منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 44

العرض المتطور

  1. #1
    صندوق البريد
    ... فما إن يبلغ صوتها المميز المألوف لديه سمعه، حتى ينبعث متأهبا من مكانه، وكأنه تنبه إلى ما لم ينتبه إليه من هم بالقرب منه، أو كأنه تلقى إشارة لا يفهم أحد ما تدل عليه سواه، ولا يفقه مدى تأثيرها في نفسه غيره...
    يقترب الصوت شيئا فشيئا، وقليلا قليلا يزداد قوة ووضوحا، وكلما دنا من سمعه واشتد، تسارعت خفقات قلبه، وانتابته حال لا يدعي انفراده بها، ولا يزعم أنها وقف عليه، إلا أنه لا يملك لها تفسيرا أو تأويلا ...
    ثم إن ذاك الصوت الزائر في كل يوم مرة واحدة، قد يقف مليا أمام باب البيت الذي يسكنه وقد لا يقف، وقد يصاحبه طرق على الباب، مرفوقا بكلمتين لا ثالثة لهما، يعلن بهما صاحبهما عن طبيعة عمله، وقد يمكث ذات الصوت وحيدا دون طرق باليد وإعلان باللسان ...
    ساعي البريد .. عبارة يجد لها في أذنيه نبرة مميزة، ويعثر لها في نبضات فؤاده المتسارعة المتسابقة على أصداء محببة إليه، فما إن تمتد يده لتلقي بأصابعها نظرة على ما جد في باطن الصندوق الخشبي من جديد، مما ينتظره ويترقبه، أو مما قد يفاجئه، حتى تلحق بها عيناه دون إبطاء، لعلها تفوز بخبر سعيد ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  2. #2
    خصام
    ... فإذا به فجأة يرفع كفه عاليا ثم يهوي بها على خده الأيسر، وما إن استعاد المصفوع توازنه حتى استجمع مبلغ قوته في قبضة يده اليمنى، ثم أرسلها ضاربة مزلزلة إلى وجه من لطمه، غير متردد أو مبطئ، فما إن وقف الملكوم على رجليه، بعد سقطته، حتى تماسكا معا بالأيدي، وتشابكا بالأرجل، فأطلق كل منهما العنان للسانه بما يؤذي الأسماع أذى شديدا، ويقع في الآذان وقوعا منكرا ثقيلا ...
    ما الذي جرى؟ ما الذي حدث؟ ما السبب في هذا الحريق الذي شب بينهما؟ ما هذا الحمق؟ ما هذا العبث؟ كيف سولت لهما نفساهما التردي في ما لا يليق بمن هم في سنهما؟..
    إمنعاهما من مواصلة هذا العراك البشع الشنيع الأهوج؟ أعيدوهما إلى رشدهما قبل أن يضيعا ويضيعانه، وإلى الأبد يفقدانه ...
    لم تجد مناشدات المناشدين في كثير أو قليل، ولم ينفع النصح الجميل، وكذلك لم يفد أمر الآمرين في بعثهما على تقديم الخير، ولم يفلح نهي الناهين في إجبارهما على تأخير الشر، إذ وضعا الصمم صخرة صماء في أذنيهما، وسكبا العمى عتمة في عينيهما، فدقوا بينهم من الكره والقسوة والعداوة ما غاص عميقا، وعز على من أرادوا لهما الصلح اقتلاعه من جذوره ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  3. #3
    أهل الدار
    ... ولم يتبادر إلى أذهانهم يوما هذا النأي الذي أكرهوا عليه غصبا، وقد عهدوا أنفسهم منذ عقلوها معززين مكرمين، في أرض غالية عليهم، توارثوها أبا عن جد، ولم تحدثهم أنفسهم يوما ولا حدثوها بالهجرة قسرا بعيدا عمن ألفوهم واستأنسوا بهم، من الصغار والكبار والأقران، وقد أمضوا بينهم أعوام الصبا والشباب ...
    جميعهم يذكرون جيدا تلك الوجوه الحاقدة، ولن ينسوا ما جرت الدماء في عروقهم سوء العذاب الذي أذابهم وشابت من آثاره رءوسهم، وسيحكون لمن سيشبون بينهم كل صغيرة وكبيرة تجرعوها من الذل والهوان، وفي ذاكراتهم سينحتون عميقا وشم ما صنعت بهم وبأرضهم تلك الأيادي الأثيمة اللئيمة، وستخفق قلوبهم على الدوام بيوم العودة المنشود، آمنين مطمئنين، إلى حيث رسا أصلهم العريق واستقرت جذورهم الثابتة ...
    سوى الأعداء منازلهم بالأرض ودكوها، إمعانا في الظلم وحرصا على الشماتة بهم، وعمدوا إلى كل أخضر فاقتلعوه، وفي كل يابس أشعلوا النار فأحرقوه، ثم ساقوهم ليلا مقيدين بالأصفاد سوق الأغنام، بل أدهى وأمر، فأدموا بسياطهم العفنة وعصيهم النثنة الأجساد الطاهرة، وآذوا ببذيء ألسنتهم النجسة الأنفس الزكية الراضية، وداسوا بأقدامهم القذرة رءوس الأطفال والشيوخ والنساء ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  4. #4
    المنصة
    ... ثم ما إن أيقظهم شروق شمس ذلك اليوم، حتى أقبل بعضهم على بعض مهنئا مباركا، ومن فورهم توجهوا مسرعين إلى المكان المعلوم، وقد جاءوا من كل صوب ركبانا وراجلين، وحلقوا بالحدث السعيد المرتقب قدر ما حلق بهم عاليا، واهتموا به قدر ما ذاع خبره في المدينة الصغيرة وملأ ارجاءها، واحتفلوا به مسبقا في مخيلتهم قدر ما بلغ صيته وشغل غيرهم من الناس ...
    كانت المنصة منصوبة بعناية فائقة، وكانت الكراسي الوثيرة المعدودة على رؤوس الأصابع عليها مصفوفة بذوق أنيق، وقد أعدت لكبار المدعوين من الضيوف وغير الضيوف، وظل الوافدون واقفين على أرض الساحة، تحت شمس حارقة تلهب رءوسهم، وتلسع بسياطها ما تبقى من أجسادهم، ومكثوا على تلك الحال يحصون الدقائق والساعات، ولا يتحدثون في ما بينهم سوى عن الحدث السعيد الذي سيحل قريبا معززا مكرما بينهم، وكانت ألسنتهم لا تنطق، فضلا عن هذا الحديث، غير أسماء كبار المدعوين الذين سيشرفون مدينتهم النائية بالحضور ...
    لم يسفر موعد استهلال الحفل عن شيء ذي بال، وتجاوزته الساعة والساعتين والساعات، وتطلع عمار الساحة إلى المنصة، عسى أن تظفر أعينهم ولو بضيف واحد، لكنهم لم يروا عليها سوى تلك الكراسي اليتيمة، ولم يبصروا غير ما اريد لها أن ترتدي من الزخارف والزينة، فعلت الوجوه علامات الإستفهام ومآثر الإستغراب، ولاحت من العيون نظرات الإستنكار والخيبة، فاندفعت من أكثر الأفواه ألفاظ اللعن والشتم بصوت جهير، وانبعث من بعضها صفير حاد يصم الآذان، بينما تجرع القليل ممن غصت بهم الساحة غصة قصة أصبحوا في عداد ضحاياها، ولم يكونوا من أبطالها، فتلاشى كل ما وعدوا به منذ شهر أو يزيد، وانفض الجمع سريعا، وبدت ساحة المدينة كئيبة، فلم يعد الحدث المنتظر من قبلهم إلا سرابا، بعد أن كان متخيلا في أذهانهم كالقصر المشيد ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  5. #5
    حمل كاذب
    ... فمنذ أشهر معدودات، وهو يحسب نفسه قادرة على أن تجود عليه ببعض ما اعتقد واهما أنها تمتلكه لوحدها، دون منازع لها فيه، حتى إنه حرص على الملازمة الوثيقة لما توهمه، وكره أن يعود إلى أرض اليقظة قبل أن يرى حلمه قد تحقق، ورغب عن أوبته إلى اليابسة بعد أن أسره الإبحار وأخذ بلبه ...
    انتظر وانتظر كثيرا ثم انتظر أن تضع النفس حملها، وطال به الشوق إلى احتضان ذاك المولود الجديد بخفق فؤاده، ورؤيته باسم الثغر، نشيط الحركة تارة، ونائما تارة على فراش مهده الأبيض ...
    لقد استبشر خيرا بمقدمه، وأعد له أجمل ترحيب يليق به، واصطفى له الأحسن من بين الأسماء، وقطع وعدا بينه وبين نفسه لئن رزق ذاك المولود، ليشركن جميع من يبادلونه صافي الود في فرحته الكبرى بمولده، لكن تعذر على النفس أن تستجيب له، إذ لم تعده بشيء من قبل، وعز عليها أن تراه منساقا بلهفة ذي الشوق الملتهب وراء سراب لن يدركه ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  6. #6
    أصافح
    حكيا ماتعا
    فى سردية محكمة
    وصور جميلة ونهج مفيد
    بعيدا عن الإسفاف والإغراء
    حكيا يلبس جلباب العفة والوقار.
    دمت مبدعا.
    ولك ودى.
    اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ ،صلاة
    ً كما هى فى عِلمِِك المكنون،عددَ ما كان وعددَمايكون،وعددَ
    ما سيكون،وعددَالحركات والسكون،وجازنى عنها أجرًا غيرَ
    ممنون
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
    عبدالوهاب موسى(بيرم المصرى)
    شاعر وناقد وكاتب وباحث

    http://i459.photobucket.com/albums/q...5/890cd7b8.gif

  7. #7
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سلام الله عليك أخي الكريم
    عبد الوهاب موسى
    ورحمته عز وجل وعلا وبركاته
    وبعد ...
    لك بدر الشكر الجزيل وثريا التقدير الجميل على إطلالة كلماتك المزهرة في رحاب هذا السهل القصصي الخصيب، ورب تلميح أفصح وأبلغ من ألف تصريح وتصريح ...
    حياك الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

المواضيع المتشابهه

  1. مجموعة قصصية /السر المفقود
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-16-2016, 06:37 PM
  2. لوليام سارويان و مجموعة قصصية مدهشة
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-24-2013, 03:43 AM
  3. صدور مجموعة قصصية مشتركة
    بواسطة علي جاسم في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2012, 06:39 AM
  4. مجموعة قصصية جديدة/الهالوك
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 05:18 PM
  5. تاريخ جرح مجموعة قصصية رائدة
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-29-2007, 09:02 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •