كلماتٌ قرأتها اليومَ فأعجبتْني؛ إذ وجدتها تُوضِّح قولَه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)، وتجعله في واقع التطبيق العملي، فأحببتُ مشاركتَكم إياها:
عنوانها: (لا تبرحوا أماكنكم)
خرجتْ قُريشٌ من غزوة (بدر) مُثخنة، ومرَّغ الإسلامُ كبرياءَها في التراب، وقُتِل أبرزُ رؤوسِ الكفر فيها …
لهذا لم تكن غزوةُ (أُحُدٍ) مجرَّدَ جولةٍ ثانيةٍ من صراع الحق والباطل، كانتْ بالنسبة إلى قُريشٍ تعني الثأرَ !
أما المُسلمون فقد كانوا على موعدٍ مع واحدٍ من أبلغ الدروس في تاريخ الإسلام !
لاحظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ميمنةَ جيشِ قريشٍ بقيادة خالد بن الوليد، فخَشِي أن يلتفَّ بفرسانه من وراء الجبل، ويُصبحَ المسلمون بينَ فكَّي كماشة، فوضع سبعين من الرُّماة على الجبل، وأصدر إليهم أمرًا عسكريًّا واضحًا: (لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نُنصر فلا تُشاركونا).
وبدأت المعركة، وأبلى المسلمون بلاءً حسناً، وذاقتْ قُريشُ بعضَ الذي ذاقتْه في (بدر)، فرَّ جنودُها، وتبعهم المسلمون، ثم ظنَّ الرُّماةُ على الجبل أنَّ الأمرَ انتهى، فنزلوا يُريدون الحظَّ من النصر والغنائم!
عندها حدث ما كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخشاه، التفَّ خالدٌ بفرسانه وصار المسلمون بينَ فكَّي كماشة، وتحوَّل نصرهم إلى هزيمة، وتعلَّموا الدرسَ البليغ: هذه الأُمةُ لن تُحقِّقَ النصرَ ما لم تلتزم بأوامر نبيِّها وقائدها !
فإن كانتْ غزوةُ (أُحُدٍ) قد انتهتْ فإنَّ مهمةَ الرُّماةِ الذين يحفظون ظهورَ المسلمين لم تنتهِ بعدُ، فطوبى للمُدافعين عن هذا الدين كل في مجالاته، طوبى للقابضين على الجمر رافضي الانحناء والتلوُّن، كلما وهنوا قليلًا تعزَّوا بصوتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُنادي فيهم: (لا تبرحوا أماكنكم)، فلا يبرحوا أماكنكم !
- الأمهات اللواتي يُربِّين أولادَهنَّ على الصلاة والصيام والأخلاق: أنتنَّ تحمين ظُهورَنا فلا تبرحنَ أماكنكنَّ
- الآباء الذين يسألون أولادَهم عن جزء (عمَّ) كما يسألونهم عن علاماتهم المدرسية: أنتم تحمونَ ظهورَنا فلا تبرحوا أماكنكم
- المدرِّسون الذين يُؤمنون أنَّ هذا الجيلَ إذا تربَّى جيدًا يُمكن أن يخرجَ منه أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ مرةً أُخرى: أنتم تحمون ظهورَنا فلا تبرحوا أماكنكم
- المُوظفون الذين يُؤدُّون أعمالَهم بمهنيةٍ وضمير، ويُراقبون الله قبلَ مُدرائهم: أنتم تحمون ظهورَنا فلا تبرحوا أماكنكم
- المهندسون الذين يُشيِّدون الجسورَ ويشقون الطُرُقَ دونَ غشٍّ واحتيالٍ وصفقاتٍ مشبوهة: أنتم تحمون ظهورَنا فلا تبرحوا أماكنكم
- فتيات الحجاب والعفة اللواتي يُربِّين أنفسَهنَّ استعدادًا لتربية أولادهنَّ: أنتن تحمين ظهورَنا فلا تبرحْنَ أماكنَكنَّ
- شباب صلاةِ الفجر، ومجالسِ الحديث، ودُورِ القرآن: أنتم ترسانةُ الإسلام الأفتكُ والأقوى، فلا تبرحوا أماكنكم
- كل واحدٍ فينا لو تأمَّل موضعَ قدميه لاكتشف أنه جنديٌّ لأجل هذا الدين، وأنه لو حارب بشراسةٍ وأمانةٍ فإنه سيَسُدُّ ثغرًا هامًّا، ويدفع خطرًا عظيمًا
- كلُّ واحدٍ منا في مكانٍ وضعه الله فيه، وألقى على كتفه مسؤوليةً وأمانة: فلا تبرحوا أماكنكم !
كتبه الأستاذ أدهم شرقاوي جزاه الله خيرًا