التعصب عدو العلم والثقافةمصطفى إنشاصيقبل سنوات حدث نقاش في أحد المنتديات حول موضوع نشر عن أشعار (سعيد عقل) وقد تم توجيه نقد شديد ضد الموضوع من الرافضين لنشر هكذا موضوع في منتدى له رزانته ومكانته الثقافية، فكانت لي هذه المشاركة: إن أولئك الذين يطالبون بفصل عنصريته عن شعره منافقون كذابون لا يعرفوا قيمة الشعر ولا ما للشعر من أبعاد إنسانية أو عنصرية لها دور في تشكيل الهوية وتحديد الموقف وتوجيه المشاعر بالحب أو الكراهية وما يترتب على ذلك من جرائم قتل وإبادة وتشريد ونكبات، التعصب العنصري سواء كان عرقياً أو طائفياً أو أيديولوجياً أو حزبياً أو أياً كان يشكل حاجب يحجب على العقل أن يفهم ويعِ الأمور على حقيقتها، يقتل الجانب الإنساني في البشر ويحيل حياة التعايش السلمي بينهم إلى حروب ودماء وجرائم ضد الإنسانية!واستحضرت تجربة حدثت معي سنوات دراستي أحد الدبلومات للحصول على درجة الماجستير وموقفي من مادتان في المقرر سأكتب لكم عنها مقالة مستقلة، أنشرهما هنا للفائدة الثقافية والفكرية والتاريخية، ونوعاً من التنوع من فترة لأخرى في سياق الحديث عن تاريخنا، ولأنهما لهما علاقة وثيقة بأهمية فهم التاريخ والواقع وخطر التعصب من أي نوع كان على عقل الإنسان المسلم، وليس من قلة أن قال رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: دعوها فإنها منتنة!موقفي من مادتي الثقافة والأدب الإفريقيمصطفى إنشاصيكما وعدت في تعليقي على موضوع شعر سعيد عقل أني سأكتب عن دور التعصب في إلغاء العقل والوعي وتقييد التفكير وحصره في فهم عنصري حزبياً أو عرقياً ... في عام 1997 عندما كنت أدرس ماجستير في السودان كان ضمن المقرر مادتين عنصريتين لم يكن لهما ضرورة، تُحرف التاريخ وتلوي عنق الحقيقة حتى وإن كان في ذلك خدمة للغرب بسبب العنصرية المقيتة، وهما:المادة الأولى: الثقافة الإفريقيةالتحقت بالدراسة متأخر حوالي شهر ونصف أو شهرين، وكانت أول محاضرة أحضرها مادة الثقافة الإفريقية، وكما علمت بعدها أن البروفيسور الذي كان يدرسها هو الذي وضع المنهج الثقافي لجماعة الشيح حسن الترابي رحمه الله، وكان يحتل مرتبة متقدمة في الحزب من الصف الأول، وكانت هي المحاضرة الأولى والأخيرة التي حضرتها له!كان موضوع المحاضرة إثبات أن إفريقيا والعنصر الزنجي لم يكونوا خارج التاريخ وأن قارة إفريقيا لم تكن غائبة أو منسية، أو ليس لها دور في تاريخ العالم، إنما لها حضور فاعل، بدليل:أنها شاركت في الصراع القاري الذي كان قائماً منذ فجر التاريخ، بمعنى أنه كان هناك صراع على مستوى القارات القديمة، آسيا وإفريقية وأوروبا، وأن قارة إفريقية عندما اندلعت الحرب بين الفرس والإغريق شاركت في الحرب إلى جانب الإغريق في الوقت الذي شارك فيه الكنعانيين وغيرهم من الشعوب في بلاد الشام والهلال الخصيب إلى جانب الفرس، تعصباً لقارة آسيا، مستنداً إلى رواية المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي يلقب بأبي التاريخ!وقد كان متعصباً بأسلوب يتعارض مع انتماءه الإسلامي وعضويته في حزب إسلامي لرأي الكتاب الغربيين وموقفهم المعادي للكنعانيين (الفينيقيين) الذي يرجع إلى لأسباب تاريخية عنصرية ووصفهم بما وصفوهم به، واتهمهم أنهم كانوا سيئي الأخلاق وقساة القلوب ومجرمين وغير ذلك! وقد حاولت أن أوضح له أن تلك قراءة غربية عنصريه، دون جدوى، فقلت بانفعال:لا تظن أنك أنت فقط المطلع أو الذي يملك المعلومة والحقيقة ونحن أيضاً، ولدي أبحاث موثقة تقول خلاف ما ذكرته، الغرب حاقد على الكنعانيين (الفينيقيون) لأنهم أصل الحضارة، وهم مكتشفي كل جزر البحر المتوسط وجنوبي أوروبا، وسكنوا جنوب أوروبا ووسطها، وهم أو من سكن وعمر جزر البحر المتوسط وجعلوها محطات واستراحات لأساطيلهم التجارية فقد كانوا سادة البحار، وهم مكتشفي بريطانيا، وبريطانيا كلمة كنعانية تعني (أرض القصدير) وقد سموها بهذا الاسم لغناها بالقصدير الذي احتكر الكنعانيين تجارته. وجنسها السكسوني الراقي الآن تجري فيه دماء كنعانية! وأضفت: وقد لا تعلم أن الكنعانيين هم الذين علموا العالم الكتابة وأعطتهم اللغة الكنعاني الحروف الأبجدية، ثلاثة أرباع لغات العالم خاصة آسيا وأوروبا أبجديتها مشتقة من الأبجدية الكنعانية، فقد كانوا تجرا وناقلي للحضارة، وكما اكتشفوا بريطانيا اكتشفوا رأس الرجاء الصالح وداروا حول إفريقية إلى الساحل الشرقي وعادوا إلى فلسطين عبر البحر الأحمر. وقد لا تعرف أنهم مكتشفي الأرض (الأمريكتين) ومعمريها و... قبل أن يجرؤ الغرب أن تطأ قدماه بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) بآلاف السنين ... وقد انتهى الخلاف أن تركت المحاضرة وقلت له: لن أحضر لك بعد اليوم وتحب ترسبني رسبني أو أنت حر ... لكن الدكتور مدرس المادة الثانية على العكس منه تماماً ...