-
باحث في علم الاجتماع
قضية الأمة المركزية لاقضية الشرق الأوسط (109)
الغرب والإسلام
قضية الأمة المركزية لا قضية (الشرق الأوسط) (109)
مصطفى إنشاصي
التضليل والتلاعب بالمصطلحات
لم يكتفِ الغرب اليهودي ـ الصليبي بسلخ فلسطين عن جسد الأمة والوطن وزرع اليهود فيها، ولكنه سعى أيضاً جهده إلى تقزيم القضية التي نشأت عن ذلك السلخ لفلسطين عن جسد الأمة والوطن وتجريدها من جميع أبعادها العالمية، من خلال شن معركة موازية لتضليل الأمة عن حقيقة قضيتها؛ تعرف بمعركة المصطلحات والمفاهيم، وقد كان من أشهر المصطلحات التي استخدمها الغرب في معركته تلك، مصطلح (الشرق الأوسط).
فقد جاء في موسوعة السياسة تحت هذا المصطلح: أنه "مصطلح غربي (استعماري) كثر استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية، وهو يشمل منطقة جغرافية تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والخليج العربي ومصر وتركيا وإيران وتتسع لتشمل أفغانستان وقبرص وليبيا أحيانا .. كما أن للمصطلح دلالة على مركزية أوروبا في العالم وهو (شرق أوسط) لموقعها الجغرافي .
أما مصطلح قضية (الشرق الأوسط)؛ فقد جاء تحت هذا المصطلح في موسوعة السياسة: أنه "ترجمة تعبير غربي يرتبط بتعبير آخر هو (أزمة الشرق الأوسط) يقصد من استخدامه تمويه حقيقة الصراع في المنطقة العربية من جهة، وإجمال عدة مسائل متشابكة في وسائل متشابكة في تعبير واحد من جهة أخرى، فاستخدام تعبير (الشرق الأوسط) يرمي إلى نفي الطابع العربي عن المنطقة، وكلمة قضية في هذا المجال تشير إلى:
أ) القضية الفلسطينية.
ب) الصراع العربي - الصهيوني.
ت) وجود (إسرائيل) والنتائج المترتبة على هذا الوجود والحروب التي سببتها.
ث) العامل الدولي.
ج) التسويات المطروحة.
وتستخدم هذا المصطلح وزارت الخارجية ووكالات الأنباء في الغرب .
كما يحاول أعداء الأمة والوطن الاستفادة من تعدد الأعراق التي تنتمي لها الشعوب التي يشملها مصطلح (الشرق الأوسط) جغرافياً، للفصل بين تلك الشعوب وقضية (الشرق الأوسط)، التي هي في الأصل قضيتهم المركزية.
يقول أبا إيبان: "من الحيوي أن نذكر أن (الشرق الأوسط) والعالم العربي ليس شيئين متساويين أو متطابقين. و(الشرق الأوسط) يسكنه حوالي 60 مليون عربي إذا أخذنا اللغة كأساس و75 مليوناً من غير العرب. وهناك (شرق أوسط) غير عربي يمتد من تركيا وإيران عبر (إسرائيل) إلى أثيوبيا، وإذا وسعنا المنطقة لتشمل أفغانستان وباكستان، فإن ذلك سوف يزيد من وضوح صفة اللا عرب الغالبة على المنطقة ... إن (الشرق الأوسط) لم يكن في الماضي ولا في الحاضر ولا يمكن أن يكون في المستقبل ملكاً خالصاً للعرب" .
ويقول أحد المختصين اليهود بالشؤون العربية: "(الشرق الأوسط) ليس سوى موزاييك شعوب وثقافات وأنظمة تحكم شعوباً ومجموعات غير راضية. إذا استطاعت (إسرائيل) الاتصال بهذه المجموعات كافة، المعادية للعروبة والإسلامية، فإنها ستتمكن من تفتيت العالم الإسلامي قطعاً" .
بناءً على ما تقدم فإن مصطلح (الشرق الأوسط) المقصود به الوطن الإسلامي، وقضية أو (أزمة الشرق الأوسط) المقصود بها فلسطين، وإن استخدام هذه المصطلحات له أهداف وأبعاد خطيرة على حاضر ومستقبل الأمة والوطن، فمصطلح (الشرق الأوسط) يهدف إلى تجريد الوطن من هويته وانتمائه العربي والإسلامي. ومصطلح قضية 0الشرق الأوسط) يهدف إلى تجريد قضية الأمة المركزية من هويتها وبعدها العربي والإسلامي، في محاولة لعزل الجماهير الفلسطينية عن عمقها العربي والإسلامي.
لذلك ما أحوجنا في هذا العصر الذي تفرق فيه الشعب العربي ذي الأصل العرقي الواحد إلى قبائل وشعوب، وتمزق وتشتت الوطن الواحد إلى أوطان وكيانات فسيفسائية، أُنشئت على أسس وتقسيمات ونعرات إقليمية؛ من صنع المستشرقين من علماء الآثار الغربيين من اليهود والنصارى، من الذين كانوا يضعون المخططات اليهودية ـ الصليبية لتمزيق الأمة والوطن كأحد أهم أهداف وغايات عمليات تنقيباتهم ودراساتهم عن آثار القبائل العربية التي عمرت وسكنت الوطن العربي؛ وشادت فيه حضارات متتالية ومتعاقبة كان ولا زال لها كثير من الفضائل على الحضارة الإنسانية والغربية منها خاصة.
إذن مصطلح (الشرق الأوسط) مصطلح دخيل وغريب عن تاريخ الأمة والوطن، ولا يعبر عن حقيقة الترابط والنسيج العقائدي والعرقي والاجتماعي والسياسي للمنطقة التي يطلق عليها ذلك المصطلح، وأيا كانت حدود المنطقة التي فرض عليها الغرب مصطلح (الشرق الأوسط)؛ فإن مصطلح (الشرق الأوسط) يقصد به وطننا الإسلامي، الذي يشكل فيه الجزء العربي المركز والثقل، ويبقى سكانه العرب هم مادة الإسلام وحملته الأوائل، وبهم يصلح حال الأمة أو يفسد. وبلادهم هي مخزون العالم الاستراتيجي، من الثروات المختلفة، وعلى رأسها البترول والغاز الطبيعي، وهي حلقة الوصل بين قارات العالم القديم، وذات الموقع الجغرافي والاستراتيجي المتقدم، الذي يسيطر على كل شرايين المواصلات العالمية البرية والجوية والبحرية في العالم، هذا الوطن الذي من أجل تفتيته إلى وحدات متعددة ومتنافرة، وفصل شقه الشرقي عن شقه الغربي، تم التحالف بين المشروع اليهودي الصهيوني والمشروع الغربي الصليبي بدايات القرن الماضي، والاتفاق بينهما على زرع كيان العدو الصهيوني في قلب الأمة والوطن، فلسطين.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى