العزيزة ملدا .. حياك الله
جوابا على سؤالك حول الصحافة ادخل في صلب الإجابة مباشرة من دون مقدمات فأقول ان مهمة الصحافة تبقى مهمة أزلية وخالدة وهي البحث عن الحقيقة والكشف عنها واطلاع الرأي العام عليها ، ويتسم العمل الصحفي بالمصداقية والإخلاص والمسؤولية والتفاني والمجازفة والمعاناة وأحيانا التعرض لخطر الموت أو الاعتقال إلى غير ذلك .. هذا بأبسط الكلام عن الصحافة والصحفيين ..
بمعنى أن الصحافة ذات رسالة إنسانية ثقافية فكرية توجيهية وتربوية ، وهناك الوجه الآخر من العمل الصحفي ذي الأغراض الخاصة والموجه على الضد من الاتجاه الإنساني الخيّر ..وهو أيضا له قواعده وعناصره وأساليبه وتوجهاته ..
والصحافة نوعان رئيسيان صحافة ورقية وأخرى الكترونية ..كما هناك أنواع أخرى من حيث التوجه والارتباط فهناك الصحافة المستقلة والمحايدة أو المنتمية أو المنحازة أو المأجورة ..
كما هناك صحافة حرب وتوثيق وسير إلى آخره من أنواع الصحافة وكلها تعمل وفق نفس المبدأ ولا تخرج عنه إلا في الجوانب الفنية والمضمون وأساليب التعبير عنها ..
وفي ضوء الأحداث والتطورات الحالية السائدة في العالم ومنها منطقتنا العربية نلاحظ وجود تفاوت في مستوى الأداء الصحفي المهني والفني والتوجه والغرض وهذا يرتبط بالنوايا والمهمات والأهداف ..
الذي أريد قوله هو أن الخلل أو المصداقية أو الإخلاص أو الكفاءة المهنية لا يرتبط بالصحافة كعلم ومهنة بل بالأشخاص أي بالصحفيين ذاتهم ..من هنا يمكن قياس العمل الصحفي ومصداقيته أو استغلاله أو تشويهه بمدى حرص الكادر الصحفي على أداء مهامه وشعوره بالمسؤولية ..
في أيامنا هذه نجد تفاوتا في المصداقية والإخلاص مع وجود المعاناة التي تطبع مهنة الصحافة بشكل كبير تبعا لتعقيدات منطقة الحدث وخطورتها وتشابك المصالح وتداخل الخنادق .. لكن الذي يمكن الإشارة إليه هو سعة حجم التغطية الصحفية والجهود الكبيرة التي تبذل للحصول على المادة الإعلامية وإيصالها في الوقت المناسب للقارئ والمشاهد والمستمع ، فهذا شيء لا يمكن نكرانه وهو ملموس كما هو حاصل عندنا في العراق وفي غزة والمناطق الســـــاخنة من العالم ..
خلاصة القول تقييمي لعمل الصحافة الالكترونية مرض بنسبة لا باس بها وكذلك الحال مع الصحافة الورقية ، ولكن بنسبة اقل ، كون الصحافة الالكترونية أكبر تأثيرا وأسرع في الوصول إلى المشاهد أو القارئ أو المستمع وهي تمتد على مساحة واسعة جدا ، رغم التلاعب بالمادة الصحفية من قبل الإعلاميين والصحفيين والتصرف بالمادة تبعها لمزاج أو توجه أو هدف الإعلامي أو الصحفي والجهة التي يمثلها ..
القاعدة الذهبية والأساسية للمصداقية والإخلاص هو أن يحس الصحفي بأنه مسئول ذاتيا عن عمله ومهنته وان لا رقيب بعد الله إلا الضمير ، فمتى ما أحس هذا الإحساس وطبقه مع تمتعه بالكفاءة المهنية والرغبة وتوفر الوسائل الفنية والمادية الأساسية والمساعدة عندها نصل إلى النجاح والمصداقية والإخلاص وصولا إلى الحقيقة التي ننشدها جميعا مهما كلف الأمر من جهد وتضحيات من اجل هدف سام كبير نحس جميعا بالحاجة إليه في الوقت المناسب كي نكون على علم واطلاع أولا بأول على مجريات الأحداث وتفاصيلها وربما يترتب على هذه السرعة إجراءات محددة إضافية ومتابعات تهم أناسا أو فئات أو جماعات تهمها السرعة والحقيقة في معرفة ما يدور في ساحة الحدث الساخن هي بأمس الحاجة إليه في الوقت المناسب كي يساعدها هذا في اتخاذ خطوة أو قرار أو إجراء يتعدى في حالات معينة عمل الصحافة إلى جوانب ميدانية أخرى ..
إما إذا وجدنا هناك من فقد هذه العناصر كلا أو جزءا فهذا لا يجعلنا نصاب بالإحباط لان مثل هؤلاء نتوقع وجودهم في كل زمان ومكان وهم قلة لا يقاس الوضع عليها والبركة في النخب الممتازة والغيورة والمخلصة والجادة ..
أما عن سؤالك الثاني عزيزتي ملدا والخاص باللغة العبرية فأقول :
نعم نحن بأمس الحاجة إلى تعميم ونشر اللغة العبرية بين أوساط الجيل الجديد من شبابنا ومفكرينا وباحثينا وحتى بعض مسئولينا ، كون هذه اللغة لغة عدو تاريخي يمتلك من القدرات الفكرية والثقافية والعلمية الشيء الكثير فمعرفتها من مصادرها الأصلية وترجمتها يساعدنا على إدراك ما يدور في خلد هذا العدو وفكره ومعرفة نواياه وأسلوب إدارته لشؤونه العسكرية والمدنية وكل جوانب حياته دون تحريف أو تشويه قد يحصل نتيجة الترجمة الخاطئة ناهيك عن حصول تأخير في عملية الترجمة قد لا تكون في صالحنا خاصة في حالات الحرب والأحداث الساخنة والمهمة .. من هنا نجد إسرائيل تهتم كثيرا بتعليم أبنائها ومسئوليها اللغة العربية وتشجع عملية الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة العبرية كي تكون على اطلاع بكل ما يجري عند العرب ومعرفة أسلوب حياتهم وتفكيرهم ونواياهم ومعرفة نقاط القوة والضعف لديهم .. حتى أني وجدت إحصائية تشير إلى أن العرب لا يترجمون كل عام أكثر من خمسة كتب من العبرية إلى العربية بينما إسرائيل تزيد ترجمتها للمصادر العربية إلى العبرية عن 100 كتاب ، وهذا يدل على مدى اهتمامها بهذا الجانب الحيوي ، وأنها بهذه الطريقة تعرف كل شيء عن العرب ، في حين نجد قليل من الباحثين والكتاب العرب وخاصة المتخصصين منهم في الشؤون الإسرائيلية من يعرف اللغة العبرية أو يجيدها وان نسبة كبيرة من معلوماتنا عن إسرائيل مأخوذة مما يترجم عنها في المصادر المختلفة وهذا يشكل قصورا فكريا وثقافيا وحضاريا يجب تجاوزه .. من هنا تبرز أهمية تعلم اللغة العبرية على أوسع نطاق كي نكون على علم تفصيلي بطبيعة الفكر الصهيوني والسلوك الإسرائيلي في كافة مجالات الحياة ومنها المجال العسكري كون الصراع العربي الصهيوني صراع تاريخي ، حضاري ومصيري تكون فيه معرفة العدو معرفة دقيقة وتفصيلية أمرا حيويا بل واجبا دينيا ووطنيا وقوميا وحضاريا .. وفي هذا يقول رســولنا محمد صلى الله عليه وسلم ( من تعلم لغة قوم امن شرهم ) ..
أما عن مشاريعي في هذا المجال فأود أن أقول لك عزيزتي ملدا بأنه منذ وقت مبكر من حياتي اليت على نفسي للأسباب التي ذكرتها أن أتعلم هذه اللغة وان أتوسع في دراستي لها كثقافة عامة ودراسة علمية وبالفعل قمت خلال أكثر من 30 عاما بترجمة 55 كتابا عن اللغة العبرية في مختلف المجالات بالإضافة إلى تأليفي حوالي 15 كتابا عن إسرائيل تناولت الجوانب السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية والأمنية ليصبح عدد الكتب التي أصدرتها عن إسرائيل حوالي سبعين كتابا عدا الدراسات والبحوث التي نشرتها في مختلف الدوريات العربية والعراقية .. وكنت خلال تلك الفترة وما زلت بفضل الله انشر العديد من المقالات والبحوث والدراسات للتعريف بهذه اللغة ودورها وأهميتها في نشر الثقافة الصهيونية بالإضافة إلى نشر البحوث والدراسات والمقالات عن الأدب العبري بهدف وضع القاريء الكريم في الصورة الحقيقية لهذه اللغة وهذا الأدب وكيف عملت الصهيونية منذ وقت مبكر على نشأة وتطوير هذه اللغة وتوسيع مجالات تدريسها وتعميمها عبر مختلف الوسائل والمؤسسات كي تكون لغة حديثة متطورة صالحة للتعامل مع الحياة العصرية لمرحلة ما بعد تأسيس الكيان الإسرائيلي ، وكيف أنها استغلت الأدب العبري بكافة أغراضه الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية والفن والسينما من اجل الترويج للأفكار والرؤى الصهيونية وحث اليهود على الهجرة إلى فلسطين وتشويه حقائق التاريخ وإقناع الرأي العام العالمي بخططها ومشاريعها وقد حققت الشيء الكثير في هذا المجال ..
لهذا أيضا توسعت في فتح الدورات الخاصة بتعليم اللغة العبرية ولكافة المستويات ومراحل التعليم الرسمية والأهلية ..
وآخر كتاب انتظر صدوره عن الأدب العبري هو قيد الطبع حاليا في دمشق وحسب الكثير مكن الأدباء والمفكرين الذين اطلعوا على مسودته سيكون بعون الله الكتاب الوحيد من نوعه في الوطن العربي والعالم الذي تناول فلسفة الحرب عند اليهود وانعكاساتها في الأدب العبري وقد ضمتنه فصولا عن الأصول الدينية والتاريخية لفلسفة الحرب وتوصيف العلاقة بين الأدب والفلسفة والحرب وكيف يتم تربية الطفل اليهودي وتعليمه مبادئ العنف والحرب وكل هذا طبعا معززا بنصوص عبرية مأخوذة عن التوراة التي كنت قد ترجمتها قبل أكثر من عشرين عاما في العراق واستشهدت بنصوص من التلمود قمت بترجمتها عن الآرامية وفيها إشارات وأدلة واضحة عن تبرير العنف والقتل واستباحة دماء الشعوب على لسان حاخاماتهم وأحبارهم ومفكريهم .. بالإضافة إلى تناولي كيفية تعامل الأدب العبري مع موضوعة الحرب وما هي ابرز أركان أدب الحرب وكل هذا مقرونا بنصوص عبرية اخترها من نتاجات كبار الأدباء والكتاب الإسرائيليين وقمت بترجمتها وتحليلها كي تكون معززة لوجهة النظر البحثية العلمية التي اعتمدتها في مادة الكتاب ..
وهناك الكثير مما يقال عن هذا الجانب وغيره مما أخبرت به الأستاذة العزيزة ريمة سوف أتحدث عنها خلال زيارتي القادمة لدمشق في بداية شباط القادم إنشاء الله وإذا ما حصل أن التقيت بحضرتك فسوف نكمل المشوار بعون الله ..
ختاما تقبلي تحياتي وامتناني وآمل أن أكون قد ألقيت ضوءا على ما طرحتيه من أسئلة واعذريني من التقصير والتأخير بسبب ظروف العراق وظروف انشغالي في امتحانات الطلبة في الجامعة والإشراف على بعض رسائلهم البحثية والعلمية ..
مع تحياتي واعتزازي وأنا الممنون ..