المحور الثالث: الاحتواء والتجزئة وزرع (إسرائيل) في قلب الوطن الإسلامي (32)
سنقسم الحديث عن هذا المحور إلى قسمين، نتحدث في الأول: عن الاحتواء والتجزئة للوطن الإسلامي، والثاني: عن زرع "إسرائيل" في قلب هذا الوطن.


الاحتواء والتجزئة
قلنا كان من نتائج الحملة الفرنسية عام 1798، أنها أظهرت أهمية المنطقة الاستراتيجية والحيوية لحركة التجارة العالمية، وفتحت باب التنافس بين الدول الأوروبية للسيطرة على الممتلكات العثمانية في الشرق، ولقد اتفقت الدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر فيما بينها على إبقاء الدولة العثمانية في حال ضعف والعمل على إضعافها أكثر إلى أن يحين الوقت المناسب لاقتسام ممتلكاتها. لذلك حاربت كل محاولات الإصلاح الداخلي التي قامت بها الدولة العثمانية لتجديد شبابها وقوتها سواء كانت تلك الإصلاحات على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الإداري أو العسكري. وقد حدثت بعض التطورات ذات الأثر والخطر على الأطماع الأوروبية في أملاك الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر دفعت الدول الاستعمارية للتعجيل بإسقاط الخلافة واقتسام أملاكها، وسنعرض لأكثر تلك الأحداث أثراً:
1- حركة محمد علي باشا على الشام.
2- حركة الجامعة الإسلامية.
3- حركة القومية العربية والقومية الطورانية.
وقد اختلفت سياسة الدول الاستعمارية تجاه كل حدث من تلك الأحداث مابين الاحتواء إلى المواجهة إلى التشجيع:
فالأول: تم مواجهته بقوة وإيقافه بحزم، وتوجيهه بعيداً عن مقر الخلافة لوجهة تخدم مصلحة إحدى الدول الاستعمارية (بريطانيا) المستقبلية.
والثاني: تمت محاربته بكل قوة إلى أن قضت عليه.
الثالث: عملت على احتواءه في البداية بوعود كاذبة خادعة بإقامة مملكة عربية موحدة تحت إمرة خليفة عربي هو الشريف حسين بن علي على الأراضي العربية التي تقع ضمن ممتلكات الدولة العثمانية، لكنها غدرت به وحنثت بوعودها واقتسمت مملكته الموعودة فيما بينها بعد أن أدى دوره.


حركة محمد علي باشا نموذج للاستبداد والغدر والخيانة
حتى لا يفهم القارئ خطأ؛ من حديثنا عن خوف الغرب، كما سيأتي، من توسعات محمد علي ومحاولته إقامة دولة قومية قوية على النمط الغربي الحديث أننا ننظر إلى محمد علي على أنه بطل إسلامي تاريخي وأن تجربته التي يعتبرها الكثير من الكتاب رائدة الحداثة والمدنية في المشرق الإسلامي، سأوضح موقفي منه تحت عنوانان:


محمد علي نموذج للاستبداد والغدر والخيانة
صحيح أن محمد علي كان أول من حاول الأخذ بأسباب القوة وبناء الدولة وتحديثها إلا أن ذلك كان لتحقيق طموحاته الشخصية وليس مصلحة إسلامية أو عربية، كما أنه كان على حساب كثير من القيم الإسلامية والإنسانية، وكان بداية لحقبة جديدة من الممارسات السياسية والسلطوية لازلنا نعاني منها إلى الآن:
* من استباحة القتل والإبادة لخصومه ومنافسيه لتثبيت أركان حكمه "مذبحة القلعة ضد المماليك عام 1811".
* التخلص من القيادات والزعامات الأزهرية والشعبية المصرية التي ساندته في الوصول للحكم، وحكم الشعب حكما استبدادياً.
* كان مبهوراً بالحضارة الغربية وأنماط معيشتها ولم يكن يطمع للاستفادة من الغرب الذي كان مثله الأعلى إلا في الجانب العلمي والعسكري الذي يساعده على تحقيق طموحاته الشخصية في دولة حديثة قوية عسكرياً له ولأحفاده من بعده.
* وبدأ تأسيس دولته على أسس غربية حديثة وإنشاء مؤسسات علمانية لتكون نواة الدولة وبديلاً عن المؤسسات الإسلامية الرسمية والأهلية.
* مبتدأ بإنشاء الجيش الذي سخر له سخر الشعب وكل الإمكانات المتاحة، وسخر لخدمته كل المشاريع الزراعية والصناعية والبعثات التعليمية.
* استعلاء وانفصل عن الشعب ورجال الدعوة والإصلاح الإسلامي واعتمد على المؤسسة العسكرية في حماية نفسه وحكمه.
* لم يلتفت إلى إجراء أي إصلاحات في الجانب السياسي والمشاركة الشعبية في الحكم، أو إحداث ثورة ثقافية على أسس إسلامية صحيحة أو قومية أو حتى وطنية.
* شجع وقرب إليه المثقفين المتغربين الرافض لكل الموروثات الفكرية والمكونات الثقافية والتاريخية للأمة والداعين للقضاء على النظام السياسي الإسلامي "الخلافة" وإقامة دولة قومية.
* لقد كان النموذج الرائد للحاكم المستبد، وبمرتبة الأستاذ والمعلم للحكام المعاصرين في كيفية الحفاظ على عروشهم.