إن الحسود (أو العدو) في موته كمدًا بسبب صبرك عنه وقلة جزعك لما ينالك من أذاه مثل النار يأكل بعضها بعضًا إذا لم تجد وقودًا لها.
موضوع الحسد واسع الأبواب في التراث الإسلامي، بدءًا من الآية الكريمة: ومن شر حاسد إذا حسد"- آخر سورة الفلق.
أقف هنا على بعض ما تناوله الشعراء في موضوع الحسد، فمن ذلك:
علي المروَزي:
كل العداوات قد تُرجى إقالتها
إلا عداوةَ من عاداك من حسد
أبو الأسود الدؤلي:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالقوم أعداءٌ له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
حسدًا وبغيًا إنه لدميم
والوجه يشرق في الظلام كأنه
بدر منير والنساء نجوم
وترى اللبيب محسَّدا لم يجترم
شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذاك من عظمت عليه نعمة
حسّاده سيفٌ عليه صَروم
وهذه الأبيات من قصيدته المشهورة التي يقول فيها:
لا تنهَ عن خلق وتأتيَ مثلَه
عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيم
وكان معن بن زائدة يرى في الحسد علامة خير:
إني حُسدتُ فزاد الله في حسدي
لا عاش من عاش يومًا غير محسود
أبو تمّام:
وإذا أراد الله نشرَ فضيلة
طُويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يُعرف طيبُ عَرفِ العودِ
ومثله التَِهامي:
ما اغتابني حاسدٌ إلا شرُفت به
فحاسدي منعِم في زِيِّ منقم
فالله يكلأ حسادي فأنعمُهم
عندي وإن وقعتْ من غيرِ قصدِهِمِ
وما قاله ابن المعتز نفسه في هذا المعنى:
ما عابني إلا الحسو (م) د وتلك من خير المعايبْ
وإذا فقدت الحاسدي (م) ن فقدت في الدنيا المطايب
إذا عدت إلى بيتيِ ابن المعتز الأولين فإننا نجد أن الطغْرائي قال على نفس الوتر في أبياته الأخيرة:
جامل عدوك ما استطعت فإنه
بالرفق يُطمعُ في صلاح الفاسد
واحذر حسودك ما استطعت فإنه
إن نمت عنه فليس عنك براقد
إن الحسود وإن أراك توددًا
منه أضرّ من العدو الحاقد
ولربما رضي العدو إذا رأى
منك الجميل فصار غير معاند
ورضا الحسود زوال نعمتك التي
أوتيتَها من طارف أو تالد
فاصبر على غيظ الحسود فناره
ترمي حشاه بالعذاب الخالد
أوَ ما رأيتَ النار تأكل نفسها
حتى تعود إلى الرماد الهامد
تضفو على المحسودِ نعمةُ ربه
ويذوبُ من كمدٍ فؤادُ الحاسدِ
أعود بكم إلى ابن المعتز- الخليفة ليوم واحد، والشيء بالشيء يُذكر:
كنت كتبت قصيدة نشرتها في الشرق (عدد تشرين الثاني 1971) بعنوان "ليلة ابن المعتز" أتيت فيها على محنته، وقد يكون ذلك قناعًا لي وللوضع السياسي بصورة أو بأخرى، فإليكم مختارًا من القصيدة التي أعجب بها الشاعر المرحوم عبد اللطيف عقل، فكتب عنها نقدًا تقريظيًا في مجلة "الشرق"- شفاعمرو – عدد شباط 1972.
من قصيدة طويلة أعيد نشرها أولاً في مجموعتي (غداة العناق)، ثم في الأعمال الشعرية الكاملة (المجلد الأول)، ص 118.
يَتَردَّدُ الاِعْصارُ في تَهْليلَةِ الأَوْطانِ
يَسْتَنْشِقُ الأحْزانَ مِنْ بَوَّابَةِ الإيِمانِ
اَلْجوعُ يَعْرِفُ كَيْفَ يُطْعِمُنا الْحَصَى
حَتَّى نَخافْ
عِنْدَ الْمَخاضِ بِرَعْشَةِ الأطْرافِ
مِن ( هاشِمٍ ) بَعْضَ الثَّريدْ
حَتَّى إلى ( عشتارَ ) ضِيمَ بِيوْمِ عِيدْ
يَتَسَلَّقُ الصَّمْتَ الْمُجَنَّحَ لاهِثًا
أَو لاهِبًا
في لَيْلَةٍ سُبيَتْ وَآلَتْ لا تَعودْ
حَمَلَتْ بِها قَمَرًا مُتَيَّمْ
يَتَقَوَّلُ الأشْعارَ إذ رامَ السِّيادَهْ
قالوا لهُ: أَنْتَ الأَميرْ
لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ أَميرْ
ـ (اُنْظُرْ إلَيْهِ كَزَوْرَقٍ مِنْ فِضَّةٍ
قَدْ أثْقَلَتْهُ حَمولَةٌ مِنْ عَنْبَرِ)
وأَتَتْهُ أَشْعارٌ تُبايعُ للخِلافَهْ
وَأَتَتْهُ أَحْلامُ الْمَخافَهْ
ـ صَدَقَتْ ظُنونُكَ هاجِسٌ لا يَفْتري
ـ سَرْعانَ ما أَصْبَحْتَ شَيْطانًا مَريدْ
لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ حَقيرْ
وَأَتَوْكَ في بَاْسٍ شَديدْ!!
ـ هذا أنا في الكيس مَشْدودٌ ضَريرْ
ـ لكِنَّ شِعْرًا مِنْكَ يُدْفئُ خافِقي
تَبْني لدُنيايَ الَّتِي كانَتْ غَبِيَّهْ
دُنيا أَبِيَّهْ
ـ أَرْجو لآِخِرَتِي الَّتي تَبْدو غَبِيَّهْ
دُنيا تُحَرِّرُها بِقُدْرَةِ خالِقِ
تَبًّا وَوَيْلْ
الْمُغَنِّي: ـ
ضاعَتْ خِلافَتُكُمْ سُدى
والشِّعْرُ أَدْرَكَهُ الوَهَنْ
هَلْ حَقَّقوا فيهِ الْمُنَى؟
سِيروا عَلى هَدْيِ السَّنَنْ
يَرْثي نَفْسَه:
أَقْسَمْتُ أَرْثي بَعْدَ نَفْسِي هالِكًا
عُودُ الشَّجا في الحَلْقِ لا يَتَزَعْزَعُ
رَأسي تَدَلَّى، مَزَّقَ الْوَغْدُ الكَبِدْ
قُومي اغْزِلِي أُمَّاهُ أَوْراقي نَسيجًا كالْجَناحْ
عودُ الشَّجا في الحَلْقِ غَصْبًا يُنْزَعُ
حُبِّي تَجَلَّى للبَلَدْ
حُبِّي تَجَلَّى عِنْدَما لاكَ الكَبِدْ
فَأَنا كَعُصْفورٍ غَرِدْ
أَشْدو وَأشْجي كُلَّ مَنْ يَتَمَتَّعُ
لَعِقَتْ عَيوني قاعَ ظَلْماءٍ جَديَبهْ
وَبَدَتْ سُوَيْعاتِي رَتيبَهْ
وَأنا كَعُصْفورٍ غَرِدْ
...
المُغَنِّي:ـ
جِئْنا عَلى حُلْمٍ كَبيرْ
واحْتَدَّ صَوْتٌ مِنْ جَهيرْ
جَبَلٌ رَآهُ النَّجْمُ أَطْوَلْ
يَبْقى لَنا مَهْدًا وَثيرْ
نَهْدًا دَريرْ
حُبًّا كبيرْ.