جلد الطبيبين بالسعودية.. جدل فقهي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صبحي مجاهد - جمال السيد
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي لا تزال ردود الأفعال في موضوع جلد الطبيبين المصريين بالسعودية تتوالى على مختلف الأصعدة، والتي تفجرت بعد الحكم الصادر من محكمة شرعية سعودية علي الطبيب المصري عبد الله شوقي بالسجن 20 عاما والجلد 1500 جلدة والطبيب رؤوف أمين العربي بالسجن 15 عاما والجلد 1500 جلدة، بواقع 70 جلدة كل عشرة أيام. كثيرون - من بينهم فقهاء وأساتذة بالأزهر - رأوا في الحكم قسوة مبالغا فيها، واعتبروه مخالفًا للحدود التي وضعها الإسلام للعقوبة التعذيرية في الجرائم التي لم يرد فيها نص صريح في القرآن، مطالبين القضاء بمراجعة الحكم الذي وصفوه بأنه فيه من القسوة والتعسف ما يسيء إلي الإسلام ذاته، حيث سيتم النظر الي العقوبة علي أنها تعذيب وهذا ما يخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
على العكس جاء موقف كثير من الفقهاء السعوديين الذين رأوا في الحكم أمرا عاديا لا يتنافى مع اجتهاد القاضي الذي كفله الإسلام كحق من حقوق عمله، مؤكدين على أن الجلد ليس خاصا بالحدود، وأن الجلد التعزيري، يمكن أن يصل إلى أكثر من 700 وألف جلدة، لكنها توزع حتى لا تصل إلى حد فقدان نفسه، وإلى هلاك جسده..
لا يزاد على عشر جلدات
الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر علق في تصريح لإسلام أون لاين متعجبا: "كيف يعاقب هؤلاء المتهمين بعقوبات تساوى 15 ضعف عقوبة حد الزنا الذي لا يزيد على 100 جلدة، وكيف يتصور أن يتحمل بشر هذا العدد من الجلد حتي ولو كان علي دفعات، كل عشر أيام 70 جلدة كما نشرت الصحف؟!!".

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
د. رأفت عثمان
وتابع:"الحكم هنا تعزيري، ولابد أن يكون أقل من أدني حد، وهناك آراء فقهية أنه 80 جلدة، وهناك آراء أخرى أنه 40 جلدة ولأن شريعة الإسلام تتسم بالرفق مادامت الجريمة أقل من الحد، فلا ينبغي أن يزيد الجلد عن عشر جلدات في التعزير، وذلك لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا يزاد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالي ". ودعا عثمان القضاء السعودي إلى مراجعة هذا الحكم القاسي جداً، والذي ليس له سابقة في التاريخ الإسلامي، وأن تتواكب العقوبة مع التهم الثابتة، وفي نفس الوقت يعطي للمتهم حقوقه في الدفاع بشكل كامل عن نفسه.
واختتم بقوله:" لهذا ندعو قضاة السعودية إلي الالتزام في أحكامهم بهذه الضوابط الشرعية، بدلا من هذا الحكم الذي لم يسبق أن صدر مثله أو حتى قريبا منه في المحاكم السعودية".
أما الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر فيعلق بنبرة حادة :" لم يسبق أن قرأت في كتب التراث أو في كتب المعاصرين حكما تعزيريا وصل إلي هذا الحد؛ لأن أعلي عقوبة يجب أن لا تصل إلي الحد الأدنى للعقوبات الحدية، وأدني حد هو شرب الخمر الذي يصل الي 40 جلدة مع أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يسن هذه العقوبة".
واستطرد :" نخشى أن يقع القاضي السعودي فيمن قال الرسول فيهم "من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين "

وتحدي إدريس قائلا: " أتحدى القضاة الذين زادوا العقوبة لهذه الدرجة أن يقدموا لنا دليلا شرعيا معتبرا استندوا إليه في هذه العقوبة المهلكة، من وجهة نظره ". وأكد أن هذا الحكم فيه من التعذيب الشديد الذي يرفضه لأي كائن حي حتي ولو كان من أسري الأعداء، فما بالنا بنفس مسلمة.
واختتم بقوله:" نحن نقول هذا لغيرتنا علي سمعة القضاء السعودي الذي يتم فيه تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وفي نفس الوقت حرصنا علي إحقاق الحق والمحافظة علي أرواح بريئة أن تزهق بسبب هذا الحكم الذي أعجز عن فهم مبرراته وأسانيده الشرعية".
ويتساءل د. السيد السيلي عميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الأمريكية المفتوحة:" أين فلسفة الحدود في الإسلام..؟" ويؤكد على أن فلسفة الحدود قائمة على ردع المفسدين ومنع الجرائم قبل وقوعها حتي تتم الحماية المسبقة للمجتمع من الأشرار علي اختلاف درجاتهم ".
ويؤكد السيلي أن السنة النبوية بينت أن الجلد كعقوبة تعزيرية يجب ألا تزيد عن عشر جلدات، ولهذا نتساءل:" أي حد من الحدود استند إليه القاضي السعودي؟!".
واختتم بقوله:" نحن هنا لا نشكك في نزاهته ولكننا نريد أن نسمعه حتى تتضح الرؤية لدينا، بدلا من حالة البلبلة الحالية بين المؤيدين لحكمه والمعارضين له.. خاصة أنه حكم غير مسبوق يحتاج إلي شرح وتفسير بدلا من أن تتخذ منه وسائل الإعلام الغربية وسيلة للتشهير بأحكام الشريعة الإسلامية التي تطبقها السعودية ".
حكم اجتهادي شرعي
على العكس من تلك الرؤية اعتبر الدكتور سعود الفنيسان - أستاذ التفسير وعميد كلية الشريعة بجامعة الإمام سابقاً - في تصريح لشبكة "إسلام أون لاين. نت" أن الحكم في قضية الطبيبين المصريين يتوافق مع الشريعة الإسلامية، خاصة وأنه قام على اجتهاد من قبل القضاء الشرعي المعروف بالتزامه بكافة أحكام الشرع ، والاجتهاد وفقا للنصوص الثابتة."
وأضاف أن الحكم إذا صدر من قضاء شرعي فهذا يلزم قبوله وتنفيذه، خاصة وأن المسألة في أساسها مسألة تحاكم إلى شرع الله، مصداقا لقوله تعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" فحكم القضاء هنا بعد الاجتهاد وفقا للنصوص هو حكم الله.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
د. الفنيسان
وقال الفنيسان :" نحن في المملكة نحكم بالكتاب والسنة، وقضية الجلد ثابتة في السنة وهو الأصل في العقوبات، أما السجن فهو أمر اجتهادي وملحق بالحكم الشرعي، والتحديد في العدد والمدة الخاصين بالجلد والسجن يرجع لرأي القاضي.." وفي رده وصول عدد الجلدات إلى 1000 جلدة وتجاوزها الحد المعروف للجلد التعزيري وهو 10 جلدات، أوضح الفنيسان أن الجلد التعزيري يمكن أن يصل حسب الاجتهاد إلى 700 و 1000 جلدة، لكن يراعى توزيعها على فترات حتى لا تؤدي إلى هلاك المعاقَب.
وبدا الفنيسان حازمًا وهو يقول: "يجب على الإعلام المصري والعالمي والإسلامي أن يحترم حكم القضاء الشرعي السعودي وألا يتدخل فيه، فالمساحة مساحة اجتهاد شرعي لا علاقة لها بالسياسة"
وكان الشيخ عبد الله العثيم، رئيس المحكمة الجزئية بمدينة جدة السعودية قد اعتبر في تصريح لإسلام أون لاين أن حكم السجن والجلد الصادر بحق الطبيبين المصريين مطابق لشرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ العثيم: "الحكم مثبت ومصدق من محكمة التمييز، وإذا ما أراد الطبيبان إعادة المحاكمة فعليهما تقديم طلب بذلك وسيلبى طلبهما.. فالقضاء السعودي نزيه وقائم على شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
بدوره دافع الشيخ سعيد بن صالح الزهراني، قاضي المحكمة الجزئية بجدة الذي أصدر الحكم، عن هذا الحكم واصفا إياه بــ"العادل".
وقال في تصريح لإسلام أون لاين هو الأول لوسائل الإعلام: إن "الحكم مخفف، وإن كان المذكوران يستحقان أكثر لفداحة الجرم، خاصة أن القضية تتصل بالأعراض، وبها نساء، والطبيبان تعمدا الإضرار بهن".
وردا على الاتهامات التي دارت حول طبيعة الحكم وعلاقته بجنسية المحكوم عليهما، شدد على أنه: "لو كان المتهمان في القضية سعوديين لحكمتُ بما هو أشد، خاصة لعامل الإخلاص للوطن، وكل دولة لها أحكامها التي تنطبق على كل من يسكن ديارها.. والأحكام في السعودية تصدر في ضوء شرع الله وما تنص عليه الأنظمة".
وقال متعجبا ممن يصفون الحكم بالقاسي وغير العادل: "ما المتوقع في حكم يصدر في قضية تتصل بأعراض نساء كان الطبيبان يعطيانهن المخدر على أنه علاج حتى إذا ما أدمنّ عليه سحباه منهن وأصبحا يساومانهن عليه من أجل الكسب والمال.
شأن سعودي
المحامي مبارك المطوع - الأمين العام للهيئة الإسلامية لحقوق الإنسان – يرى أن حكم القضاء السعودي بالجلد على الطبيبين مسألة خاصة بنوعية العقوبات المستخدمة في السعودية منذ زمن، ويجب احترام خصوصية هذا الأمر، مضيفًا أننا يجب أن ننظر إلى مسألة العدالة بدلا من المطالبة بتعديل نظام العقوبات في الدول، وإلا أصبحنا متدخلين في شأن من شئون الدولة غير مسموح لنا به..
ويوضح المطوع أن قضايا الأحكام الخاصة بالدول يجب ألا يُنظر إليها بفردية، وإنما يتم التعامل معها من منظور عام، فهذا نظام دولة كاملة لها استقلاليتها وخصوصيتها، وكذلك يجب ألا يكون النظر للحكم القضائي من منطلق مقارنة النظم بعضها البعض، مما يفتح الباب لتشويه النظام الآخر.
ويضيف أن الحكم القضائي لابد وأن يحترم حيث لا يمكن فرض نظام دولة على أخرى بسبب وجود رعايا لها في هذه الدولة؛ لأن هذه قواعد عامة وتنطبق على مصر ودول الخليج والعالم أجمع.
ويشير المطوع إلى أن الهيئة الإسلامية لحقوق الإنسان عندما يكون أمامها حكم قضائي يمس حقوق الإنسان لا تنظر إلى اختلاف جنسية المحكوم عليه عن الحاكم، وإنما تنظر إلى مدى توافر العدالة في الحكم، وضمان حقوق المتهم في الدفاع عن نفسه بكل السبل المشروعة، فإذا رأينا شيئا يمس العدالة نسلك الطرق القانونية بالطعن على الحكم، أو نلجأ لآخر طريقة وهي طلب العفو من السلطات ممثلة في الرئيس أو الحاكم.
ويؤكد المطوع أنه إذا ثبت جرم الطبيبين بلا شك، فليس هناك ما يدعو للعفو، وليس أمامنا إلا احترام أحكام القضاء، ونظام الدولة، ونحن كمنظمات حقوق إنسان لا نستطيع تجاوز هذا الأمر..
ويختتم بأن "حكم القضاء السعودي مع ثبوت الجريمة لا يعد مخالفا لحقوق الإنسان.. بل إنه واضح وصريح وجاء بعد تحريات وثبوت، لافتًا النظر إلى أن هناك العديد من دول العالم يتم التعذيب والجلد فيها داخل أقسام البوليس بلا تهمة ولا دليل ولا قانون.
ثغرات قانونية
بوجهة نظر مخالفة تمامًا لكلام د. مبارك المطوع تحدثت الدكتورة ملكة يوسف - الداعية الإسلامية والمستشارة الشرعية والقانونية للأحوال الشخصية – في تصريحاتها لـ "إسلام أون لاين. نت" مؤكدة أنها ستطعن على الحكم استناداً إلى أخطاء جسيمة في الإجراءات، فضلا عن مخالفته للشريعة، حيث تعدي التعذير بشكل لا يصدقه عقل..
د. ملكة التي تتولى الدفاع عن أحد المتهمين أوردت بعض النقاط التي تتمثل فيها الأخطاء الإجرائية وهي:
الاعتراض علي الاتهامات التي وجهت للمتهم بمقدمة الحكم حيث تم اتهامه بخيانة الأمانة المهنية والعمل علي تدمير الصحة العامة واستغلال مهنته كطبيب في نشر وترويج عقاقير طبية خاضعة للرقابة بحقنها لمرضاه علي مدي سنوات وترغيب هؤلاء بالخديعة والمكر حتي تمكن من إصابة عدد منهم لابتزاز الكثير من أموالهم وذلك مردود عليه أنه لا توجد أية أدلة إثبات علي ذلك.
المتهم مريض بالعديد من الأمراض منها بداية الفشل الكلوي الذي يمنع تنفيذ العقوبة البدنية وإلا تعرضت حياته للخطر المحقق وهذا مرفوض من الناحية الشرعية والإنسانية.
أن الحكم غير مسبوق في الاحكام التعذيرية في الشريعة الإسلامية حيث لم يرد فيه نص في القرآن أو السنة بل أنه أضعاف الحدود المحددة شرعاً.
يذكر أن وقائع القضية الي إصدار محكمة جدة الجزئية حكما علي الطبيب شوقي إبراهيم أخصائي الباطنة في مستشفي الأنصار في جدة بخمس تهم هي "جلب وشراء وسرقة امبولات من عقاقير طبية محظور استعمالها وتداولها بالإضافة الي اتهام بإقامة علاقة محرمة مع عدد من النساء اللائي كان يحقنهن وهتك عرضهن دون علمهن.
فيما تم توجيه أربع تهم للدكتور رءوف العربي أخصائي الجراحة وهي جلب وبيع وشراء عقاقير محظورة، وحقن زوجة كفيله الأمير بها بهدف التسبب في إدمانها بقصد الكسب غير المشروع، وذلك خلال فترة علاجه لها من الآلام المبرحة في العمود الفقري والفقرات القطنية في الظهر .
وقد توالت ردود الفعل على الحكم الصادر حيث وصف د. حمدي السيد نقيب الأطباء المصريين الحكم بأنه "أسوأ من الإعدام "، خاصة بعد أن غلظت محكمة الاستئناف الحكم.
ولفت إلى أن وزارة القوي العاملة المصرية اتخذت إجراءات لمنع سفر الأطباء المصريين إلي السعودية باستثناء المستشفيات العامة وفي ضوء ضوابط صارمة تحمي حقوق المصريين.
وفي نفس الوقت اجتمع مجلس حقوق الانسان المصري برئاسة د. بطرس غالي الذي أرسل خطاب شديد اللهجة إلي تركي السديري رئيس هيئة حقوق الانسان بالمملكة يطالبه بالتدخل لوقف تنفيذ الحكم في ضوء المواثيق الدولية التي تحرم العقوبات البدنية.
وفي بيان صادر عن السفارة السعودية تعليقا علي الثورة الإعلامية والحقوقية علي الحكم في مصر أكدت : "أن الحكم متوسط القسوة وما ينشر في الإعلام المصري غير دقيق حيث أن الحكم علي د. شوقي بالسجن 20 سنة والجلد 1470 جلدة، أما د. رؤف فإن الحكم عليه 15 سنة سجن والجلد 1050 جلدة ".

صحفي مصري
<A name=***2> صحفي مصري


************
اسلام اون لاين