(3)
*نوال تقرأ الحقول*
............................

(قصة من التغريبة اليمانية)

دارت الطرق المتعرجة نحو الشمس، ولم تُدرك الشمس ولا القمر .. هاهي «نوال» تقتربُ من الخامسة والأربعين .. ولم تحمل في أحشائها ثمرة! .. "يا لخسرانها في يقظتها وفي منامها!".
توشك فترة الخصوبة أن تمضي، وتترك خلفها الجفاف والعقم!
درست نوال حتى الثالثة في مدرسة المعلمين في قريتها، ثم تركت الدراسة لتتزوّج ابن خالتها، وهي في السادسة عشرة، وترحل معه إلى قريته البعيدة.
كان هذا من تسعٍ وعشرين سنة!
كانت متمردةً على الناس والحياة في أرضِ بيت الفقيه، فرفضتْ ابن عمها وتزوجتْك يا عبد الولي، وعاشتْ معك في الوصاب السافل بناحية ذمار، حيثُ الجبال المتراصة، يسكبُ عليها الغروبُ صفرة الشفق، والسحب المعتمة تتراكض في حيوية لافتة .. تعد بالأمطار!
لكنك تتركُها وهي الغريبة وحيدةً خلف البقرةِ والمحراث، تشق الخط المعتم .. تنتظر هطول الأمطار لتنبت البذور التي وضعتها بيديها المخضبتيْن! .. تتركُها وتعملُ حارساً لمبنى في صنعاء، وتعودُ كلَّ شهرٍ لتقضي معها ليلةً أو ليلتين!
تعدُّ «نوال» الأيامَ والليالي يوماً فيوماً.. وليلةً فليلةً ..
كيف لا؟ .. والحلم الأجمل .. لا يكتمل إلا مع بزوغ فجرك وعودتك البهية.
تحلمُ دائماً بالخضرة الوارفة ..
وهي تتأمل البذور الصغيرة النابتة، في قطعة أرضك الصغيرة التي ترعاها في غيابك .. وجدت زوجاً من حمام يناغي أحدهما الآخر، وعلى جنبات الأرض وجدت ابنيهما الصغيريْن يُمدان منقاريْهما ينتظران الطعام من أبويهما، اللذيْن يبتعدان وراء حقل الذرة .. في ثنية مجاورة، ويتقافزان والحب والغناء واضحان في هديلهما!
متى يجيء الغد؟!
متى تُشرق شمسُك في أرضي يا عبد الولي ولا تغيب؟!!
متى نتقافز مثل فرخي حمام؟!!

الرياض 31/5/2005م