يُحكى انه كان هناك ملك يدعى النعمان، و قد جعل له يومان، يوم يسميه يوم البؤس، يخرج فيه ويقتل كل من صادفه في طريقه، ويوم آخر يطلق عليه يوم النعيم، يغدق فيه بالأموال والثراء والإحسان على كل من يقابله،
وكان هناك رجل يدعى الطائي قد بلغ منه الفقر مبلغه فخرج ذات يوم من بلده مسافراً ليعمل في بلاد النعمان حتى يجد قوت نفسه وأولاده، وبينما هو كذلك وقد أخذ قوته وفي طريق عودته إلى صغاره صادف في طريقه النعمان وكان يوم البؤس، فعندما رآه الطائي علم أنه مقتول لا محالة
فقال الطائي : حيا الله الملك، إن لي أولاداً صغاراً وأهلاً جياعاً وقد خرجت لأجد قوت نفسي وأولادي ولكن قادني سوء حظي لأخرج في يوم البؤس، وقد اقتربت من مقر الصبية والأهل وهم على شفا تلف من الجوع ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره،
فإن أذن لي الملك أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي حتى لا يهلكوا ويضيعوا، ثم أعود من جديد إلى الملك النعمان وأسلم نفسي إليه ليقتلني .
عندما سمع الملك النعمان حديث الطائي رق لحاله ولحال أطفاله، ولكنه قال : والله لا أسمح لك بالذهاب حتى يضمنك رجل، فإن لم تعد قتلته، نظر الطائي حوله فلم يجد سوى شريك بن عدي،
فنظر الطائي إلى شريك وقال له : يا شريك بن عدي ما الموت انهزام ولكن الأطفال ضعاف وجياع يا أخا كل كريم أنت من قوم كرام يا أخا النعمان كن لي الضمان ولك الله أن أرجع قبل الظلام .. فرق شريك بن عدي لحال الطائي وأطفاله وضمنه عند الملك .
فذهب الطائي مسرعاً إلى بلاده وصار النعمان يقول لشريك : لقد ولى صدر النهار ولم يعد الطائي حتى الآن، وشريك يقول : ليس للملك علي سبيل حتى يأتي المساء
،فعندما اقترب المساء قال النعمان لشريك في شماته لقد جاء وقتك، قم فتأهب للقتل، نظر شريك في يأس فوجد رجل يأتي من بعيد، فتمنى في نفسه أن يكون الطائي .
وبالفعل اقترب الرجل وكان الطائي فقام شريك على الفور إليه يعانقه وقد اطمئن قلبه والطائي يقول : اعذرني يا اخي والله خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي،
وها أنا ذا أقف أمامك يا مولاي لتقتلني .. تعجب النعمان كثيراً من موقف الرجلان وقال لهما : والله ما رأيت أعجب منكما، أما انت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاماً وأما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلم تتركوا لي إلا أن أقول أني قد رفعت يوم البؤس عن الناس ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك .
استطرد النعمان قائلاً : ولكن لدي سؤال آخر، ما الذي حملك على الوفاء على الرغم من أن فيه ضياع نفسك وقتلك ؟
فقال الطائي : ديني، فمن لا وفاء فيه لا دين له .. فأحسن إليه النعمان وأناله ما تمناه، هذه الأخلاق الراقية في الوفاء نحن بحاجة إليها الآن، فأين نحن الآن من هؤلاء ؟!