في الأصل، ومنذ زمنٍ بعيد، أيامَ كانت الفطرةُ لم تسمع بعقوق الأبناء .. كان العِرفانُ بالجميل موجوداً .. على قيد الحياة .. له كيان .. يعيش راضياً مَرْضِيَّاً إذا يُطيع أمه الفطرة ويسمع كلامها ويطيع نصائحها .. ثم إنه خرجَ عن طَوعِها، واتّخذ لنفسه صاحباً مُفسِداً .. صاحبَ سُوء .. صاحباً ساحباً نحو الأسفل .. هو البخل ... ترافقا وتلازما، حتى فقد العرفانُ هويته، وذاب في شخصية البخل .. السببُ بسيط، ولا يحتاج إلى محلل نفسي كي يوضحه .. فمجرد وجود العرفان على قيد الحياة، يقتضي مقابلة الإحسان بالإحسان .. يقتضي العطاء .. بشتى أنواعه .. والعطاءُ يستنفد البخل .. يقتله قتلاً بطيئاً .. يحوّله مع الزمن إلى كرم ... فَهِمَ البخلُ اللعبةَ .. فقرر أن يرد على النار بالمثل .. قام بتسميم العرفان ببطء .. لا بالسيانيد .. بل بخمر الكلام المستمر عن الخوف من الفقر .. وبحشيش الإيحاء الدائم بأن القادم أسوأ، وأنه لا بد من الانكماش ...
ظلَّ العرفانُ يتعاطى .. إلى أن فسدَ عقله، ثم كبده .. فمات ... و زنى البخلُ بالمكان الذي تركه العرفانُ وراءه خالياً .. فأنجبَ النُّكران.
#Shamel_Safar