مرحبا بك أخي فراس وسأبدأ بالإجابة اختصارا على سؤالك الخاص بتربية جيل جديد معافى وسط ضوضاء الأفكار والثقافات المتلاطمة في محيطنا العربي الإسلامي .. واعذرني لأني حاليا مشغول بامتحانات طلبة الجامعة ومناقشة اطاريحهم العلمية مما يجعلني محدود الوقت لكني سأعمل إنشاء الله على تخصيص وقت اكبر لهذه الحوارية الرائعة ونخرج بآراء وأفكار مفيدة على طريق التثقيف والتوعية في كل المجالات ..
فمن خلال تجاربنا الذاتية وحياتنا في مجتمعاتنا العربية يمكن القول أن المسالة التربوية إذا أردنا لها أن تعطي ثمارها ونحصن جيلنا للوقاية من تلك الثقافات الدخيلة والغريبة والمسممة للعقول والقيم والمبادئ فعلينا أن نبدأ من الطفولة .. ومن البيت والمدرسة .. ففي هذه المرحلة الحساسة جدا في حياة الطفل والذي يكون فيها مستعدا للتلقي .. يجب أن يتزود الطفل بالمعرفة والثقافة على قدر استيعابه وفهمه كمبادئ أولية تترسخ في الذهن وطبعا تكون مستمدة من قيمنا العربية والإسلامية .. وهذه الجرعة من التوعية إن صح التعبير سيعتمد عليها الكثير من ثقافة الطفل وتربيته مستقبلا عندما يشب ويكبر .. وهذا يمكن تشبيهه بالجرعة العلاجية الطبية التي تحصن الطفل من الأمراض عندما يكبر . . في هذه المرحلة أيضا يجب أن يخضع الطفل للتوجيه ومتابعة ما يقرا وما يجري تلقينه من مفاهيم وقيم تربوية وأسس سليمة واعية ترسخ في ذهنه .. وتشمل معلومات هذه المرحلة طيفا منوعا وأوليا من الثقافة والمعلومات والمفاهيم في مختلف المجالات الفكرية والتربوية والعلمية وعلى قدر استيعابه لها .. وهنا أركز على إبعاد الطفل في هذه المرحلة وزجه في أفكار وعلوم فلسفية معقدة لان عقله سيكون غير قادر على استيعابها في هذه السن المبكرة .. بعد هذه المرحلة ومع مرور الزمن وزيادة وعي الإنسان ووصوله مرحلة البلوغ والنضج الفكري تتوسع دائرة تلقيه وثقافته كما ونوعا لتكتمل عملية تحصينه فكريا وثقافيا .. طبعا كل ما اشرنا إليه يكون عن طريق الجهد الذاتي والتوجيهي الخارجي على حد سواء ..ومتى ما تولدت لدى هذا الإنسان الرغبة الحقيقية والجادة في حبه للمطالعة والتثقيف والتلقي لكل أنواع الثقافة والعلوم عن رضا وقناعة وخاصة ما يتعلق بموضوعات الثقافة الإيمانية والحضارة العربية الإسلامية والعلوم المعاصرة والثقافات المختلفة بكل اتجاهاتها ومساراتها يكون قد احدث تحولا في مسيرته الثقافية والفكرية والإيمانية لينفتح على ثقافات العالم وآدابه وفنونه وينهل منها الثر والمفيد ويتنبه للزبد منها وبالتأكيد سيكون واعيا وحريصا لهذه الجانب بعد بلوغه هذه المرحلة من النضوج والتلقي والاستيعاب كونه سيكون مسلحا بفكر عربي إسلامي وثقافة عربية إسلامية علمية معاصرة ومنوعة دون خشية من السقوط في كمائنها وبهرجتها وأساليب تضليلها وأطرها الجذابة لأغراض معروفة ..
والشيء الأخر هو أن ما سيكتسبه هذا الإنسان من معرفة وثقافة سيعينه على تشخيص الخلل والهموم والتخلف في المجتمع العربي ومتى ما شخص هذا الخلل سيكون قادرا على معالجته بما يمتلك من خزين فكري رصين ينطلق من اعتبارات وحدة الأمة وأصالتها فكرا وثقافة وحضارة وقدرتها على مواجهة عناصر تخلفها ومسبباته والعمل على خلق الكيان الفكري العربي السليم المؤطر بأسس إسلامية ، كيان فكري سليم موحد ومعاصر وشامل ومتكامل ينهل من منهل فكري وفلسفي سليم متناسب مع روح العصر .. كيان فكري أنساني يشع بنوره على العالم ولا يبقى محصورا في أطره الضيقة المنغلقة ..
وبالطبع عندما ننظر لمراحل تثقيف الفرد ونشأته كوحدة ثقافية عربية رمزية فإننا ننظر للجماعة بنفس النظرة والمنهج وبالتالي ننظر للأمة ككيان شامل متكامل ..