباط والخوف، ما دام مربوطاً بمخيم الوحدات المفتقر إلى الثقة والأمان.‏
    ووصفت قصة "موت قارع الأجراس" صلابة المقاومة في فلسطين، فقد لاذوا بمجمع الكنيسة ثم داهمهم المحتلون وقناصتهم في هذا المكان المقدس، وصوبوا إليهم رصاصهم، على الرغم من التضامن الديني بين المسيحيين والمسلمين، ونبههم الأب لوقا ألا يحاولوا التعرف على ما يجري خارج الكنيسة، ولو من النوافذ، لأنهم يطلقون الرصاص على كل شيء يتحرك، (ص29)، وبدا فعل المقاومة قوياً باستخدام الإيحاء المجازي النابض بالوعي الذاتي، إذ "ترد نواقيس الكنائس في امتداد المدن والقرى. يرتفع الآذان – كما حدث في مرات سابقة – من الجوامع وأسطح البيوت. يتنبه من تختفي أو تسحب، في أسماعهم، صيحات الاستغاثة، فينصرفون" (37).‏
    وامتد ترميز الفعل المقاوم إلى البيرق علامة للضبط الداخلي والمتانة في مواجهة العدو، كلما تأذى المؤمنون في قصة "البيرق"، حرصاً على نصرة الإسلام والمسلمين في أيام الخطر، والبيرق هو الأمل المرتجى إن واجهت البلاد الخطر، و"على كل المسلمين الخروج إلى الجهاد وبيع الأرواح بيع السماح" (ص83).‏
    وأفاد المنظور القصصي أن تعضيد فعل المقاومة يستند إلى مجاوزة الاختراقات الداخلية والضعف الداخلي من خلال المفارقة من اللفظ إلى المعنى، عندما "لامست أصابع في موضع البيرق خشونة تسوس العصا والفجوات الصغيرة، تشابك فيها العلم والحبل المهتريء" (ص85).‏
    وأبانت قصة "الكسوف" المفارقة أيضاً من اللفظ إلى المعنى انتقالاً من الكسوف الطبيعي إلى الكسوف المعنوي في وعي الذات، وقامت القصة على النشاط الثقافي اليومي لمجموعة أدباء وكتاب من مصر وسورية بدمشق أثناء يوم بعينه تحدثوا فيه عن كسوف الشمس، وأضاءت الفعلية الكسوف الطبيعي الكلي عندما يقع القمر في دورته من الغرب إلى الشرق حول الأرض، ويقع بين الأرض والشمس، وتكون الأجرام الثلاثة على استقامة واحدة، وتصبح الأرض في مسقط ظل القمر تماماً، والكسوف الجزئي عندما تقع الأرض في منطقة الظل القمرية. وربط المنظور القصصي في الكسوف بحراك الحياة والتجربة الأدبية العربية ومدى تمثيلها المعرفي العميق بالحياة الإنسانية، ومدى وعي الصراع مع الأعداء عند الاعتراف بأن "إسرائيل واجهة لتقدم الغرب" (ص53)، وهذا هو حال المفارقة التي تنشر الوعي بأحوال الكسوف في الموقف من العدو كلما دعمت عمليات تصليب الذات، فثمة "كلمات تتخلق في أعماقك، تتشكل حروفها وملامحها، وإن بدت غامضة" (ص55).‏
    وتعالى استخدام المفارقة في قصة "العنكبوت" التي تؤشر إلى عنكبوت الموت، حيث مرارة مرض الوالد وعذاب الروح تحت وطأة مؤثرات موت الحياة الكثيرة شأن السؤال المرير: ما معنى أن يستيقظ المرء – ذات صباح – ليجد نفسه ميتاً؟!" (ص67). وجادت ملفوظية العنكبوت في التحفيز التأليفي الجامع بين المادي والمعنوي بمداهمة الموت الذي يخترق الإنسان بصمت: "وثمة عنكبوت – لم تكن قد فطنت إلى وجودها – تغزل خيوطها، فتشكل ما يشبه الغيمة في أعلى السرير" (ص71).‏
    ومال جبريل إلى تكثيف السرد مقاربة للعوالم الميتاقصية (ما وراء القص) في قصص قصيرة جداً، كما هو الحال في "الزيف" و"الخيمة" و"العرّاف" و"القنديل" و"الأميرة والراعي" و"الآذان" و"الرؤية" و"القاضي" و"الخواء" و"ومضات منسية"، وتقع القصة منها في حدود صفحة واحدة إثارة لمعانٍ عميقة استعمالاً للأنسنة، على سبيل المثال، ففي قصة "القنديل" تضفى على الحيوان صفات الإنسان للتأمل في أطروحة النسوية والذكورة، إذ استمرت في الحرص على أن تلدغ ما دامت متأكدة أن هذه الأقدام لرجال، وقد أثارها الاختلاط والتشتت من عناء الكينونة أنثى أو خنثى أو ذكراً، وهذا يغيظها كثيراً، و"لم تعد تشغلني القدم الواقفة على الشاطئ، أراها فألدغها، ألدغها بكلّ قوتي" (ص151).‏
    واستغرقت الأنسنة في التكثيف السردي في القصة القصيرة جداً "الأميرة والراعي"، عند التداخل بين المواقف من حماية الذات إزاء تفاقم الأفعال الشريرة من آخرين، وأوجز الراوي المضمر القص أن الأميرة ستوافق على الزواج من الراعي الذي يقتل الذئب، لأن هذا الذئب قتل جدتها، بينما خاطب الراعي الذئب، إشارة إلى ذئبية بشرية، عند مجاهرة الذئب بأن "لحم الأميرة الشهي من نصيبي" (ص152)، مما دفع الراعي إلى الخلاص من هذه الذئبية البشرية، فهوى بالعصا الغليظة "على رأس الذئب، أثاره العواء وتناثر الدم" (ص153)، وهذا كله ضمانة للتواصل بين الراعي والأميرة عند مواجهة القتلة.‏
    وبلغ التكثيف السردي مستوى الشذرة إيماء إلى مدلولات ما وراء القصّ، كما في القصة القصيرة جداً "الثأر" التي تقع في أسطر، وقام الإيماء على الإشارة إلى قصدية الثأر في مقدور الرجل على الثأر من ظالمه وجائره من خلال وصف "ظل الرجل" وسيرورة الثائر "فوق الظل" الساكن ومواجهة الظالم بحذائه عند "طرف الظل" (ص155).‏
    لقد واءم جبريل بين المجازية والاتصالية في الكتابة القصصية لإثارة أسئلة الوجود وقضايا الحياة، وانغمرت قصصه في البنى الاستعارية منذ مجموعته الأولى اندغاماً في التحفيز التأليفي الذي يهتم بالأغراض القصصية كلّما ثّمر التقانات السردية لجلاء المعاني والدلالات الكامنة في القصّ، وأفصحت مجموعته "حارة اليهود" عن هذا المنجز الإبداعي العميق، عند جمع القصص المعنية برؤى المقاومة في مواجهة الصهيونية والتصهين تهديداً للوجود العربي وهدراً لطاقات الحياة عند العب.‏
    تناولت قصة "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي" مواصلة رحلة الأسراب من السمان ومجاوزة فكرة العجز عن المقاومة، ليتبين لهم بعد حوار طويل أن السكوت عن المقاومة طريق إلى الجنون، وتبدى الإيماء إلى هذه الدلالة في رحابة القص المجازي، فقد "بدا للناس – من كثافة الأسراب، ودقة تنظيمها، وانتشارها في كلّ الأمكنة – عجزهم عن المقاومة. مالوا – مؤقتاً- إلى التريث، فرحلة السمان لا تعرف التوقف" (ص10)، وهذا هو حال المقاومة التي تحمي الوجود والمصائر القومية. ولاذ القص في قصة "الطوفان" بالمفارقة المعنوية انتقالاً من فكرة طوفان إلى غرق الحيوية عندما تضعف المقاومة، وتعجز المواطنة عن القضاء على المخلوق الغريب أو الكائنات المحتلة.‏
    وتنابذت أصوات الشجار والمشاكسة في قصة "المستحيل" انتقاداً لدعاة الانعزالية والتجزئة القومية، على أن العزلة تبعدهم عن الخطر، بينما المستحيل نفسه في خروج فئة أو جماعة أو أقوام من مدارات المصائر القومية، والحل دائماً في المشاركة والاندماج مع الناس والانضمام إلى المقاومة.‏
    وأفادت قصة "هل" أن المقاومة هي التي تصون الذات القومية، عند تعالق الذات الخاصة مع الذات العامة من خلال الترميز، وهذا هو الرجل الميت الذي دُفن، ثم جرده التربي من كفنه، والسؤال هو ضرورة المقاومة من المعلوم والمختفي في الوقت نفسه عند كشف العدوان، وعمّق جبريل الرؤية عندما ربط هذه المقاومة أثناء الحياة وبعد الموت. فلو حرّك الميت جسده لظل مستوراً، ولو تنامى الوعي بالدمار والاحتلال والفناء لتوقف العدوان، ولا سبيل لذلك إلا بالمقاومة.‏
    واعتمد جبريل على الترميز في قصة "حكايات وهوامش من حياة المبتلي" تواصلاً مع الأسطرة عند تعالق شخصية صابر وزوجته سلسبيل، لنلاحظ دلالة الأسماء أيضاً، مع أيوب وناعسة في الأسطورة الشعبية، فهو حرص على الابتعاد عن قريته بحثاً عن الدواء، لأنه المرض هدده بالموت، بتأثير الفساد والمفسدين، وصار الأمل أن يمضي إلى الحج، ليشفيه رب العباد، ثم داهمه المجرمون والأشرار، ومنعوه من أداء فريضة الحج، وهذا هو البلاء المستشري ما لم تشتد المقاومة ضد الظلم والعدوان.‏
    واستند إلى الترميز أيضاً في قصة "حكاية فات أوان روايتها" عن الطائر وفقس البيضة ومدى تلاقي الحوار مع وعي الذات وسبل مواجهة تغلغل النفوذ الأجنبي.‏
    وترابطت قصة "حارة اليهود" مع عناصر التمثيل الثقافي في رؤى مقاومة الصهينة والتصهين التي تخترق الوجود العربي من خلال الإيماء إلى التهام الغرغرينا الجسد كلّه، مما يستدعي تعزيز فعل المقاومة. وقد بنى القصة على وقائع وأحداث في مطلع القرن العشرين، من خلال ما تعرض له محمد جعلص وأولاده من اليهود ساكني الحارة حتى تسبب لهم المرض وخلل الحياة الاجتماعية والاقتصادية.‏
    محمد جبريل قاص متفرد بإبداعه لإنتاج فضاءات "ميتا قصية" شديدة الثراء في مجازية القصّ والإيحاء بالمعاني والدلالات العميقة لدى استخدام تقانات قصصية تعتمد على الاستعارة والترميز والأسطرة.‏
    المصادر:‏
    ...........
    1- حارة اليهود، مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة 38، القاهرة، سبتمبر 1999.‏
    2- موت قارع الأجراس، مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة، أصوات أدبية 329، القاهرة، توفمبر 2002.‏
    ......................
    *جريدة الأسبوع الأدبي العدد 1006 تاريخ 13/5/2006م.

  10. #20
    في ذكراها المئوية
    دنشواي بين حقي ودلاور
    أصيب ضابط إنجليزي بضربة شمس فأعدموا الفلاحين
    كيف فرضت السياسة نفسها في اختلاف الرؤية الأدبية؟

    بقلم: محمد جبريل
    ....................

    كانت حادثة دنشواي [13 يونيو 1906] التي أعدم فيها بعض الفلاحين. بتهمة قتل ضابط إنجليزي. أصيب بضربة شمس. وأرسلت المشانق إلي دنشواي من قبل أن تبدأ المحاكمة. كانت هذه الحادثة بمثابة الهزة العنيفة لصحوة هائلة. شملت أبناء الأمة جميعاً. بل إنها أضحت دافعاً قوياً للثورة الشعبية الهائلة في عام .1919 وقد عرض غالبية المؤرخين لحادثة دنشواي علي أنها حادثة ضباط إنجليز خرجوا للصيد. فأحرقوا جرناً. وحدث ما حدث. لكن قيمة رواية عذراء دنشواي [صدرت الطبعة الأولي في يوليو 1909]- كما يقول يحيي حقي- أن مؤلفها لم يصطنع أشخاصه اصطناعاً. بل أخذهم بأسمائهم ومواطنهم ومهنهم من واقع الحياة..
    محمود طاهر حقي لا يقف عند الوقائع الظاهرة دافعاً لكل ما حدث. لكنه يفتش عن المسببات الفعلية لها. مع اعترافه بأنه لم يضع كل الحقيقة. لأنه- كما يقول في المقدمة- خشي علي نفسه من البطش. وبرغم هذا. فإنه لم يحدث- كما يقول حقي- ان أقبل الناس علي قراءة رواية ما مثل إقبالهم علي قراءة "عذراء دنشواي". لا لأنها عرفت كيف تركب موجة الانفعال الشعبي. بل لأنها عرفت أيضاً- بالغريزة والسليقة- كيف تصب حادثة دنشواي في قالب فيه من الفن القصصي أنفاسه. إن لم يكن عطره كله. احتضنها جيله. واحتضنها الجيل الذي يليه".
    عذراء دنشواي تستمد قيمتها من تفوقها الفني. بالقياس إلي الأعمال السابقة لها. بالاضافة إلي اقترابها الحميم- وهذا هو السبب الأهم- من المشكلات الآنية للمجتمع. لكن الارهاصات في علم الدين لعلي مبارك. ولوحات النديم. وليالي سطيح لحافظ ابراهيم. وليالي الروح الحائر لمحمد لطفي جمعة. وزينب لمحمد حسين هيكل. وغيرها. كما أضافت ترجمات السباعي والمنفلوطي والزيات والجميل والمازني لابداعات كبار الروائيين الأوروبيين.. أضافت تلك الترجمات إلي فن الرواية المصرية من خلال أصول الرواية في أوروبا.
    محاولة رائدة
    لقد ظلم النقاد عذراء دنشواي. حين اعتبروا زينب فاتحة الفن الروائي المصري. ذهب يحيي حقي إلي ذلك الرأي. فتلقف النقاد رأيه- في سلفية لا نحسد عليها!- وانتقت كل الاجتهادات التي تري في زينب رواية تلي عذراء دنشواي باعتبارها محاولة رائدة.
    ومع ان يحيي حقي قد عدل عن رأيه في فجر القصة المصرية. وأكد- في حوار صحفي- أنه أخطأ في نسبة الريادة إلي زينب. وأن عذراء دنشواي هي الأجدر بالتسمية. فمازلنا نقرأ اجتهادات سلفية تؤكد ان زينب هي "الرواية العربية التي يعتبرها النقاد بالاجماع- أو يكاد- باكورة الرواية العربية الفنية".
    الطريف- والمؤسف- ان أحد النقاد نسب إلي نفسه- فيما بعد- ببساطة. اجتهادنا الذي أقره أستاذنا يحيي حقي. ووافق علي نتائجه قبل أن ينشر الناقد مقالته بأكثر من عشرين عاماً. وذهب الناقد إلي أن زينب تحولت إلي أداة تقييم خاطيء. لأننا نقيس بها ما تلاها من أعمال. بينما لو اعتمدنا عذراء دنشواي لاختلفت النتائج" "الأهرام 7/12/1988".
    لم تكن الحادثة وليدة ذاتها. ولا كان مبعث ثورة أبناء دنشواي إصابة فردية. أو احتراق جرن. وإنما جذور الحادثة مغروسة في أرض دنشواي لسنوات طويلة من العنف واللامبالاة والعبث بكل القيم. بل ان حادثة دنشواي لم تكن الأولي من نوعها. سبقها أكثر من صدام بين الفلاحين من ناحية. وبين سلطات الاحتلال وجهات الادارة من ناحية ثانية. حتي أنشئت المحكمة المخصوصة عام 1895- قبل حادثة دنشواي بسنوات- لمحاكمة المصريين الذين يعتدون علي ضباط وجنود جيش الاحتلال.
    إن محمد زهران يشكو إلي العمدة ما حدث. فيقسم له العمدة بأنه سيأتي له بتعويض عن الحمام الذي اصطاده الإنجليز. ويكتفي العمدة بالقسم دون محاولة لتنفيذ وعده. وعندما يهم الضباط الإنجليز ببدء رحلتهم. يري أحدهم وجوب أخذ تصريح من القائد. لكن رفاقه يسخفون رأيه. لا لوداعة ولين في طبيعة المصريين. بل لضعف وجبن وتملق من شعب غريب الأخلاق. ولا يفوت الفنان ان يصف الكابتن بول بأن الضعف يظهر علي ملامحه. وثمة عوامل تخللت سطور القصة. كانت- في مجموعها- قواماً للحادثة.
    محاكمة ظالمة
    يلوذ الكابتن بول بالفرار. بعد ان تشج رأسه طوبة. ثم يبلغ الحدث ذروته بموت بول. ثم المحاكمة الظالمة. وأحكام الاعدام التي أعدت المشانق قبل النطق بها. فقد أحيطت القرية برجال البوليس لمنع الأهالي من الخروج. وأوقف العمدة والخفراء. وحل بدلاً منهم خفراء من القاهرة. وألقي القبض علي كل من اشتبه فيه. فبلغ عدد المقبوض عليهم 250 شخصاً.
    كشفت "المقطم" [19/6/1906] عن اعتزام سلطات الاحتلال تنفيذ حكم الاعدام في بعض أبناء دنشواي. وفي اليوم نفسه الذي شهد تنفيذ أحكام الاعدام كتبت "المؤيد" أنه قد تمت تجربة المشنقة في مخازن البوليس كل هذا قبل أن تجتمع المحكمة. وقبل أن تصدر أحكامها.
    وفدت أنباء المعركة إلي قصر الدوبارة. وأمر اللورد كرومر بتعيين الهلباوي في وظيفة المدعي العام. وتشكيل محكمة خاصة تضع في اعتبارها وأحكامها "الا يراق دم إنجليزي بسهولة وبساطة" وكانت تلك المحاكمة استمراراً في سياسة كرومر التي جري عليها في أواخر عهده. والتي تنهض أساساً علي عدم الاكتراث بالرأي العام المصري. وازدرائه. ورميه بالتعصب والغفلة. والتأكيد بأن حكم مصر لن يصبح- بزيادة نفوذ الجاليات الأجنبية0 خالصاً لأهلها.
    واللافت في عذراء دنشواي ان البطل الفرد يغيب. ويحل بدلاً منه البطل الجماعة.. الجماعة هي التي تتعرض للظلم. وهي التي تثور وتتحرك. وتواجه العقوبات القاسية أيضاً!
    ويشير محمود كامل إلي ان السبب الأول في القبض علي عائلة محفوظ- كما دلت التحقيقات- وكان العدد الأكبر من المتهمين منهم- يرجع إلي عداء قديم بين العمدة السابق لدنشواي محمد الشاذلي ونائب العمدة عمر زايد. وبين حسن علي محفوظ. وعندما صعد حسن محفوظ الذي حاوز الخامسة والسبعين إلي المشنقة. صاح وهو يتجه إلي قريته وبيته وأبنائه بنظرة وداع أخيرة. ودعا الله أن يخرب بيت العمدة ومن عاونه علي الايقاع به. وأن يظلمه كما ظلمه.
    يشير الكاتب أيضاً إلي ان الحادثة وقعت بجانب جرن المؤذن محمد عبدالنبي لم يكن شاهدها سوي الضباط الأنجليز أنفسهم وهؤلاء لا يمكن أن يتبينوا وجوه عشرات الأطفال والرجال والنسوة الذين تجمهروا حولهم وألقوا عليهم الطوب أو ضربوهم بالعصي.
    محكمة استثنائية
    وإذا كان مما يدين الأنجليز بالقطع. أنهم شكلوا محكمة استثنائية. كي يحاكموا فلاحين وادعين- القول للخديو عباس- لم يرتكبوا جرماً إلا الدفاع عن حقوقهم وممتلكاتهم. ولكن جرمهم في ذلك لا يقاس بجرم أولئك المصريين الذين قبلوا بغير اعتراض. الاشتراك في تلك المحكمة. وأباحوا للدولة المحتلة تلك الترضيات التي ما كانت لتجرؤ علي المطالبة بها. لو أنها أحست من جانبهم مقاومة بسيطة. إن الوزراء المصريين لم تبدر منهم مبادرة للتخلص من ذلك الشرف المحزن. شرف محاكمة مواطنيهم. ولم تند عن شفاههم كلمة طيبة واحدة.
    ومن المنطلق ذاته الذي أملي علي يعقوب صروف روايتيه فتاة مصر وفتاة الفيوم. كتب عبدالحليم دلاور محاولته الروائية دنشواي. "عبدالحليم دلاور: دنشواي- علي نفقة محمود توفيق الكتبي بالأزهر 1906. وقد علمت من يحيي حقي ان الكاتب كان من حاشية الخديو. ثم عمل موظفاً بوزارة الأوقاف". واذا كان إرضاء كل الاطراف هو الهدف الغريب ليوسف صبري في روايته عذراء الثورة العرابية. فان إدانة الشعب المصري. والدفاع عن وجهة النظر الاحتلالية هو هدف عبدالحليم دلاور في دنشواي.
    صدرت الرواية في 20 يوليو 1906. بعد انقضاء حوالي الشهر من وقوع الحادثة ويقول المؤلف ان القصد من وضع روايته لم يكن "إلا التفكه بمطالعتها وقت الخلو من العمل. وليس لباعث سياسي يحرك مكامن القراء. ويوقظ في قلوبهم مرامي الهيجة. كما خاض البعض [هل يقصد محمود طاهر حقي؟] في بحار السياسة. فجمع روايته [إذن. هو يقصد محمود طاهر حقي!] علي مبدأ يخالفني تماماً. والفرق بين خطتي والخطة التي سلكها بعيد بمراحل شاسعة. ولهذا السبب قد غيرت الأسماء التي رددتها الجراند مرارا عديدة في حادثة دنشواي.
    أقرب وثيقة
    فإذا تجاوزنا خيوط الافتعال التي حاول بها الكاتب أن ينسج عملاً فنياً. فان دنشواي أقرب إلي وثيقة عمالة من كاتبها. مقابلاً لرأي عام وطني وعالمي. ساندته. وأيدت مواقفه شخصيات وهيئات إنجليزية مسئولة- برناردشو العظيم مثلاً!- واضطر الحكومة البريطانية لأن تنهي مهمة اللورد كرومر في القاهرة. كما تحولت الحادثة إلي رغبة في الثأر تنتظر فرصة التحقيق. وهو ما تحقق بالفعل في ثورة .1919
    وعلي الرغم من ان الحادثة كانت- في واقعها- "صناعة إنجليزية". فان الكاتب يؤكد أن فلاحي دنشواي كانوا السبب فيما حدث. وأنهم قد دبروا الاعتداء علي الضباط البريطانيين. بتحريض من مصطفي. ذلك الذي جعله تجسيداً للشر ومازالوا في جهلهم يعمهون. وخيل لهم أنهم وزراء حول ملك يشير عليهم بالقتال. ويتابعونه علي إتمام أغراضه. وفاتهم أنهم بمناشبتهم العداوة. يغرفون في بحار الضلالة.
    كانت مذبحة دنشواي نقطة تحول في تاريخ العلاقات المصرية البريطانية. بل ان ذلك اليوم المأساوي في دنشواي مهد الطريق لقيام الفلاحين بدور مهم ومؤثر في بدايات ثورة .1919

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حوار مع الروائي محمد العشري
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-27-2011, 07:42 AM
  2. خمس قصص قصيرة جدا، للقاص الكبير محمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-31-2009, 04:41 AM
  3. أغنيات / نصوص سردية قصيرة / للروائي محمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 72
    آخر مشاركة: 03-03-2009, 09:00 AM
  4. من أروع ما كتب محمد جبريل .. هذه القصة القصيرة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-24-2008, 12:12 PM
  5. الروائي/ طاهر أحمد الزهراني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-18-2008, 02:11 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •