-
باحث في علم الاجتماع
استثمروا إيجابيات مونديال قطر؟! (4)
بعد إعلان نتيجة امتحان دبلوم الماجستير التقيت دكتور ربطت بننا علاقة طيبة من كثرة اختلافاتي معه وحواراتنا تجاوزت علاقة دكتور بطالب، وسألني: اخترت موضوع لرسالة الماجستير؟ أجبت: لم أختر بعد.
قال: ما رأيك أعرض عليك بعض العناوين بشرط أن أكون أنا المشرف على رسالتك!
ولأني أصبحت على معرفة بأسلوبه وتوجهاته ولا أريد أن أختلف معه عند الكتابة كان لا بد لي من طرح سؤال مباشر وواضح عليه قبل الموافقة أو الرفض:
من الذي سيكتب؛ أنا أم أنت؟! أجاب: أنت طبعاً!
قلت؛ بمعنى أدق: ما هي حدود تدخلك فيما سأكتب؟ هل ستنحصر في الجانب الأكاديمي أم ستتجاوزه إلى إبداء آرائك فيما أكتب؟ رده: في الجانب الأكاديمي فقط، وأنت حر في ما تكتبه!
قلت: إذن أنا موافق!
وقد عرض عدة عناوين موضوع واحد منا له علاقة بصميم القضية المركزية للأمة والوطن، لكنه طُرح فترة وجودي في السجن ولا أعرف عنه إلا شذرات، وكان هو متشجع له أكثر من بقية العناوين الأخرى، وقال: أنت أقدر واحد يمكنه الكتابة في هذا الموضوع، وتقديم رؤية مستقبلية له!
قلت: نعم؛ الموضوع مهم وخطير ويهمني أن أكتب فيه خاصة وأنه جديد ولم يسبق الكتابة عنه إلا مقالات إخبارية أو تحليلية فقط، وأنا أميل إلى أن أكون من المبادرين في الكتابة عن هكذا موضوعات! المهم وافقت، وكان عنوان الرسالة: "أثر السوق الشرق أوسطية السياسي والاقتصادي على دول المنطقة"!
وعندما أعددت الباب الأول المكون من أربعة فصول، وقدمته له وحدثته عن مضمون كل فصل، توقف واعترض على العمق التاريخي الذي يبرز جذور الصراع!
فقلت: المنهج الغربي في البحث والدراسة وخاصة عندنا لا يركز على الجذور في دراسة أي قضية لها علاقة بالصراع مع الغرب والعدو الصهيوني، لكنه سطحي يتناول الجذور القريبة الظاهرة المعروفة للجميع، وذلك يُفقد أي دراسة عمقها التاريخي المطلوب، فتأتِ الدراسة ونتائجها سطحية، وتقدم رؤية غير عميقة وغير دقيقة للصراع، وذلك ما أوصلنا إلى الحال التي نحن عليها اليوم. فطلب استبعاد بعض الفصول أو دمجها، رفضت! واستمر الأخذ والرد نحو أربعة شهور!
قلت له: سأقدم طلب لعميد الكلية أطلب فيه تغيير الدكتور المشرف على الرسالة. لكنه استبعد أن أفعلها لِما كان بيننا من علاقة وتفاهم! وعندما قدمت الطلب للعميد هو الآخر اندهش وقال: معلوماتي أن علاقتكم متينة وبينكم تفاهم كبير، ممكن تعطيني فرصة أتحدث معه؟ قلت: كما ترى.
وعندما حضر إلى الكلية وحدثه قال: أعطيني مهلة وأرد عليك.
وكنت كثيراً ما أعود معه في السيارة وأنا مروح فسكني في طريقه لوزارة الخارجية، كان مسئول شؤون الأمريكيتين في الوزارة، وأثناء العودة حاول إقناعي بأن العلاقة مع الغرب وأمريكا ليست علاقة صراع دائماً خاصة هذا العصر! بقيت مصراً على موقفي: أنها منذ فجر التاريخ وهي علاقة صراع ومازالت. إلى أن وصلنا لموازاة الشارع الذي يؤدي إلى سكني، وفتحت باب السيارة وهممت بالنزول، وكانت كلماتي:
"دكتور؛ لقد اتفقنا من البداية أن الرسالة رسالتي، وأنا الذي سأكتب وليس أنت"! قال: نعم.
قلت: وهذا رأي وقناعتي اقرأ أولاً ثم اعترض إن كان هناك اعتراض منهجي أو توثيقي.
قال محاولاً إقناعي برؤيته: يتوجب علينا أن نقدم الإسلام للغرب بأسلوب ألطف ونخاطب عقلية الغرب باللين حتى لا يحدث شُك عنده". قلت له لحظتها بانفعال:
"أنا لم أعيش في الغرب أنا عِشت هنا، ومن صغري وأنا أتـقلب في المآسي والمصائب والنكبات التي صنعها الغرب لنا، لذلك لا أرى في الغرب الرسمي تحديداً إلا أنه عدو للإسلام، أنا لا أكتب للغرب ولا يهمني رأي الغرب موافقته أو رفضه لرأي، أنا أكتب لأبناء وطني وأمتي الذين تجرعوا مرارة العذاب والمعاناة بسبب مؤامرات الغرب التي لا تتوقف ضدهم، أنا أكتب ما أحسه وألمسه كل يوم من مآسي سياسة الغرب ضدنا، أنا أكتب لأبناء المعاناة التي صنعها الغرب وصنعتنا هي بدورها، أنا ابن النكبة والمعاناة ولست ابن الغرب، الغرب يعادي فيّ الإسلام ويعمل على تدميره، لماذا الغرب لا يحاول هو أن يلطف لهجته عند الحديث عن الإسلام ولا يجاهر بأنه هو العدو الرئيس له"؟!
فقال عبارته المشهورة التي كان يرددها لي ولغيري عني: "أنت ما عندك مشكلة في عقلك، مشكلتك في إصرارك على ما تكتب"! وتلى قوله تعالى: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج:40). وعلق قائلاً: إن الصراع هو سنة الله في خلقه وأخذ الأوراق وانطلق".
تلك السطحية أفقدتنا وعينا وأصبحت منهجاً لدى مثقفينا، لذلك لم يدركوا أهمية تفعيل ما حدث في مونديال قطر لصالح الإسلام ومواجهة محاولة الغرب عولمة قيم حضارته المادية المعادية للفطرة الإنسانية، عملاً بسنة التدافع، في الوقت الذي أدرك فيه الغرب خطورة ما حدث على مستقبل سيادة حضارة الرجل اﻷبيض فشن حملته العدائية ضد الإسلام!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى