مصطفى إنشاصي
تأخذ المصطلحات حيزاً كبيراً في صراع الأمة مع الآخر اليهودي - الغربي، وقد بات ما يُعرف باسم "معركة المفاهيم أو المصطلحات" يشكل جزءً مهماً من معركة الآخر معنا، الذي باتت أهدافه وغاياته في وطننا واضحة المعالم، كما أنه لم يعد يُخفي نواياه في استهداف أغلى وأثمن ما تملك الأمة، عقيدتها ودينها وقيمها ومكونات وجودها الأخرى. أضف إلى ذلك أن المتأثرين بالفكر الغربي أو المتبنين للنهج الغربي في جميع فروع الفكر والآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية من أبناء وطننا بعد مرور حوالي قرنين على بدء حركة الترجمة للإنتاج الفكري الغربي في وطننا، مازال السواد الأعظم منهم لم يعيد النظر في كثير من المصطلحات والمفاهيم التي تمت ترجمتها في مرحلة ما ترجمة خاطئة على الرغم من أنها أحدثت ومازالت تُحدث في الأوساط العلمية والأكاديمية والفكرية وعلى صعيد الأمة والفرد اختلاف واختلال في حقيقة تلك المفاهيم والتعاطي معها! ومن تلك المصطلحات مصطلح (الشرق الأوسط) ومصطلح (قضية الشرق الأوسط).


تعريف (الشرق الأوسط)
عرفت الموسوعة السياسية (الشرق الأوسط): أنه "مصطلح غربي (استعماري) كثر استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية وهو يشمل منطقة جغرافية تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والخليج العربي ومصر وتركيا وإيران، وتتوسع لتشمل أفغانستان وقبرص وليبيا أحياناً ... كما أن للمصطلح دلالة على مركزية أوروبا في العالم وهو (شرق أوسط) بالنسبة لموقعها الجغرافي".


فــ(الشرق الأوسط) ليس له امتداد تاريخي في تاريخنا العربي أو الإسلامي وليس من انتاجهما، ولكنه مصطلح مستورد دخيل على تاريخنا، له أبعاد ومضامين فكرية ذات أبعاد سياسية (استعمارية) ضد وطننا وأمتنا. وقد استخدم مصطلح (الشرق الأوسط) منذ ظهوره مع مشارف القرن العشرين في الدوائر الرسمية الغربية ووسائل الإعلام الغربي للدلالة على منطقة جغرافية بعينها من العالم، تسكنها شعوب يربط فيما بينها رباط الدين والعقيدة، مع اختلاف تعدد عناصرها القومية وهو في الأصل اصطلاح سياسي، أطلق على المنطقة العربية وما جاورها من بلدان مشرق الوطن الإسلامي. وقد حل محل أيضاً المصطلح الغربي (المسألة الشرقية)، الذي كانت تطلقه الدول (الاستعمارية) الغربية ووسائل إعلامها على ممتلكات الدولة العثمانية الأوروبية منها والإسلامية، وبعد حرب البلقان (1912 – 1913) واستقلال اليونان آخر الولايات العثماني الأوروبية ولم يتبقَ إلا الولايات العربية الإسلامية، شاع استخدام مصطلح (الشرق الأوسط) للدلالة على المخططات الغربية، تجنباً لاستخدام مصطلح الشرق الإسلامي، أو الوطن العربي والإسلامي، كيلا يستثير الروح الإسلامية في المنطقة ضد الغرب والعدو الصهيوني ومحاولات الهيمنة على وطننا، وحتى لا تقوى النزعة الداعية إلى إقامة الجامعة الإسلامية آنذاك. أو كما يرى القوميون العرب كان لتجنب استخدام مصطلح المنطقة العربية لمحاربة مفهوم القومية العربية ونزع صفة الوحدة عنها.


فالمصطلح ليس له ما يبرره في التاريخ، ولم نسمع بأي حركة في التاريخ العربي والإسلامي أنها نادت بوحدة (الشرق الأوسط) يوماً، كما أن المصطلح أصبح يستخدم أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها للفصل بين مناطق النفوذ والأطماع والعمليات العسكرية، بين دول الحلفاء، حيث كان الشرق الأقصى منطقة تحرك القوات الأمريكية ونفوذها واهتماماتها الاستراتيجية، و(الشرق الأوسط) منطقة تحركات القوات البريطانية والفرنسية ومناطق تحركهما ونفوذهما واهتماماتهما الاستراتيجية.


وأياً كانت حدود (الشرق الأوسط) الجغرافية في المفاهيم والمناظير الغربية التي تتفاوت بتفاوت مصالحا حسب كل مرحلة من مراحل صراعها مع أمتنا للهيمنة على ثروات وطننا، يبقى الجزء الرئيس منها ومركز ثقلها، هم العرب، الذين هم مادة الإسلام وحملته الأوائل، وبصلاحهم يصلح حال الأمة، وبلادهم بها مخزون العالم الاستراتيجي من الثروات المتنوعة، وعلى رأسها مصادر الطاقة من النفط والغاز الطبيعي، وهي مهد الحضارات الإنسانية ومهبط الوحي بالرسالات السماوية، ومعبر الجيوش والقوافل التجارية قديماً وحديثاً، في حلقة الوصل بين قارات العالم القديم.


وقد كان أول من استخدم مصطلح (الشرق الأوسط) هو (ألفرد تيير ماهان) الضابط والمؤرخ البحري الأمريكي عام 1902 وذلك لتحديد المنطقة الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند، عند مناقشته للاستراتيجية البحرية البريطانية في مواجهة التحرك الروسي في إيران، ومخطط ألمانيا في إنشاء خط للسكك الحديدية – وقتذاك – يربط بين برلين وبين بغداد "العثمانية" من ناحية أخرى، حيث شمل المصطلح تركيا وإيران وبلدان الخليج العربي.


وإن كانت أمريكا أول من ابتدع هذا المصطلح ليكون له دلالة سياسية وعسكرية، فإن بريطانيا كانت أول من روج هذا المصطلح إعلامياً، حيث كانت صحيفة التايمز البريطانية أول من نقل هذا التعبير الجغرافي الجديد، ثم استخدمته بعد ذلك حكومة بريطانيا رسمياً "عند قيام وينستون تشرشل في 1921، بعد الحرب العالمية الأولى، بإنشاء (إدارة الشرق الأوسط) في وزارة (المستعمرات) التي كان يتولاها كي تدير شئون فلسطين وشرق الأردن والعراق، والتي ما لبثت أن امتد اختصاصها إلى مصر).


وفي أثناء الحرب العالمية الثانية وسّع الحلفاء حدود (الشرق الأوسط) لتضم "مجموعة البلدان الواقعة في غرب الهند بآسيا ومنطقة شمال إفريقيا، بما أصبح في النهاية عنواناً على كل البلدان العربية وتركيا وإيران، ثم رقعة الدول المجاورة لها، التي كانت تتسع أو تضيق حسب الظروف. وإن انتهت بضم إثيوبيا (الحبشة) لها).

وقد ظلت هذه الحدود الجغرافية لـ(لشرق الأوسط) شبه ثابتة في السياسة الغربية والعالمية طوال فترة الحرب الباردة، والصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وإن ظل الغرب بعامة يسعى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بخاصة إلى تغيير نسيج المنطقة وتكوينها العرقي القائم منذ آلاف السنين، وذلك بغرس ودمج كيان العدو الصهيوني القائم بالسلب والاغتصاب في قلب الأمة والوطن ليصبح جزءاً أصيلاً من نسيج المنطقة.