وحتى اليوم لبهاء طاهر أربع مجموعات قصصية، وخمس روايات، وبعض الكتب في النقد والدراسات. أما أعماله القصصية فهي الأعمال التالية بحسب طبعاتها الأولى:
1- الخطوبة وقصص أخرى، 1972: وفيها ثماني قصص قصيرة هي: الخطوبة، الأب، الصوت والصمت، الكلمة، نهاية الحفل، بجوار أسماك ملونة، المظاهرة، المطر فجأة، كومبارس من زماننا.
2- بالأمس حلمت بك، 1984: وفيها خمس قصص هي: بالأمس حلمت بك، سندس، النافذة، فنجان قهوة. نصيحة من شاب عاقل.
3- أنا الملك جئت، 1985: وفيها أربع قصص هي: أنا الملك جئت، محاكمة الكاهن كاي نن، محاورة الجبل، في حديقة غير عادية.
4- ذهبت إلى شلال، 1998: وفيها سبع قصص هي: أسطورة حب، فرحة، الملاك الذي جاء، من حكايات عرمان الكبير، شتاء الخوف، ولكن، أطلال البحر.
أي أن مجموع القصص القصيرة التي نشرها أربع وعشرون قصة قصيرة في أربع مجموعات. ومن المناسب الإشارة إلى أن بعض ما ظهر تحت مسمى (القصة القصيرة) عند بهاء، أقرب لشكل الرواية القصيرة (النوفيلا) وخصوصاً قصص: بالأمس حلمت بك، أنا الملك جئت، محاورة الجبل.. وهذا الشكل الفني يحتاج دراسة خاصة يمكن أن تعتمد على أعمال بهاء طاهر، بما يسهم في بلورة شكل (النوفيلا) في الأدب العربي، واكتشاف خصوصيتها ومنقطها السردي الذي لا يقف عند حدّ الاختلاف في الحجم أو في عدد الصفحات، بل يتعداه إلى اختلافات جوهرية في الخطاب السردي وفي المبنى الحكائي بما يجعل منه نوعاً متميزاً عن القصة القصيرة والرواية وغيرهما من أنواع سردية.
في مجال الإبداع الروائي، ظهر لبهاء طاهر خمس روايات هي:
1- شرق النخيل، 1985.
2- قالت ضحى، 1985.
3- خالتي صفية والدير، 1991.
4- الحب في المنفى، 1995.
5- نقطة النور، 2001.
ومن ترجماته الأدبية، ترجمته لعمل يوجين أونيل المعنون بـ (فاصل غريب) الذي ظهر عام 1970 وترجمته رواية (ساحر الصحراء) لباولو كويلهو (1996). ومن دراساته: في مديح الرواية، أبناء رفاعة: الثقافة والحرية، 10 مسرحيات مصرية: عرض ونقد، البرامج الثقافية في الإذاعة.
وقد ترجمت بعض قصصه إلى لغات عالمية، أما روايته (خالتي صفية والدير) فكان لها نصيب واسع من الشهرة العالمية إذ ترجمت إلى معظم اللغات العالمية المعروفة.
* * *
هل من مفاتيح لهذا العالم الغني الذي شيّده بهاء طاهر على مدى عقود من الإبداع المتجدد المتألّق؟ يمكن أن نتوقف عند شخصية الراوي المشارك في القصّة التي تحمل عنوان (بالأمس حلمت بك)، ففي أحد حوارات الراوي ولقاءاته مع (آن ماري) (وهو اسم فتاة أجنبية يتعرف عليها بطل القصة بصورة قدرية أعقد من المصادفة) تقول له الفتاة: "قل لي أرجوك ماذا تريد؟
ماذا تريد؟
ما أريده مستحيل.
ما هو؟
أن يكون العالم غير ما هو، والناس غير ما هم، قلت لك ليس عندي أفكار، ولكن عندي أحلام مستحيلة".
لا نستطيع في ضوء التمييز بين الكاتب والراوي أن نقول بأن هذه الشخصية هي ذاتها شخصية بهاء طاهر، خصوصاً في عمل ينتمي للمتخيل السردي وليس للسيرة الذاتية، لكننا أيضاً نتوقف عند منطق هذا الراوي الذي يعمل في مدينة غريبة في أحد بلدان الشمال (أوروبا)، وتبدو تأملاته تأملات مبدع أكثر منه شخصية واقعية.
على لسان هذا الراوي يسرّب الكاتب بعض المفاتيح التي قد تساعدنا على فهم وظيفة الكاتب والكتابة، وربط الإبداع بالتغيير، أي أنه ليس مجرد معمار لغوي برّاق، لكنه فعل يهجس بالتغيير والتأثير بكل ما يملك من سبل، حلم المبدع، وحلم بهاء طاهر أن يكون العالم أفضل وأنبل.
كذلك يمكن أن ندخل عالم بهاء طاهر من خلال رحلة الدكتور فريد بطل قصة (أنا الملك جئت) وهي رحلة ممتدة بين العالم الأوروبي والقاهرة، ثم مغادرة العالم الصاخب إلى الصحراء، بما يذكّر برحلة الصحراء في الشعر العربي القديم الذي عرفه بهاء في صباه، رحلة أقرب إلى البحث عن المعنى وعن أسئلة كونية كبرى، وليست طلباً لماء أو كلأ، رحلة من الوجود وإلى الوجود بحثاً عن فهمه وإدراك جوهره. إنها رحلة القلق والتسآل، وهي بمجمولاتها المعرفية والوجودية تشير إلى رحلة الإبداع والمبدع، وإلى طبيعة أسئلته القلقة الحارة التي تظل تتردد وتغذي استمرار الكتابة.
لكنّ هذه اللمسات الوجودية والكونية لا تعني أن كتابة طاهر ذات مظهر تجريبي أو منحى فلسفي جاف، بل ترد هذه اللمسات في كتابة أقرب إلى الواقعية، وبشكل مجمل تتسم كتابات بهاء طاهر بمظهر واقعي غني ولافت، في شخصياتها وفي تعاملها مع التفاصيل الدقيقة، في اقترابها من أنفاس البشر، وفي بناء الحدث والاقتراب الحميم من منابع الحياة في اضطرابها وجريانها، كما تتضح الواقعية في أسلوب الحوار وفي وصف الأمكنة وخصوصاً في الأعمال القصصية الأولى وفي معظم الروايات، لكن هذا المظهر الواقعي الدقيق ليس إلا طبقة ظاهرية تشير إلى المظهر الاجتماعي كمصدر لمادة الكتابة، لكن ما يجعل لها امتداداً وغنى، يتمثل في العمق الإنساني، الذي يتمظهر إيحائياً ورمزياً في صور موازية وفي الأحلام والكوابيس وفي التداعيات الوجودية عند الشخصيات، في الحيرة التي تتجاوز الموقف الواقعي إلى أزمة الوجود وأسئلته الخالدة.
ولعل من أصعب ما في كتابة بهاء طاهر، هذه الطريقة في إحكام العلاقة بين الواقعي والرمزي والوجودي، بعيداً عند التجريد، فإذا كانت الكتابة التجريدية تقوم على حذف التفاصيل والتقليل من الأحداث والوقائع الصالح بروز الفكرة، فإن بهاء طاهر يقوم بالعمل المعاكس الأصعب: إنه ينهض بتسريد المجرّد أو يقوم بتحويل الأفكار ذاتها إلى سرد غني حيّ، يمكنك أن تقرأه مجرداً من وظيفته الفكرية إن كنت تطلب السرد لمجرد المتعة، لكنك حين تعيد النظر فيما مر بك من حوادث ووقائع وحوارات تعيد تأويل العمل وقراءته بفهمٍ جديد، يطل على رعب العالم وأهواله ومآزقه. هذه التوازنات الشقية بين المنحى الواقعي والرؤية الإنسانية الوجودية، تحيلنا إلى المعنى الغامر والغائر الذي يتوارى خلف الوقائع الظاهرية، كما تذكرنا هذه الطريقة إلى حدّ ما بمبدأ جبل الجلد العائم، الذي شرحه همنغواي، واهتم به غالب هلسا، بمعنى أن الكتابة تشبه جبل الجليد العائم، يظهر خمسه وتختفى أربعة أخماسه، النص المكتوب هو الخمس البادي للنظر، لكنه ينبغي أن يساعد القارئ على تخيل أو تصوّر الأقسام المغمورة، كتابة بهاء طاهر من هذا النوع الصعب، الذي يحيل إلى طبقات مغمورة يشارك القارئ في اكتشافها وفي رسم معالمها وأبعادها غير المرئية، حتى يغدو شريكاً في تأويل النص وفي اكتشاف رؤاه وجمالياته.
(يتبع)