كان ذلك قبل الأزمة بسنتين تقريبا
وكنت قد قدمت على إحدى المدارس الخاصة بمنطقة راقية من دمشق مدرسا قبل انتهاء العام الدراسي بأسبوعين
وكانت المديرة قد شكت إلي أن المدرسة التي سبقتني قد كادت تفقد عقلها من أفعال التلامذة وشغبهم
لكنني فعلتها ودخلت عليهم معتدا بنفسي حاسبا أني سأرتق ما فتقته سابقتي
فشاء الله أن أرى من العجائب ما جعلني أوقن أن الرأي قبل شجاعة الشجعان، وأن دخولي على تلامذة كهؤلاء في هذا الوقت الحرج من السنة ضرب من إلقاء النفس في التهلكة
وكان مما جرى لي أني دخلت أحد الفصول، فعراني العطش قبل انتهاء الحصة بدقائق، فطلبت من أحد التلامذة أن يأتيني بكوب ماء.
وبعد يومين تكرر الموقف، فكررت الطلب إلى التلميذ نفسه على مبدأ: من تعرفه خير ممن تتعرف إليه
وبعد يومين تكرر الموقف، فكررت فعلتي
وما كان إلا يومان، حتى وجدت الموجهة الاختصاصية لمادتي في مديرية التربية تأتي المدرسة طالبة لقائي، فألقاها واقفة إلى مديرة المدرسة تتبادلان الحديث وتنظران إلي
ثم راحت الموجهة تحدثني منبهة إياي إلى أنني ينبغي ألا أطلب إلى التلامذة جلب أكواب الماء إلي، فطلبة هذه المدارس لم يعتادوا أن يستخدمهم أحد
وبعد يومين وفيما أنا واقف في باحة المدرسة خلال الفسحة ومعي الصديق العزيز غسان المعلم الذي كان موجها تربويا في المدرسة، فاجأني أن وجدته يطلب إلى أحد التلامذة جلب كوب ماء له
وقبل أن أفتح فاي بالتعليق، التفت إلي ليقول: أنتقي لمثل هذه المهمة طالبا متواضعا طيب القلب كهذا، لا كما فعلت أنت حين لم تنتق من تلامذة الفصل كلهم إلا ابن المديرة، وكررت فعلتك كذلك مرتين من بعد