الغرب والإسلامموقف الجماهير المسلمة .. أمتنا لا تموت (8)مصطفى إنشاصيوإن سألت: ألا يوجد ما يبشر بالأمل وسط تلك الظلمة؟ نقول: نعم وجد، إنها صفحة الجماهير المسلمة التي تدرك الخطر بفطرتها وحدسها وتبقى تتحين الفرصة في ظل واقع القهر والظلم لتعبر فيها عن حقيقة مشاعرها والغضب الكامن داخلها. إنها الجماهير المسلمة التي مهما حاول حكامها وأعداؤها إلغاء دورها أو تهميشه إلا أنها تقلب الموازين والمعايير دائماً في اللحظة الأخيرة التي يظن أولئك فيها أنها استكانت واستسلمت لواقعها. تجلى ذلك الموقف العظيم لهذه الجماهير الواعية بمدى خطورة الهجمة الصليبية في أكثر من موقف منها:* رفضت القوات الشامية المسلمة قتال إخوانهم المصريين المسلمين عندما كان أمراؤهم يتحالفون مع الصليبيين ويتوجهون لقتال المسلمين في مصر واحتلالها، حيث خرجت معهم مكرهة ولكن أول ما كانوا يروا إخوانهم كانوا ينطلقون للانضمام إليهم وقتال الصليبيين والأمراء الخونة معهم. وهكذا تنقلب كثرة الصليبين إلى قلة وانتصارهم إلى هزيمة بفضل رفض الجماهير خيانة دينها، وقد حدث ذلك أكثر من مرة سواء كان ذلك ضد مصر أو بين الأمراء في بلاد الشام عندما كان يستعين بعضهم على بعض بالصليبيين. وأشهرها قتل جيش الشام لحاكمهم الخائن الصالح إسماعيل عند غزة وانضمامهم إلى إخوانهم المصريين وإنزال الهزيمة بالصليبيين.* كما ظهر غضب الجماهير ورفضها لسياسة أمراءهم وسلاطينهم الجامدة وعدم تحركهم لقتال الصليبيين والقيام بأعباء الجهاد ضد أعداء الدين والأمة أكثر من مرة وكان غضبها سبباً في تحرك أولئك السلاطين للمشاركة في الجهاد. وكان أبرزها موقف الجماهير المسلمة في بغداد والعراق التي قادها علماء الأمة من فوق المنابر في خطب الجمع لتثور وتعبر عن غضبها من تقاعسهم عن الجهاد. مما اضطر الخليفة العباسي أن يطلب من السلاجقة في فارس تسيير الجيوش للجهاد ومشاركة إخوانهم المجاهدين وذلك خوفاً على منصبه وسلطانه من السقوط أمام غضب واستياء الجماهير ضده وضد أمرائه لموقفهم الجبان. وقد حدث هذا أكثر من مرة وفي أكثر من مكان.* موقف الجماهير المسلمة سواء في مصر أو بلاد الشام أو غيرها التي كثيراً ما كانت تخرج لتفتح أبواب مدنها أمام جيوش إخوانهم المسلمين القادمين لقتال أمرائهم الخونة أو المحاصرين لهم، وحدث هذا مع أهل دمشق الذين رفضوا أن يحكمهم حاكم خائن يتحالف مع الصليبيين ويتآمر على الإسلام والمسلمين، فلم يرضوا عن معين الدين أنر الذي رفض دعوة نور الدين محمود للوحدة الإسلامية، فاتصلوا سرداً بنور الدين وأقروه على تسليم دمشق تحقيقاً للوحدة وتمهيداً لحركة الجهاد الكبرى ضد الصليبيين.* موقف بعض الأمراء والمجاهدين معاً وخاصة في المدن الساحلية عندما كانوا يعجزون عن الدفاع عن تلك القلاع والحصون والمدن ويرفضون في الوقت نفسه تسليمها للصليبيين أو دفع الجزية لهم، فكانوا يرسلوا إلى إخوانهم في دمشق وغيرها يطلبون منهم الحضور لتسليمها لهم بدلاً من أن يأخذها الصليبيين وكانت تبقى حصوناً مدافعة عن الإسلام وديار المسلمين.* وأخيراً موقف المرتزقة المسلمين وخاصة التركمانيين الذين كانوا ينضمون إلى جيوش الصليبيين ليقاتلوا إخوانهم المسلمين طمعاً في بعض المكاسب، إلا أنهم كثيراً ما كانوا في الساعات الحرجة والمعارك الفاصلة ما تتحرك فيهم مشاعر الانتماء والنخوة الإسلامية فينضموا إلى إخوانهم في الدين ويغيرون مجرى المعارك والأحداث.ذلك كان حقيقة واقع الأمة إبان وأثناء الحروب الصليبية بصفحاته المظلمة والمشرقة إلى جانب صفحة الجهاد وقادته التي تثبت أن الرهان الرابح في أي مرحلة هو رهان الجماهير، لأن منطق التاريخ يرى أن الشعوب هم أصحاب الكلمة العليا لأن كلمتهم مستمدة من وعيهم الفطري بالخطر الذي يهدد وجودهم وتراثهم وعقيدتهم ترفض الهزيمة والارتماء في أحضان الأعداء كما كانت تفعل زمن الحروب الصليبية.هذه صفحة مشرقة إلى جانب صفحة الجهاد وقادته التي لا تخلو أمتنا إلى أبد الدهر مهما بدى ظاهر الصورة قاتما. فالرهان الرابح هو الجماهير دائما وأبدا، لأن منطق التاريخ يرى أن الشعوب هم أصحاب الكلمة العليا، لأن كلمتهم مستمدة من تراثهم وعقيدتهم التي ترفض الهزيمة والارتماء في أحضان الأعداد.