فنان الكاريكاتور جورج البهجوري
أكبر محنة لفن الكاريكاتور
استشهاد نـــاجي العلي.. وأنــا لســـــت مقاتـــــلاً مثلـــــه
في مرسمي ملايين الرسومات



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
بحت في مذكراتي بأسرار كثيرة

ما الفائدة من
الحوار والرسم لغتي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

أشعل حرباً في الوسط الثقافي المصري عندما ذكر في كتابه « الرسوم المنحوتة»، ان رواد فن الكاريكاتور لصوص ظرفاء وقال: كلنا لصوص ظرفاء في مرحلة البدايات على الاقل، وهو اول فنان رسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وانتقد انور السادات من خلال رسومه الكاريكاتورية... أما في باريس التي يقيم فيها منذ سنوات طويلة فقد وصفته الصحف هناك بأنه بيكاسو مصر، انه الفنان المصري جورج بهجوري زار دمشق مؤخراً من خلال استضافة صالة أتاسي لمعرض له وأجرت البعث معه الحوار الآتي :


< تنتمي لجيل الخمسينيات وعاصرت الحقبة الذهبية لفن الكاريكاتور من هنا أسألك كيف ترى واقع هذا الفن حالياً...؟
<< أراه اليوم فناً يحتضر لأنه لا يتمتع بالحركة الكاملة، وهناك رسومات كاريكاتورية كثيرة تظهر على صفحات الصحف والمجلات ليس لها علاقة بهذا الفن لذلك هناك الكثير من الاوضاع غير الصحيحة لابد من تصحيحها.
< كيف ترى وظيفة هذا الفن.. ومن هو رسام الكاريكاتور الناجح..؟
<< فن الكاريكاتور فن يعتمد على التحريض على قضايا كثيرة فيعمل على تعرية المجتمع وتسليط الضوء على عيوبه وأول ميزة لرسام الكاريكاتور الناجح هو ان يرسم بحرية وهذا غير متاح حالياً لأن الممنوعات كثيرة.
< كنت اول من رسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على غلاف مجلة روز اليوسف ورسمت ايضاً انور السادات ...اليوم من من الرؤساء يستفزك لرسمه كاريكاتورياً!؟ ولماذا يعتبر رسم رئيس ما كاريكاتورياً محظوراً في العديد من الدول العربية.
<< ارغب في رسم الرئيس الفرنسي ساركوزي لأن شكله مليء بعناصر الكاريكاتور، والفنانون الفرنسيون وجدوافيه ذلك ،لذلك هو يظهر يومياً- تقريباً- كاريكاتورياً في حين ان رسامي الكاريكاتور في الوطن العربي لا يتمتعون بهذه الحرية لأن الجميع يعتقدون خطأ ان الرسم الكاريكاتوري هو نوع من انواع التشويه...في شخص هذا الريئس أو ذاك.
< ماذا عنك هل ترسم بحرية كامله..؟ كيف تتعامل مع المحظورات العربية؟
<< استيطع القول: انني ارسم بحرية محدودة في مصر مثلاً فأنا مضطر لأن اتعامل مع الرقيب الذاتي الموجود في داخلي وأشير الى انني اتفق مع رئيس تحرير الصحيفة التي انشر فيها على ان أرسم كل فكرة، حتى ولو كانت لاذعة، تخطر على بالي وارسلها بالفاكس اليه ليختار ما يشاء اذاً انا حر في ان أرسم ما أريد، وهم احرار في نشر ما يريدون واعتقد ان هذا تفاهم ديمقراطي بيني وبينه الى حد كبير .
< هل تغريك الموضوعات السياسية.
<< نعم تغريني، ولي تجارب كثيرة في هذا المجال فقد عملت ضجة في مصر والعالم العربي، وكان اهمها رسمتي لشارون وهو في العناية المشددة يطلب تغيير دمه، وقد اثارت هذه الرسمة غضب الاسرائيليين مع الاشارة الى انني وبعض الرسامين من انحاء مختلفة من العالم نكوّن مجموعة برئاسة الرسام الفرنسي الشهير بلانتو نجوب العالم ونتصل بهيئة الامم المتحدة ونعرض رسومات من اجل السلام.
< ما هي خطوطك الحمراء التي تقف عندها في رسوماتك ؟
<< اعتقد ان الاحساس بالمسؤولية يحد من حرية الفنان، فالرقابة الذاتية هي التي تمنعه من الاقتراب من هذا الموضوع او ذاك.
< ألا تعتقد أنك تجد مبرراً لك عندما تقول هذا الكلام ؟
<< اعترف بأني فنان مسالم فأنا أبحث دوماً عن توليفة اوصل بها ما أريد بالطريقة السلمية، أنا لست مقاتلاً كناجي العلي لذلك ألامس بعض القضايا من بعيد فلا أريد ان اتورط اكثر من ذلك .
< ولكنك رسمت بعض رؤساء مصر ؟
<< نعم رسمت بعضهم بكل حرية ونشرت هذه الرسومات التي كانت بهدف المداعبة ليس اكثر .
< من اين تستمد موضوعات رسوماتك؟
<< استمدها بالدرجة الاولى من معاناتي الشخصية، ومن معاناة اسرتي ومن يحيط بي .
< في لوحاتك التشكيلية غالباً ما تظهر الوجوه محطمة ممزقة «الوجه مشوه» ألا تخشى من الانطباع الذي يمكن ان يولده ذلك في نفس المتلقي ...؟
<< كل ما ذكرته ليس مهماً لأن الفن التشكيلي ليس هدفه تبليغ رسالة معينة، فالرسالة الاولى هي في البحث التشكيلي الجديد فبيكاسو جعل العالم يُرى بعيونه هو، ووفق رؤية جديدة، لذلك حقق الادهاش ووصل الى الجميع وكان اشهر شخصية في عصره.
< ما مكانة العين، التي تطل في كل لوحاتك وأنت مهووس بنظر العين .
<< العين لها مكانة مميزة عندي ولكن لوحاتي ترى بعين واحدة قوية اما الاخرى فثانوية وهذا له علاقة بالبحث التشكيلي ولي فلسفة حوله، فأنا ارى ان العين هي نافذة الروح وعندما تتكرر تقلل من جمالية اللوحة لذلك نرى ان فنانين عصر النهضة كانوا يهتمون بالعين الاولى اما الثانية فغالباً ما تكون في الظل والعتمة...العين اراها مرادف للحياة الا ترمز لوفاة الانسان بغلق عينيه .
< كيف يتجلى الجمال في لوحاتك وهي تعتمد على الوجوه المشوهة في معظم الاحيان..؟
<< احرص على وجود الجمال في لوحاتي، ولكنني أراه في هذه الوجوه المشوهة لأن مفهوم الجمال بالنسبة لي مختلف عن المفهوم التقليدي له فأنا اتجاوز فيه الشكل الخارجي، فهو لا يعنيني لأنني لست مصوراً، وهنا اذكر ان صديقة لبيكاسو طلبت منه ان يرسمها فرسمها فقالت له ان ما رسمه لا يشبهها ابداً فأجابها ان الصورة ستشبهها فيما بعد عندما ترى الصورة كما يراها هو.
< لا يوجد تلخيص في رسوماتك بل هناك اهتمام واضح بالتفاصيل لماذا؟
<< أؤمن بأن التفاصيل مهمة جداً في رسوماتي، ولكنني مقتنع تماماً بأنني في حالات كثيرة لا يسعفني الوقت لسرد كل التفاصيل في رسوماتي، ولكن في حال توفر الوقت الكافي لأفعل ذلك فستجدينني ازخرف الرسمة بأدق التفاصيل، التي يمكن ان توضح ما أريد، ولأنني فنان تشكيلي بالأصل تريني اهتم بذلك.
< الرسم شكل ومضمون فإلى من تنحاز اكثر في رسوماتك الكاريكاتورية..؟
<< يجب ان يتكامل عنصر الشكل مع عنصر المضمون لتكون بين يدي لوحة جميلة، فالرسم عندما يكون ضعيفاً تضيع الفكرة وعندما تكون الفكرة غير واضحة تشوه الرسم، وهكذا واعترف انني في بداية حياتي الفنية كنت انشغل كثيراً بالشكل وأنحاز اليه بجدارة ربمكا لأنني كنت غارقاً في حب الفنون التشكيلية فكنت استغرق في الرسم وأنسى المضمون اما اليوم فالمضمون هو الاساس بالنسبة لي.
< هل يزعجك عدم فهم ما ترسمه او تفسيره بشكل مختلف عما قصدته..؟
<< نعم هذا يزعجني كثيراً وذلك يحدث لأنني اما فشلت في التعبير او ان المتلقي لا يجيد قراءة رسمتي .
< ما هي اسباب جهل المتلقي العربي بقراءة الرسوم او الصور؟.
<< سبب ذلك بالدرجة الاولى يعود لأمية العين المنتشرة في البلاد العربية فنحن امة تعودت الاصغاء ولم تتعود النظر بالعين اي اننا تعودنا على السمع اكثر من الرؤية.
< ظاهرة منتشرة كثيراً في مصر بالتحديد وهو الرسم الكاريكاتوري مع وجود تعليق طويل كيف تفسر ذلك..؟
يلجأ كثيرين من الزملاء لهذه الطريقة لأنها الطريقة الاسهل وغالباً ما يقرأ القارىء هذا التعليق ولا يرى الرسم. وأنت متى تلجأ الى التعليق على رسوماتك؟
<< بالعموم لست مع الحوار الطويل في الرسم الكاريكاتوري بعكس زملائي الرسامين، فما الفائدة من الحوار ولغتي الرسم والكتابة هي لغة اخرى أما الحالات التي الجأ فيها الى التعليق غالباً ما يكون التعليق في رسوماتي هو النقطة الاولى تليها الرسم او العكس.
< هل تكفي المهارة في الرسم في خلق رسام كاريكاتوري ناجح؟
<< بالتأكيد لا لأن الابداع والتميز في هذا المجال يحتاج لموهبة القدرة على السخرية، وان تكون شخصاً وساخراً بطبعك، وهذا لا يُعلّم بل يولد مع الانسان ...اتذكر جيداً وأنا مازلت طفلاً صغيراً كيف كنت أسخر من عائلتي البهجوري التي كان جميع افرادها يمتلكون انوفاً طويلة، ولأنني لم اكن استطيع ان اقول لهم: ان انوفهم طويلة كنت ارسمهم بأنوفهم الطويلة واجعل كل من يراها يضحك، وهذا ما جعل الجميع يطردني من مجلسه ويرمي برسوماتي...باختصار اقول: ان القدرة على السخرية تولد مع الانسان واذا لم تكن موجودة من الصعب خلقها في حين ان المهارة في الرسم تكتسب.
< متى يصل الفنان الى مرحلة تشير خطوطه التي يرسمها الى اسمه..؟
<< لا يصل الفنان الى هذه المرحلة الا بعد خبرة طويلة قائمة على موهبة حقيقية، وهناك اسماء كثيرة استطاعت ان تصل الى هذه المرحلة وخاصة في مجال الرسم الكاريكاتوري ولست مقاتلاً كناجي العلي .
< الى ماذا يحتاج الكاريكاتور العربي ..؟
<< يحتاج الى الفكرة اللاذعة بالدرجة الاولى.
< متى لا يستطيع فنان الكاريكاتور ايصال فكرته؟
<< عندما يكون هناك خطأ ما إما في الرسم او في الفكرة او عندما يكون الفنان ضعيفاً في الرسم وفي التعبير عن فكرته فأنا مثلاً تولد في ذهني يومياً عشرات الافكار احاول ان اترجمها الى خطوط بأسلوبي الخاص وأصعب شيء هو ايصال فكرتي بوضوح عبر الخط، واي خلل في الخط او في الفكرة يؤدي الى ضياع الرسالة.
< التقيت بناجي العلي في السبعينيات بمدينة دمشق حدثنا عن هذا اللقاء والعلاقة التي تربطك بهذا الفنان النبيل؟
<< في البداية دعيني اقول: ان ناجي العلي رسام اسطورة والرسامون في الغرب مندهشون بتلك الشخصية التي خلقها العلي والمتمثلة بشخصية حنظلة التي اصبحت رمزاً للرفض وللمقاومة وبواسطتها حارب اسرائيل والعملاء..ناجي العلي كان يطعن بريشته التي تحولت لسكين في صدر المغتصبين والخونة.
وأول لقاء به كان عندما دعيت الى دمشق من قبل الامانة العامة للصحفيين لاختيار افضل رسام، وكانت هي المرة الاولى التي ألتقي فيها بالفنانين السوريين، علي فرزات وعبد الهادي الشماع واذكر تماماً ان العلي تقدم للمسابقة التي تم الاعلان عنها بفكرة وليس برسم، حيث قدم حيلة ذكية ولكنها كانت ناقصة، حيث علق مرآة وكتب عليها مطلوب القبض على كل واحد، فالجميع مهدد إما بالاغتيال او بالقبض عليه ودهش الجميع من فكرته، ولكنه لم يفز بالمسابقة لأنه لم يقدم رسماً فتوزعت الجائزة الاولى على كل من علي فرزات وناجي العلي ونبيل السلمي.
< حديثك عن ناجي العلي وحنظلة يجعلني أسألك عن واقع الكاريكاتور السياسي كيف تراه؟
<< أاره بخير وهناك اسماء كثيرة في هذا المجال يرسلون يومياً رسائل متعددة ضد القمع والاضطهاد والرقابة.
< ولكنك ذكرت سابقاً ان الحرية مازالت تنقصنا في مجال فن الكاريكاتور والكاريكاتور السياسي هو أحوج ما يكون للحرية ليزدهر فكيف تفسر ما قلته ؟
<< ما ذكرته صحيح، ولكن أرى ان لدى الرسامين في مجال فن الكاريكاتور وسائلهم للتورية المستترة، بحيث ينفد من خلالها المعنى او المغزى المراد، ودائماً لديهم ما يقولونه عندما تضيق بهم السبل فرسوماتهم قد تقدم بمغزى وقد تفهم بمغزى آخر، وهذه مهارة لا أمتلكها لأنني أرسم كالطفل فما أريد قوله يظهر بتلقائية في خطوطي دون لبس او مقدرة على التورية.
< ما أكبر محنة تعرض لها فن الكاريكاتور برأيك..؟
<< اكبر محنة كانت برأيي رحيل ناجي العلي، هذا الفنان الذي جعل لفن الكاريكاتور طعماً آخر.
< قالوا عنك بأنك بيكاسوالمصري فماذا تربطك بهذا الفنان العظيم..؟
<< وصفتني الصحف الباريسية بأنني بيكاسو مصر مع الاشارة الى ان اطروحتي كانت عن بيكاسو صاحب الخط الساحر... اتجه معظم الفنانين العرب الى التجريد ونسوا الرسم، الذي هو اصعب شيء وأشير هنا الى ان التجريد اسهل بكثير، ومن اسلوبي مشابه لأسلوب بيكاسو، ولكنني لست مقلداً له وقد رسمت لوحات له عدة مرات ولكنني لم انقلها بل رسمتها بطريقتي .
< ولكن كيف نجحت في الافلات من تأثيره وأنت العاشق له..؟
<< ابوح بسري الآن لأقول انا ارسمه لاتمرد عليه وقريباً سأصدر كتاباً ضم لوحات له ولوحات لي في الموضوع نفسه، وسأبرهن بأن ما أرسمه انا فيه شيء جديد يتجاوزه .
< تقول في حوار لك على قناة الجزيرة« أشعر بأني اهم فنان تشكيلي في العالم العربي، ولا يتفوق علي رسام في مصر».
<< أنا متواضع لحد الغرور ومغرور لحد التواضع، وأنا اليوم في احسن ظروفي وحالاتي، واعتقد انني في قمة ابداعي لأنني على الاقل وصلت لسن السبعين ولم اسكت يوماً عن ممارسة لغتي بالرسم وأخفي في مرسمي بباريس اعمالاً تصل الى ملايين الرسوم موضوعة في كتب يصل عددها الى 600 كتاب هي شرح كامل لتاريخ حياتي هي مذكرات يومية لعمر طويل عندما اقلب فيها واتذكر ما مررت به ارى انني اتقنت لغة الرسم ووصلت لحالة متفوقة من البلاغة، واعتقد انه لا يوجد فنان في العالم ارّخ لحياته بهذه الغزارة من الانتاج والبحث عن طريق الخط الواحد.
< ولكن مع هذا كتبت مذكراتك فماذا قلت فيها، وهل كنت جريئاً في سرد الاحداث فيها؟ وما ابرز ما جاء فيها؟.
<< اعتقد ان اهم جزء فيها هو حديثي عن معاناتي في باريس، وليالي الفقر التي عشتها هناك فيها أسرار كثيرة بحت بها
< لماذا كتبتها؟
<< كما قلت الهدف هو البوح الذي اشعرني بالسعادة لذلك تضمنت اسراري مع النساء، وتطرقت فيها كذلك الى عدم تفهم زوجتي لعملي خاصة في البداية .
< هل انت نادم على الزواج؟
<< اختصر لأقول ان الفنان يجب ألّا يتزوج.


حوار : أمينة عباس
ت: وائل خليفة

جريدة البعث السوريه