الغرب والإسلاممقاربة بين إمارة بيت المقدس وكيان العدو الصهيوني (18)مصطفى إنشاصيوعن أهمية موقع فلسطين الإستراتيجي الذي دفع تقرير كامبل بنرمان المنبثق عن مؤتمر لندن لتوصيته السريعة بزرع قومية غريبة في فلسطين لتحقيق شطر وطننا الإسلامي وعدم السماح بوحدته مرة أخرى؛ يقول السياسي المشهور مارتن كنواي: "إن الخطر الحقيقي على قناة السويس لا يجئ من الغرب بل من الشرق، فمن ناحية فلسطين يجئ الخطر دائما.. ومن وراء فلسطين سوريا ومن وراء سوريا الأتراك ومن وراء الأتراك أي دولة تكون معادية لبريطانيا... ولذلك قبض بريطانيا على فلسطين مصلحة إمبراطورية من الطراز الأول".وهل تلك الشعوب التي ذكرها غير الشعوب الإسلامية، وهذا يعني أن الإسلام والمسلمين هم الهدف كما تبين من توصيات التقرير السابقة الذكر. وهذا يتفق أيضاً مع توصيات لورانس العرب الذي كان يبعث بها عبر تقاريره إلى مسئوليه في بريطانيا حيث قال في إحداها: "إن شئنا ضمان السلام في جنوب سوريا والسيطرة على جنوبي بلاد ما بين النهرين وجميع المدن المقدسة فيجب أن نحكم دمشق مباشرة وعن طريق حكومة صديقة غير إسلامية".ومما يؤكد تلك الحقيقة والأهمية الإستراتيجية لفلسطين أيضاً: أنها كانت مركز التموين الرئيس لبريطانيا في معارك شمال أفريقيا وأوروبا هو الذي مكن بريطانيا من الاستفادة منه إلى هذا الحد وفلسطين بالنسبة للوطن العربي والإسلامي هي بمثابة القلب من الجسد، فالذي يسيطر عليها يتمكن من السيطرة على البحر الأحمر وجزيرة سيناء وهذا يثبت صحة النظرية العسكرية التي تقول: "إن حماية مصر تكمن في فلسطين". ويمكنه أيضاً تهديد لبنان وسوريا والأردن والسعودية وما بعدها إلى غير ذلك من المزايا التي لا يمكن لها أن تتوفر في غيرها من البلدان الأخرى.وإن كانت فلسطين كلها في حدودها التي رسمتها المخططات اليهودية - الغربية مهمة لمشروع الهجمة التوراتية - الصليبية على وطننا بأبعادها الدينية، والحضارية، والجغرافية، والسياسية، والإستراتيجية، فإن صحراء النقب ذلك الجزء الجنوبي من فلسطين هي أخطر ما في المشروع بعد القدس، وذلك لأن صحراء النقب هي القطعة الأرضية التي تمثل الجسر الأرضي وهمزة الوصل الأرضي بين شطري الوطن، الذي تحاك المؤامرة لشطره وضرب عقيدة شعوبه ومنع عطائهم الحضاري، وكف تهديدهم المستقبلي للغرب اليهودي الصليبي وحضارته، من خلال اقتلاع هذا الجزء وفصله كلياً عن بقية الوطن حتى تتحقق إمكانية العزل الكامل بين شطري الوطن وتصبح عملية الاتصال بينهما صعبة، وهكذا يضمن الغرب عدم قيام أي وحدة حقيقية أو قوة في المنطقة يمكنها أن تهدد مصالحه في وطننا.صحراء النقب بين التقرير والتنفيذلذلك عندما قررت الأمم المتحدة عام 1947م تقسيم فلسطين بين المسلمين واليهود "وأثناء مناقشة حدود الدولتين المقترحين اقترح الوفد الأمريكي منح القسم الأكبر من صحراء النقب للعرب، للتعويض عن بعض التعديلات التي أدخلت حول مسألة تقسيم يافا والقطاع الغربي من الجليل الأعلى وغيرها. هذا الموقع تصدت له الحركة الصهيونية بسرعة وحزم، فأوعزت إلى كافة مكاتبها ومؤيديها بإرسال برقيات إلى كل من ترومان ووكيل وزارة الخارجية الأمريكية روبرت لوفيت، تستنكر فيها موقف الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة ولهذا الغرض بالذات قيام الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان بزيارة خاصة للبيت الأبيض في 19 نوفمبر".وقد اعترف وايزمان أنه كان قادماً لإقناع ترومان بأن يكون التقسيم في النقب على أساس خط عمودي بين العرب واليهود فوجد ترومان أكثر منه حرصا على تسليم النقب كلها اليهود.ومما يؤكد أهمية هذه القطعة من فلسطين لتحقيق الأهداف اليهودية - الصليبية ضد الإسلام، ما قام به اليهود من اغتيال الكونت برنادوت موفد الأمم المتحدة لحل المشكلة الفلسطينية عام 1948م، ولم تكن جريمته إلا أنه وضع مشروعه لحل المشكلة ونص فيه على اقتطاع النقب والقدس من قرار التقسيم وإعادتها للعرب، وهذا لم تكافحه إسرائيل فقط لأنه يتعارض وأطماعها في المنطقة بل كافحته كل الدول الغربية الصليبية الأعضاء في الأمم المتحدة بكل ما أوتيت من قوة، بما فيها روسيا البلشفية التي كان "صوتها هو صوت الغالبية التي رجح قرار التقسيم عام 1947 لدى التصويت في اللحظة الأخيرة". وكأنها كانت تعطي الضوء الأخضر لليهود للقيام بعملية الاغتيال لصاحب هذا المشروع "برنادوت" الذي وجه ضربته القاتلة إلى صميم المخطط العالمي لتدمير الإسلام والوطن الإسلامي.لم يكن برنادوت أول ضحية لهذا الميدان، فقد اغتال اليهود أحد ضباط الإنجليز في قريته شمال اسكتلندا ببريطانيا، لأنه لم يكن ضالعاً معهم أثناء خدمته في فلسطين، كما اغتالوا أثناء الحرب العالمية الثانية الوزير البريطاني اللورد موين داخل بيته في القاهرة، وذلك لعدم ضلوعه معهم وتشجيعه لفكرة الدولة اليهودية في فلسطين. وكذلك ما قامت به العصابات اليهودية ضد القوات البريطانية من هجمات في فلسطين وأسمتها حرب التحرير.