منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 44

العرض المتطور

  1. #1
    الإنتظار
    ... فما إن فرغوا من جمع الوثائق المطلوبة منهم، سيرا على القدم والرأس، حتى أتوا من فورهم لمقابلة المدير في مكتبه الخاص وكأنهم قد دعوا إلى حفل العرس، وبعضهم يمني بعضا بقضاء الحاجة وبنسيان تعب الأمس، فدخلوا المؤسسة وبأيديهم ما احتطبوه من إدارات عدة بمشقة النفس، وقد طردوا من أفئدتهم ما خلصوا إليه من الحسرة الشديدة وقمة اليأس، وظنوا أن عقولهم قد صفت وعادت إليهم أخيرا بريئة من السقم والبأس، وحسبوا أن أدمغتهم قد شفيت تماما من صداع الرأس ...
    قامت لاستقبالهم مرحبة بهم رئيسة ديوانه، فطلبت الإنتظار منهم في قاعة الضيوف إلى حين فراغه من بعض شؤونه، ثم إنها وعدتهم بإخباره عن طلبهم مقابلته في حينه، فما كان منهم إلا أن شكروا لها ما جادت به عليهم في أوانه، ولم تكن إلا بضع خطوات حتى وجدوا أنفسهم قد التزموا أماكنهم مرتقبين حلول وقت أذانه ...
    طال عليهم أمد الإنتظار، وملوا من قراءة ما ورد في الجرائد من قصاصات الأخبار، وما اشتملت عليه من المقالات الطوال والقصار، فنظر بعضهم إلى بعض مستائين مما يجري على مرأى ومسمع وفي وضح النهار، ثم إنهم ألقوا إلى الساعة المصلوبة على الجدران بالأبصار، فنفذ صبرهم وكادت أنفسهم الأمارة بالسوء أن تفقدهم السكينة والوقار ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  2. #2
    الشاهد

    ... ثم إنه لم ير يوما إلا عصي الدمع شيمته الصبر، ولم يسمع منه أحد أي شكوى مما ناله منه القهر، وحتى آثار الحزن الشديد لم يجد لها المبصر رسما قط على محياه، وكذلك لم يطلع على جرح الألم الذي حفر في نفسه عميقا أحد سواه، ولم يكشف لأحد كي الظلم الذي وشم فؤاده وأدماه ...
    كان صبيا سعيدا في زمن مضى يسعى بين والديه، وكانت أمه تشفق كثيرا عليه، وتضطرب عيناها بالدمع الشجي كلما نظرت إليه، أما أبوه فظل يواري خشيته من فراق ابنه في يوم قادم لا يستطيع له تحديدا، لكنه يشعر كل لحظة باقترابه ولا يراه بعيدا ...
    شب الصبي فصار يعد من أقرانه الفتيان، وسرعان ما حل اليوم المجهول ليشهد الفتى هلاك أمه وأبيه في ذات الآن، وليقرأ ببصره وسمعه فاتحة الأحزان، ثم ليعاين هدم البيت الذي قضى فيه صباه، ويحضر تحطيم الأشجار وردم البئر وكل الذي أبوه بناه، فلم يكن بصره ليخطئ ما أتى فجأة وغدرا على الأغراس والعشب الأخضر من دوس وقطع، وتهشيم وقلع، ولم يكن ليعمى عما زحف مدمرا على أرض أجداده من حفر وجرف وإغراق، وتسميم وقصف وإحراق، ثم إن أذنيه لم يكن ليطبق عليهما الصمم، وقد اجتاح سمعه الأنين والصراخ والألم، وعصف به هدير الجرافات في ليلة شبت فيها الظلم ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  3. #3
    على الرابط التالي
    ... وأخيرا وبعد جهد جهيد، وبعد مضي وقت أنفقه غير قصير، عثر على ما كان يبحث عنه، فاستبشر خيرا وقر عينا بما وجد، ثم إنه سارع إلى أخذ ورقة صغيرة وقلم، فخط حروفا قليلة، وحرص على الإحتفاظ بها في مكان آمن عصي على النسيان ...
    لم يكن ما اهتدى إليه بعد طول بحث وتنقيب بالأمر الهين، ولا من قبيل ما يزهد فيه، ولا حتى بالشأن الذي لا يحفل به، بل كان ما ظفر به عملة نادرة، وضالة ذات قيمة بالغة بالنسبة إليه، بل كان عزاء له في ما يعانيه من مكابدات، ويتقلب فيه من أحوال عسيرة في ظرفه الراهن ...
    أخذ يقرأ بشوق وحنين، ويتلقى بروية وتأمل ما أفضى به إليه ذلك الرابط، وهو لا يصدق ما تقع عليه عيناه من كلمات، وما ينبعث منها حيا في ذهنه ومخيلته، فإذا به يحس قشعريرة تسري ببطء في جسده، وخيل إليه ما ولى وانقضى من حياته يسعى بين يديه ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  4. #4
    إلى إشعار آخر
    ... فكم انتظروا ذلك اليوم بفارغ الصبر، وكم أمسوا وأصبحوا يعدون ما تبقى من الأيام والليالي بينهم وبين الموعد، الذي ضرب لهم منذ زمن، وعندما حل يوم الحسم ضيفا بينهم، توجعوا فرادى وجماعات إلى حيث دعوا لعقد الإجتماع بهم، فلم يتخلف منهم أحد، إذ حرصوا على حضور ساعة الفصل دون تردد أو إبطاء ...
    قدموا قصد المشاركة بهمة عالية، فكانت خطاهم حثيثة وهم في طريقهم إلى حيث المكان المعلوم، وشاهدة على صدق عزمهم الأكيد، فطمحوا إلى إنجاح اللقاء وبلوغ الغاية من عقده، وأجالوا في أذهانهم ما حلموا به كثيرا، وترقبوا حدوثه قبل أن يجتمعوا ...
    لم يتمكنوا من تحقيق مبتغاهم وتعذر عليهم تدارك الأمر وتجاوز المانع، إذ استقرت أعينهم على لوحة كتب عليها: تأجل عقد اللقاء إلى إشعار آخر ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  5. #5
    الغصة

    ... ثم إن ذكرى ذلك الحدث الأليم القديم، كلما انبعثت من جديد، وهي تسعى بآثارها الدامية في نفسه هدما وتمزيقا، إلا وجد لها في فؤاده نبضا حارقا، وفي سمعه أحس لها صوتا طارقا، وجرى على إثرها من عينيه دمعا حارا دافقا ...
    ففي يوم ولى من حياته ولن يعود، ظل في حال عصيبة لا يحسد عليها، إذ رأى ما تشيب له الولدان، وسمع ما لم يخطر له يوما، وما لم يكن لديه في الحسبان، فتبادر إلى ذهنه يومها أنه يقرأ جريمة شنيعة منكرة بلا عنوان ...
    بكى ساعة وقوع الحادث الدامي بكاء شديدا، ونزف قلبه ألما على ألم وقهرا مزيدا، فجمدت تفاصيل المشهد المرعب الدم في عروقه، قبل أن تنحت جراحا غائرة جامدة في ذهنه دون حراك، ولم تمهله سطوة ما يجري أمام عينيه أن يسأل نفسه: ما الذي دهاك؟ ولم يمكنه ما بطش بسمعه عنيفا، من صراخ الضحايا المكلومين، ونهش منكر الأصوات الجائرة الغاصبة، من استعادة توازنه المفقود في دوامة ذلك الدمار غير المعهود ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  6. #6
    وأخيرا
    ... ثم ما إن بنى الليل خيمته ومد أسبابها ودق أوتادها، حتى أحس بالحمى تهب على جسده هبوب الريح العاتية، وإذا بجبينه يتصبب عرقا، وبرئتيه تزداد ضيقا وتمزقا، وبأنفاسه تغوص في سواد العتمة غرقا، ثم إن النوم فر لشدة ما ألم به من عينيه فرقا ...
    جثم الصمت وقد أرخى سدوله على صدره، وخيل إليه أن الروح فارقته وأن جثمانه قد استقر في قبره، فلم يتأخر الهلع عن زيارته، إذ أرعد في سمعه وأبرق في بصره، ولم يمهله الظمأ قليلا، إذ أحكم قبضته على حلقه، وإلى الماء زاد حر الجو في شوقه ...
    ثم إنه لما رأى ما آلت إليه حاله في تلك الليلة العصيبة، وقد شد وثاقه ما ابتلي به من مصيبة، تذكر طيشه في أيام ظنها بعيدة منه بعد آثارها الرهيبة، وتذكر في أخرى بطشه وهي منه قريبة، فبدت له الدنيا لأول مرة واعظة في حلة عجيبة، وكأنها تهمس بالقرب من أذنيه بكلمات ليست عنه غريبة ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  7. #7
    باب الحوار
    ... ثم إنهم ضربوا لأنفسهم موعدا اتفقوا على أن لا يخلفوه، وأجمعوا أمرهم على أن يجود كل واحد منهم أثناء تحاورهم بما لديه من فكر ثاقب، ورأي سديد، ونظر بعين البصيرة ...
    فما إن ضمهم المجلس حتى شب بينهم الخصام سريعا كالحريق، وغاص في نفوسهم سم الغرور عميقا كسهم رشيق، ثم سرعان ما دبت بينهم الأهواء وتشابكت فضاع الطريق، وهبت عليهم ريح العداوة كجرح غائر عتيق، فصاروا جميعا في غياباته المعتمة كالغريق ...
    ضاقت جدران المكان بأصواتهم المتعالية وصمت بما لا تطيق، واشتعل شهيقهم وزفيرهم حمما جبت ما بين الأخ والشقيق، وثيابهم بأيديهم شقت ومزقت أشنع تمزيق، فلفظ كل منهم في وجه أخيه من فمه ما لا يليق، أما مائدة اجتماعهم المستديرة فهشمت ودقت ثم إنهم حولوها إلى دقيق ...
    فما كان منهم بعد ذلك سوى أن فتحوا جميع الأبواب، إلا بابا واحدا ظل على قيد الإغلاق إلى أجل خالد في نومه الثقيل، هيهات أن يفيق ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

المواضيع المتشابهه

  1. مجموعة قصصية /السر المفقود
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-16-2016, 06:37 PM
  2. لوليام سارويان و مجموعة قصصية مدهشة
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-24-2013, 03:43 AM
  3. صدور مجموعة قصصية مشتركة
    بواسطة علي جاسم في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2012, 06:39 AM
  4. مجموعة قصصية جديدة/الهالوك
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 05:18 PM
  5. تاريخ جرح مجموعة قصصية رائدة
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-29-2007, 09:02 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •