مصطفى إنشاصي
أرجو التماس العذر المفترض هناك هواش كثيرة كان يجب وضعها أسفل المقالة وهي معلومات تاريخية مهمة ومفيدة لكني أنشر المقالات عبر الهاتف المحمول وخبرتي فيه لا تساعدني على معرفة كيفية إضافتها وهي غير ظاهرة في الهوامش، فأرجو أن يغنى المتن عنها...
نحن نكتب هنا التاريخ الذي كتبه لنا الغرب بعد أن زور تاريخ العالم واستبعد منه تاريخ أوروبا العربي، ومثله زيف تاريخ وطننا الحالي وحوله إلى تاريخ قبائل وعشائر ودول وممالك قطرية أو امبراطوريات توسعية احتلالية ولم يكتبه تاريخ أمة وإن كانت لم يجمعها كيان سياسي واحد إلا أنها كما جمعتها الجغرافية موطن عام جمعتها العقيدة والثقافة واللغة و...
فبلاد الهلال الخصيب "العراق وبلاد الشام" جزء من الجزيرة العربية، التي كما شكلت منذ فجر التاريخ وحدة جغرافية واحدة، فإنها شكلت أيضاً وحدة عرقية وثقافية وروحية واحدة، "فهذه المنطقة تعتبر (الملتقى الأعظم للشعوب والثقافات) كانت أيلة وأوغاريت تتكلمان لغة (سامية)(*) الأولى من منتصف الألف الثالثة، والثانية في منتصف الألف الثانية. وكلتاهما كانت تنهل من نفس المعين اللغوي العربي (المعروف بالسامي) وهما تتقاسمان ذلك مع الآكديين (في النصف الثاني من الألف الثالثة) ومع البابليين والآشوريين (ابتداءً من أول الألف الثانية) ومع الكنعانيين على الساحل وفي الداخل، ومع الآراميين (منذ منتصف الألف الثانية) وكل هؤلاء يستخدمون الكتابة المسمارية للسومريين" .
وتحدثنا كتب التاريخ والمكتشفات الأثرية الحديثة أن صحراء العرب كانت هي المعين البشري لمنطقة الهلال الخصيب وغيرها، وأن حركة القبائل الكبرى في الانتقال من الجزيرة العربية إلى امتداداتها لم تنقطع عبر التاريخ.. وكانت حركة الانتقال هذه تتم "إما لأسباب سياسية أو اجتماعية، من الغزو الخارجي أو الصراعات الداخلية من أجل الأرض الخصبة وموارد الرزق، وإما لظروف طبيعية غير عادية، من: حلول القحط والجدب وانتشار الأوبئة، وتغيرات الجو أو انهيارات السدد" .
وقد كانت تتم تلك الهجرات "في فترات زمنية مختلفة منذ فجر التاريخ وبأعداد متفاوتة، وكانت أحياناً تنتشر في مناطق واسعة وأحياناً في مناطق صغيرة حسب عدد أفرادها وغالباً ما كانت تغمر البلاد التي ترتحل إليها وتطبعها بطابعها العربي الأصيل ويندمج فيها سكان تلك المناطق ويكونوا وحدة واحدة ملاحمها عربية وتمتد إلى أصول سامية*. كما أن "وحدة الحضارة والإيمان في هذه المنطقة الشاسعة من الهلال الخصيب لا يمكن أن تقارن بوحدة إمبراطورية، كإمبراطورية الرومان المتحصنة داخل أسوارها وحدودها المتحصنة بجيوشها وحدها، والتي تعتبر على طريقة الإغريق أن كل من لا يتكلم لغتها لا يشارك في ثقافتها هو "بربري" لا إنسان وقد ولد ليكون عبداً، لم يكن هذا الانشقاق موجوداً في الهلال الخصيب، ولم تكن الحضارة الكبرى آنذاك متمتعة بقوة جيش فحسب، بل إن ثقافتها كانت كذلك تسمح بتحضير غزاتها وتمثيلهم .
وقد كانت أهم وأشهر القبائل العربية التي سكنت منطقة الهلال الخصيب: الآكديين وهم فرع من القبائل "الساميين"، وقد استطاعوا في منتصف الألف الثالث، وفي نهاية فجر الآسرات(**) إنشاء دولة كبرى. وفي بداية الألف الثالث سكن قسم ثانٍ من "الساميين" شمال العراق، وهم الذين تكون منهم الآشوريين. وفي منتصف الألف الثالث هاجر فرع ثالث يدعى الأموريين إلى الشام والمنطقة الوسطى من الفرات، كما هاجر فرع آخر من "الساميين" عرف بـ"الكنعانيين" فسكنوا الساحل السوري، كما هاجر الآراميون واستقرت قبائلهم في أعالي بلاد ما بين النهرين ومنطقة الفرات الأوسط وبلاد الشام وذلك في منتصف الألف الثاني ق.م، ومنهم قبيلة أقامت في جنوبي العراق كانت تعرف بالكلدانيين، ثم جاءت بعد ذلك بطون أخرى قريبة منهم أقاموا في فلسطين وشرقي الأردن، ومن القبائل "السامية" الأخرى التي نزحت إلى تلك المناطق الخصبة أخيراً، النبط، اللخميين والمناذرة في العراق والغساسنة في الشام .
لقد أصبحت منطقة الهلال الخصيب منذ فجر التاريخ بلاداً عربية أرضاً وشعباً وحكماً وحضارةً، حيث غمرتها وأقامت فيها منذ آلاف السنين القبائل العربية التي هاجرت إليها، وأسست فيها دولاً عظيمة، وشادت فيها حضارة ومدنية عرفت في التاريخ القديم والحديث أنها أصل الحضارات الإنسانية. وقد نقل عنها الإغريق والرومان واليونان وغيرهم. وأياً ما كانت الأسماء التي تطلق على تلك القبائل المهاجرة فإنهم لم يكونوا عروقاً أو عنصريات، بل هم موجات من الهجرة المتتابعة من شعب عربي واحد تمتد جذوره داخل شبه الجزيرة العربية، لذلك "لا نجد فروق عرقية أساسية بين الشعب "الكنعاني" الذي كان يسميه الإغريق الفينيقي وبين الأموريين أو الآكديين والبابليين والآراميين