قوله تعالى (ما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا مَن أَهلِ الكِتابِ) الآية. قال المفسرون: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه ولوددنا لو كان خيراً فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم.

قوله تعالى (ما نَنسَخ مِن آيةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنها) قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام يناقض بعضه بعضاً فأنزل الله (إِِذا بَدَّلنا آيَةً مَكانَ آَيَةً) الآية وأنزل أيضاً (ما نَنسَخ مِن آَيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِّنها) الآية.

قوله تعالى (أَم تُريدونَ أََن تَسئَلوا رَسُولَكُم) الآية. قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي كعب ورهط من قريش قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً ووسع لنا أرض مكة وفجر الأنهار خلالها تفجيراً نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قائل يقول: يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة ومن قائل يقول: وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي: ائتني بكتاب من السماء فيه من رب العالمين: إلى ابن أبي أمية اعلم أني قد أرسلت محمداً إلى الناس ومن قائل يقول: لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر: ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.
أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان المشركون واليهود من المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم أنزلت (وَدَّ كَثيرُ مَن أَهلِ الكِتابِ) إلى قوله (فَاِعفوا وَاِصفَحوا).

قوله (وَقالَتِ اليَهودُ لَيسَتِ النَصارى عَلى شيءٍ) نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت لهم النصارى: ما أنتم على شيء من الدين فكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَساجِدَ اللهِ) الآية نزلت في ططلوس الرومي وأصحابه من النصارى وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف. وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي. وقال قتادة: هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم. وقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في مشركي أهل مكة ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.
قوله (وَللهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ) اختلفوا في سبب نزولها فأخبرنا أبو منصور المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أبو محمد إسماعيل بن علي قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله العبدي قال: وجدت في كتاب أبي قال: حدثنا عبد الملك العرزمي قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ها هنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطاً وقال بعضنا: القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطوطاً فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما وقفنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى (وَللهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا علي قال: أخبرنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمشي قال: حدثنا وكيع. قال: حدثنا أشعث السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عن ربيعة عن أبيه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في ليلة مظلمة فلم يدر كيف القبلة فصلى كل رجل منا على حاله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (فَأَينَما تُوَلوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) ومذهب ابن عمر أن الآية نازلة في أخبرنا أبو القسم بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو البختري بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال: حدثنا أبو أسامة عن عبد الملك بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: أنزلت (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) أي صل حيث توجهت بك راحلتك في التطوع.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشي توفي فصل عليه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي فصلوا عليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فأنزل الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ الله) ومذهب ابن عباس أن هذه منسوخة بقوله تعالى (وَحَيثُما كُنتُم فَوَلُّوا وجوهَكُم شَطرَهُ) فهذا قول ابن عباس عند عطاء الخراساني. وقال: أول ما نسخ من القرآن شيئان القبلة قال الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.