مصطفى إنشاصي
وصلني صورة لفتاة تحمل لوحة مكتوب عليها: علمانية وأسفها (كلت، سلب، لباس داخلي معلق بمشبكي غسيل، وخلفها أعلى رأسها حبل غسيل عليه مثل ما على اللوحة)! وأسفل الصور: ناشطة سورية تطالب العلمانية وبطريقتها الخاصة! يبدو أنه مشهد من تلك المظاهرة التي خرجت في دمشق من بعض العلمانيين المجردين من قيمنا الاجتماعية والأخلاقية، يطالبون بدولة مدنية وحرية المرأة و...


تلك الصورة ذكرتني بالفتاة المصرية علياء المهدي التي نشرت عام 2011 لها على صفحتها صورية وهي عارية مجردة من ملابسها، وبعدها اختيرت لتمثل المرأة المصرية في مؤتمر في السويد بعدها هاجرت إلى السويد! وكما يعلم مَن تابع تلك الفترة تطورات المسمى بالربيع العربي أن العلمانيين في أكثر أقطار وطننا أعلنوا رفضهم لأي نظام حكم إسلامي!


في تلك الفترة في شهر شباط/فبراير بعد ثورتي– إن صح التعبير - تونس ومصر كنت كتبت مقالة مختصرة أجلت نشرها لأني كنت منشغل في نشر حلقات في موضوعات لها علاقة بالواقع الفلسطيني، وقد ونسيتها! وبعد الانتخابات المصرية في المرحلة الأولى وعودة الجدل في مصر حول الدولة المدنية، وإعلان الإخوان المسلمين قبولهم بالديمقراطية والزعم أن الدولة الإسلامية هي دولة مدنية، أصبح لا بد من الكتابة لأنه وإن كان في الدولة المدنية بعض مما في الدولة الإسلامية ذلك لا يعني أنهما متطابقتان، لاختلاف المرجعيات، فمرجعية الإسلام إلهية وإن تركت مساحة كبيرة يجتهد فيها المسلم في إدارة وتسيير أمور حياته في ضوء الغايات الكبرى للدين الإسلامي، أما الدولة المدنية فهي دولة علمانية مرجعيتها عقل الإنسان وما تعارف عليه الناس وقبوله سواء كان نافعاً أو ضاراً!
سأعيد نشر تلك الحلقات للفائدة في ضوء الجدل الذي عاد حول الموضوع بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية...


الإسلام ليس ما تفهمونه
كما أني لاحظت من خلال متابعاتي لما اصطلحت الإدارة الأمريكية على تسميته (الربيع العربي) الذي يرى فيه البعض أنه خريف بل شتاء عربي وليس ربيعاً عربياً؛ أنه قبل أن يهدأ هدير الشارع بدأ بعض أشقائنا في الوطن من أنصار الدولة المدنية ممَنْ سبق لهم أن حكمونا وطبقوا أفكارهم وأيديولوجياتهم السياسية في شن هجوم شديد على الإسلام كنظام حكم وهم لم يجربوا حكمه بعد، من خلال قراءتهم للإسلام من وجهة نظرهم التي لا علاقة لها بالفهم الصحيح للإسلام؛ ولست هنا في معرض نقد تلك التجارب السابقة لأشقائنا الذين استلوا أقلامهم كسيوف ماحقة ضد الإسلام كنظام حكم، ولا في مقام المدافع عن التجارب الإسلامية التي يرون أنها فاشلة إن كان فشلها عائد إلى ما ورثته من تراكمات الفشل الذي خلفته الأنظمة العلمانية التي سبقتها أو لا؟


أو لأن المعارضين لحكم الإسلام في الداخل والخارج لم يعطوا الإسلاميين الفرصة لممارسة تجربتهم في الحكم في ظروف طبيعية ثم يحكموا عليها، ويكونوا عونا لهم على القيام بواجبهم ويتعاونوا معهم بل تآمروا عليهم لإفشالهم وإجهاض تجربتهم في الحكم، ولا لأي أسباب أخرى! فنحن لسنا دعاة فرقة بل دعاة وحدة وإن اضطررنا لمناقشة بعضاً منها فمن أجل العبرة والدرس والتعلم وليس إثارة الخلاف أو التناقض الذي يجب أن يكون مع العدو الخارجي!


كما أنني كإسلامي لست مع أن يحكم الإسلاميين في هذه المرحلة لأني لا أرى في كثير منهم النزاهة والزهد في الكرسي والسلطة، ولا أرى أن الظروف مهيأة لنجاح النموذج الإسلامي في الحكم في هذه المرحلة بالذات، سواء الظروف الداخلية ومعارضة البعض للإسلام كنظام حكم من جهات حزبية وسياسية وفكرية موالية للغرب في أفكارها وبعضها مرتبط ارتباطاً مباشراً بالمخططات الغربية ضد الأمة والوطن، أو بسبب تراكم أخطاء أنظمة الحكم العلمانية التي أورثت الأمة كثير من النكبات والأزمات والفشل في جميع المجالات، وأنه من الخير للإسلام أن يعفيه الحريصين على السلطة والحكم باسمه من أي تجارب غالباً لن تكون تجربة نموذجية للحكم الإسلامي!


ومع احترامي لجميع الآراء الوطنية المخلصة التي همها الأمة والوطن ومصالحهما بعيداً عن المصالح الحزبية والشخصية إلا أني لاحظت أن الموقف العدائي للبعض من الإسلام مبني على عدم معرفة به، وأن معلوماتهم عنه أكثرها صدى وترديد لآراء المستشرقين والرؤية الغربية للإسلام وغير مستقاة من مصادر إسلامية صحيحة، وأنها نتاج خلطهم وإسقاطهم للتجربة الغربية مع الكنيسة التي حكمت باسم الدين على الإسلام، إضافة إلى مآخذهم على ممارسة الجماعات الإسلامية وكأن أخطائها حجة على الإسلام ولم يعتبروها اجتهادات بشرية في فهم الإسلام تحكمها الظروف الموضوعية أكثر من الظروف الذاتية التي قد تصيب وقد تخطئ، كما أن الجماعات الإسلامية لا تعمل في ظروف طبيعية سواء في موقف النظام والأحزاب منها أو الضغوط الخارجية عليها!


لو انتقدوا الجماعات والأحزاب الإسلامية يبقَ الأمر مقبولاً أما يزعموا أن الإسلام لا يصلح للعصر فهذا دليل على موقف مسبق من الذين يخشون حكم الإسلام وإقامة العدل الاجتماعي بين الناس على أسس إسلامية! ولا أعلم أين هي الحقوق المدنية والديمقراطية التي ينادون بها وهم يرفضون خيار الجماهير ونتائج صناديق الاقتراع التي تعلن الجماهير من خلالها بأنها لا تخشى الإسلام ولا الإسلاميين؟! ولا أعلم عن أي حقوق مواطنة يتحدث دعاة الحقوق المدنية الذين يبدو أنهم معجبون بنموذج علياء المهدي وشريكها الساقط، فهذه هي باكورة نسائم الحرية والحقوق الفردية والمدنية التي يبشروننا بها!


عن أي مواطنة وحقوق مواطنة وحريات فردية يتحدث أولئك الذين مازالوا يفكرون ويتعاملون مع الجماهير بعقلية ثنائية النخبة والرعاع، عقلية النخب التي تتعامل مع المجتمع باستعلاء وترى أن الجماهير لا تعرف ما يصلح لها وما لا يصلح، وأن من حقهم وحدهم اختيار نظام الحكم الذي يصلح لحكم الجماهير؟!


إن موقفهم سواء من الإسلام كدين وزعمهم بعدم صلاحيته أو موقفهم من الأحزاب والجماعات الإسلامية وعدم قدرتها، من وجهة نظرهم، على مواكبة العصر بحجة خوفهم من مصادرتها حقوق الأقليات والتضييق على الحريات العامة، وعدم احترام نتائج صناديق الاقتراع وخيار الجماهير الإسلامي...إلخ، ذلك ليس فقط يتناقض مع دعواهم عن الدولة المدنية وحقوق المواطنة والحريات العامة بل فيه إثارة للفرقة والفتنة والصراع وتمزيق المجتمع، وذلك أحد أهم أصول النظام الديمقراطي في جذوره التاريخية الإغريقية العميقة التي كانت تقسم المجتمع إلى طبقات والمواطنين إلى درجات والملوك فيها من سلالة الآلهة وأنصاف آلهة!


فنحن مازلنا نعيش عصر الهزائم النفسية والفكرية التي أورثتنا الهزائم العسكرية والسياسية وتسببت في تخلفنا وتبعيتنا للغرب من خلال تبني مناهجه وأساليبه في الحكم والسياسة والحياة، يفضلون النظام الديمقراطية على نظام الشورى الإسلامي، فقط لأنه مستورد وليس أصيل في بيئتنا الدينية والتاريخية والتراثية!
...يُتبع