مصطفى إنشاصي
مصطلح (الشرق الأوسط) سواء ضاقت مساحته الجغرافية أو اتسعت، فإنه يعني في المفاهيم الغربية الوطن الإسلامي، الذي يمثل مناطق النفوذ للدول الغربية المتنافسة للسيطرة عليه وعلى ثرواته، والمتفقة فيما بينها على أن عقيدة شعوبه المتنوعة الأعراق والأجناس تمثل العدو المركزي للغرب وأطماعه، والبديل الحضاري عن نموذجه الحضاري الذي يحاول فرضه على العالم تحت مسميات عدة، أبرزها: العولمة.
وكما كان الغرب يستخدم مصطلح "المسألة الشرقية" قبله للدلالة على أطماعه في ممتلكات الولايات الإسلامية العثمانية، فهو يستخدمه اليوم للمعنى نفسه في الوطن كله. فقد وجه أحد النواب في مجلس العموم البريطاني سؤالا للحكومة عن البلاد التي تدخل ضمن مصطلح "الشرق الأدنى"؛ فأجابه وكيل وزارة الخارجية آنذاك قائلا:
"إن تعبير (الشرق الأدنى) الذي لازم السلطنة العثمانية يعتبر الآن في بريطانيا العظمى مما فات أوانه في اللسان الرسمي، ويستعاض عنه الآن بتعبير (الشرق الأوسط). ومجموعة البلاد التي يشار إليها بهذا التعبير تشمل: مصر، العراق، سوريا، لبنان، (إسرائيل)، العربية السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، قطر، مسقط، محمية عدن واليمن. أي ما يعرف بالوطن العربي مع اقتطاع المغرب العربي الكبير منه، ومع إضافة (إسرائيل) بديلاً عن فلسطين) .
يمكن من المفهومات السابقة استخلاص بعض الملحوظات:
1- اعتبار العدو الصهيوني جزءاً أساسياً من المنطقة التي يسميها الغرب (الشرق الأوسط) في كل مفهوماته.
2- أن الوطن الإسلامي في مفهوماته المختلفة لما يسمى (الشرق الأوسط) يقطعونه مرة بفصل شمال أفريقيا المسلم منه، ومرة بضمه وفصل الشرق الإسلامي عنه، كما في مبادرة ديميكيليس.
3- أطلق مصطلح (الشرق الأوسط) بداية على بعض الدول العربية والإسلامية التي يمكن أن تشكل وحدة سياسية ذات تجانس ثقافي وحضاري، حتى بعد أن ضمت إليها أثيوبيا وقبرص، فالأولى ذات أغلبية مسلمة وعربية الأصول عرقياً، وإذا ما تم دعم الوجود الإسلامي المقهور فيها يمكن لها أن تأخذ مكانها الطبيعي كجزء من الأمة والوطن. والثانية، تاريخياً كانت جزء من الأراضي الإسلامية، وبها عدد كبير من المسلمين الأتراك يقارب النصف، ويمكن لها بحكم موقعها وتاريخها الانسجام إلى حد كبير مع بقية أجزاء الوطن.
أمّا وقد ضُم إليه العدو الصهيوني أخيراً – نظرياً – تمهيداً لضمه فعلياً. ودمجه في نسيج دول ما سيكون (الشرق أوسط الجديد)، أو (النظام الإقليمي الجديد) للمنطقة، فإن المنطقة لا يمكن لها أن تشكّل وحدة سياسية ذات تجانس تاريخي أو فكري أو ثقافي أو حضاري، ولا حتى عرقي، لأن العدو الصهيوني يتناقض تناقضاً جذرياً أيديولوجياً وحضارياً مع شعوب المنطقة، ويختلف عنها في أهدافه وغاياته جذرياً أيضاً، إضافة إلى أنه يقوم في قلب الأمة والوطن على حساب حقوق الجماهير الفلسطينية بعد أن اغتصب أرضهم وشردهم منها، ولا زال يصر على حرمانهم من أبسط حقوقهم.
4 ـ أياً كانت حدود (الشرق الأوسط) الجغرافية فإن الوطن العربي وخاصة مشرقه يشكّل قلب هذا (الشرق الأوسط) وشريانه النابض، والجسر الأرضي الذي يربط شرقه بغربه، وشماله بجنوبه.
ولأن المصطلح ليس له ما يسوغه في التاريخ، ولم نسمع بأي حركة أنها نادت بوحدة (الشرق الأوسط) يوماً في التاريخ العربي والإسلامي غير هذه الدعوة التي انطلقت بعد حرب الخليج الثانية في مؤتمر مدريد لما يسمى "السلام" عام 1991، وكان صاحبها الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأب)، وتلقفتها الأقلام المأجورة والمهزومة في وطننا، وبدأت الترويج لها، والتي تهدف إلى دمج كيان العدو الصهيوني عضواً فاعلاً ومركزياً في مجموع أقطار والوطن.
لذلك يفضل عدم استخدام هذا المصطلح في وسائل إعلامنا العربي والإسلامي، أو على ألسنة السياسيين والمثقفين وغيرهم، واستخدام مصطلح يعبر عن حقيقة هوية المنطقة، وما يجمع بين شعوبها من عناصر ومكونات دينية وحضارية، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي، والخطر اليهودي – الصليبي الذي يتهدد مكونات وجودها العقدية والحضارية.
لذلك سأستخدم مصطلح "الوطن" أو "الوطن العربي والإسلامي" للدلالة على ما يسمونه (الشرق الأوسط) لعله يكون بداية لتقويم المقلوب، والعودة إلى الذات وإدراك أبعاد ومخاطر الاستمرار في استخدام المصطلحات الغربية التي تنطوي على أبعاد خطيرة ضد الأمة والوطن دون الانتباه لمخاطرها.