فلسفة الأخلاق والسياسة
(المدينة الفاضلة عند كونفشيوس) (12)

تلخيص كتاب

القدوة الحسنة

إن نظام الحكم ــ مثل الضمير ــ يصبح عقلياً ومستساغاً بمجموعة من المبادئ منها القدوة الحسنة، وهي المبدأ الأول الأساسي الذي تنتظم الأمور داخل الإمبراطورية كلها بناءً على تحققه وفاعليته.

فرجل الدولة الفاضل، يجعل ما دونه من المأمورين يتجنبون الرشوة والرذيلة والتقاعس بالعمل، ويجعلهم يتسابقون في الإبداع والسلوك الحسن، من أجل إرضاء سيدهم أو مسئولهم الذي سيرفع درجة المبدع والمستقيم منهم لترقيته لمنصب أعلى، فقد عرف هؤلاء الموظفون طبيعة مسئولهم والطرق التي يفكر بها...

والحاكم أو رأس الدولة، يُعتبر أفضل مدرسة وجامعة وأسرع من كل المؤسسات التعليمية في جعل الناس يسلكون السلوك الحسن إذا كان سلوك الحاكم حسناً، أو العكس، فإن كان سلوكه سيء، فإن الفساد سيسيل من قمة جبل الحكم الى أسفل وديان العاملين فيه، فتجد الوزراء والمدراء العامين وحتى الفراشين قد تعلموا فن الفساد كل واحد يتعلم من مسئوله...

كما أن الحاكم هو محط أنظار موظفي دوائر دولته وشعبه، فإنه أيضاً محط أنظار العالم، فالدولة الخارجية التي ستوّرِد بضائع أو خدمات، تعلم منافذ الفساد فترشي من ترشي ليقوم بزيادة الكلف العامة أو غض النظر عن المواصفات الرديئة للبضاعة أو الخدمة...

يرى (هـ . ج . كريل) الدكتور في جامعة شيكاغو، ومؤلف كتاب (الفكر الصيني من كونفوشيوس الى ماو سي تونج) والذي ألفه عام 1963 ونشرته بالعربية الهيئة المصرية للكتاب عام 1971، يرى أن قوة المثال للقدوة الحسنة تمثل السحر في فلسفة كونفوشيوس *1

إن مهمة الحكومة في التاريخ الصيني أن تحكم، فإن الحكم عند كونفوشيوس يعني الإصلاح، والقدوة الحسنة (عنده) أقوى من كل الأسلحة... فالحاكم الصالح صاحب القدوة الحسنة يستطيع أن يتقدم بالبلاد ويقطع الطريق الذي يحتاج عشر سنوات لقطعه أن يقطعه بسنة... في حين أن الحاكم الذي لا يصلح أن يكون قدوة حسنة يؤخر البلاد في كل سنة عشر سنوات للوراء...


لن يستطيع القاضي أن يتلاعب بقضايا الناس إذا كان له حاكم صاحب قدوة حسنة، ولن يتهاون جامعو الضرائب مع من يحاولون تقديم الرشاوى على حساب واردات الدولة، وكذلك رجال الجمارك والشرطة وغيرهم إذا كان حاكمهم صاحب قدوة حسنة....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
*1ــ الفكر الصيني: من كونفوشيوس حتى ماوسيتونغ / هــ. ج . كريل/ ترجمة: عبد الحميد سليم/ الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي